خطبة : ( دوام الخير بعد شهر الخير )
عبدالله البصري
دوام الخير بعد شهر الخير 6/ 10/ 1446
الخطبة الأ,لى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ . لا يَستَوِي أَصحَابُ النَّارِ وَأَصحَابُ الجَنَّةِ أَصحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، في كُلِّ عَامٍ يَمُرُّ بِنَا شَهرُ رَمَضَانَ ، مَحَطَّةٌ إِيمَانِيَّةٌ زَمَانِيَّةٌ ، يَتَزَوَّدُ مِنهَا المُسلِمُونَ وَقُودًا لِمَسِيرِهِم إِلى اللهِ ، وَمُستَرَاحٌ يَستَرِيحُ فِيهِ المُؤمِنُونَ مِن هُمُومِ دُنيَاهُم ، وَيُقبِلُونَ عَلَى أَمرِ أُخرَاهُم ، وَيَستَكثِرُونَ مِمَّا بِهِ تُضَاعَفُ حَسَنَاتُهُم وَتُكَفَّرُ سَيِّئَاتُهُم ، وَتُرفَعُ عِندَ مَولاهُم دَرَجَاتُهُم ، أَمَّا عَامَّةُ النَّاسِ فَإِنَّهُم قَد يَضعُفُونَ بَعدَ رَمَضَانَ وَيَعُودُونِ إِلى شَيءٍ مِمَّا كَانُوا عَلَيهِ مِن فُتُورٍ وَتَقصِيرٍ ، إِن لم يَكُن بَعضُهُم كَالَّتي نَقَضَت غَزلَهَا مِن بَعدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا ، بِعَودِهِ إِلى كَبَائِرَ وَإِصرَارِهِ عَلَى صَغَائِرَ ، وَوُلُوغِهِ في المَعَاصِي وَاقتِرَافِهِ الخَطَايَا ، وَأَمَّا مَن زَكَت نَفسُهُ بِمَا قَدَّمَهُ مِن الصَّالِحَاتِ ، فَإِنَّهُ في الغَالِبِ يَبقَى عَلَى كَثِيرٍ مِمَّا كَانَ عَلَيهِ مِن خَيرٍ ، وَيَصبِرُ وَيُصَابِرُ طُولَ عَامِهِ ، لِعِلمِهِ أَنَّ العُمرَ كُلَّهُ مُنذُ بُلُوغِهِ الرُّشدَ إِلى نَزعِ الرُّوحِ مِنَ الجَسَدِ ، مَيدَانٌ لِلتَّعَبُّدِ وَمِضمَارٌ لِلتَّسَابُقِ في طَاعَةِ اللهِ ، وَأَنَّ الاستِقَامَةَ الوَقتِيَّةَ ثم تَركَ العَمَلِ الصَّالِحِ بَعدَهَا ، إِنَّمَا هُوَ مَسلَكٌ مِن مَسَالِكِ الشَّيطَانِ ، وَدَلِيلٌ عَلَى الذُّلِّ وَالخِذلانَ ، وَأَنَّهُ مَا استَمَرَّ عَلَى المَعصِيَةِ إِلاَّ مَن هَانَ عَلَى اللهِ ، وَإِلاَّ فَإِنَّ مَن عَزَّ عَلَيهِ سُبحَانَهُ ، عَصَمَهُ وَحَبَّبَ إِلَيهِ الإِيمَانَ ، وَكَرَّهَ إِلَيهِ الكُفرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصيَانَ ، وَجَعَلَهُ رَاشِدًا مَهدِيًّا في كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ ، قَالَ تَعَالى : " وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُكرِمٍ " أَجَل أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ رَبَّ رَمَضَانَ هُوَ رَبُّ سَائِرِ الشُّهُورِ ، وَالغَايَةُ الَّتي مِن أَجلِهَا خُلِقَ الخَلقُ هِيَ تَحقِيقُ العُبُودِيَّةِ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ ، بِإِخلاصِ العَمَلِ لَهُ دُونَ غَيرِهِ ، وَاتِّبَاعِ نَبِيِّهِ فِيمَا جَاءَ بِهِ ، وَبِهَذَينِ الشَّرطَينِ يَكُونُ العَمَلُ صَالِحًا مَقبُولاً ، مَرفُوعًا إِلى اللهِ طَيِّبًا ، قَالَ جَلَّ وَعَلا : " مَن كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلَّهِ العِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيهِ يَصعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُم عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ " وَإِذَا كَانَ المُسلِمُ لا يَتَصَوَّرُ أَن يَمُرَّ بِهِ رَمَضَانُ وَيَترُكَ فِيهِ الصِّيَامَ لأَنَّهُ رُكنٌ مِن أَركَانِ الإِسلامِ وَهُوَ أَظهَرُ عِبَادَةٍ فِيهِ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَن يَكُونَ كَذَلِكَ في بَقِيَّةِ الأَركَانِ وَالوَاجِبَاتِ الأُخرَى مِن حِجٍّ وَصَلاةٍ وَزَكَاةٍ ، وَبِرٍّ بِوَالِدَينِ وَصِلَةِ أَرحَامٍ ، وَإِكرَامِ ضَيفٍ وَجَارٍ ، وَأَدَاءِ حَقِّ زَوجٍ وَوَلَدٍ وَصَاحِبٍ وَمُحتَاجٍ ، إِذْ هُوَ مَسؤُولٌ أَمَامَ رَبِّهِ جَلَّ وَعَلا عَمَّا أَوجَبَ عَلَيهِ في زَمَانٍ أَو مَكَانٍ أَو في حَالٍ أَو لِسَبَبٍ ، وَلا خِيَارَ لَهُ إِلاَّ أَن يُؤَدِّيَ مَا أَوجَبَهُ اللهُ عَلَى الوَجهِ الَّذِي يُحِبُّهَ تَعَالى وَيَرضَاهُ ، قَالَ جَلَّ وَعَلا : " وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ " فَعَلَى المُؤمِنِ أَن يَتَّقِيَ اللهَ سُبحَانَهُ ، وَيَحرِصَ عَلَى الاستِقَامَةِ عَلَى طَاعَتِهِ وَمُلازَمَةِ مُرَادِهِ ، وَأَن يُرَاقِبَ أَيَّامَهُ وَلِيَالِيَهُ وَسَاعَاتِهِ ، فَإِنَّهَا خَزَائِنُ أَعمَالِهِ وَمُستَودَعُ قُرُبَاتِهِ ، فَلْيَنظُرْ مَاذَا يُودِعُ فِيهَا ، وَلْيَحرِصْ أَن يَكُونَ مِمَّا يُقَرِّبُهُ وَيَرفَعُ دَرَجَاتِهِ ، قَالَ سُبحَانَهُ : " وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخشَ اللهَ وَيَتَّقهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ " نَعَم يَا عِبَادَ اللهِ ، إِنَّ عَلَى المُسلِمِ أَن يَكُونَ في رَمَضَانَ وَفي غَيرِهِ مُلازِمًا لِلتَّوبَةِ وَالإِنَابَةِ ، مُدَاوِمًا عَلَى الطَّاعَةِ بِأَنوَاعِهَا ، مُجَانِبًا لِلمَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، قَالَ جَلَّ وَعَلا : " فَاستَقِم كَمَا أُمِرتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلا تَطغَوا إِنَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ بَصِيرٌ . وَلا تَركَنُوا إِلى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِن دُونِ اللهِ مِن أَولِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ . وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذهِبنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكرَى لِلذَّاكِرِينَ . وَاصبِر فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ " وَقَالَ تَعَالى : " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَبشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتي كُنتُم تُوعَدُونَ . نَحنُ أَولِيَاؤُكُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَفي الآخِرَةِ وَلَكُم فِيهَا مَا تَشتَهِي أَنفُسُكُم وَلَكُم فِيهَا مَا تَدَّعُونَ . نُزُلاً مِن غَفُورٍ رَحِيمٍ " وَقَالَ تَعَالى : " إِنْ تَجتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنهَونَ عَنهُ نُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَنُدخِلْكُم مُدخَلاً كَرِيمًا " وَعَن سُفيَان بنِ عَبدِاللهِ الثَّقَفِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : قُلتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، قُلْ لي في الإِسلامِ قَولاً لا أَسأَلُ عَنهُ أَحَدًا بَعدَكَ . قَالَ : " قُلْ : آمَنتُ بِاللهِ ثمَّ استَقِمْ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " اتَّقِ اللهَ حَيثُمَا كُنتَ ، وَأَتبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمحُهَا ، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " الصَّلَوَاتُ الخَمسُ ، وَالجُمُعَةُ إِلى الجُمُعَةِ ، وَرَمَضَانُ إِلى رَمَضَانَ ، مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَينَهُنَّ إِذَا اجتُنِبَتِ الكَبَائِرُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَتَذَكَّرُوا أَنَّ أَحَبَّ الأَعمَالِ إِلَيهِ مَا كَانَ دَائِمًا وَإِن قَلَّ ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، عَلَيكُم مِنَ الأَعمَالِ مَا تُطِيقُونَ ، فَإِنَّ اللهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا ، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعمَالِ إِلى اللهِ مَا دُووِمَ عَلَيهِ وَإِنْ قَلَّ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَمَعَ هَذَا يَا عِبَادَ اللهِ ، فَلَيسَ مِن شَرطِ المُدَاوَمَةِ أَلاَّ يَخرِمَهَا الإِنسَانُ وَلا مَرَّةً وَإِلاَّ بَطَلَت ، فَالقُصُورُ وَالكَسَلُ وَالفُتُورُ وَالنَّقصُ مِن طَبِيعَةِ البَشَرِ ، غَيرَ أَنَّ ذَلِكَ يُرَقَّعُ بِالاستِغفَارِ وَالتَّوبَةِ ، وَالوَفَاءِ بِالعَهدِ مَعَ اللهِ بِقَدرِ الاستِطَاعَةِ ، وَفي صَحِيحِ البُخَارِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قال : " سَيِّدُ الاستِغفَارِ أَن تَقُولَ : اللَّهُمَّ أَنتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ ، خَلَقتَني وَأَنَا عَبدُكَ ، وَأَنَا عَلَى عَهدِكَ وَوَعدِكَ مَا استَطَعتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ مَا صَنَعَتُ ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنبي ، فَاغفِرْ لي فَإِنَّهُ لا يَغفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنتَ " قَالَ : " وَمَن قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِن يَومِهِ قَبلَ أَن يُمسِيَ فَهُوَ مِن أَهلِ الجَنَّةِ ، وَمَن قَالَهَا مِنَ اللَّيلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبلَ أَن يُصبِحَ فَهُوَ مِن أَهلِ الجَنَّةِ "
المرفقات
1743672065_دوام الخير بعد شهر الخير.docx
1743672065_دوام الخير بعد شهر الخير.pdf