خطبة : ( دخل شعبان فلا تغفلوا عنه )

عبدالله البصري
1435/08/01 - 2014/05/30 07:02AM
دخل شعبان فلا تغفلوا عنه 1 / 8 / 1435
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ . مَا كَانَ لِأَهلِ المَدِينَةِ وَمَن حَولَهُم مِنَ الأَعرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَسُولِ اللهِ وَلَا يَرغَبُوا بِأَنفُسِهِم عَن نَفسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُم لَا يُصِيبُهُم ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخمَصَةٌ في سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَطَؤُونَ مَوطِئًا يَغِيظُ الكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِن عَدُوٍّ نَيلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ . وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم لِيَجزِيَهُمُ اللهُ أَحسَنَ مَا كَانُوا يَعمَلُون "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، اليَومَ دَخَلَ شَهرُ شَعبَانَ , وَمَا هِيَ إِلاَّ أَيَّامٌ مَعدُودَاتٌ وَلَيَالٍ مُتَتَابِعَاتٌ ، حَتى يُقَالَ دَخَلَ شَهرُ رَمَضَانَ ، فَاللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا في شَعبَانَ ، وَبَلِّغْنَا بِرَحمَتِكَ رَمَضَانَ ، وَوَفِّقْنَا بِفَضلِكَ لِمَا وَفَّقتَ إِلَيهِ أَهلَ الإِيمَانِ .
إِنَّ شَعبَانَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ كَالمُقَدَّمَةِ لِرَمَضَانَ , وَمَن بَلَغَهُ وَعَاشَ أَيَّامَهُ في طَاعَةٍ وَعَمَلِ خَيرٍ وَإِحسَانٍ ، فَكَأَنَّمَا هُوَ مَن دَخَلَ المَسجِدَ لأَدَاءِ الصَّلاةِ بَعدَ الأَذَانِ ، وَهُوَ في انتِظَارِ أَن تُقَامَ الصَّلاةُ . وَإِنَّهُ مَا نَجَحَ مُسلِمٌ في تَألِيفِ قَلبِهِ العِبَادَةَ وَترويضِ نَفسِهِ عَلَيهَا ، وَتَعوِيدِ جَوَارِحِهِ عَلَى مُدَاوَمَةِ الخَيرِ وَالطَّاعَةِ ، وَالتَّمَرُّنِ عَلَى القُرُبَاتِ وَالحَسَنَاتِ فِيمَا قَبلَ رَمَضَانَ وَخَاصَّةً في شَعبَانَ , إِلاَّ وَجَدَ مِن نَفسِهِ في رَمَضَانَ إِقبَالاً عَلَى العِبَادَةِ وَتَلَذُّذًا بِالطَّاعَةِ ، وَخِفَّةً إِلى البَذلِ وَمُسَارَعَةً في العَطَاءِ ، وَبَرَكَةً في الوَقتِ وَالعَمَلِ ، ذَلِكَ أَنَّ اللهَ قَد وَعَدَ مَن جَاهَدَ نَفسَهُ بِأَن يَهدِيَهُ ، فَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ "
وَفي مُقَابِلِ ذَلِكَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ المُسلِمِينَ يُسَوِّفُ وَيُؤَجِّلُ ، وَيَتَبَاطَأُ وَيَتَأَخَّرُ ، وَكَأَنَّهُ لا يَعرِفُ اللهَ إِلاَّ في رَمَضَانَ ، وَأَمثَالُ هَؤُلاءِ كَثِيرًا مَا يُخذَلُونَ في رَمَضَانَ وَفي غَيرِهِ مِن مَوَاسِمِ الرَّحمَةِ وَالغُفرَانِ ، فَتَضِيعُ عَلَيهِم تِلكَ المَوَاسِمُ الجَلِيلَةُ ، وَتَفُوتُهُم الفُرَصُ العَظِيمَةُ ؛ لأَنَّهُم لم يُرَوِّضُوا أَنفُسَهُم قَبلَ ذَلِكَ عَلَى العِبَادَةِ ، وَلم يُصَبِّرُوهَا عَلَى الطَّاعَةِ ، وَلم تَكُنْ في السَّعَةِ تَألَفُ الخَيرَ وَلا تَعرِفُهُ ، وَلم تَعتَدْ كَسبَ الحَسَنَاتِ طُوَالَ شُهُورٍ كَثِيرَةٍ وَأَيَّامٍ مَدِيدَةٍ ، فَكَيفَ يُرِيدُونَهَا أَن تُطَاوِعَهُم في شَهرٍ أَو نَحوِهِ ؟!
بَل إِنَّكَ تَرَى أَحَدَ هَؤُلاءِ يَمضِي عَلَيهِ شَهرُ رَمَضَانَ وَهُوَ يُحَاوِلُ تَروِيضَ نَفسِهِ وَكَبحَ جِمَاحِهَا عَن مُقَارَفَةِ شَهَوَاتِهَا ، وَأَطرَهَا عَلَى فِعلِ الخَيرِ وَقَسرَهَا عَلَى بَذلِ البِرِّ مَعَ المُسلِمِينَ ، فَلا يُوَفَّقُ إِلى سَبِيلِ خَيرٍ ، وَلا يُسَدَّدُ في دَربِ بِرٍّ ، وَلا تُطَاوِعُهُ نَفسُهُ عَلَى بَذلِ مَعرُوفٍ أَو إِحسَانٍ ، فَتَرَاهُ يَتَرَاجَعُ وَيَنكُصُ عَلَى عَقِبَيهِ وَهُوَ في مَوسِمٍ تُصفَّدُ فِيهِ الشَّيَاطِينُ ، وَيَستَثقِلُ أَيَّامَ رَمَضَانَ وَتَطُولُ عَلَيهِ لَيَالِيهِ ، وَيَشعُرُ فِيهَا بِهَمٍّ يُلازِمُهُ وكَآبَةٍ لا تُفَارِقُهُ ، حَتى يُعلَنَ عَنِ حُلُولِ العِيدِ ، فَيَفرَحَ فَرَحَ العَبِيدِ ، الَّذِينَ أُطلِقَ سَرَاحُهُم وَفُكَّت قُيُودُهُم ! وَصَدَقَ اللهُ إِذْ قَالَ : " وَالبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَومٍ يَشكُرُونَ "
عِبَادَ اللهِ ، حِينَ نَسبُرُ العِبَادَاتِ الوَاجِبَةَ وَخَاصَّةَ أَركَانَ الإِسلامِ العَمَلِيَّةَ ، نَجِدُ أَنَّ ثَمَّةَ نَوَافِلَ مِن جِنسِهَا ، تَسبِقُهَا لِلتَّهَيُّؤِ إِلَيهَا , أَو تَلحَقُهَا لِسَدِّ النَّقصِ الحَاصِلِ فِيهَا , وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ عَمَلَ الخَيرِ في شَهرِ شَعبَانَ وَخَاصَّةً الصِّيَامَ فِيهِ ، لَهُوَ كَصَلاةِ النَّافِلَةِ الَّتي تَسبِقُ الفَرِيضَةَ ، فَكَمَا أَنَّ مُصَلِّيَ النَّافِلَةِ تَتَهَيَّأُ نَفسُهُ في الفَرِيضَةِ وَتَرتَاحُ ، وَيُدرِكُ مِنَ الخُشُوعِ وَالطُّمَأنِينَةِ مَا لا يُدرِكُهُ مَن لم يَأتِ الصَّلاةَ إِلاَّ مَعَ تَكبِيرَةِ الإِحرَامِ ، فَإِنَّ المُسلِمَ الَّذِي يَبتَدِرُ الخَيرَ في شَعبَانَ ، وَيُنَوِّعُ مِنَ العِبَادَاتِ وَيُكثِرُ مِنَ الطَّاعَاتِ ، وَيُسَارِعُ في الخَيرَاتِ وَيُسَابِقُ لِلحَسَنَاتِ ، لا يَدخُلُ عَلَيهِ رَمَضَانُ إِلاَّ وَقَدِ اشتَاقَت إِلَيهِ نَفسُهُ ، وَنَزَعَت إِلى بُلُوغِهِ رُوحُهُ ، لِيَزدَادَ مِنَ الخَيرِ وَيَتَزَوَّدَ مِنَ التَّقوَى ، وَمِن ثَمَّ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَلا غَرَابَةَ وَلا عَجَبَ أَن يُكثِرَ إِمَامُنَا وَحَبِيبُنَا ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ مِنَ الصِّيَامِ في شَهرِ شَعبَانَ ، رَوَى البُخَارِيُّ عَن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : مَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ استَكمَلَ صِيَامَ شَهرٍ إِلاَّ رَمضَانَ ، وَمَا رَأَيتُهُ أَكثَرَ مِنهُ صِيَامًا في شَعبَانَ .
وَعِندَ مُسلِمٍ عَنهَا ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ أَنَّهَا قَالَت : وَلَم أَرَهُ صَائِمًا مِن شَهرٍ قَطُّ أَكثَرَ مِن صِيَامِهِ مِن شَعبَانَ , كَانَ يَصُومُ شَعبَانَ كُلَّهُ , كَانَ يَصُومُ شَعبَانَ إِلاَّ قَلِيلاً .. قَالَ ابنُ رَجَبٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : قِيلَ في شَعبَانَ : إِنَّ صِيَامَهُ كَالتَّمرِينِ عَلَى صِيَامِ رَمَضَانَ ؛ لِئَلاَّ يَدخُلَ في صَومِ رَمَضَانَ عَلَى مَشَقَّةٍ وَكُلفَةٍ ، بَل يَكُونُ قَد تَمَرَّنَ عَلَى الصِّيَامِ وَاعتَادَهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ في حِرصِهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ عَلَى الإِكثَارِ مِنَ الصِّيَامِ في شَهرِ شَعبَانَ لَدَرسًا عَمَلِيًّا لِكُلِّ مُسلِمٍ ، مَفَادُهُ أَن يَحرِصَ عَلَى البَدءِ بِالخَيرِ مُبَكِّرًا ، وَأَن يُسَارِعَ إِلَيهِ مُتَقَدِّمًا ، وَأَن يَحذَرَ التَّسوِيفَ وَالتَّأجِيلَ ، وَلا يَعتَادَ التَّبَاطُؤَ وَالتَّأخِيرَ ، وَلَيسَ ذَلِكَ خَاصًّا بِالصِّيَامِ فَحَسبُ ، وَلَكِنْ لأَنَّهُ أَخَصُّ أَعمَالِ رَمَضَانَ ، كَانَ هُوَ المَذكُورَ وَالمَنصُوصَ عَلَيهِ مِن فِعلِ الحَبِيبِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَإِلاَّ فَإِنَّ في رَمَضَانَ أَعمَالاً صَالِحَةً كَثِيرَةً ، وَفُرَصًا لِلخَيِر عَظِيمَةً ، مِن صِيَامٍ وَقِيَامٍ , وَتِلاوَةٍ وَدُعَاءٍ , وَصَدَقَةٍ وَتَفطِيرٍ وَإِطعَامٍ ، وَإِذَا كَانَ تُجَّارُ الدُّنيَا يُبَادِرُونَ بِالتَّأَهُّبِ قَبلَ كُلِّ مُوسِمٍ بما يُنَاسِبُهُ ، وَيَتَجَهَّزُونَ مَعَ دُخُولِهِ بِالبِضَاعَةِ اللاَّئِقَةِ لِلتَّكَسُّبِ وَطَلَبِ الرِّبحِ ، فَكَذَلِكَ يَنبَغِي أَن يَكُونَ تُجَّارُ الآخِرَةِ ، بَلْ يَجِبُ عَلَيهِم أَلاَّ يَتَكَاسَلُوا وَيَقتُلَ التَّسوِيفُ عَزَائِمَهُم وَيُمِيتَ هِمَمَهُم ، وَمَا أَحَبَّ أَحَدُهُم أَن يَأتِيَهُ في رَمَضَانَ مِن عَمَلٍ صَالِحٍ ، وَمَا نَوَى التَّقَرُّبَ بِهِ إِلى رَبِّهِ في ذَلِكَ الشَّهرِ العَظِيمِ ، فَلْيَبدَأْ بِالتَّجَهُّزِ لَهُ مِنَ الآنَ , فَإِنَّ أَحَدَنَا لا يَدرِي هَل يَبلُغُ رَمَضَانَ أَم لا يَبلُغُهُ ؟! وَلأَنْ يَقبِضَ اللهُ رُوحَ المُؤمِنِ وَهُوَ يَتَرَقَّبُ مَوسِمَ الخَيرِ بِكُلِّ شَوقٍ وَصِدقٍ ، مُتَجَهِّزًا لَهُ تَجَهُّزَ الصَّادِقِينَ ، آخِذًا لَهُ عُدَّتَهُ كَفِعلِ العَامِلِينَ ، خَيرٌ مِن أَن يُؤخَذَ عَلَى غِرَّةٍ ، وَتُفتَلَتَ نَفسُهُ وَهُوَ في غَفلَةٍ ، وَكَم مِن نِيَّةٍ لِلخَيرِ صَادِقَةٍ ، بَلَّغَت صَاحِبَهَا مَنَازِلَ أَهلِ الخَيرِ وَإِنْ هُوَ لم يَعمَلْهُ لِعُذرٍ أَو مَانِعٍ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُؤمِنُونَ ـ " وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ في أَقوَالِهِم وَأَفعَالِهِم وَأَحوَالِهِم ، وَتَجَنَّبُوا الكَسَلَ وَالفُتُورَ وَالمَقَاصِدَ السَّيِّئَةَ وَالنَّوَايَا البَاطِلَةَ ؛ فَإِنَّ الصِّدقَ يَهدِي إِلى البِرِّ ، وَإِنَّ البِرَّ يَهدِي إِلى الجَنَّةِ . وَقَد قَالَ رَبُّكُم ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " فَلَو صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيرًا لَهُم "
قَالَ الإِمَامُ ابنُ القَيِّمِ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : لَيسَ لِلعَبدِ شَيءٌ أَنفَعَ مِن صِدقِهِ رَبَّهُ في جَمِيعِ أُمُورِهِ ... وَمَن صَدَقَ اللهَ في جَمِيعِ أُمُورِهِ صَنَعَ اللهُ لَهُ فَوقَ مَا يَصنَعُ لِغَيرِهِ . وَعَن سَهلِ بنِ حُنَيفٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " مَن سَأَلَ اللهَ الشَّهَادَةَ بِصِدقٍ ، بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِن مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ , قَالَ المُنَاوِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : قَيَّدَ السُّؤَالَ بِالصِّدقِ ، لأَنَّهُ مِعيَارُ الأَعمَالِ وَمِفتَاحُ بَرَكَاتِهَا ، وَبِهِ تُرجَى ثَمَرَاتُهَا ... وَعِندَ النَّسَائِيِّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَعرَابِ جَاءَ إِلى النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ ثم قَالَ : أُهَاجِرُ مَعَكَ ، فَأَوصَى بِهِ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بَعضَ أَصحَابِهِ ، فَلَمَّا كَانَت غَزوَةٌ غَنِمَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ سَبيًا فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ ، فَأَعطَى أَصحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ ، وَكَانَ يَرعَى ظَهرَهُم ، فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيهِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : قَسمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ ، فَأَخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ إِلى النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالَ : " قَسَمتُهُ لَكَ " قَالَ : مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعتُكَ ! وَلَكِنِّي اتَّبَعتُكَ عَلَى أَن أُرمَى إِلى هَا هُنَا ـ وَأَشَارَ إِلى حَلقِهِ ـ بِسَهمٍ ، فَأَمُوتَ فَأَدخُلَ الجَنَّةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنْ تَصدُقِ اللهَ يَصدُقْكَ " فَلَبِثُوا قَلِيلاً ثم نَهَضُوا في قِتَالِ العَدُوِّ ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يُحمَلُ قَد أَصَابَهُ سَهمٌ حَيثُ أَشَارَ ، فَقَالَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَهُوَ هُوَ ؟ " قَالُوا : نَعَم . قَالَ : " صَدَقَ اللهَ فَصَدَقَهُ " ثُمَّ كَفَّنَهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ في جُبَّته ، ثم قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيهِ ... الحَدِيثَ .
اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، إِنَّكَ تَعلَمُ مَن سَيُدرِكُ مِنَّا رَمَضَانَ مِمَّن لا يُدرِكُهُ ، اللهُمَّ إِنَّا نَستَودِعُكَ أَنفُسَنَا وَقُلُوبَنَا ، اللَّهُمَّ مُدَّ عَلَى طَاعَتِكَ آجَالَنَا ، وَبَلِّغْنا فِيمَا يُرضِيكَ آمَالَنَا ، رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعدَ إِذْ هَدَيتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَدُنْكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ ...
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ تَقوَاهُ ، وَاستَعِدُّوا بِالأَعمَالِ الصَّالِحَةِ لِيَومِ لِقَاهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مِن أَمرِهِ يُسرًا "
عِبَادَ اللهِ ، هَذَا شَعبَانُ ، مَوسِمٌ مِن مَوَاسِمِ الاستِعدَادِ لِرَمَضَانَ ، فَاللهَ اللهَ بِتَقدِيمِ كُلِّ خَيرٍ ، وَاللهَ اللهَ بِالمُسَاهَمَةِ في كُلِّ بِرٍّ ، وَالعَزِيمَةَ العَزِيمَةَ وَالمُبَادَرَةَ المُبَادَرَةَ لِكُلِّ غَنِيمَةٍ . وَإِنَّكُم وَاجِدُونَ في هَذَا الشَّهرِ استِعدَادًا مِنَ المُؤَسَّسَاتِ الخَيرِيَّةِ وَالجَمعِيَّاتِ وَمَكَاتِبِ الدَّعوَةِ ، لِمَشرُوعَاتِ التَّفطِيرِ وَرِعَايَةِ الأُسَرِ الفَقِيرَةِ وَالقِيَامِ عَلَى العَوَائِلِ المُحتَاجَةِ ، وَاستِقبَالِ الزَّكَوَاتِ وَالصَّدَقَاتِ ، وَغَيرِهَا مِنَ الأَعمَالِ الصَّالِحَةِ وَوُجُوهِ البِرِّ المُتَنَوِّعَةِ ، الَّتي قَد لا تَتَمَكَّنُونَ مِنَ المُسَاهَمَةِ فِيهَا في رَمَضَانَ ، وَهِيَ في الأَصلِ قَد جُهِّزَت لِرَمَضَانَ ، فَالبِدَارَ البِدَارَ ، وَالمُسَارَعَةَ المُسَارَعَةَ ، فَإِنَّ السَّابِقِينَ إِلى الخَيرِ وَالطَّاعَةِ في الدُّنيَا ، هُمُ السَّابِقُونَ في دُخُولِ الجِنَانِ في الآخِرَةِ ، وَكُلَّمَا غَفَلَ النَّاسُ عَنِ الطَّاعَةِ وَتَرَكُوهَا وَزَهِدُوا فِيهَا ، كَانَ ذَلِكَ أَدعَى لِلمُسلِمِ المُرِيدِ وَجهَ رَبِّهِ ، لأَن يَحرِصَ عَلَيهَا وَيَحتَسِبَ الأَجرَ في إِقَامَتِهَا ، عَن أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ قَالَ : قُلتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، لم أَرَكَ تَصُومُ مِن شَهرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِن شَعبَانَ !! قَالَ : " ذَاكَ شَهرٌ يَغفَلُ النَّاسُ عَنهُ بَينَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ ، وَهُوَ شَهرٌ تُرفَعُ فِيهِ الأَعمَالُ إِلى رَبِّ العَالَمِينَ ، وَأُحِبُّ أَن يُرفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانِيُّ .
المرفقات

دخل شعبان فلا تغفلوا عنه.doc

دخل شعبان فلا تغفلوا عنه.doc

دخل شعبان فلا تغفلوا عنه.pdf

دخل شعبان فلا تغفلوا عنه.pdf

المشاهدات 3807 | التعليقات 4

بارك الله فيكم فضيلة الشيخ عبد الله ، موعظة جليلة جميلة ترفع وتدفع ، جعلها الله في ميزان حسناتك .


كما عودتنا دائما بخطبك شيخنا وليس بغريب ذلك على قلمك فالصفحة شاهدة بالخير ناطقة.


بارك الله فيكم يا شيخ عبد الله ونفع بما كتبتم..


جزاك الله خيرا