(خطبة) خطر الللسان
خالد الشايع
الخطبة الأولى ( خطر اللسان ) 19/1/1443
أما بعد فيا أيها الناس :
إن الأعضاء التي وهبنا الله إياها ، نعمة عظيمة ، وهي شر وبلاء على البعض ، فمن استعملها في طاعة الله ومرضاته ، فاز وحاز الأجر ، ومن استخدمها في الشر خاب وخسر .
عباد الله : كم من صائم قائم تال للقرآن متصدق حريص على الخير ، يهدي حسناته للناس ، وذلك بالكلام في أعراضهم ، فالغيبة تأكل الحسنات ، وتفسد القلوب فحذارِ منها .
يقول جل ذكره ( ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه )
معاشر المسلمين : وفي خضم الأحداث نجد من يشارك بالخوض فيها وفي غمارها وهو لا يقدم فيها ولا يؤخر وهو ليس من أهلها ، فالفتن إذا وقعت فالواجب على المسلم أن يهرب منها ، وأن لا يخوض غمارها ، فمن خاض هلك ، وإن من أشد المشاركات في الفتن ، المشاركة باللسان ، فهو يفعل مالا يفعله الحسام ، ولو أن كل مسلم أقبل على مايعنيه ، وترك الأمور لأهلها ، لقلت الفتن ، ولسلم الناس من تبعاتها .
إن شأن اللسان عظيم ، سواء في الخير أو الشر ، فكلمة تدخلك الجنة وأخرى تدخلك النار
ويزداد خطره وقت الفتن والاختلاف ، فتعمل الكلمة فعل السيف .
أخرجا في "الصحيحين " من حديث أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات وان العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في نار جهنم " .
ومن أشد أضرار اللسان القول على الله بلا علم
ومن صور القول على الله بغير علم : 1) التسرع بالإفتاء بغير علم . 2) الاعتراض على النصوص بالعقل . 3) ذكر الحديث الضعيف وعدم بيان صحته أو ضعفه . 4) تسفيه أراء أئمة الإسلام . 5) الكلام في الدين على حسب الهوى والظن . لذلك كان حريا وجديرا بالمسلم أن يحذر كل الحذر من القول على الله تعالى بغير علم .. وأن يرد الأمر إلى أهله ـ وهم أهل العلم ـ " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "
ويزدد خطر اللسان في زمن الفتن
قال عمر رضي الله عنه : ( إياكم والفتن فإن وقع اللسان فيها مثلُ وقع السيف ).
وفي زمن الفتنة ، تظهر الإشاعة بين الناس وتروج ، وبها يهلك الناس والعياذ بالله
ولقد سطَّر التاريخ خطر الإِشاعة إذا دبت في الأمة وإليك أمثلة من ذلك :
1- بعد أن هاجر الصحابة للحبشة فارين من تعذيب قريش لهم ، ظهرت إشاعة بأن قريشا أسلمت ، فرجع كثير من الصحابة من الحبشة مستبشرين ، وفوجئوا أن الأمر إشاعة ، فتكبدوا خسائر السفر ثم الأذية من جديد .
2- وفي غزوة أحد لما قتل مصعب بن عمير أُشيع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قتل لشدة الشبه بينهما ، وقيل : قُتل رسول الله فانكفأ جيش الإِسلام بسبب الإِشاعة ، فبعضهم هرب إلى المدينة وبعضهم ترك القتال .
3- ومنها إشاعة حادثة الإِفك التي اتهمت فيها عائشة أم ُالمؤمنين البريئة الطاهرة بالفاحشة وما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه من البلاء، وكل ذلك بسبب الإِشاعة .
اللهم أعنا على حفظ ألسنتنا وفروجنا وجميع جوارحنا يا كريم أقول قولي ....
الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها الناس : قد يتسآءل البعض مالمنهج الشرعي في التعامل مع الأخبار ؟
والجواب أن التعامل الشرعي يكون بأمرين :
1) التأني والتروي :
أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم : (التأني من الله و العجلة من الشيطان)
قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل
2) التثبت في الأخبار :
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين َ) وفي قراءة (فتثبتوا)
معنى التثبت : بذل الوسع والجهد لمعرفة حقيقة الحال ليعرف أيثبت هذا الأمر أم لا .
والتبين : التأكد من حقيقة الخبر وظروفه وملابساته .
يقول الحسن البصري : "المؤمن وقاف حتى يتبين" .
عباد الله : إن من البلاء أن يسارع المسلم بنشر كل ما يأتيه عبر الجوال من غير تثبت ، إن أجهزة التواصل هذه الأيام تفعل الأفاعيل ، وينطبق عليها الحديث في الرجل يكذب الكذبة تبلغ الآفاق ، فاتقوا الله عباد الله وأمسكوا ألسنتكم وجوالاتكم فلا تتكلموا إلا بعلم او اسكتوا بحلم .
أقول هذا لأني أرى من يتساهل في نقل كل خبر بدون تثبت ، ولا يعفيه من المسؤولية كونه ناقل ، فكفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع ، والبعض الأخر يتساهل في مشاهدة النساء المتبرجات ، وسماع الموسيقى ،وكأن الأمر جائز طالما أنه في مقطع فيديو في الجوال ، فاتقوا الله عباد الله ، لنسألن عن هذه النعمة وفيما استخدمناها .
اللهم اعصمنا فيما بقي من أعمارنا يارب العالمين ..
المرفقات
1629990657_حفظ اللسان منقح.docx