خطبة: خذوا بالدِّين كله
وليد بن محمد العباد
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم
خطبة: خذوا بالدِّين كله
الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ عبادَ الله
إنّ المؤمنَ مطالبٌ أنْ يتمسّكَ بالدِّينِ كلِّه، وإلى ذلك دعاه مولاه، قالَ جلَّ في علاه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) قالَ ابنُ كثيرٍ رحمَه الله: أمرَ اللهُ عبادَه المؤمنينَ المُصدِّقينَ برسولِه، أنْ يأخذوا بجميعِ عُرى الإسلامِ وشرائعِه، والعملِ بجميعِ أوامرِه، وتركِ جميعِ زواجِرِه. إنّها دعوةٌ لكلِّ مؤمنٍ بأنْ يلتزمَ بجميعِ شرائعِ الدِّين، من دونِ تَردّدٍ ولا تَفلُّت، وأنْ يجعلَ هواه تبعًا لدينِه، لا أنْ يجعلَ دينَه تبعًا لهواه، مع مجاهدةِ النّفسِ والبعدِ عن الشّهواتِ والشّبهات، والحذرِ من الغفلةِ وتثبيطِ الشّيطان، إنّه نداءٌ ربّانيٌّ يَستجيبُ له المؤمنونَ الموفّقون، فهم يعلمونَ أنّ فيه سعادتَهم وفلاحَهم، فيتمسّكونَ بدينِهم عملًا بالمأمورات، وتركًا للمنهيّات، ويحافظونَ على توحيدِهم من البدعِ والخرافات، توحيدٌ خالص، وإيمانٌ راسخ، وعقيدةٌ صافية، ومنهجٌ قويم، يَنطلقُ من نورِ الوحيَيْنِ كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِه صلى اللهُ عليه وسلم، فلا يحيدونَ عنهما في السّراءِ والضّراء، والشّدّةِ والرّخاء، وعندَ الفتنِ والمحنِ والبلاء، قالَ رسولُ اللهِ عليه الصّلاةُ والسّلام: بادروا بالأعمالِ فتَنًا كقطعِ اللَّيلِ المظلمِ، يُصبحُ الرَّجلُ مؤمنًا ويُمسي كافرًا، ويُمسي مؤمنًا ويُصبحُ كافرًا، يَبيعُ دينَهُ بعَرَضٍ منَ الدُّنيا. فتراهم يَتعاهدونَ بالأعمالِ الصّالحةِ أنوارَ قلوبِهم قبلَ خفوتِها، وثباتَ أقدامِهم على الهُدى من أنْ تَزِلَّ بعدَ ثبوتِها، سُئل حذيفةُ بنُ اليَمَانِ رضيَ اللهُ عنه: متى يَعلمُ المرءُ أنّه فُتِن؟ قالَ: إنْ كانَ ما يراه بالأمسِ حرامًا أصبحَ اليومَ حلالًا فليعلمْ أنّه فُتِن. نسألُ اللهَ العافية، فاتّقوا اللهَ رحمَكم الله، وتمسّكوا بدينِكم واستكثروا من صالحِ الأعمال، في كلِّ آنٍ وعلى كلِّ حال، وأبشروا فإنّ من تمسّكَ بدينِه عاشَ حسنَ السّيرةِ نقيَّ السّريرة، طاهرَ القلبِ منشرحَ الصّدر، مطمئنَّ النّفسِ مرفوعَ الرّأس، محبوبًا عندَ الخلقِ محمودَ العاقبة (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه، أبدًا إلى يومِ الدّين. أمّا بعدُ عبادَ الله
اتّقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوُثقى، واحذروا المعاصي فإنّ أجسادَكم على النّارِ لا تقوى، واعلموا أنّ ملَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم فخذوا حذرَكم، الكيّسُ مَنْ دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنّى على اللهِ الأمانيّ. إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ فإنّ يدَ اللهِ مع الجماعة، ومن شذَّ عنهم شذَّ في النّار.
اللهمّ أعِنّا على ذكرِك وشكرِك وحسنِ عبادتِك، أحينا مسلمينَ وتوفَّنا مسلمينَ وألحقْنا بالصّالحينَ غيرَ خزايا ولا فاتنينَ ولا مفتونين، اللهمّ إنّا نسألُك فعلَ الخيراتِ وتركَ المنكراتِ وحبَّ المساكين، وأن تغفرَ لنا وترحمَنا، وإذا أردتَ بعبادِك فتنةً فاقبضْنا إليك غيرَ مفتونين، اللهمّ إنّا نسألُك العفوَ والعافيةَ والمعافاةَ الدّائمةَ في الدِّينِ والدّنيا والآخرة، اللهمّ أصلحْ لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرِنا ودنيانا التي فيها معاشُنا وآخرتَنا التي إليها معادُنا واجعلِ الحياةَ زيادةً لنا في كلِّ خير، والموتَ راحةً لنا من كلِّ شرّ
اللهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، ودمّرْ أعداءَ الدّين، وانصرْ عبادَك المجاهدينَ وجنودَنا المرابطين، وأنجِ إخوانَنا المستضعفينَ في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين، اللهمّ آمِنّا في أوطانِنا ودورِنا، وأصلحْ أئمّتَنا وولاةَ أمورِنا، وهيّءْ لهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ربَّ العالمين، اللهمَّ أبرمْ لأمّةِ الإسلامِ أمرًا رشدًا يُعزُّ فيه أولياؤُك ويُذلُّ فيه أعداؤُك ويُعملُ فيه بطاعتِك ويُنهى فيه عن معصيتِك يا سميعَ الدعاء. اللهمّ ادفعْ عنّا الغَلا والوَبا والرّبا والزّنا والزلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين
عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. وأقمِ الصلاةَ إنّ الصلاةَ تَنهى عن الفحشاءِ والمنكر، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين
جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 21/ 1/ 1444هـ