((خطبة ختام العام الهجري))

algehani algehani
1440/12/28 - 2019/08/29 01:44AM
= خطبة ختام العام الهجري=
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينُه ونستغفِرُه ونستهدِيه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)  (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
عباد الله: إن المؤمنَ المُوفَّقَ هو من يتَّخِذُ من تنقُّل الأحوال مُناسبةً للتذكُّر والتدبُّر والاتِّعاظ، فيُحاسِبُ نفسَه، ويُقيِّمُ وضعَها، ويُصحِّحُ مسارَها. فهلاكُ القلب في إهمال مُحاسبة النفس، وفي مُوافقتها واتِّباع هواها.
أخرج البخاري في صحيحه عن علي رضي الله عنه قال: (ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل)
عام كامل سار بنا حثيثاً ليبعدنا عن الدنيا وليقربنا إلى الآخرة، يباعِدُنا من دار العمل ويقربنا من دار الجزاء
وهكذا كل عام  ينقضي ترى الناس فيه ما بين مبتهج ومحزون
أقوام يحزنون على فراق عامهم  لأنه طوى مرحلة من أعمارهم وقربهم إلى آجالهم وأدناهم إلى لحظة لا يدرون ما مصيرهم فيها إما إلى جنة وإما إلى نار، وهم مشفقون مما أودعوه فيه من الأعمال:
قال تعالى ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ﴾
كم نحن بحاجة إلى محاسبة أنفسنا لننظر ماذا قدمنا لعام أدبر وماذا أعددنا لعام أقبل عملاً بقول ربنا جل وعلا : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
ألا  فلنتصفّح ما صدر من أفعالنا، فإن كانت محمودةً أمضيناها وأتبعناها بمثلها ، وإن كانت مذمومةً استدركناها بالتوبة وانتهينا عن مثلها في المستقبل.
قال تعالى ﴿ إنَّ الَذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإذَا هُم مُّبْصِرُونَ ﴾
قال  الفاروق  رضي الله عنه  : (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتزيّنوا للعرض الأكبر: ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيةٌ ﴾
ويقول ابن القيم رحمه الله: (المحاسبة أن يميز العبد بين ماله وما عليه فيستصحب ما له ويؤدي ما عليه؛ لأنه مسافرٌ سَفَرَ من لا يعود).
والمحاسبة (عباد الله) تمكن العبد من الاطلاع على عيوب نفسه ونقائصها ومثالبها، فمن اطلع على عيوب نفسه أنزلها منزلتها الحقيقية فمعرفة قدر النفس تورث العبد تذللاً لله وعبودية له فلا يمنُّ بعمله مهما عظُم ولا يحتقر ذنبه مهما صغُر وهذا دأب الموفقين ،
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: “لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتاً”.
والمحاسبة ( عباد الله ) تزكي النفس وتطهرها وتلزمها أَمْر ربها فيفلح صاحبها ويفوز برحمة الله ورضوانه، قال تعالى ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾
وغياب المحاسبة (عباد الله) أو الغفلة عنها نذير غرق الأمة في لجج الفساد وإنما تنتشر المعاصي حينما لا يتوقع المجتمع أو الفرد حساباً فينطلقون في حركاتهم كما يحبون يموجون كما يشتهون بلا زمام ولا خطام:
قال تعالى
﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً*وَكَذَّبُواْ بِآَيَاتِنَا كِذَّاباً ﴾
ألا فلينظر كل واحد إلى تقصيره، وليعزم عزماً أكيداً أن يحسن فيما يستقبله من أيام، وليأخذ بالعزيمة الصادقة مع ربه على أن يكون عامه الجديد خيراً مما  مضى. فالنفس سريعة التقلب ميالة إلى الشر
كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بمافيه من الآيات والذكر الحكيم
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئه
فإستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم
 
الخطبة الثانية
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُبارَكًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِه أجمعين .
أما بعد: فأُوصِيكُم ونفسي بتقوى الله – جل وعلا -؛ فمن اتَّقاه وقاه، وأسعَدَه ولا أشقَاه.
روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أفضل الصيام بعد رمضان: شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل”.
وإن الله جل وعلا جعل خاتمة كلِّ عام وفاتحته شهراً محرماً وموطنًا يغتنمه العبد للتوبة وإصلاح الحال والزيادة في الخير، فإنّ العبد إن افتتح عامه بالطاعة وختمها بالطاعة يرجى أن يكون ممن قضوا كل عامهم في طاعة الله
فتزودوا – رحمكم الله – من الأعمال الصالحة، ولا تغتروا بهذه الدنيا الفانية، واعلموا أنكم راحلون عما قريب ومفارقون لهذه الدنيا، فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني. وليست الغبطة بطول العمر، وإنما الغبطة بما أمضاه العبد في طاعة مولاه وخير الناس من طال عمره وحسن عمله وشر الناس من طال عمره وساء عمله.
ألا فلنستقبل أيامنا وشهورنا وأعوامنا بطاعة ربنا  وشكره فما قامت الدنيا إلا بقيام الدين ولا نال العز والكرامة والرفعة إلا من خضع لرب العالمين ولا دام الأمن والرخاء إلا باتباع منهج سيد المرسلين
اللهم إستعملنا في طاعتك وجنبنا معاصيك وإجعلنا دائماً وأبداً حيثما تحب وكيفما تحب ياذا الجلال والإكرام
هذا وصلوا رحمكم الله على خير البرية وأزكى البشريه  فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل
( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا )
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحابته أجمعين
اللهم اجعل هذا العامَ عامًا سعيدًا، اللهم اجعله داخلاً علينا بالسرور والسعادة والبركة والأمن والطُّمأنينة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أبدِل فيه أحوالَ المُسلمين إلى كل صالحٍ يا ذا الجلال والإكرام، اللهم فرِّج فيه هُمومَهم، اللهم نفِّس فيه كُرُباتهم، اللهم ارفع ما أصابَهم من ضر وبلاء يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم آتِنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقِنا عذابَ النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
المشاهدات 1352 | التعليقات 0