خطبة حنين الذاكرين
عبدالوهاب بن محمد المعبأ
1437/10/23 - 2016/07/28 19:51PM
خطبة الجمعة
*حنين المحبين*
إعداد عبدالوهاب المعبأ
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي شرح قلوب الصالحين لذكره، وأعانهم على عبادته وشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد في ملكه وأمره، وعد أولياءه بتوفيقه ونصره، وتوعد أعداءه بعذابه وقهره.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله الذاكر لله، والمعتمد على مولاه في عسره ويسره، والمجاهد في سبيل الله بماله وعمره، فقهر الأعداء بتوكله وصبره، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله حق تقاته، وبادروا بالعمل الصالح أعماركم فإنها ستفنى، واعلموا ـ يا عباد الله ـ أن أجسادكم على النار لا تقوى، كم من مؤمل قصر به أمله، وكم ساه غافل أدركه أجله، ما أقصر الحياة وأقلها، دار دنيئة تغر المتعلقين بها، ثم تولي عنهم أحوج ما يكونون إليها، ((لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء))، و((الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه)).
إذا كان هذا هو حال الدنيا وهذه نهايتها فاجعلوها في طاعة ربكم وفي مرضاته، ولقد أرسل الله محمدًا رحمة للعالمين، يخرجهم من الظلمات إلى النور، فكان من رحمته أن دل الأمة على كل خير، وحذرهم من كل شر، لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ. في الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ((اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)).
أين المشمرون إلى الله، المتجهون إليه قبل أن يأتيهم الموت، فيدع الإنسان ماله وأهله، ويبقى معه عمله؟! أين من يعمل على بناء دار مقره ودار منتهاه؟! وإن البناء ليسير على من يسره الله عليه.
لما كان ليلة الإسراء لقي النبي إبراهيم الخليل، فقال: ((يا محمد، أخبر أمتك أن الجنة قيعان، وأن غراسها التهليل والتسبيح والتحميد والتكبير)). وفي القرآن: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا، فمن أكثر من ذكر الله حفظه الله في حال صحته وشبابه وفراغه وفي حياته وبعد موته.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تستقل الشمس فيبقى شيء من خلق الله إلا سبَّح الله بحمده , إلا ما كان من الشياطين و أغبياء بني آدم " حسنه الألباني .
ـ و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أوصيك بتقوى الله تعالى , فإنه رأسُ كلِ شيء , وعليك بالجهاد , فإنه رهبانية الإسلام , وعليك بذكر الله , وتلاوة القرآن , فإنه روحُك في السماء , وذكرك في الأرض " حسنه الألباني
عباد الله: إن أزكى الأعمال وخير الخصال وأحبَّها إلى الله ذي الجلال ذكر الله تعالى؛ روى الترمذي وغيره عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فيضربوا أعناقكم وتضربوا أعناقهم؟!"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "ذكر الله تعالى".
عباد الله- اهل الذكر هم الذين أعدّ الله لهم المنزلة الكريمة والثواب العظيم: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب: 35].
. أيها المؤمن الذاكر هنيئاً لك أن يذكرك الله .. ؟
اذا ذكرته قال تعالى{ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ }
• وقال خير الذاكرين صلى الله عليه وسلم يروي عن ربه ( من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ) رواة البخاري ومسلم واللفظ للبخاري .
ومنهم من عاهد الله على ذكره وشكره وحسن عبادته فألسنتهم وقلوبهم تلهج دائمًا بذكر الله، وهؤلاء قال الله فيهم: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 35]،
فحري بالمسلم أن يشغل وقته كله بذكر الله تعالى.
نعم إنه الذكر للمولى من أعطيه اتّصل، ومن مُنِعَه عُزِل، وهو القوت والسلاح به تُطفأ حرائق الذنوب, وتُداوى أسقام النفوس
الذاكرون لله هم أولوا الألباب (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
مجالس الذكر أشرف المجالس, تحفها الملائكة, وتتنزل عليها السكينة, وتغشاها الرحمة, وما مجلس خلا من ذكرٍ إلا كان ترةً وحسرةً على أصحابه كما في الحديث.
الذكر أيها الكرام ليس له وقت, بل في كل آن, نصلي فنذكر الله, نحج فنذكر الله ( واذكروا في الله في أيام معدودات) نجاهد فنذكر الله (ذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
لا مساوة بين بيت يسمع الذكر في جنباته, وبيت تصدح الأصوات المنكرة فيه,«ومَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِى يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ وَالْبَيْتِ الَّذِى لاَ يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَىِّ وَالْمَيِّتِ »رواه مسلم
لا مساوة بين من ربه على قلبه ولسانه, يذكره ويلهج باسمه, ومن هو غافل لاهٍ, القلب غافل, ولسانه يذكر كل شيء إلا الله
ذكر الله -عباد الله- هو حياة القلوب, فلا حياة لها إلا به، روى البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت".
يقول أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: "لكل شيء جلاء، وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل , ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، وجلاؤه بالذكر، فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء".
فإذا اضطربت النفس وحار القلب فماذا نفعل وقتئذ, وإذا أرقت العيون فسهرت فلم تنم فماذا نفعل حينئذ, وإذا اشتدت الكروب وكثرت المصائب وعصفت الخطوب فماذا نفعل عندئذ، وإذا كثرت الهموم والغموم وتفشت السموم، فماذا نفعل عند ذاك، وأي عمل نقوم به لنذهب من سمائنا الغموم، وأين الدواء لهذا الداء داء القلق والإضراب النفسي. إنه يا معشر المسلمين ذكر الله (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللًّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [يونس: 28].
فيكفيك أيها المهموم - لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين - , قالها يونس في بطن الحوت ولو لم يقلها للبث في بطنه إلى يوم يبعثون.
ويكفيك أيها الخائف أن تقول: حسبي الله ونعم الوكيل, قالها إبراهيم وهو في النار فانقلب بفضل الله من حال إلى أحسن حال.
يكفيك يا من ضاق عليك رزقك أن تقول: أستغفر الله العظيم , فمن لازم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب.
عباد الله: وهل هناك أشرف من الحسنات نطلبها, ومن الجنة نرغبها, وفي الذكر كنوز الحسنات, فهي أحب الكلمات لرب البريات, قال النبي صلى الله عليه وسلم « أَحَبُّ الْكَلاَمِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ,لاَ يَضُرُّكَ بَأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ "وهي الكنز الباقي حين تفنى الكنوز,
قال ابن القيم: دور الجنة تبني بالذكر، فإذا أمسك الذاكر عن الذكر أمسكت الملائكة عن البناء،
يا أيها الراغبون للكنوز والأجور؛ يا من تطمحون للربح الباقي إن كلمة "الحمد لله تملأ الميزان، وإن سبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السّماوات والأرض, قالها النبي صلى الله عليه وسلم
, ولقد قال أيضاً " أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف سنة؟ يسبح مائة تسبيحة فيكسب ألف حسنة"
وحين تُنصب الموازين, ويبحث المرء عما يُثقل كفة حسناته, فإن سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده لخفيفتان على اللّسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرّحمن.
وحين يتسابق الناس إلى الله فاعلم أن الذاكرين لله أسبق الناس, ولقد جاء فقراء الصحابة يوماً إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكون سبق الأغنياء لهم بالصدقات, فدلهم على عملٍ إن قاموا به سبقوا الأغنياء, أن يذكروا الله ويسبحوه
وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله : { إنّ ما تذكرون من جلال الله: التسبيح، والتهليل، والتحميد، ينعطفن حول العرش، لهنّ دويّ كدويّ النحل، تذكّر بصاحبها، أما يحب أحدكم أن يكون أو لا يزال له من يذكّر به رواه ابن ماجه،
وعن أبي ذر قال: قال رسول الله : { ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟ إن أحبّ الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده } [رواه مسلم].
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس)).
ماتت ابنة احد الصالحين فراها في المنام فسألها عن حالها فقالت له: يا أبت، نحن هنا نعلم ولا نعمل وانتم تعملون ولا تعلمون، والله الذي لا اله إلا غيره، أن قول سبحان الله رأيناه خيرا من الدنيا وما فيها.
فيا أيها المبارك سل نفسك ما نصيب الذكر من كلماتك, غبن أن تتحدث كثيراً لكن كلماتك تصب في ميزان السيئات, تقصير أن تثني على فلان وفلان, وتنسى الثناء على الرحيم الرحمن, وربكم يحث الثناء كما في الحديث
حِرمانٌ أن يرزقك الله اللسان, ثم لا تلهج به في شكر الكريم سبحانه , كم تمكث من الأوقات فارغاً, في عملك ووظيفتك , في ليلك ونهارك, فهل ملأت الصحائف من أيسر الأعمال وأشرفها, وهو ذكر الله,
معشر الكرام: وذكر الله أوسع من تسبيحه وتحميده, فقاريء القرآن إذ يتلو الآيات ذاكر لله, بل القرآن أشرف الذكر, وطالب العلم إذ يقرأ ويحفظ ذاكر لله, ومعلم الناس الخير ذاكرٌ لله كذلك.
قال تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأصِيلاً } [ الأحزاب : 41- 42] .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:«مَنْ عَجَزَ مِنْكُمْ عَنِ الْعَدُوِّ أَنْ يجاهدَهُ، وَعَنِ اللَّيْلِ أَنْ يكابدَهُ، فَلْيُكْثِرْ ذَكَرَ اللَّهِ» [الطبراني في الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان].
وثبت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ ، قَالَ :«لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» [الترمذي] .
• بار ك الله لي ولكم ............
الخطبة الثانية
الحمد لله ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله النبي الأمي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. امابعد
قال ابن مسعود : قال موسى عليه السلام :
رب أي الأعمال أحب إليك أن أعمل به ؟ قال :
ــ تذكرني فلا تنساني.
وقال أبو إسحاق بن ميثم : بلغني أن موسى عليه السلام قال :رب أي عبادك أحب إليك ؟ قال :
ــ أكثرهم لي ذكرا .
• قال ميمون بن سياه:
"إذا أراد الله بعبدهِ خيرًا حبَّبَ إليه ذكرَه
قال ذو النون : من اشتغل قلبه ولسانه بالذكر ؛
قذف الله في قلبه نور الاشتياق إليه.
• كان خالد بن معدان يسبح كل يوم أربعين ألف تسبيحة سوى ما يقرأ من القرآن،فلما مات وضع على سريره ليغسل ، فجعل يشير بأصبعه يحركها بالتسبيح.
* وقيل لعمير بن هانئ : ما نرى لسانك يفتر ، فكم تسبح كل يوم ؟
قال مائة ألف تسبيحة ، إلا أن تخطئ الأصابع ، يعني أنه يعد ذلك بأصابعه
* سمع الشبلي قائلا يقول : يا الله يا جواد ، فاضطرب :
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى
فهيّج أشـــواق الفؤاد ومـــــا يدري
• هكذا ذكر المحبّين ..!
فلننظر من أي الذاكرين نحن !
رحمنا ورحمكم الله ..
عباد الله ألا وإنّ في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرةألا وهي جنة الذاكر :
قال الحسن البصري -رحمه الله تعالى-: "تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة، وفي الذكر، وفي قراءة القرآن، فإن وجدتم وإلا فالباب مغلق".
وقال مالك بن دينار -رحمه الله تعالى-: "ما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله -عز وجل-، فليس شيء من الأعمال أخف مؤونة منه، ولا أعظم لذة، ولا أكثر فرحة وابتهاجاً للقلب".
وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: "ما عَمِل العبد عملاً أنجى له من عذاب الله, من ذكر الله".
أفضل الذاكرين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يفتر عن ذكر ربه، ولا يسأم من طاعته، ولا يأنس بغيره، إذا ذكر الله خشع قلبه، ولان فؤاده، واقشعر جسده، وأسبل الدمع مدراراً،
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أكمل الخلق ذكرا لله -تعالى-، بل كان كلامه كله ذكراً، ففي صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحيانه".
عباد الله ليس الذاكر من همهم بلسانه وقلبه مصر على الذنوب، أو هز رأسه دون خشية علام الغيوب، فما قيمة حركة الشفتين والقلب وسنان وما أثر الهمهمة في فؤاد نعسان.
قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)[الأنفال: 2].
وقال تعالى: (فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)[الحـج: 34-35].
إننا نشكو قسوة قلوبنا، وجفاف دموعنا، وانشغالنا بعيوب غيرنا عن عيوننا.
شكا رجل قسوة قلبه إلى الحسن البصري -رحمه الله تعالى- فقال: "أذبه بذكر الله -تعالى-".
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)[الزمر: 23].
عباد الله قال تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ)[الحشر: 19].
وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من ساعة تمر بابن آدم لم يذكر الله فيها إلا حسر عليها يوم القيامة".
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما جلس قوم مجلساً فلم يذكروا الله فيه إلا كان عليهم ترة، وما من رجل مشى طريقاً فلم يذكر الله -عز وجل- إلا كان عليه ترة، وما من رجل أوى إلى فراشه فلم يذكر الله إلا كان عليه ترة" [رواه أحمد.
ايها المسلمون من فوائد الذكر :
1- أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره.
2- أنه يرضي الرحمن عزوجل.
3- أنه يزيل الهم والغم عن القلب .
4- أنه يجلب للقلب الفرح والسرور.
5- أنه يقوي القلب والبدن .
6- أنه ينور الوجه والقلب.
7- أنه يجلب الرزق.
8- أنه يحط الخطايا.
9- أنه سبب نزول السكينة .
10- أنه غراس الجنة .
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا من الذاكرين له , وأن ينفعنا بما قلنا وأن يوفقنا في الدنيا والآخرة , إنه جواد كريم و وصلووسلمو على خير اليرية
اخوكم عبدالوهاب المعبأ
773027648
*حنين المحبين*
إعداد عبدالوهاب المعبأ
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي شرح قلوب الصالحين لذكره، وأعانهم على عبادته وشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد في ملكه وأمره، وعد أولياءه بتوفيقه ونصره، وتوعد أعداءه بعذابه وقهره.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله الذاكر لله، والمعتمد على مولاه في عسره ويسره، والمجاهد في سبيل الله بماله وعمره، فقهر الأعداء بتوكله وصبره، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله حق تقاته، وبادروا بالعمل الصالح أعماركم فإنها ستفنى، واعلموا ـ يا عباد الله ـ أن أجسادكم على النار لا تقوى، كم من مؤمل قصر به أمله، وكم ساه غافل أدركه أجله، ما أقصر الحياة وأقلها، دار دنيئة تغر المتعلقين بها، ثم تولي عنهم أحوج ما يكونون إليها، ((لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء))، و((الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه)).
إذا كان هذا هو حال الدنيا وهذه نهايتها فاجعلوها في طاعة ربكم وفي مرضاته، ولقد أرسل الله محمدًا رحمة للعالمين، يخرجهم من الظلمات إلى النور، فكان من رحمته أن دل الأمة على كل خير، وحذرهم من كل شر، لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ. في الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ((اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)).
أين المشمرون إلى الله، المتجهون إليه قبل أن يأتيهم الموت، فيدع الإنسان ماله وأهله، ويبقى معه عمله؟! أين من يعمل على بناء دار مقره ودار منتهاه؟! وإن البناء ليسير على من يسره الله عليه.
لما كان ليلة الإسراء لقي النبي إبراهيم الخليل، فقال: ((يا محمد، أخبر أمتك أن الجنة قيعان، وأن غراسها التهليل والتسبيح والتحميد والتكبير)). وفي القرآن: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا، فمن أكثر من ذكر الله حفظه الله في حال صحته وشبابه وفراغه وفي حياته وبعد موته.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تستقل الشمس فيبقى شيء من خلق الله إلا سبَّح الله بحمده , إلا ما كان من الشياطين و أغبياء بني آدم " حسنه الألباني .
ـ و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أوصيك بتقوى الله تعالى , فإنه رأسُ كلِ شيء , وعليك بالجهاد , فإنه رهبانية الإسلام , وعليك بذكر الله , وتلاوة القرآن , فإنه روحُك في السماء , وذكرك في الأرض " حسنه الألباني
عباد الله: إن أزكى الأعمال وخير الخصال وأحبَّها إلى الله ذي الجلال ذكر الله تعالى؛ روى الترمذي وغيره عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فيضربوا أعناقكم وتضربوا أعناقهم؟!"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "ذكر الله تعالى".
عباد الله- اهل الذكر هم الذين أعدّ الله لهم المنزلة الكريمة والثواب العظيم: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب: 35].
. أيها المؤمن الذاكر هنيئاً لك أن يذكرك الله .. ؟
اذا ذكرته قال تعالى{ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ }
• وقال خير الذاكرين صلى الله عليه وسلم يروي عن ربه ( من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ) رواة البخاري ومسلم واللفظ للبخاري .
ومنهم من عاهد الله على ذكره وشكره وحسن عبادته فألسنتهم وقلوبهم تلهج دائمًا بذكر الله، وهؤلاء قال الله فيهم: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 35]،
فحري بالمسلم أن يشغل وقته كله بذكر الله تعالى.
نعم إنه الذكر للمولى من أعطيه اتّصل، ومن مُنِعَه عُزِل، وهو القوت والسلاح به تُطفأ حرائق الذنوب, وتُداوى أسقام النفوس
الذاكرون لله هم أولوا الألباب (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
مجالس الذكر أشرف المجالس, تحفها الملائكة, وتتنزل عليها السكينة, وتغشاها الرحمة, وما مجلس خلا من ذكرٍ إلا كان ترةً وحسرةً على أصحابه كما في الحديث.
الذكر أيها الكرام ليس له وقت, بل في كل آن, نصلي فنذكر الله, نحج فنذكر الله ( واذكروا في الله في أيام معدودات) نجاهد فنذكر الله (ذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
لا مساوة بين بيت يسمع الذكر في جنباته, وبيت تصدح الأصوات المنكرة فيه,«ومَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِى يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ وَالْبَيْتِ الَّذِى لاَ يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَىِّ وَالْمَيِّتِ »رواه مسلم
لا مساوة بين من ربه على قلبه ولسانه, يذكره ويلهج باسمه, ومن هو غافل لاهٍ, القلب غافل, ولسانه يذكر كل شيء إلا الله
ذكر الله -عباد الله- هو حياة القلوب, فلا حياة لها إلا به، روى البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت".
يقول أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: "لكل شيء جلاء، وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل , ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، وجلاؤه بالذكر، فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء".
فإذا اضطربت النفس وحار القلب فماذا نفعل وقتئذ, وإذا أرقت العيون فسهرت فلم تنم فماذا نفعل حينئذ, وإذا اشتدت الكروب وكثرت المصائب وعصفت الخطوب فماذا نفعل عندئذ، وإذا كثرت الهموم والغموم وتفشت السموم، فماذا نفعل عند ذاك، وأي عمل نقوم به لنذهب من سمائنا الغموم، وأين الدواء لهذا الداء داء القلق والإضراب النفسي. إنه يا معشر المسلمين ذكر الله (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللًّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [يونس: 28].
فيكفيك أيها المهموم - لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين - , قالها يونس في بطن الحوت ولو لم يقلها للبث في بطنه إلى يوم يبعثون.
ويكفيك أيها الخائف أن تقول: حسبي الله ونعم الوكيل, قالها إبراهيم وهو في النار فانقلب بفضل الله من حال إلى أحسن حال.
يكفيك يا من ضاق عليك رزقك أن تقول: أستغفر الله العظيم , فمن لازم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب.
عباد الله: وهل هناك أشرف من الحسنات نطلبها, ومن الجنة نرغبها, وفي الذكر كنوز الحسنات, فهي أحب الكلمات لرب البريات, قال النبي صلى الله عليه وسلم « أَحَبُّ الْكَلاَمِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ,لاَ يَضُرُّكَ بَأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ "وهي الكنز الباقي حين تفنى الكنوز,
قال ابن القيم: دور الجنة تبني بالذكر، فإذا أمسك الذاكر عن الذكر أمسكت الملائكة عن البناء،
يا أيها الراغبون للكنوز والأجور؛ يا من تطمحون للربح الباقي إن كلمة "الحمد لله تملأ الميزان، وإن سبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السّماوات والأرض, قالها النبي صلى الله عليه وسلم
, ولقد قال أيضاً " أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف سنة؟ يسبح مائة تسبيحة فيكسب ألف حسنة"
وحين تُنصب الموازين, ويبحث المرء عما يُثقل كفة حسناته, فإن سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده لخفيفتان على اللّسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرّحمن.
وحين يتسابق الناس إلى الله فاعلم أن الذاكرين لله أسبق الناس, ولقد جاء فقراء الصحابة يوماً إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكون سبق الأغنياء لهم بالصدقات, فدلهم على عملٍ إن قاموا به سبقوا الأغنياء, أن يذكروا الله ويسبحوه
وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله : { إنّ ما تذكرون من جلال الله: التسبيح، والتهليل، والتحميد، ينعطفن حول العرش، لهنّ دويّ كدويّ النحل، تذكّر بصاحبها، أما يحب أحدكم أن يكون أو لا يزال له من يذكّر به رواه ابن ماجه،
وعن أبي ذر قال: قال رسول الله : { ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟ إن أحبّ الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده } [رواه مسلم].
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس)).
ماتت ابنة احد الصالحين فراها في المنام فسألها عن حالها فقالت له: يا أبت، نحن هنا نعلم ولا نعمل وانتم تعملون ولا تعلمون، والله الذي لا اله إلا غيره، أن قول سبحان الله رأيناه خيرا من الدنيا وما فيها.
فيا أيها المبارك سل نفسك ما نصيب الذكر من كلماتك, غبن أن تتحدث كثيراً لكن كلماتك تصب في ميزان السيئات, تقصير أن تثني على فلان وفلان, وتنسى الثناء على الرحيم الرحمن, وربكم يحث الثناء كما في الحديث
حِرمانٌ أن يرزقك الله اللسان, ثم لا تلهج به في شكر الكريم سبحانه , كم تمكث من الأوقات فارغاً, في عملك ووظيفتك , في ليلك ونهارك, فهل ملأت الصحائف من أيسر الأعمال وأشرفها, وهو ذكر الله,
معشر الكرام: وذكر الله أوسع من تسبيحه وتحميده, فقاريء القرآن إذ يتلو الآيات ذاكر لله, بل القرآن أشرف الذكر, وطالب العلم إذ يقرأ ويحفظ ذاكر لله, ومعلم الناس الخير ذاكرٌ لله كذلك.
قال تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأصِيلاً } [ الأحزاب : 41- 42] .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:«مَنْ عَجَزَ مِنْكُمْ عَنِ الْعَدُوِّ أَنْ يجاهدَهُ، وَعَنِ اللَّيْلِ أَنْ يكابدَهُ، فَلْيُكْثِرْ ذَكَرَ اللَّهِ» [الطبراني في الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان].
وثبت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ ، قَالَ :«لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» [الترمذي] .
• بار ك الله لي ولكم ............
الخطبة الثانية
الحمد لله ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله النبي الأمي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. امابعد
قال ابن مسعود : قال موسى عليه السلام :
رب أي الأعمال أحب إليك أن أعمل به ؟ قال :
ــ تذكرني فلا تنساني.
وقال أبو إسحاق بن ميثم : بلغني أن موسى عليه السلام قال :رب أي عبادك أحب إليك ؟ قال :
ــ أكثرهم لي ذكرا .
• قال ميمون بن سياه:
"إذا أراد الله بعبدهِ خيرًا حبَّبَ إليه ذكرَه
قال ذو النون : من اشتغل قلبه ولسانه بالذكر ؛
قذف الله في قلبه نور الاشتياق إليه.
• كان خالد بن معدان يسبح كل يوم أربعين ألف تسبيحة سوى ما يقرأ من القرآن،فلما مات وضع على سريره ليغسل ، فجعل يشير بأصبعه يحركها بالتسبيح.
* وقيل لعمير بن هانئ : ما نرى لسانك يفتر ، فكم تسبح كل يوم ؟
قال مائة ألف تسبيحة ، إلا أن تخطئ الأصابع ، يعني أنه يعد ذلك بأصابعه
* سمع الشبلي قائلا يقول : يا الله يا جواد ، فاضطرب :
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى
فهيّج أشـــواق الفؤاد ومـــــا يدري
• هكذا ذكر المحبّين ..!
فلننظر من أي الذاكرين نحن !
رحمنا ورحمكم الله ..
عباد الله ألا وإنّ في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرةألا وهي جنة الذاكر :
قال الحسن البصري -رحمه الله تعالى-: "تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة، وفي الذكر، وفي قراءة القرآن، فإن وجدتم وإلا فالباب مغلق".
وقال مالك بن دينار -رحمه الله تعالى-: "ما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله -عز وجل-، فليس شيء من الأعمال أخف مؤونة منه، ولا أعظم لذة، ولا أكثر فرحة وابتهاجاً للقلب".
وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: "ما عَمِل العبد عملاً أنجى له من عذاب الله, من ذكر الله".
أفضل الذاكرين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يفتر عن ذكر ربه، ولا يسأم من طاعته، ولا يأنس بغيره، إذا ذكر الله خشع قلبه، ولان فؤاده، واقشعر جسده، وأسبل الدمع مدراراً،
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أكمل الخلق ذكرا لله -تعالى-، بل كان كلامه كله ذكراً، ففي صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحيانه".
عباد الله ليس الذاكر من همهم بلسانه وقلبه مصر على الذنوب، أو هز رأسه دون خشية علام الغيوب، فما قيمة حركة الشفتين والقلب وسنان وما أثر الهمهمة في فؤاد نعسان.
قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)[الأنفال: 2].
وقال تعالى: (فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)[الحـج: 34-35].
إننا نشكو قسوة قلوبنا، وجفاف دموعنا، وانشغالنا بعيوب غيرنا عن عيوننا.
شكا رجل قسوة قلبه إلى الحسن البصري -رحمه الله تعالى- فقال: "أذبه بذكر الله -تعالى-".
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)[الزمر: 23].
عباد الله قال تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ)[الحشر: 19].
وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من ساعة تمر بابن آدم لم يذكر الله فيها إلا حسر عليها يوم القيامة".
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما جلس قوم مجلساً فلم يذكروا الله فيه إلا كان عليهم ترة، وما من رجل مشى طريقاً فلم يذكر الله -عز وجل- إلا كان عليه ترة، وما من رجل أوى إلى فراشه فلم يذكر الله إلا كان عليه ترة" [رواه أحمد.
ايها المسلمون من فوائد الذكر :
1- أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره.
2- أنه يرضي الرحمن عزوجل.
3- أنه يزيل الهم والغم عن القلب .
4- أنه يجلب للقلب الفرح والسرور.
5- أنه يقوي القلب والبدن .
6- أنه ينور الوجه والقلب.
7- أنه يجلب الرزق.
8- أنه يحط الخطايا.
9- أنه سبب نزول السكينة .
10- أنه غراس الجنة .
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا من الذاكرين له , وأن ينفعنا بما قلنا وأن يوفقنا في الدنيا والآخرة , إنه جواد كريم و وصلووسلمو على خير اليرية
اخوكم عبدالوهاب المعبأ
773027648