خطبة: حقوق الجـيران

خالد الشريف
1446/07/05 - 2025/01/05 21:28PM

الخطبة الأولى:

الحمدُ لِلّهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفِرُهُ ونتوبُ إليه، ونعوذُ بِاللّهِ مِن شُرورِ أنفُسِنا، ومِن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِهِ اللّهُ فلا مُضِلًّ لهُ، ومن يُضلِل فلا هادي لهُ، وأشهدُ أنّ لا إلهً إلّا اللّهُ وحدهُ لا شريكً لهُ، وأشهدُ أنّ مُحمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.

معاشِر المُؤمِنين: إنّ مِن أكبرِ المعاني السّاميَة النبيلةِ الّتي طمست المدنيّةُ معالِمها في أكثرٌ البِلادِ "حُقوق الجِوارِ والبيئةِ الجِواريّة" ومعرِفةً ما لِكلٍّ مِنهُما مِن واجِبٍ أصيلٍ في عُنُقِ المُجاوِرِ .

الإسلامُ العظيمُ - معشرُ المُؤمِنين - اِرتقى بِهذا الموْضوعِ إلى الحدِّ الّذي لا مزيدً عليه في التميُّز ؛ فهوَ قرينُ الإيمانِ بِاللهِ رُبّ العالميْنِ وبُرهانٌ على صِدقِ صاحِبِهِ فيه؛ ففي البخاري قال النبيُّ " وَاللهُ لَا يُؤَمِّنْ وَاللهَ لَا يُؤَمِّنْ وَاللهَ لَا يُؤَمِّنْ "، قِيلَ مِنْ يا رَسُولُ اللهِ ؟، قَالَ :" مِنْ لَمْ يَأْمَنْ جَارُهُ بَوَائِقَهُ "( رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ )؛ أَيُّ شُرُورِهِ وأذاه ومخازيه، بَلْ أَوْجَبُ عَلَى الْمُتَجَاوِرِينَ الْقيام بِحُقوقِ الْجِوَارِ وَالْبِيئَةَ الْجِوارِيَّةَ وَلَوْ مَعَ الْاِخْتِلاَفِ فِي الدِّينِ ؛ فكيْفَ إذا كانَ الحيُّ كامِلًا مُسلِمًا للهِ رُبّ العالميْنِ ؟! عن مُجاهِدٍ - رُحِمهُ الله - عن عبدِ اللَّهِ بنِ عَمرٍو - رضي الله عنه - ، أنَّهُ ذبحَ شاةً فقالَ : أَهْدَيتُمْ لجاري اليَهوديِّ، فإنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ ﷺ يقولُ: "ما زَالَ جبريلُ يوصيني بالجارِ، حتَّى ظنَنتُ أنَّهُ سيُورِّثُهُ".

أيُّها الإخوَة في اللهِ : إنّ القيام بِحُقوقِ الجِوارِ فريضةُ شرعيّةٌ قرآنية نبويّةٌ، مِن قصّرَ فيها فإنّما قصّر في الإيمانِ !، وأشِدُّ ما تتأكّدُ حُقوق الجِوارِ والبيئةِ الجِواريّة شرعًا، في العِماراتِ والتّجمُّعاتِ السّكنيّة المُشتركة المنافِع ؛ فالنّاسُ يعيشون فيها في طوابِقِ وشُقق، وهُم مُشتركون في القُربِ والمدخل والمخرج والسُّلّم والحيّ الخارِجيّ والخِدمات الحيَويّةُ، فتتأكّدُ الحُقوق في أعناقِهُم جميعا أكثرُ مِن أيْ صورةُ أُخرى في الجِوارِ ؛ لِأنّ لهُم حقّا مُشتركاً في الأمنِ والسّلامة، وحقّا مُشتركاً في الرّاحةِ والنّوْم، وحقّا مُشتركاً في التّقديـر والاِحتِرام، وحقّا مُشتركاً في النّظافةِ والجمال، وحقّا مُشتركاً مُشاعاً في مُرافِقِ الحيِّ بِأكملِهِ .

معاشِر المُؤمِنين : ماذا لوْ حاسبنا أنفسُنا على حُقوقِ الجِوارِ والبيئة الجِواريّةُ المُشتركةُ ؟، تُرى كم مِن النّاسُ الآن مِمّن لم يبق لهم إلا أن يحمِلوا جيـرانهُم على طرح متاعِهم خارِج الدّار؟ بل وترِك ديّارهُم وبيْعها بأبخس الأثمان بِسببِ سوءِ العِشرةِ والجِوار؟ نسألُ اللّه السّلامةُ والعافيَةُ .

كم مِن النّاسُ اليَوْم مِمّن يحِرم جيـرانهُ الحقّ في الرّاحةِ والنّوْم بِسببِ السّهرِ الطّويلِ والصياحِ الشّديدِ والضّـجيجُ المزعِج في أوْقاتِ الرّاحةِ؟ وكم مِن الجيـرانِ اليَوْم مِمّن يحرمُ جيـرانهُ الحقِّ في التّقديـر والاِحتِرام واِمتِلاكُ البيئةِ التّربويَةِ النّقيّةِ ؛ بِسببِ سوءِ تربيَةِ أوْلادِهِ وتجمُّعهُم في مداخِلِ العِمارةِ وسلالِمُها وأرصفةُ الحيِّ، ثُمّ لا يخرُج مِنهُم إلّا الكفرُ والسّبّابُ والشّتيمة والكلامُ الفاحِشُ، وكم مِن الجيـرانِ اليَوْم مِمّن يحرُمُ جيـرانُهُ الحقِّ في الأمنِ والسّلامة، بِسببِ اِستِجلابِ أوْلادِهِ لِلغرباءِ عنِ الحيِّ وجُلوسُهُم مُقابِلُ بُيوتِ النّاسِ وأبوابهُم لِمُراقِبةِ أحوالِهُم وسيّاراتِهُم وضبطُ دقّاتِ حياتِهُم مع فتحِ بابِ التّـرويجِ لِلفواحِشِ والسّرِقاتُ والمُنكِراتُ؟

وكم مِن الجيـرانِ اليَوْم مِمّن يحرُمُ جيـرانُهُ مِن الحقِّ في البيئةِ الجِواريّةُ النّظيفةُ بِسببِ سوءِ تصريفِ الأوْساخِ والنُّفاياتِ وسوءُ تربيَةِ أوْلادِهِ على تكسيـر الإنارةِ العُموميّةِ وتخريبُ الأبوابِ والنّوافذِ ومُمتلكاتُ الحيِّ وجمالياتِ الطّبيعةِ والكِتابة على الجُدرانِ .؟

كُلُّ هذِهٍ التّصرُّفاتُ وغيـرها يُؤكِّد مُدى حساسيّةِ موْضوعِ البيئةِ الجِواريّةُ المُشتركةُ، وكيْف أنّ الرّاحة والسّعادة لا تتحصّل فيها إلّا بِصُلاّحِ الأفرادِ والأسر والأبناء جميعًا، ولِذلِك قال رسولُ اللهِ " اُستُعيذوا بِاللهِ مِن شرِّ جارِ المُقامِ، فإنّ جار المُسافِرِ إذا شاء أن يُزايِل زايَل"(رواه البخاري في الأدب المفرد).

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكمْ فِي الْقُرْانِ الْعَظِيمِ .

----------------------------------------

الخطبة الثانية:

الحمدُ لِلّه حمداً طيِّباً كثيـراً مُباركاً فيه كما يُحِبُّ ربُّنا ويـرضى، وأشهد أن لا إله إلّا اللّه وحدهُ لا شريك له، وأشهدُ أنّ مُحمّداً عبدُه ورسولُه، أمّـا بعد:

معاشِر المُؤمِنين: هذِه دعوَة لمِن أُراد الفوْز بالجنة والرِّضوان، والنّجاة بِنفسُه وأهلهِ وبنيَه مِن النّيران، أن يتعهّد حُقوق الجار والبيئة الجِواريّة الّتي يسكُنُها على الدّوام، وبِكُلّ مُبادرة وإيجابيّة ومُقاوَمة لِلرّداءة .

دعوَةٌ لِأن يُربّيَ أوْلادهُ وأهل بيْتِهِ على ذلِك على الدّوامِ ويُتابِعهُم ويُحاسِبهم عليه ويَكون دقيقُ المُتابعةِ والمُلاحظة .

دعوَةٌ لِأن يسأل جيرانهُ ويُنسِّق معهُم في كيْفيّةِ تحقيقِ المقاصِدِ النفعيّةِ المُشتركة في الحيِّ، وفي كيْفيّةِ التّنسيقِ جميعًا لِإيصالِ الصّوْتِ والمُطالِبِ إلى المسؤولين بِكُلُّ تنظيم وروْحٍ حضاريّة .

دعوَةٌ لِأنّ يكونُ كُلُّ واحِدٍ مُنّا أوّل مِن يتعاهدُ ذلِك مِنه ومن أهلِ دارِهِ وأبنائِهِ جميعًا ليَسلم لهُ دينهُ وإيمانهُ وعرضهُ في الدُّنيا والآخِرة ..

وأُبشِرُ - أخي الحبيب - إنّ كِنت مِن الحريصين على هذا، أبشِر بِقبولِ اللهِ سبحانه لشهادة جيرانِك فيك وفي إيجابيّتِك وإحسانِك، فهي شهادةٌ عزيزةٌ غاليَةٌ :ففي حديث أبي هُريرةَ - رضي الله عنه -  أن النبي قال: " ما من عبدٍ مسلمٍ يموتُ فيشهدُ له ثلاثةُ أبياتٍ من جيرانِه الأدنَيْن بخيرٍ إلَّا قال اللهُ عزَّ وجلَّ : قد قبِلتُ شهادةَ عبادي على ما علِموا ، وغفرتُ له ما أعلمُ"(صحيح الترغيب والترهيب).

 

ثُمَّ صَلُّوا وَسِلِّمُوا.

المشاهدات 205 | التعليقات 0