(خطبة) حفظ المال والحذر من السرقة من بيت المال

خالد الشايع
1446/06/04 - 2024/12/06 05:51AM

 الخطبة الأولى ( نعمة المال والمحافظة عليه والتحذير من العبث بالمال العام )     (منقحة)     5/6/1446

أما بعد فيا أيها الناس: إن نعم الله علينا كثيرة  ، يعجز العبد عن إحصائها ، ومن جملتها ، ذلك المال الذي وهبنا الله ، الذي جعله قوام الحياة ، فلا عيش للناس بدونه ، فهو عصب الحياة ، وبه يعف الإنسان وجهه عن سؤال الناس ، وبه يتصدق العبد ، وينال الأجور العظيمة .

عباد الله : إن الناظر في حالنا هذه الأيام يرى الخبط واللبط بالمال ، وصرفه في غير وجهه ، بل فيما حرم على العبد ، اتخذ المال لقضاء الشهوات ، والمفاخرة ، ولنعلم أن ما رزقنا الله تعالى من الأموال وانفتاح الدنيا وزينتها ما هو إلا متاع، يتمتع به العبد برهة من الزمن ، ثم عما قليل يزول أو يزول عنه صاحبه، فالمال نعمة من الله تعالى على خلْقه؛ فإذا استعمله في طاعته فهي فتح باب رحْمته وبركته؛ قال تعالى في أهل الكتاب: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾ [المائدة: 66]، فدلَّ هذا على أن المال بيد المطيع نِعْمةٌ، وخير نافع في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]، ويقول الله تعالى في قوم نوح: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10، 12]، ويقول الله - عز وجل - في الوليد بن المغيرة الذي نصب العداوةَ لمحمد صلى الله عليه وسلم، ولم يشكر الله تعالى على ما رزقه من الأموال والأولاد: ﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا ﴾ [المدثر: 11 - 13].

 فالمال عباد الله إن استُعمِل في طاعة الله تعالى، فهو نعمة، وإن استُعمِل في معصية الله تعالى كان نقمة، وباب سوء وعذاب؛ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44]

"أي: أَعرَضوا عنه وتَناسَوه وجعلوه وراء ظهورهم، ﴿ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾؛ أي: فتحنا عليهم أبوابَ الرزق من كلِّ ما يختارون، وهذا استدراج منه تعالى، وإملاء لهم؛ عياذًا بالله من مكْره؛ ولهذا قال: ﴿ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا ﴾؛ أي: من الأموال والأولاد والأرزاق، ﴿ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾ ؛ أي: على غَفْلة، ﴿ فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾؛ أي: آيسون من كل خير، قال الحسن البصري - رحمه الله -: ومَن وسَّع الله عليه فلم يرَ أنه يَمْكُر به، فلا رأي له، فلا رأي له، ثم قرأ: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾، قال: مكَر بالقوم وربِّ الكعبة، أُعطوا حاجتهم ثم أُخِذوا".

 معاشر المسلمين : إن هذه الدنيا ملئت بالشهوات والفتن ، ابتلاء ومحنة للعباد ، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري  عن النبي ﷺ قال: إن الدنيا حلوة خَضِرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء  .

فقوله حلوة خضرة يعني تفتن بما فيها من جمال وشهوات وألوان الزينة ، ( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا )

فلنعرف قيمة المال ، ليكون عونا لنا على الطاعة ، ولا نصرفه فيما حرم الله فتحل النقمة ويسلب المال .

اللهم ارزقنا شكر نعمك واجعلنا نستخدمها في طاعتك

أقول قولي هذا ..........

 

                                        الخطبة الثانية

أما بعد فيا أيها الناس : إن المسلم مطالب أن يحافظ على المال الخاص به ، سواء في كسبه أو إنفاقه ، أخرج الترمذي في جامعه من حديث أبي برزة نضلة بن عبيد الأسلمي  قال رسول الله ﷺ: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟

قوله: وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، يعني هل اكتسبه من طريق مباح أو من طريق شبهات؟ أو أن القاعدة عنده: أن الحلال ما حل باليد ؟

وقوله : وفيم أنفقه، ماذا فعل بهذه الأموال؟ هل صرفها في معصية؟ هل أضاع هذه الأموال بالإسراف والمباهاة والتبذير، أو وضعها في أمور من التوافه والسفه الذي لا يرضاه الله  ؟، والله   يقول: وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً [النساء:5]، فمن ضياع المال، وضعه بأيدي من يضيعونه من النساء والصبيان، فيكون تلفا لهذه الأموال التي ابتلاه الله بها .

عباد ا لله : لقد ضاعت الأموال في الكماليات ،وما لا فائدة فيه ، وكل هذا سنسأل عنه يوم القيامة .

ويعظم الأمر عندما يستخدم المال العام ، الذي هو من بيت مال المسلمين ، يستخدم في الأغراض الخاصة خارج العمل ، أو يستخدم بعنف ، فيتلف في أيام قلائل ، ولو كان المال له لحافظ عليه .

هل تعلم أن المال العام سيكون خصماؤك فيه كلَ المسلمين .

ونسمع من يقول ممن قل دينه وعلمه ، هذا من بيت مال المسلمين فيكون حلالا .

وتعظم المصيبة إذا سرق الموظف من المال العام بتأويل أو بلا تأويل ، فيكون بذلك خان الأمانة ، وسرق أموال الناس ، ونشر الفساد في الأرض .

وهاهي هيئة مكافحة الفساد ترصد المفسدين وتتابعهم بلا هوادة ، فالواجب التعاون معها في فضح المتلاعبين بالمال العام ، وعدم تركهم يعبثون بمال المسلمين ، ويحوزونه لهم ، أفلا يعلمون أنهم سيحاسبون على كل قرش أخذ بغير حقه ،

معاشر المؤمنين: إن خير ما أنفقت فيه الأموال ، هو مرضاة الله ، فمن أراد أن يكون ماله معه في الآخرة فلينفقه الآن ، فمالك ماقدمت ، وما أخرت فهو للورثة .

ألا بذلت شيئًا من المال فيما يُقدِّمك إلى الآخرة، وفيما تكون به قدوة، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ.))، فإذا لم تُقدِّم صدقة، ولم تُخلف عِلمًا، ولم تَقُم بإصلاح الولد، بل ربما أَعَنته على اللهو والفساد، فماذا ترجو من مالك المكدَّس الذي سهرت عليه ليلك، وأمضيت فيه نهارك، وأتعبت فيه فِكْرَك وجسمك؟ فاتقِ الله تعالى يا أخي المسلم، واصرف مالك في وجوه الخير، واحمد الله تعالى على ما أنت فيه من نِعَم ، فاحرص على ترتيب أمور آخرتك فلن يرتبها إلا أنت ، وأنت في حياتك : ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ﴾ [المزمل: 20].

اللهم وفقنا لهداك .........
اللهم أغثنا...

 

 

المرفقات

1733453513_خطبة عن حفظ المال العام والتحذير من الفساد.docx

المشاهدات 491 | التعليقات 0