خطبة : ( حضرت العشر فشمروا )

عبدالله البصري
1438/09/20 - 2017/06/15 12:46PM
حضرت العشر فشمروا 21 / 9 / 1438
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، بِغُرُوبِ الشَمسِ لَيلَةَ البَارِحَةِ ، دَخَلَتِ العَشرُ الأَوَاخِرُ مِن رَمَضَانَ ، وَبَلَغنَا جَمِيعًا بِذَلِكَ مَوسِمًا مِن أَعظَمِ المَوَاسِمِ لِزِيَادَةِ الإِيمَانِ ، إِنَّهَا أَفضَلُ لَيَالي العَامِ كُلِّهِ عَلَى الإِطلاقِ ، وَالَّتي مَا غَابَت شَمسُ العَامِ عَلَى لَيَالٍ هِيَ أَفضَلُ مِنهَا وَلا أَجَلُّ وَلا أَعظَمُ ، إِنَّهَا العَشرُ الَّتي جَعَلَ اللهُ فِيهَا دُرَّةَ اللَّيالي وَتَاجَهَا وَشَامَتَهَا ، لَيلَةُ القَدرِ الَّتي هِيَ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ ، وَالَّتي مَن أَدرَكَهَا فَقَد فَازَ بِعَظِيمِ الثَّوَابِ وَمُضَاعَفِ الأَجرِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ إِدرَاكَ العَشرِ – أَيُّهَا الصَّائِمُونَ – يُعَدُّ نِعمَةً وَأَيَّ نِعمَةٍ ؟! وَمَن كَانَ مِن ذَلِكَ في شَكٍّ أَو رَيبٍ فَلْيَتَذَكَّرْ كَم مِن نَفسٍ في المَقَابِرِ لم تُدرِكْ رَمَضَانَ ، وَأُخرَى أَدرَكَت أَوَّلَهُ ثم لم تُدرِكْ آخِرَهُ ، وَلْيَتَأَمَّلْ قَولَ رَبِّ العَالَمِينَ : " حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوتُ قَالَ رَبِّ ارجِعُونِ . لَعَلِّي أَعمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكتُ " وَقَولَهُ – سُبحَانَهُ - : " وَأَنفِقُوا مِمَّا رَزَقنَاكُم مِن قَبلِ أَن يَأْتيَ أَحَدَكُمُ المَوتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَولا أَخَّرتَني إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ "
أَمَّا وَقَد نَسَأَ اللهُ في أَعمَارِنَا ، وَمَدَّ لَنَا في آجَالِنَا ، وَفَسَحَ لَنَا فَبَلَغنَا خَوَاتِيمَ رَمَضَانَ وَأَكمَلَ لَيَالِيهِ وَأَفضَلَهَا ، فَلْنَحمَدِ اللهَ عَلَى هَذِهِ النِّعمَةِ الجَلِيلَةِ ، وَلْنَعلَمْ أَنَّ اللهَ – تَعَالى – لم يَجعَلْ لَيلَةَ القَدرِ في العَشرِ الأَوَاخِر مِن رَمَضَانَ إِلاَّ لِشَرَفِهَا وَعِظَمِ قَدرِهَا وَعُلُوِّ مَكَانِهَا ، إِذْ إِنَّهَا لا تَأتي إِلاَّ بَعدَ أَن تَكُونَ نُفُوسُ المُستَعجِلِينَ قَد كَلَّت وَمَلَّت ، وَعَزَائِمُ الخَائِرِينَ قَد ضَعُفَت وَفَتَرت ، وَرَوَاحِلُ المُتَبَاطِئِينَ قَد هَزُلت وَتَقَاصَرَ سَيرُهَا ، وَلم يَبقَ إِلاَّ الصَّابِرُونَ المُجِدُّونَ المُخلِصُونَ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَد أَخَفَاهَا – سُبحَانَهُ – في لَيَالٍ عَشرٍ ؛ لِيَبلُوَنَا أَيُّنَا أَحسَنُ عَمَلاً ، وَيَختَبِرَنَا أَيُّنَا أَعظَمُ صَبرًا ، وَيَمتَحِنَ إِيمَانَنَا وَيَقِينَنَا ، وَيَرَى أَصدَقَنَا وَأَثبَتَنَا في طَلَبِ أَكبَرِ الجَوَائِزِ وَأَعظَمِهَا .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد كَانَ خَيرُ الوَرَى وَأَفضَلُ البَرِيَّةِ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – يَنَامُ في العِشرِينَ الأُولى وَيُصَلِّي ، وَيَقُومُ وَيَرقُدُ ، وَأَمَّا العَشرُ الأَوَاخِرُ فَلَم يَكُنْ يَقضِيهَا في بَيتِهِ أَبَدًا ، وَلا يَضَعُ فِيهَا جَنبَهُ مُتَمَدِّدًا ، وَلا يُغمِضُ طَرفَهُ رَاقِدًا ، لَقَد كَانَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - يُطَلِّقُ الدُّنيَا بِرُمَّتِهَا ، وَيُلقي بِهَا خَلفَ ظَهرِهِ بِأَجمَعِهَا ، وَيَتَخَفَّفُ مِن سَائِرِ أَعمَالِهَا ، بَل وَيَتَفَرَّغُ مِن جَمِيعِ أَشغَالِهَا ، يَشُدُّ مِئزَرَهُ ، وَيَترُكُ نِسَاءَهُ ، وَيَضرِبُ قُبَّتَهُ وَيَعتَكِفُ في مَسجِدِهِ ، وَيُحيِي لَيلَهُ لِيَخلُوَ بِرَبِّهِ . يَخلُو بِهِ فَيُنَادِيهِ وَيُنَاجِيهِ ، وَيَدعُوهُ وَيَرغَبُ إِلَيهِ ، وَيَقُومُ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ شُكرًا للهِ ، وَيُوَاصِلُ صِيَامَهُ اليَومَينِ وَالثَّلاثَةَ ؛ لِعِظَمِ مَا كَانَ يَمتَلِئُ بِهِ قَلبُهُ مِنَ المَعَارِفِ وَالفُتُوحَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ ، وَحُلوِ مَا يَجِدُهُ وَيَستَطعِمُهُ مِنَ الهِبَاتِ السَّمَاوِيَّةِ ، كَانَ يَعِيشُ وَقتَهُ كُلَّهُ لِرَبِّهِ ، وَيَبذُلُ قُصَارَى جُهدِهِ لِمَولاهُ ، هَذَا وَهُوَ أَكثَرُ الأُمَّةِ أَعمَالاً ، وَأَعظَمُهَا أَمَانَةً وَأَشغَالاً ، وَيَحمِلُ مُسؤُولِيَّاتٍ ثِقَالاً ، وَقَد غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ، لَكِنَّهُ مَعَ كُلِّ هَذَا لم يَكُنْ في العَشرِ يُلوِي عَلَى شَيءٍ غَيرِ عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَلا يَهتَمُّ بِشَيءٍ سِوَى مَا يُقَرِّبُهُ مِن مَولاهُ ، يَفعَلُ كُلَّ هَذَا تَحَرِّيًا لِلَيلَةِ القَدرِ ، وَأَمَلاً في إِدرَاكِهَا وَالفَوزِ بِجَزِيلِ الأَجرِ ، وَقَد حَثَّ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – أُمَّتَهُ عَلَى التَّزَوُّدِ مِن بَرَكَاتِ هَذِهِ العَشرِ وَنَدَبَهُم لِتَحَرِّي لَيلَةِ القَدرِ ، عَن عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهَا - قَالَت : كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إِذَا دَخَلَ العَشرُ شَدَّ مِئزَرَهُ وَأَحيَا لَيلَهُ ، وَأَيقَظَ أَهلَهُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَعَنهَا قَالَت : كَانَ رَسُولُ اللهِ يَجتَهِدُ في العَشرِ الأَوَاخِرِ مَا لا يَجتَهِدُ في غَيرِهِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " تَحَرَّوا لَيلَةَ القَدرِ في العَشرِ الأَوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ العَشرَ غَنِيمَةٌ عَظِيمَةٌ ، إِذَا ذَهَبَت وَمَضَت فَلَن تَعُودَ إِلاَّ عَلَى الأَحيَاءِ ، وَهَل لَدَى أَحَدٍ مِنَّا ضَمَانٌ بِأَن يَعِيشَ حَتَّى يُدرِكَهَا مِن قَابِلٍ ؟! أَلا فَلْنَغتَنِمْهَا بِهِمَّةٍ وَنشَاطٍ ، وَلْنَختِمِ الشَّهرَ المُبَارَكَ بِخَيرِ أَعمَالِنَا ؛ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، وَوَاللهِ لَو ضَيَّعَ أَحَدُنَا العِشرِينَ الأُوَلَ ، ثُمَّ بَلَّغَهُ اللهُ خَيرَ اللَّيَالي وَأَفضَلَهَا ، فَعَادَ فِيهَا إِلى رَبِّهِ وَتَابَ مِن ذَنبِهِ ، وَقَامَ مُنَاجِيًا خَالِقَهُ طَالِبًا عَفوَهُ ، لَكَانَ حَرِيًّا بِالخَيرِ الكَثِيرِ وَالرِّبحِ الوَفِيرِ ، كَيفَ لا وَالحَبِيبُ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – يَقُولُ في الحَدِيثِ المُتَّفِقِ عَلَيهِ : " مَن قَامَ لَيلَةَ القَدرِ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ "
فَلْيُدرِكِ العَاقِلُ نَفسَهُ ، وَلْيَنتَبِهِ الحَصِيفُ لِذَاتِهِ ، وَلْيَغتَنِمَ لَيلَةً شَرِيفَةً مُنِيفَةً ، عِبَادَةُ الرَّبِّ فِيهَا تَعدِلُ عِبَادَةَ ثَلاثَةٍ وَثَمَانِينَ عَامًا . إِنَّ التَّعَبَ مَخلُوفٌ ، وَالنَّومَ مُدرَكٌ ، وَقَد خَالَطنَا الدُّنيَا وَاشتَغَلنَا بِهَا حَتَّى أَمرَضَت قُلُوبَنَا وَأَشقَت أَروَاحَنَا ، وَالمَحرُومُ – أَيُّهَا الإِخوَةُ - مَن تَمُرُّ عَلَيهِ لَيلَةُ القَدرِ وَهُوَ في لَهوٍ وَسَمَرٍ ، النَّاسُ مِن حَولِهِ يُصَلُّونَ ، وَيَركَعُونَ وَيَسجُدُونَ ، وَيَذكُرُونَ اللهَ وَيَدعُونَ وَيَبتَهِلُونَ ، وَهُوَ مَشغُولٌ بِمَلءِ بَطنِهِ ، أَو إِسعَادِ عَينَيهِ بِمُشَاهَدَةِ القَنَوَاتِ ، أَو إِمتَاعِ أُذُنَيهِ بِالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالاستِهزَاءِ ، أَو عَاكِفٌ عَلَى سَمَاعِ مَا حَرَّمَهُ اللهُ ، أَو نَائِمٌ في فِرَاشِهِ يَغُطُّ في غَفلَتِهِ وَيَتَقَلَّبُ في أَحلامِهِ ، أَو يَتَمَشَّى في الأَسوَاقِ يَجمَعُ أَغرَاضِ عِيدِهِ وَيُجَهِّزُ مَلابِسَهُ . أَجَل – أَيُّهَا الإِخوَةُ – إِنَّ مَن حُرِمَ الخَيرَ في لَيلَةِ القَدرِ لَهُوَ المَحرُومُ حَقًّا ، وَالَّذِي قَرَّرَ ذَلِكَ هُوَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ الَّذِي لا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى ، حَيثُ قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " إِنَّ هَذَا الشَّهرَ قَد حَضَرَكُم ، وَفِيهِ لَيلَةٌ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ ، مَن حُرِمَهَا فَقَد حُرِمَ الخَيرَ كُلَّهُ ، وَلا يُحرَمُ خَيرَهَا إِلاَّ مَحرُومٌ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ للهِ في كُلِّ لَيلَةٍ عُتَقَاءَ مِنَ النَّارِ ، فَهَل تُرَونَهُم يَكُونُونَ مِن أَهلِ الشَّوَارِعِ اللاَّهِينَ السَّامِدِينَ ، أَم مِن أَحلاسِ المَجَالِسِ الفَارِغِينَ ، أَم مِنَ العَاكِفِينَ الرَّاكِعِينَ السَّاجِدِينَ ؟!
لَيسَ أَسعَدُ النَّاسِ بِالعِيدِ بَعدَ رَمَضَانَ ، مَن ضَيَّعَ وَقتَهُ في لَيَالِ العَشرِ بِتَجهِيزِ الجَدِيدِ ، وَلَكِنَّ أَسعَدَهُم بِالعِيدِ وَأَحرَاهُم بِالفَرَحِ فِيهِ وَالسُّرُورِ وَالحُبُورِ ، هُم أَهلُ العَمَلِ الصَّالحِ وَالقُرُبَاتِ ، وَالصَّلَوَاتِ وَالخَلَوَاتِ وَالدَّعَوَاتِ ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – إِخوَةَ الإِيمَانِ - وَلْنُودِعْ خَيرَ اللَّيالي أَفضَلَ مَا نَقدِرُ عَلَيهِ مِن طَاعَاتٍ وَقُرُبَاتٍ ، وَلٍنَستَثمِرْ دَقَائِقَهَا وَالسَّاعَاتِ ، وَلْنُصَوِّمِ العُيُونَ وَالأَلسِنَةَ وَالآذَانَ وَالقُلُوبَ ، وَلْيَكُنْ لأَحَدِنَا مِنَ الاعتِكَافِ حَظٌّ وَلَو لَيلَةً وَاحِدَةً ، فَمَا زَالَت أَبوَابُ الجَنَّةِ مُفَتَّحَةً ، وَأَبوَابُ النَّارِ مُغَلَّقَةً ، وَمَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ مُصَفَّدَةً ، وَمَا زِلنَا نَعِيشُ أَجوَاءَ النِّدَاءِ الرَّبَّانيِّ العَظِيمِ : " يَا بِاغِيَ الخَيرِ أَقبِلْ ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقصِرْ " وَكَم بَينَ أَيدِينَا مِنَ الفُرَصِ وَالغَنَائِمِ ، صَدَقَةً وَبِرًّا وَإِحسَانًا ، وَصَلاةً وَتَنَفُّلاً وَقِيَامًا ، وَقِرَاءَةً لِلقُرآنِ وَذِكرًا ، وَلُزُومًا لِلمَسَاجِدِ وَاعتِكَافًا ، وَتَفَرُّغًا لِلعِبَادَةِ وَدُعَاءً ، وَتَحَرِّيًا لِلَيلَةِ القَدرِ وَاصطِبَارًا " يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُم وَيَهدِيَكُم سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبلِكُم وَيَتُوبَ عَلَيكُم وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيكُم وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيلاً عَظِيمًا . يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُم وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - حَقَّ التَّقوَى ، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى " فَأَمَّا مَن أَعطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالحُسنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرَى . وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاستَغنَى . وَكَذَّبَ بِالحُسنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلعُسرَى . وَمَا يُغنِي عَنهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، قَبلَ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ ، مَلأَ الفَرَحُ قُلُوبَنَا وَخَالَجَ السُّرُورُ أَفئِدَتَنَا ، وَتَبَادَلنَا التَّهَانِيَ بِحُلُولِ شَهرِ الخَيرِ وَالطَّاعَةِ وَالإحسَانِ ، وَهَا نَحنُ اليَومَ في العَشرِ الأَخِيرَةِ ، فَيَا مَن قَصَّرَ في العِشرِينَ وَكُلُّنَا مُقَصِّرُونَ ، هَا أَنتَ قَد وُفِّقتَ لإِدرَاكِ العَشرِ الأَخِيرَةِ ، فَانتَبِهْ وَاستَأنِفِ العَمَلَ الصَّالِحَ وَبَادِرْ بِالطَّاعَةِ ، وَضَاعِفِ الجُهدَ وَسَابِقْ وَنَافِسْ ، عَجِّلْ بِالمَعرُوفِ وَسَارِعْ بِالإحسَانِ ، فَـ " التُّؤَدَةُ في كُلِّ شَيءٍ خَيرٌ إِلاَّ في عَمَلِ الآخِرَةِ "
عِبَادَ اللهِ ، كَم في هَذِهِ اللَّيَالي النَّيِّرَةِ مِن جِبَاهٍ سَاجِدَةٍ ، وَقُلُوبٍ خَاشِعَةٍ وَعُيُونٍ دَامِعَةٍ ، وَأَكُفٍّ مَرفُوعَةٍ وَأَفئِدَةٍ ضَارِعَةٍ ، وَأَقدَامٍ مُنتَصِبَةٍ في مَحَارِيبِهَا ، وَصُفُوفٍ مُنتَظِمَةٍ في مَسَاجِدِهَا . خُشُوعٌ وَدُمُوعٌ ، وَتَضَرُّعٌ وَدُعَاءٌ ، وَنَشِيجٌ وَبُكَاءٌ ، وَقُلُوبٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالسَّمَاءِ ، وَجُنُوبٌ مُتَجَافِيَةٌ عَنِ الأَرضِ ، عَظُمَت في اللهِ المَطَامِعُ ، فَهُجِرَتِ المَجَالِسُ وَالمَضَاجِعُ ، يَتَلَذَّذُونَ بِمُنَاجَاةِ مَولاهُم وَخَالِقِهِم ، وَيَأنَسُونَ بِالخَلوَةِ بِهِ وَتَطِيبُ قُلُوبُهُم بِالقُربِ مِنهُ ، قَد أَنسَتْهُم لَذَّةُ الطَّاعَةِ كُلَّ لَذَائِذِ الدُّنيَا ، وَأَطَارَ ذِكرُ المَرجِعِ وَالمَعَادِ النَّومَ مِن عُيُونِهِم ، فَقَامُوا خَاشِعِينَ مُتَبَتِّلِينَ ، يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا ، وَيَخِرُّونَ لِلأَذقَانِ سُجَّدًا ، لِسَانُ الوَاحِدِ مِنهُم : اللَّهُمُّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفوَ فَاعْفُ عَنِّي ، أُولَئِكَ هُمُ الأَخيَارُ الأَبرَارُ ، قَد عَرَفُوا هَولَ المَطلِعِ وَعَظَمَةَ الجَبَّارِ ، فَأَعَدُّوا لِلمَوقِفِ عُدَّتَهُ ، وَاتَّخَذُوا لِلرَّحِيلِ أُهبَتَهُ ، فَلا تَعلَمُ نَفسٌ مَا أُخفِيَ لَهُم مِن قُرَّةِ أَعيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ .
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا الصَّائِمُونَ - وَلْنُشَارِكِ الصَّالِحِينَ وَلْنَتَشَبَّهْ بِالمُفلِحِينَ ، وَلْنَسْتَعِنْ بِاللهِ وَلْنَحْذَرِ الكَسَلَ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ "
المرفقات

حضرت العشر فشمروا.doc

حضرت العشر فشمروا.doc

حضرت العشر فشمروا.pdf

حضرت العشر فشمروا.pdf

المشاهدات 1295 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


خطبة غاية في الجمال والروعة زادك الله من فضله