خطبة حسن الخاتمة وسوئها
عبدالوهاب بن محمد المعبأ
1437/10/09 - 2016/07/14 18:58PM
خطبة الجمعة
حسن الخاتمة وسوئها
اعداد عبدالوهاب المعبأ
الحمد لله الذي بيده الملك، يحي ويميت وهو على كل شيء قدير، قدّر الأقدار بحكمته وعلمه، فلا معقب لحكمه ولا رادَّ لقضائه وإليه المصير، أحمده سبحانه وأشكره، وأثني عليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المتفردُ بالعزة والبقاء، والجبروتِ والكبرياء، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله إمام الأتقياء وخاتم الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى، قال الله عز وجل:( يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور).
أيها المؤمنون: العبد مرهون بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وقيمة العمل في حسن خاتمته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« إنما الأعمال بخواتيمها، كالوعاء إذا طاب أعلاه طاب أسفله، وإذا خبث أعلاه خبث أسفله»
ومن أعظم ما ينبغي أن يحرص عليه الإنسان ختام حياته وحسن لقاء ربه، وقد وجه القرآن الكريم إلى حسن استعدادنا للقاء الله تعالى بالعمل الصالح، قال تعالى:( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)
ولأهمية هذه اللحظة الفارقة في حياة الإنسان كان الأنبياء -عليهم السلام- يوصون أقوامهم بالحرص على نيل حسن الخاتمة، قال سبحانه:( ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
وقال تعالى حكاية عن نبيه يوسف عليه السلام:( توفني مسلما وألحقني بالصالحين) وحسن الخاتمة أمل الصالحين والأتقياء الذين قص علينا القرآن الكريم أخبارهم، قال عز وجل:( ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار)
وكان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم :« يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك وطاعتك ».
أيّها المسلمون: حُسن الخاتمة أقضَّت مضاجعَ الصالحين، وكدَّرت عليهم صفوَ حياتهم، وهذا ليس سوء ظنٍّ بربِّ العالمين، فحاشا ذلك، لكن اشتدَّ خوفهم من أنفسهم أن يؤْتَوا من قِبَل أنفسهم من أعمال سيِّئةٍ استبطنوها ومعاصٍ واصَلوها، يخافون أن لا يمَكَّنُوا مِن توبة، وأن تَستمِرَّ بهم الشهواتُ والملذَّات، فتنقضي الأعمارُ بلا فائدةٍ، فهم يخافون على أنفسهم من سوء الخاتمة
قال ابن رجب: "وكان سفيان الثوريُّ يشتدَّ قلقُه وخوفُه من السَّوابق والخواتم؛ فكان يبكي ويقول: أخاف أن أكون في أمِّ الكتاب شقيًّا، ويبكي ويقول: أخاف أن أُسلَبَ الإيمانَ عند الموت"
وقال سهل التستري : خوف الصالحين من سوء الخاتمة عند كل خطرة وعند كل حركة وهم الذين وصفهم الله إذ قال ( وقلوبهم وجلة ) .
أيها الناس، إن الناظر إلى حال بعض الناس ليرى الغفلة المطبقة عن الاهتمام بالخاتمة الحسنة، فهناك لهو ولعب، وتضييع وهجران لأعمال الآخرة، مع جد ونصب وحرص على أعمال الدنيا وملهياتها.
والمستقبل الذي يفكرون به: بلوغ الأماني والآمال الدنيوية فحسب. أو كما قال القائل:
إنما الدنيا طعام... وهيام ومُدام
فإذا فاتك هذا... فعلى الدنيا السلام!
ولهذا تأتي خاتمة الغافلين لتكشف عن سجل حياتهم، وتلّخص رحلة عمرهم، وتبدي للناس ما يشغل بالهم ويسيطر على تفكيرهم، وتعلن عن أعظم اهتماماتهم في مسيرة عمرهم.
فهذا يختم كتاب عمره بمعصية ليبعث عليها يوم القيامة، وذاك ينهي عمره بالحديث عما شغله في الدنيا عن الآخرة من مال أو جاه أو عقار أو نحو ذلك.
والآخر يودع الحياة والأحياء صامتاً لم يستطع أن يقول: لا إله إلا الله، ويستطيع قول غيرها من الكلام.
ومن صور ذلك ما رُوي من أن رجلا حضرته الوفاة، فقيل له: قل لا اله الا الله! فقال في آخر كلامه: إني كافرٌ بما تقول، فقبض الله روحه على ذلك، فسئل عنه، فقيل إنه مدمن خمر.
وقيل لآخر عند سكرات الموت: قل: لا اله الا الله! فراح يُغني حتى قبضت روحه، فمات على ذلك، ويبعث من قبره يوم القيامة وهو يغني.
وقيل لآخر عند سكرات الموت: قل: لا اله الا الله! فقال: آه! آه! لا أستطيع أن أقولها! فقبض الله روحه على ذلك، ويبعث مِن قبره وهو على هذه الحال.
وقيل لآخَر عند سكرات الموت: قل: لا اله الا الله! فأخذ يسبُّ الذات الإلهية؛ لأن لسانه كان ينطق بها في الدنيا؛ فجعلت على لسانه عند خروج روحه، ويبعث من قبره يوم القيامة وهو ينطق بها.
ذلك أن من مات على شيء بعث عليه كما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يبعث كل عبدٍ على ما مات عليه ) رواه مسلم 2878
فشتان بين هؤلاء وبين المستعدين للآخرة طول حياتهم، فإذا جاءهم الموت خُتم لهم بخير
مات أبو ثعلبة الخشني ومجاهد بن جبر وهما ساجدان لله تعالى، وعبد الرحمن بن أبان بن عثمان يخرج من بيته إلى المسجد فيصلي الضحى وتقبض روحه في المسجد، ويحيى بن عمار يموت وهو يفسر سورة القيامة، وأبو زرعة المحدِّث يفارق الدنيا وهو يسرد سند حديث، وعبد الحميد كشك الذي أحب يوم الجمعة اغتسل في آخر جمعة له في الدنيا وتطيّب وتهيأ للذهاب إلى المسجد فصلى ركعتين وفي الركعة الثانية قبضت روحه، رحمة الله عليهم أجمعين.
قال تعالى: ﴿ يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم27].
فكيف يوفَّقُ لحسن الخاتمة مَن أغفل الله -سبحانه- قلبه عن ذكره، واتبع هواه، وكان أمره فرُطاً؟ يعمل للدنيا ويزهد عن الاخرة قلبُه بعيدٌ عن الله تعالى، غافل عنه، أسير لشهَواته، ولسانه يابس من ذكره، وجوارحه معطلة من طاعته، مشتغلة بمعصيته، كيف له أن يوفَّقَ للخاتمة بالحسنى.
اللهم تب علينا واغفر لنا واجعل يومنا خيرا من أمسنا، واجعل غدنا خيرا من يومنا، واجعل خير أعمالنا خواتيمها، واجعل خير أيامنا يوم نلقاك،
الخطبة الثانية
عباد الله: ولحسن الخاتمة أسباب: منها تقوى الله تعالى، والصدق معه في كل الأحوال، فيستوي سر الإنسان وعلانيته، فلا يختلف عمله أمام الناس عنه في الخلوة، ومن خالف سره علانيته، وباطنه ظاهره فقد تسوء خاتمته، كمن يحافظ على الطاعات أمام الناس، فإذا خلا بنفسه تجرأ على محارم الله فانتهكها، ونسي أن الله مطلع عليه، عن ثوبان عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:
« لأعلمن أقواما من أمتى يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا». قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، جلهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال:« أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها».
قال ابن رجب: "وإن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسةٍ باطنةٍ للعبد، لا يطَّلع عليها الناس، إمَّا من جهة عملٍ سيِّئٍ ونحو ذلك، فتلك الخَصلة الخفيَّة توجِب سوء الخاتمة عند الموت،
عباد الله: ليحذر العبد كل الحذر من معصية الله أن تخونه عند موته، يقول ابن كثير -رحمه الله-: "إن الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت
فالوصية المبذولة للنفس ولكَ -أيها الأخ المبارك- الاستعداد للموت واستشعار قربه، فإنه أقرب غائب يُنتظر، وما يدري الإنسان لعلّه لم يبقَ من عمره إلا اليسير، وهو مقبلٌ على دنياه، ومعرضٌ عن آخرته.
يقول عبد الرحمن بن مهدي -رحمه الله-: "لو قيل لحماد بن سلمة: إنك تموت غدًا ما قدر أن يزيد في العمل شيئًا"؛ لأن أوقاته بالتعبد معمورة، ويديه عن الشر مقصورة.
والاستعداد للموت والخاتمة الحسنة ليس بالأماني الباطلة والألفاظ المعسولة، بل هو بهجر المنكرات والإنابة إلى رب الأرض والسموات، وإزالة الشحناء والبغضاء والعداوة من القلوب، وبر الوالدين وصلة الأرحام؛ ولكن -يا عباد الله- كيف يوفق لحسن الخاتمة من تظلّله سحائب اللهو ويسير في أودية الغفلة؟! كيف كيف تحسن خاتمة من لا يبالي بأمر الله في حلالٍ أو حرام؟! كيف تحسن خاتمة من هجر القرآن ولا يعرف الصلاة مع الجماعة؟! كيف تحسن خاتمة مَنْ أكل أموال الناس بالباطل وأكل الربا وارتكب الزنا؟! كيف تكون من لوّث لسانه بالغيبة والنميمة وامتلأ قلبه بالحقد والحسد وضيّع أوقات عمره في تتبع عورات المسلمين والوقوع في أعراضهم؟!
فلو أذن لأحدهم أن يتكلم ساعة الموت لقال: (يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ)
أيها الأحباب: نبهوا زوجاتكم وبنياتكم قواعد البيوت إلى خطر الخاتمة، وانصحهوهن أن يحرصن على حسن الختام، ودلوهن إلى طريق ذلك وأسبابه، خوفوهن من سوء الخاتمة، وأعلموهن أن الأعمال بالخواتيم.
عباد الله ولتعلموا ان من أسباب سوء الخاتمة: ظُلم النَّاس والعدوان عليهم في الدَّم أو المال والعِرْض،
وكيف يرجو حسن الخاتمة مَن لا يحب الصلاح والصالحين، وإنما يحب الفساد والمفسدين؛ويفرح
بظلم الظالمين كيف ستكون خاتمة من رضي بالظلم
والقتل ويرضى بذلك ويفرح
ومن أسباب سوء الخاتمة: الزُّهدُ في بَذْل المعروف، وعدَمُ نَفْع المسلمين، والزَّهْد في الاعمال الصالحة
ومن أسباب سوء الخاتمة: الرُّكونُ إلى الدُّنيا وشهواتها وزُخْرُفِها، وعدمُ المبالاة بالآخِرة، وتقديم محبَّة الدُّنيا على محبَّة الآخِرة؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يونس: 7 - 8].
ومن أسباب سوء الخاتمة: عقوقُ الوالدَيْن وقطيعة الأرحام.
ومن أسباب سوء الخاتمة: الوصِيَّة الظالمة المخالِفة للشَّرع الحنيف.
وانه ياعباد الله مما يجب على العبد أن يلحّ على ربه بطلب حسن الخاتمة، وقد ذُكر عن رجل من السلف أنه كان يكثر في سجوده من سؤال الله الميتة الحسنة، فتوفاه الله وهو ساجد بين يديه.
وعلى المسلم أن يعمل جهده وطاقته في إصلاح ظاهره وباطنه، طهرو سرائركم وزكو قلوبكم بالتوبة والخشية ومتى ما علم الله منك الصلاح والإخلاص والإقبال عليه فحاشاه سبحانه أن يخذلك في آخر لحظات عمرك
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران102].
اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، وأمد فيما يرضيك آجالنا، وأطل في طاعتك أعمارنا، وبلغ فيما تحب آمالنا.
اللهم إنا نسألك أن تعصِمنا من سوء الخاتمة، وأن تختِم أعمارنا بالصالحات، وأن تُثَبّت قلوبنا على دينك، وتصرفها إلى طاعتك إلى أن نلقاك وأنت راضٍ عنّا، يا رب العالمين.
وصلو وسلمو على خير البرية
اخوكم عبدالوهاب المعبأ
773027648
حسن الخاتمة وسوئها
اعداد عبدالوهاب المعبأ
الحمد لله الذي بيده الملك، يحي ويميت وهو على كل شيء قدير، قدّر الأقدار بحكمته وعلمه، فلا معقب لحكمه ولا رادَّ لقضائه وإليه المصير، أحمده سبحانه وأشكره، وأثني عليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المتفردُ بالعزة والبقاء، والجبروتِ والكبرياء، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله إمام الأتقياء وخاتم الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى، قال الله عز وجل:( يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور).
أيها المؤمنون: العبد مرهون بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وقيمة العمل في حسن خاتمته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« إنما الأعمال بخواتيمها، كالوعاء إذا طاب أعلاه طاب أسفله، وإذا خبث أعلاه خبث أسفله»
ومن أعظم ما ينبغي أن يحرص عليه الإنسان ختام حياته وحسن لقاء ربه، وقد وجه القرآن الكريم إلى حسن استعدادنا للقاء الله تعالى بالعمل الصالح، قال تعالى:( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)
ولأهمية هذه اللحظة الفارقة في حياة الإنسان كان الأنبياء -عليهم السلام- يوصون أقوامهم بالحرص على نيل حسن الخاتمة، قال سبحانه:( ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
وقال تعالى حكاية عن نبيه يوسف عليه السلام:( توفني مسلما وألحقني بالصالحين) وحسن الخاتمة أمل الصالحين والأتقياء الذين قص علينا القرآن الكريم أخبارهم، قال عز وجل:( ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار)
وكان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم :« يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك وطاعتك ».
أيّها المسلمون: حُسن الخاتمة أقضَّت مضاجعَ الصالحين، وكدَّرت عليهم صفوَ حياتهم، وهذا ليس سوء ظنٍّ بربِّ العالمين، فحاشا ذلك، لكن اشتدَّ خوفهم من أنفسهم أن يؤْتَوا من قِبَل أنفسهم من أعمال سيِّئةٍ استبطنوها ومعاصٍ واصَلوها، يخافون أن لا يمَكَّنُوا مِن توبة، وأن تَستمِرَّ بهم الشهواتُ والملذَّات، فتنقضي الأعمارُ بلا فائدةٍ، فهم يخافون على أنفسهم من سوء الخاتمة
قال ابن رجب: "وكان سفيان الثوريُّ يشتدَّ قلقُه وخوفُه من السَّوابق والخواتم؛ فكان يبكي ويقول: أخاف أن أكون في أمِّ الكتاب شقيًّا، ويبكي ويقول: أخاف أن أُسلَبَ الإيمانَ عند الموت"
وقال سهل التستري : خوف الصالحين من سوء الخاتمة عند كل خطرة وعند كل حركة وهم الذين وصفهم الله إذ قال ( وقلوبهم وجلة ) .
أيها الناس، إن الناظر إلى حال بعض الناس ليرى الغفلة المطبقة عن الاهتمام بالخاتمة الحسنة، فهناك لهو ولعب، وتضييع وهجران لأعمال الآخرة، مع جد ونصب وحرص على أعمال الدنيا وملهياتها.
والمستقبل الذي يفكرون به: بلوغ الأماني والآمال الدنيوية فحسب. أو كما قال القائل:
إنما الدنيا طعام... وهيام ومُدام
فإذا فاتك هذا... فعلى الدنيا السلام!
ولهذا تأتي خاتمة الغافلين لتكشف عن سجل حياتهم، وتلّخص رحلة عمرهم، وتبدي للناس ما يشغل بالهم ويسيطر على تفكيرهم، وتعلن عن أعظم اهتماماتهم في مسيرة عمرهم.
فهذا يختم كتاب عمره بمعصية ليبعث عليها يوم القيامة، وذاك ينهي عمره بالحديث عما شغله في الدنيا عن الآخرة من مال أو جاه أو عقار أو نحو ذلك.
والآخر يودع الحياة والأحياء صامتاً لم يستطع أن يقول: لا إله إلا الله، ويستطيع قول غيرها من الكلام.
ومن صور ذلك ما رُوي من أن رجلا حضرته الوفاة، فقيل له: قل لا اله الا الله! فقال في آخر كلامه: إني كافرٌ بما تقول، فقبض الله روحه على ذلك، فسئل عنه، فقيل إنه مدمن خمر.
وقيل لآخر عند سكرات الموت: قل: لا اله الا الله! فراح يُغني حتى قبضت روحه، فمات على ذلك، ويبعث من قبره يوم القيامة وهو يغني.
وقيل لآخر عند سكرات الموت: قل: لا اله الا الله! فقال: آه! آه! لا أستطيع أن أقولها! فقبض الله روحه على ذلك، ويبعث مِن قبره وهو على هذه الحال.
وقيل لآخَر عند سكرات الموت: قل: لا اله الا الله! فأخذ يسبُّ الذات الإلهية؛ لأن لسانه كان ينطق بها في الدنيا؛ فجعلت على لسانه عند خروج روحه، ويبعث من قبره يوم القيامة وهو ينطق بها.
ذلك أن من مات على شيء بعث عليه كما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يبعث كل عبدٍ على ما مات عليه ) رواه مسلم 2878
فشتان بين هؤلاء وبين المستعدين للآخرة طول حياتهم، فإذا جاءهم الموت خُتم لهم بخير
مات أبو ثعلبة الخشني ومجاهد بن جبر وهما ساجدان لله تعالى، وعبد الرحمن بن أبان بن عثمان يخرج من بيته إلى المسجد فيصلي الضحى وتقبض روحه في المسجد، ويحيى بن عمار يموت وهو يفسر سورة القيامة، وأبو زرعة المحدِّث يفارق الدنيا وهو يسرد سند حديث، وعبد الحميد كشك الذي أحب يوم الجمعة اغتسل في آخر جمعة له في الدنيا وتطيّب وتهيأ للذهاب إلى المسجد فصلى ركعتين وفي الركعة الثانية قبضت روحه، رحمة الله عليهم أجمعين.
قال تعالى: ﴿ يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم27].
فكيف يوفَّقُ لحسن الخاتمة مَن أغفل الله -سبحانه- قلبه عن ذكره، واتبع هواه، وكان أمره فرُطاً؟ يعمل للدنيا ويزهد عن الاخرة قلبُه بعيدٌ عن الله تعالى، غافل عنه، أسير لشهَواته، ولسانه يابس من ذكره، وجوارحه معطلة من طاعته، مشتغلة بمعصيته، كيف له أن يوفَّقَ للخاتمة بالحسنى.
اللهم تب علينا واغفر لنا واجعل يومنا خيرا من أمسنا، واجعل غدنا خيرا من يومنا، واجعل خير أعمالنا خواتيمها، واجعل خير أيامنا يوم نلقاك،
الخطبة الثانية
عباد الله: ولحسن الخاتمة أسباب: منها تقوى الله تعالى، والصدق معه في كل الأحوال، فيستوي سر الإنسان وعلانيته، فلا يختلف عمله أمام الناس عنه في الخلوة، ومن خالف سره علانيته، وباطنه ظاهره فقد تسوء خاتمته، كمن يحافظ على الطاعات أمام الناس، فإذا خلا بنفسه تجرأ على محارم الله فانتهكها، ونسي أن الله مطلع عليه، عن ثوبان عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:
« لأعلمن أقواما من أمتى يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا». قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، جلهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال:« أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها».
قال ابن رجب: "وإن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسةٍ باطنةٍ للعبد، لا يطَّلع عليها الناس، إمَّا من جهة عملٍ سيِّئٍ ونحو ذلك، فتلك الخَصلة الخفيَّة توجِب سوء الخاتمة عند الموت،
عباد الله: ليحذر العبد كل الحذر من معصية الله أن تخونه عند موته، يقول ابن كثير -رحمه الله-: "إن الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت
فالوصية المبذولة للنفس ولكَ -أيها الأخ المبارك- الاستعداد للموت واستشعار قربه، فإنه أقرب غائب يُنتظر، وما يدري الإنسان لعلّه لم يبقَ من عمره إلا اليسير، وهو مقبلٌ على دنياه، ومعرضٌ عن آخرته.
يقول عبد الرحمن بن مهدي -رحمه الله-: "لو قيل لحماد بن سلمة: إنك تموت غدًا ما قدر أن يزيد في العمل شيئًا"؛ لأن أوقاته بالتعبد معمورة، ويديه عن الشر مقصورة.
والاستعداد للموت والخاتمة الحسنة ليس بالأماني الباطلة والألفاظ المعسولة، بل هو بهجر المنكرات والإنابة إلى رب الأرض والسموات، وإزالة الشحناء والبغضاء والعداوة من القلوب، وبر الوالدين وصلة الأرحام؛ ولكن -يا عباد الله- كيف يوفق لحسن الخاتمة من تظلّله سحائب اللهو ويسير في أودية الغفلة؟! كيف كيف تحسن خاتمة من لا يبالي بأمر الله في حلالٍ أو حرام؟! كيف تحسن خاتمة من هجر القرآن ولا يعرف الصلاة مع الجماعة؟! كيف تحسن خاتمة مَنْ أكل أموال الناس بالباطل وأكل الربا وارتكب الزنا؟! كيف تكون من لوّث لسانه بالغيبة والنميمة وامتلأ قلبه بالحقد والحسد وضيّع أوقات عمره في تتبع عورات المسلمين والوقوع في أعراضهم؟!
فلو أذن لأحدهم أن يتكلم ساعة الموت لقال: (يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ)
أيها الأحباب: نبهوا زوجاتكم وبنياتكم قواعد البيوت إلى خطر الخاتمة، وانصحهوهن أن يحرصن على حسن الختام، ودلوهن إلى طريق ذلك وأسبابه، خوفوهن من سوء الخاتمة، وأعلموهن أن الأعمال بالخواتيم.
عباد الله ولتعلموا ان من أسباب سوء الخاتمة: ظُلم النَّاس والعدوان عليهم في الدَّم أو المال والعِرْض،
وكيف يرجو حسن الخاتمة مَن لا يحب الصلاح والصالحين، وإنما يحب الفساد والمفسدين؛ويفرح
بظلم الظالمين كيف ستكون خاتمة من رضي بالظلم
والقتل ويرضى بذلك ويفرح
ومن أسباب سوء الخاتمة: الزُّهدُ في بَذْل المعروف، وعدَمُ نَفْع المسلمين، والزَّهْد في الاعمال الصالحة
ومن أسباب سوء الخاتمة: الرُّكونُ إلى الدُّنيا وشهواتها وزُخْرُفِها، وعدمُ المبالاة بالآخِرة، وتقديم محبَّة الدُّنيا على محبَّة الآخِرة؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يونس: 7 - 8].
ومن أسباب سوء الخاتمة: عقوقُ الوالدَيْن وقطيعة الأرحام.
ومن أسباب سوء الخاتمة: الوصِيَّة الظالمة المخالِفة للشَّرع الحنيف.
وانه ياعباد الله مما يجب على العبد أن يلحّ على ربه بطلب حسن الخاتمة، وقد ذُكر عن رجل من السلف أنه كان يكثر في سجوده من سؤال الله الميتة الحسنة، فتوفاه الله وهو ساجد بين يديه.
وعلى المسلم أن يعمل جهده وطاقته في إصلاح ظاهره وباطنه، طهرو سرائركم وزكو قلوبكم بالتوبة والخشية ومتى ما علم الله منك الصلاح والإخلاص والإقبال عليه فحاشاه سبحانه أن يخذلك في آخر لحظات عمرك
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران102].
اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، وأمد فيما يرضيك آجالنا، وأطل في طاعتك أعمارنا، وبلغ فيما تحب آمالنا.
اللهم إنا نسألك أن تعصِمنا من سوء الخاتمة، وأن تختِم أعمارنا بالصالحات، وأن تُثَبّت قلوبنا على دينك، وتصرفها إلى طاعتك إلى أن نلقاك وأنت راضٍ عنّا، يا رب العالمين.
وصلو وسلمو على خير البرية
اخوكم عبدالوهاب المعبأ
773027648
المرفقات
1099.doc
1100.pdf