خطبة حتى لا تفوت عليك فرصة رمضان.

عادل بن عبد العزيز الجهني
1446/08/28 - 2025/02/27 19:52PM

 

 


خطبة حتى لا تفوت عليك فرصة رمضان.

 


عباد الله.

لعلنا نستقبل هذه الليلة أوّل ليالي شهر رمضان، هذا الشهرُ الذي عظّمه اللهُ في شرعه، ورفع مكانته في كتابه، وأعلى درجته في نفوس المسلمين، فهو شهرٌ القرآن والرحمَات، وشهر العطايا والهبات والمُكرمات.

فحقٌ على المسلمين أن يقدروه حق قدْره، وأن يُنزلوه في نفوسهم المنزلة اللائقة به، فهي من شرع الله العظيم، فشريعته سبحانه للعباد رحمة، وأحكامه للخلق خيرٌ ومِنّة.

 


أيّها المؤمنون/

إنّ بلوغ المرء رمضان، نعمةٌ كُبرى، وخيرٌ واصطفاء، وتمكينٌ للعمل الصالح في أشرف الأزمنة، وفرصة  للفوز بمرضات الله، فشهرُ رمضان قد ميّزه الله على سائر الشهور، وخصّه بخصائص لم يجعلها لغيره، فرمضان هو شهر القرآن، وهو وقتٌ فريضة الصيام والذي هي الركن الرابع من أركان الإسلام.

قيامه من السُنن التي جاءت بفضلها الآثار، والحسنةُ فيه مُضاعفَة، والخير فيه واسع، وعطاء الرحمن للعباد سابغ.

في رمضان تُفتّحُ أبوابُ الجِنان، وتُغلق أبوابُ النيران.

تُعتق فيه من النّار رقابٌ قد سبقت لهم من الله السعادة، وتُرفع في الجِنان درجاتِ من وُفِقوا للعمل الصالح فيه وزيادة، فالفرحةُ فيه سمةُ المؤمنُ، والغبطة ببلوغه هدي المتقي.

فأهلُ الإسلام يفرحون بشرع ربهم، ويشعرون فيه بفضله عليهم، فهنيئًا لأنفسٍ بلغته، وطوبى لعبده عزم فيه على إرضاء خالقه.

وحريٌ بمن أراد أن يفوز بهذه الفضائل لهذا الشهر أن يستقبله أحسن استقبال، وأن يُريَ اللهَ من نفسه خيرًا، وأن يتذكر فضل الله عليه بالبلوغ، ولقد كان من هدي النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه كان يُبشّرُ الصحابةَ رضوان الله عليهم برمضان، فقد جاء في مسند الإمام أحمد وسنن النسائي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جاء رمضان قال: "قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا، فَقَدْ حُرِمَ" وَفِي رِوَايَةٍ : "وَيُنَادِي مَلَكٌ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَبْشِرْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَللهِ فِيهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ حَتَّى يَنْقَضِيَ رَمَضَانُ"

 


فتأمّل معي هذا الحديث لتُدرك رفعة ومكانة رمضان.

فرسولُ الله عليه الصلاة والسلام يقول عن رمضان: (شَهْرٌ مُبَارَكٌ)

فهو شهرٌ مبارك، والبركة تُحيطُ به من جميع جوانبه، ففيه مضاعفة الحسنات، وإقالة العثرات، ومحو الخطيئات، وتكفير السيئات، ورفعة الدرجات يقول عليه الصلاة والسلام في فضائل شهر الصيام والقيام: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيْمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" ويقول عليه الصلاة والسلام: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيْمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" والحديثان مخرجان في الصحيحين.

فتصوم -يا عبدالله- شهرًا كاملًا، وتقوم شهرًا كاملاً فيغفر اللهُ لك ما تقدّم من ذنبك؛ وتُمحى ذنوب ما مضى من عمرك، وهذا فضلُ كبير، فليس بالسهل ولا بالهيّنِ أن تُغفر ذنوب العبد، وتُمحى الخطايا، ولكن بفضل الصيام والقيام بعد فضل الله يكون هذا.

إنّ مغفرة الذنوب ياعباد الله يعني السلامة من تبعاتها، والنجاة من النّار، ومغفرة الذنوب يعني الفوز بالجنّة ودخولها والتنعّم فيها.

 


عباد الله/

شهرُ رمضان شهرٌ مبارك لأنّ الحسنات فيها مُضاعفة، والطاعات فيه لها المنزلة العالية عند الله، ولذا كان النّبيُّ عليه الصلاة والسلام يجتهد فيه اجتهادًا عظيمًا، يفعل ذلك اغتنامًا للزمان، وتعليمًا للأمّة، وإرشادًا لها لتعتني بهذا الشهر المبارك.

في شهر رمضان -يا عباد الله- تُفتّح أبوابُ الجِنان لتقول للمتكاسل قد جاء وقت العمل، وحان وقت الاجتهاد، فقد نزلت بك ساعات الجدِّ والاجتهاد لتُبادر للعمل الصالح، وتسارع فيه للقربة والطاعة، فاليوم تُفتّح أبوابُ الجِنان لتنفض عنك غِبار الضعف والخور.

إذا لم يجتهد الواحد منّا في رمضان، فمتى يجتهد!؟

إذا لم يُبادر ويُسارع إلى الخيرات، فمتى يُبادر ويُسارع إليها!؟

إذا لم يكن صاحبُه مِنْ أهل القيام، فمتى يكون!؟

إذا لم يكن فيه من أهل القرآن، المتفرغين لها في رمضان، فمتى يُفرّغ وقته، ومتى يتلوه!؟

إذا لم يكن فيه من أهل الصدقة، فمتى يُطلق يده للصدقة، ومتى يُنفق، ويتقرّب لربه بهذه العبادة!؟

فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أجود النّاس، وكان أجود ما يكون في رمضان.

فاجعل شهر رمضان مميّزًا في كلِّ شيء.

اجعله مميّزًا في التفرّغ للعبادة، والاجتهاد في الأعمال الصالحة، ونوّع فيها حتى لا تملّ النفس، وجاهد نفسك، فنفسُك لن تطاوعك وتواتيك إلا بأخذها بالعزيمة والمجاهدة.

 


شهرُ رمضان -أيّها المؤمنُ- شهرٌ تُغلق فيه أبواب النيران لتقول للمعرِض، والمُصّر على الذنب كفى.

لقد نزل بك شهر التوبة والعودة والأوبة لربك، ونزل بك شهرُ الإقلاع عن الذنب،  والتخلّص من كلِّ خطيئة، وهجر ما يُغضب الرحمن عليك.

ولذا قال صلى اللهُ عليه وسلم بعد البشارة بفتح أبواب الجِنان، وغلق أبواب النّار، قال عليه الصلاةُ والسلام: (فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا، فَقَدْ حُرِمَ)

نعم؛ واللهِ إنّه لمحرومٌ من حُرم فضائل شهر رمضان.

لقد تكاسل في زمن لا ينفع معه الكسل، فمن لم يُبادر فيه إلى الطاعات، فمتى يُبادر!؟

ومن لم يُسارع فيه إلى الخيرات، فمتى يُسارع!؟

نعم؛ واللهِ إنّه لمحرومٌ من حُرم فضائل شهر رمضان، وذلك بإصراره على الذنب، وعزيمته على الاستمرار على الخطيئة.

فمتى يتوب من لم يتب في رمضان!؟

متى يُنيبُ ويعود إلى ربه، من لم يعُد إلى مولاه في هذا الموسم!؟

ولذا كان جزاءُ هذا المُعرِضُ المُصرُّ على الإقامة عليها أن دعا عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالإبعاد عن رحمته، والنيل من عقوبته، جاء في الحديث الصحيح: (أنّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صعِد المنبرَ ، فقال : آمين ، آمين ، آمين ، فلمَّا نزل سُئل عن ذلك ، فقال : أتاني جبريلُ ، فقال : رغِم أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغفرْ له ، قُلْ : آمين ، فقلتُ : آمين ، ورغِم أنفُ امرئٍ ذُكِرتَ عنده فلم يُصلِّ عليك ، قُلْ : آمين ، فقلتُ : آمين ، ورغِم أنفُ رجلٍ أدرك والدَيْه أو أحدَهما فلم يُغفرْ له ، قُلْ : آمين ، فقلتُ : آمين) رواه البزّار، وهو حديث حسن.

حديثٌ مرعبٌ لمن أعرض، وأصرّ على الخطيئة.

 


أيّها المؤمنون/

إنّ شهرُ رمضان فرصة للبدء بصفحة جديدة يعود فيها المرء لربه، ويُصالح فيها مولاه، ولذا جاء في الحديث هذا النداء الملائكي اللطيف: (وَيُنَادِي مَلَكٌ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَبْشِرْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ)

نعم؛ يا باغي الخير أقبل وأبشر، فقد حانت فرصةُ الإقبال.

يا باغي الخير أقبل فقد فُتحت أبوابُ الجِنان وأقبلت الأرواح الشريفة للعمل الصالح.

يا باغي الخير أقبل، فقد عظم الأمل، واشتدّ الرجاء، وترادفت الخيرات للعباد، فلا تكن في آخر الركب، ولا تكن من المحرومين، ولا تكن أخسر النّاس في هذا الموسم المبارك.

والمرءُ لا يدري هل تتكرر له الفرصة مرة أو لا تتكرّر.

وفي الحديث: (وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ) فكفى طغيانًا بالإصرار على الذنوب، كفى إعراضًا عن ربك الرحيم.

كفى طاعة للشيطان الداعي إلى نار الجحيم.

كفى استجابة للنفس الأمّارة بالسوء.

ويختم الحديث بهذه البشرى من البشير النذير عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم: (وَللهِ فِيهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ حَتَّى يَنْقَضِيَ رَمَضَانُ)

وما أعظمها من بشرى، وما أكبره من فضل أن ينجو العبدُ من النّار، فاستحضر يا عبد الله هذه البشرى، وأنّها كل ليلة، فكم من عتقاء تُمحى أسماؤهم من أسماء أهل النّار، كم من خلق يُكتب لهم النجاة من شرِّ دار، وأسوأ مقام.

ينجو خلْقًا من النّار في هذه الليالي لأنّهم أقاموا أنفسهم على الطاعات، وابتعدوا عن المحرمات، فلعلك أحدُهم ما دمتَ ساعيًا في فكاك رقبتك من النّار.

إنّها -وربي- العطية الكبرى، والفوز العظيم لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد، فالعتقُ من النار يعني السلامة منها، والنجاة من عذابها الذي لا يُطاق، ورحمة النفس من صنوف الآلام.

أعوذ بالله من الشيطان: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلصِّیَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ۝١٨٣ أَیَّامࣰا مَّعۡدُودَ ٰ⁠تࣲۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِیضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرࣲ فَعِدَّةࣱ مِّنۡ أَیَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِینَ یُطِیقُونَهُۥ فِدۡیَةࣱ طَعَامُ مِسۡكِینࣲۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَیۡرࣰا فَهُوَ خَیۡرࣱ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُوا۟ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ۝١٨٤﴾ [البقرة ١٨٣-١٨٤]

 

 

 

الخطبة الثانية/

 


عباد الله/

اعلموا رحمني اللهُ وإيّاكم أنّ الفوز بخيرات هذا الشهر وفضائله لا تكون إلا لمن عزم في الطلب، وصدق في مجاهدة النفس، فالأعمالُ الصالحة تحتاج إلى مجاهدة، وبلوغ الجنّة يحتاج إلى ركوب المكاره التي تكرهها النفس، فقد: (حُفّت وحُجبت الجنّة بالمكاره) فدون بلوغها جسر المكاره.

فالصيام يحتاج إلى صبر، وقيام الليل يحتاج إلى مجاهدة، وحبس النفس على التلاوة والذكر لابد له مخالفة الهوى، وترك الراحة والتسويف، والصدقة تحتاج وقاية النفس من شحها، وحفظ الجوارح من الحرام يحتاج إلى صبر ومجاهدة ومراغمة للشيطان.

 


أيّها المؤمن التقي/

انظر لرمضان أنّه فرصة ينبغي اغتنامها، فكم صام معنا من أُناسٍ اليوم هم تحت أطباق الثرى يتمنى أحدُهم أن لو صام مع الصائمين، وقام مع القائمين، وفاز بتلاوة آيات الكتاب، ونال أجر الصدقة، ونحن قد جاءتنا هذه الفرصة، ومُكْنّا من العمل الصالح بما لم يمكن لغيرنا.

 


أيّها المُتاجر مع ربك في رمضان/

انظر لرمضان نظرةً مغايرة، فهو شهرٌ غير شهور العام، فساعات نهاره، كُلُّ ساعة منه طاعة بسبب الصيام، وساعات ليله فرصةٌ للقيام.

فلا تُضيّع منه ساعة في غير طاعة، وكن شحيحًا في وقتك فيه، مبادرًا لكل طاعة، وأعظمها طاعة الذكر والدعاء والصلاة والصدقة وتلاوة القرآن.

اجعل من شهر رمضان موعدًا للنُقلة من الغفلة إلى اليقظة، ومن الكسل إلى الجِدّ في طاعة الرحمن، ومن الإعراض عنه إلى الإقبال عليه.

واسأل ربَك التوفيق، فما فاز إلا من أطاع الرحمن، واغتنم شهره بالإحسان.

ألا وصلوا على خير من اجتهد في عبادة الرحمن في رمضان، فصام وصلى وقام، صلوا عليه فقد أمركم الله بذلك فقال: (ان الله

 

 

 

 

.

المشاهدات 1303 | التعليقات 0