خطبة جمعة الموافق 13-9-2013 بعنوان بر الوالدين ...

علي الفضلي
1434/11/07 - 2013/09/13 13:56PM
خطبة جمعة الموافق 13-9-2013 بعنوان بر الوالدين :
https://app.box.com/s/ut2au9uquf0td551e9ef
المشاهدات 4062 | التعليقات 3

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام}،
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}،
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}.
أما بعد :
فإن أصدق الكلام كلام الله ، وخير الهُدَى هدى محمد – صلى الله عليه وسلم – وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
أيها المسلمون :
عبادة عظيمة من العبادات التي يُتقرب بها إلى رب البريات ، عبادة هي من أبواب الجنات ، عبادة موصلة إلى رضا الرحمن الرحيم ، هذه العبادة هي بر الوالدين .
قال رسولنا-صلى الله عليه وسلم-:
(الوالد أوسط أبواب الجنة).رواه أحمد والترمذي وغيرهما عن أبي الدرداء وصححه الألباني في السلسلة وصحيح الجامع.
وقال النبي-صلى الله عليه وسلم-:
(رضا الرب تبارك وتعالى في رضا الوالدين وسخط الله تبارك وتعالى في سخط الوالدين).رواه البزار وحسنه الألباني.
أيها المسلمون :
يقول الله تبارك وتعالى في محكم التنزيل :
{وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أوكلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا }.
قال النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في المسند وسنن النسائي :
[ثلاثة حرم الله عليهم الجنة : مدمن الخمر ، والعاق لوالديه ، والديوث الذي يقر الخبث في أهله ].
وحسنه الألباني .
وفي الصحيحين قال النبي – صلى الله عليه وسلم - :
[ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقول الزور].
عقوق الوالدين:
الوالدان : الأب والأم ، وعقوقهما أن يقطع ما يجب لهما من بر وصلة ، أو يسيء إليهما بالقول أو الفعل .
وقد اتفق أهل العلم على فرضية بر الوالدين ، واتفقوا على أن عقوقهما من الكبائر .
قال النووي في " شرح مسلم " : [وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى الْأَمْر بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ ، وَأَنَّ عُقُوقهمَا حَرَام مِنْ الْكَبَائِر]اهـ.
والداك : أمك وأبوك ، أمك التي حملتك في بطنها تسعة أشهر تزيد أو تنقص ، ومن هذا الذي يرفع الثقل والحِمل تسعة أشهر متواصلة في ليله ونهاره ، وحله وترحاله إلا الأم ؟!
وسقتك من ثديها ، بطنها لك وعاء ، وصدرها لك سقاء ، تمرض إذا مرضت ، وتتأوه إذا تنهدت ، وتسهر عليك الليالي لا تذوق غُمضا حتى ترتاح ، تميط عنك الأذى بيدها ! ، والواحد يتأفف من أذى نفسه !
وأما أبوك : يجوب الفيافي والقفار ، ويتعب فكره وعقله وجسمه من أجلك ، من أجل أن يؤمن لك الراحة واللقمة الهنية .
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رجلا قال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : " أمك ".
قال : ثم من ؟
قال : " أمك ".
قال : ثم من ؟
قال : " أمك ".
قال : ثم من ؟
قال : " ثم أبوك " .
وبعد ذلك كله! : تجد أبناء يعقون والديهم ! ، ولا يعرفون لهم حقهم ، ولا يحفظون لهم جميلهم ، تجد واحدهم يعق والديه قولا وفعلا ، يخاطبهم بجفوة ، يقسو عليهم ، ويحد لهم النظر ، وكأنه يريد أن يؤدبهم !! ، يقدم زوجته على والديه ! ، يطيع زوجته ويعصي والديه ! مستصحبا كل لفظ سيء في معاملتهما ، بل من الأبناء – وبئس ما يصنع – يودِعْهما دار العجزة ، لا يدري عنهما شيئا !! فهل هذا جزاء الإحسان ؟!!
شهد ابن عمر – رضي الله عنهما – رجلا يمانيا يطوف بالبيت ، حمل أمه وراء ظهره ، يقول :
إني لها بعيرُها المذلَّلْ ***إن أُذعِرَتْ ركابهُا لم أُذْعرْ .
ثم قال : يا بن عمر أتراني جزيتها ؟!
قال : لا ، ولا بزفرة واحدة !! ]. رواه البخاري في " الأدب المفرد " وصححه الألباني - رحمه الله تعالى –.
وفي " الأدب المفرد " أيضا عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أنه قال لرجل : أتفرق النار، وتحب أن تدخل الجنة؟!
قلت: إي، والله!
قال: أحيٌّ والداك؟ قلت: عندي أمى.
قال: فوالله! لو ألنت لها الكلام، وأطعمتها الطعام، لتدخلن الجنة ما اجتنبت الكبائر.
صححه الألباني .
وروى الستة إلا البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال :
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :
( لا يجزي ولد والده ، إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه! ).
قال النووي في " شرح مسلم " :
[أَيْ لَا يُكَافِئهُ بِإِحْسَانِهِ وَقَضَاء حَقّه إِلَّا أَنْ يُعْتِقهُ ]اهـ.
إذن لماذا هذا العقوق من بعض الأبناء رغم كل ما يفعله الوالدان لأبنائهم ؟!!
حب الوالد لولده حب فطرة ، ليس بملكه ، بل الله تبارك وتعالى جعل في غريزته حب الولد ، لذلك تجد الوالد مستعدا أن يفديَ ولده بنفسه ، ولذلك قال النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في الحديث الذي أخرجه أحمد و الترمذي وابن ماجه عن عمر – رضي الله عنه – قال عليه الصلاة والسلام :
( لا يقاد الوالد بالولد).
وصححه الألباني في " صحيح الجامع " .
يعني إذا قتل الوالد ولده فإنه لا يقتل به ،
قال المُناوي في " فيض القدير " :
[أي لا يُقاد والد بقتل ولده ، لأنه السبب في إيجاده فلا يكون هو السبب في إعدامه ]اهـ.وهذا قول جمهور العلماء.
، ولأنه مفطور على حب الولد ، فهو حينما يقتله ، غالبا لا يقتله إلا لسببين اثنين :
إما لسبب وجيه جدا ، وإما أن هذا الوالد قد اختل عقليا ، لذلك لا يُقتل الوالد بالولد .
تجد الوالد إذا مرض ولدُه تجده مستعدا أن يطوف به البلدان في سبيل أن يجد له العلاج ،ويبقى يكابد المشاق في سبيل ولده ،ويخسر الآلاف لكي يعالجه .
بينما حب الولد لوالده فيه نوع تكلف ، وليس فطريا ، لذا تجده يجد مشقة في داخله لإظهار حب والده ! ، بل إنك تجد بعض الناس حينما يصل أبوه إلى مرحلة معينة من العمر ، أو يبلغ أرذل العمر ، أو مُرِض أبوه ، تجد بعضهم يقول – وبئس ما يقول – والله الموت يريحه !! ، وهذا يقول تعبت منه ، وبالكاد يسأل عنه .
ولذلك تجد الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز أوصى الولد بوالده في سبعة مواضع أو أكثر :
فقال تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً......} [ البقرة : 83 ].
وقال الرب سبحانه : { وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا..... } [ النساء : 36 ].
وقال الله تعالى : { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا.....} [ الأنعام : 151].
وقال عزوجل : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} [ الإسراء : 32 ].
وقال تعالى : { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }[العنكبوت : 8].
وقال عَز مِن قائل : { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ....... } [ لقمن : 14 ،15]
وقال سبحانه : [وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا.......] [ الأحقاف : 15].
بينما لما كان حب الوالد لولده – كما أسلفنا – فطريا فإن الله -تبارك وتعالى- أوصى الوالد بولده في موضع واحد في القرآن في سورة النساء ، وهو قوله تعالى :
{ يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ .....} [ النساء : 11].
أيها الكرام ، أيها الأبناء :
إن من القواعد المجمع عليها عند أهل العلم :
" أن الجزاء من جنس العمل ".
فمن زرع حصد ، إذا أحسنت أُحْسِن إليك ،وإذا أعنت أُعِنت ، وإذا أَعطيت أُعطيت ، وإذا ساعدت سوعدت ، ودلت النصوص على هذه القاعدة :
فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- :
(والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) ، وقال : ( من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) .
وكذلك في هذا المقام ، فمن بَرَّ والديه ، بَرَّه أبناؤه ، ومن عق والديه ، عقه أبناؤه ، فإن الجزاء من جنس العمل ، إنك إذا أسأت معاملتهم رزقك الله أبناءً يسيئون معاملتك .
واسمعوا لهذه القصة العجيبة التي ذكرها بعض أهل العلم :
ذكروا أن رجلا كان عنده والد كبير ، فتأفف من خدمته ، فأخذه وخرج إلى الصحراء ليذبحه!!
فلما وصل إلى صخرة أنزله هناك .
فقال : يا بني ماذا تريد أن تفعل بي؟!!
قال : أريد أن أذبحك!!
قال: بني هل هذا جزاء الإحسان ؟!!..
قال الابن : لابد من ذبحك فقد أسأمتني!! ..
فقال الأب : يا بني إن أبيت إلا ذبحي فاذبحني عند الصخرة التالية ..!!
فتعجب الولد وقال: ما ضرك أن أذبحك هنا أو هناك ؟ قال : يا بني إن كان الجزاء من جنس العمل فاذبحني عند تلك الصخرة فقد ذبحت أبي هناك ..!! ولك يا بني مثلها!! " .
روى الحاكم في مستدركه وصححه الألباني في " صحيح الجامع " و " السلسلة الصحيحة " عن أنس – رضي الله عنه – قال النبي -صلى الله عليه وسلم- :
((بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي والعقوق)).
قال المُناوي في (فيض القدير) :
[(بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا) أي: قبل موت فاعليها : (البغي) أي: مجاوزة الحد والظلم.
(والعقوق) للوالدين وإن عليا أو أحدهما، أي: إيذاؤهما ومخالفتهما فيما لا يخالف الشرع]اهـ.
اللهم ألهمنا حب والدينا ، واجعلنا من البارين بهم ، اللهم إنا نعوذ من عقوق الوالدين ، ونسألك اللهم بر والدينا .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك المشركين ، وارفع راية الموحدين .
....


بعد الذي ذكرت شيخ علي كيف يتجوز العبد قصورا في حق والديه أو يلحظ منه جفاء أو يرى منه عقوقا أو يسمع منه غلظة وهو يعلم حقيقة البر وعظم الطاعة وعاقبة المفرط في ذلك ومآله.
رزقنا الله وإياك شيخ علي وجميع من نحب بر والدينا وأكسبنا طاعتهم


زياد الريسي;18548 wrote:
بعد الذي ذكرت شيخ علي كيف يتجوز العبد قصورا في حق والديه أو يلحظ منه جفاء أو يرى منه عقوقا أو يسمع منه غلظة وهو يعلم حقيقة البر وعظم الطاعة وعاقبة المفرط في ذلك ومآله.
رزقنا الله وإياك شيخ علي وجميع من نحب بر والدينا وأكسبنا طاعتهم

آمين آمين.
بارك الله فيكم على ما تفضلتم.