خطبة جمعة: أمنيات الموتى - معدلة

أبو ناصر فرج الدوسري
1438/04/25 - 2017/01/23 10:27AM
إنَّ الْحَمْدَ لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ بلله مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ الله فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ.
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ "
فاتقوا الله أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وتَأملوا أَحْوَالِ النَّاسِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا وسترون أَنَّ لَهُمْ مَعَ أَنْفُسِهِمْ أُمْنِيَاتٍ وَتَطَلُّعَاتٍ وَطُمُوحَاتٍ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ أَهْلِهَا ، وَهَذِهِ الْأُمْنِيَاتُ لَيْسَ لَهَا حَدٌّ وَلَا عَدٌّ ،
كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ )) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
اَلْمَرِيضُ يَتَمَنَّى الصِّحَّةَ ، وَالْفَقِيرُ يَتَمَنَّى الْغِنَى ، وَالْعَقِيمُ يَتَمَنَّى الْوَلَدُ ، وَهَكَذَا . . بِأُمْنِيَاتٍ قَدْ تَتَحَقَّقُ أَحْيَانًا ؛
وَلَكِنْ هُنَاْكَ أُنَاسٌ لَهُمُ أُمْنِيَاتٌ لَاْ يُمْكِنُ تَحْقِيْقُهَا ، وَيَسْتَحِيِلُ أَنْ يَحْصُلَ أَحَدُهُمْ عَلَىْ مِقْدَارِ ذَرَّةٍ مِنْهَا .
إِنَّهُمُ اَلْأَمْوَاتُ اَلَّذِيِنَ فَارَقُوْا هَذِهِ اَلْحَيَاةَ ، واَلَّذِيْنَ يَتَمَنَّوْنَ الرَّجْعَةَ إِلَى هَذِهِ الدُّنْيَا وَلَكِنْ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ،
كَمَا قَالَ تَعَالَى ((حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ )) يَتَمَنَّوْنَ الْعَوْدَةَ إِلَى هَذِهِ الدُّنْيَا لَا لِأَجْلِ انْشِغَالٍ بِزَوْجَةٍ أَوْ وَظِيفَةٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ جَاهٍ ؛ بَلْ يُرِيدُونَ عَمَلًا صَالِحًا ،
كَمَا قَالَ تَعَالَى ((حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ))
يُرِيدُونَ تَسْبِيحَةً وَاحِدَةً ، أَوْ صَلَاةً خَاشِعَةً أَوْ صَدَقَةً مِنْ الصَّدَقَاتِ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْأَعْمَالِ ،
يَقُوُلُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، إِنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرٍ ، فَقَالَ : (( مَنْ صَاحِبُ هَذَا الْقَبْرِ ؟ )) فَقَالُوا : فُلانٌ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : ((رَكْعَتَانِ أَحَبُّ إِلَى هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ )) صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ
أُمْنِيَاتُ بَعْضِهِمْ أَنْ لَوْ مَات وَلَيْسَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ دَيْنٌ ، حَتَّىْ لَوْ كَاْنَ رِيَالَاً وَاْحِدَاً ،
لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ مَاتَ مُنْذُ سِنِيِنَ عَدِيِدَةٍ ، وَمَا زَالَتْ رُوُحُهُ مُعَلَّقَةً ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ وَلَا زَكَاةٌ ، وَلَمْ يُقْبَلْ لَهُ صِيَامٌ وَلَا حَجٌ بِسَبَبِ دَيْنِهِ ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيِ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ : (( نَفْسُ اَلْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَىَ عَنْهُ ))
أَيْ نَفْسُهُ مَحْبُوسَةٌ عَنِ النَّعِيمِ حَتَّى يُقْضَى دَيْنُهُ ،
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، ثُمَّ وَضَعَ رَاحَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ قَالَ : ((سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَاذَا نُزِّلَ مِنَ التَّشْدِيدِ ؟)) فَسَكَتْنَا وَفَزِعْنَا ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ سَأَلْتُهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا هَذَا التَّشْدِيدُ الَّذِي نُزِّلَ ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ! لَوْ أَنَّ رَجُلا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيِيَ ، ثُمَّ قُتِلَ ، ثُمَّ أُحْيِيَ ، ثُمَّ قُتِلَ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ )) حَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ
فَاَلْأَمْوَاْتُ اَلَّذِيْنَ مَاْتُوْا وَعَلَيْهِمْ دِيُوُنٌ ، يَتَمَنَّوُنَ أَنْ لَوْ خَرَجَوُا ، وَسَدَّدَوُا دُيُوْنَهُمْ ، حَتَّى لَوْ بَاْعُوا بُيُوْتَهُمْ وَسَكَنُوا فِيِ اَلْشَّوَارِعِ ، وَحَتَّى لَوْ بَاعُوْا سَيَّارَاتِهِمْ وَمَشُوْا حُفَاةً عَلَى أَرْجُلِهِمْ .
بَعْضُنَا وَبِسَبَبِ إِهْمَالِهِ وَقِلَّةِ إِيِمَانِهِ ، يَسْتَهِيْنُ بِدَيْنِهِ ، وَقَدْ يَكُوْنُ ذَلِكَ لِقِلَّتِهِ ، أَوْ لِعَدَمِ مُطَاْلَبَةِ صَاحِبِهِ بِهِ ، فَيَمُوتُ فَتُعَلَّقُ رُوُحُهُ ، وَلَا تُقْبَلُ أَعْمَالُهُ ، بِسَبَبِ رِيَالَاتٍ لِبَقَّالَةٍ أَوْ مَحَطَّةِ بِنْزِيِنٍ ، أَوْ بَقِيَّةِ حَقِّ عَامِلٍ أَوْ سَائِقٍ أَوْ غَيرِ ذَلِكَ ،
فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَكْتُبَ مَالَهُ وَمَا عَلَيْهِ، لِكَيْ لَا تَضِيِعُ حُقُوقُهُ وَلَا حُقُوقُ اَلنَّاسِ عَلَيْهِ،
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَاْ حَقُّ اِمْرِئٍ مُسْلِمٍ ، لَهُ شَيْءٌ يُوْصِى فِيهِ ، يَبِيِتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوُبَةً عِنْدَهُ )) مُتَّفّقٌ عَلَيْهِ .
عباد الله : إن من أُمْنِيَاتُ بَعْضِ الموتى : أَنْ لَوْ مَاتَ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ قَطِيْعَةٌ أَوْ خِصِامٌ ، يَتَمَنَّوْنَ أَنْ لَوِ اِصْطَلَحُوْا مَعَ إِخْوَانِهِمْ وَجِيِرَانِهِمْ وَأَرْحَامِهِمْ قَبْلَ مَمَاتِهِم ، فَأَعْمَالُهُمُ اَلْصَّاْلِحَةُ لَمْ تُرْفَعْ بِسَبَبِ هَذِهِ الْخُصُومَاتِ وَالْقَطِيِعَةِ ،
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ ، فَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ،وَفِي رِوَايَةٍ إِلَّا الْمُتَهَاجِرِيِنَ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
فَاَلَّذِيْ يَمُوْتُ وَهُوَ هَاْجِرٌ لِأَحَدٍ مِنْ إِخْوَانِهِ أَوْ أَرْحَامِهِ ، لَا يُرْفَعُ عَمَلُهُ ، وَيَفُوتُهُ مِنَ الْخَيْرِ الشَّيْءُ الْكَثِيِرُ بِسَبَبِ هَذَا الْهَجْرُ والتَّقَاطُعُ ،
وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُحَاوِلَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي قَلْبِهِ غِلٌّ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى وَلَوْ أَمَرَتْهُ نَفْسُهُ ، وَتَطَاوَلَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ .
ومن أُمْنِيَاتُ بَعْضِ الموتى : الرجوع إلى الدنيا ولو لدقائق معدودة، ليقدموا صدقة لله عز وجل، ولقد نقل الله لنا أمنيتهم هذه في قوله تعالى:
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )) المؤمنون 9-11
أيها الأحبة هنا تنبيه على خطأ لفظي يقع فيه كثير من المسلمين
فمن المعلوم أيها الأحبة أن الله تعالى، هو الّذي يَتوفَّى الأنفسَ حين موتِها.
قال عزَّ شأنُه: (( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )) الزمر(42)
وحُكيَ أنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه حضرَ جنازةً فسأله بعضُ الفضلاء وقالَ: مَنِ المُتَوَفِّي؟. بكسر الفاء ،
فقال علي بن أبي طالب : المتوفي هو اللّهُ تعالى، فأنكرَ ذلك عليهم وبيِّنَ لهم الغلط. وقال: قُلْ: مَنِ المُتَوَفَّى بفتح الفاء.
فهذا خطأ لفظي يجدر بالمسلم تفاديه.
فَلْنَتَّقِ اَللهِ – عِبَادَ اللهِ - وَلْنُحَقِّقْ مَا يَتَمَنَّاهُ اَلْأَمْوَاْتُ فِي اَلْحَيَاةِ ، قَبْلَ أَنْ نَنْتَقِلَ مِنْ هَذِهِ اَلْدُّنْيَا ، وَنَقَعُ بِمَا وَقَعَ فِيْهِ غَيْرُنَا ،
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ فِيِمَا لَكُمْ وَعَلَيْكُمْ ،وَحَقِّقُوا أُمْنِيَاتِكِمْ الْأُخْرَوِيَّةِ قَبْلِ مَمَاتِكُمْ ،وَبَادِرُوا بِالْأعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ فَوَاتِكُمْ ، ((وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ))
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكَمَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنْ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ .

اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ ،
وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ ،
صَلّى الله عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً .
أما بعد : فاتقوا الله يا عباد الله، واستغلوا ما بقي من أعماركم في طاعة الله، واعلموا أن كل ميت قصّرَ في طاعة الله، قد عضَّ على أصابع الندم، وأصبح يتمنى لو تعود له الحياة ليطيع الله، ليرُدَ حقَّ إنسان،
إن تسبيحة واحدة عندهم خير من الدنيا وما فيها، لقد أدركوا يقينا أنه لا ينفعهم إلا طاعة الله عز وجل.
قال تعالى : { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } الزمر: 56-61.
بادر إلى التوبة ما دمت في مرحلة الإمهال، قبل حلول ساعة لا تستطيع فيها التوبة إلى ربك، قبل أن يأتيك الموت بغتة فيحال بينك وبين العمل فتقول متحسرا : { يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي }.
اعلم أن الدقيقة التي تمر من حياتك؛ يتمنى مثلها ملايين الموتى؛ ليستثمروها في طاعة الله، ليحدثوا لله فيها توبة، ليذكروا الله فيها ولو مرة، ولكن لا تحقق أمانيهم، فلا تصرف دقائق عمرك في غير طاعة الله، حتى لا تندم وتتحسر في يوم لا ينفع فيه الندم.
قال تعالى (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا) الفرقان 27-19
فعلينا أن نستعد للموت نستعد بالتوبة الصادقة من جميع ذنوبنا، ومن جميع سيِّئاتنا، ومن جميع تقصيرنا في طاعة ربِّنا، نتوب إلى الله.
التوبة - يا عباد الله - من أعظم أنواع الاستعداد للموت، حتى تلقى الله وهو راضٍ عنَّك، فترضى عنه ويرضى عنك - سبحانه وتعالى.
نسأل الله أن يرزقنا وإيَّاكم حسن الاستعداد للموت، وأن يهونِّه علينا، وأن يجعل لنا ولكم خاتمةً حسنةً، و مآلاً صالحًا، إنه سميعٌ مجيبٌ.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ ،
فَقَالَ (( إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا ))
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الآل والصحب الكرام،
وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين ،
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع كلمة الحق والدين وانصر عبادك المؤمنين،
اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك وفي نصرة دينك، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم،
اللهم سدد سهامهم، وآراءهم، اللهم أجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى والبر والتقوى،
اللهم مُنَّ عليهم بالاعتصام بحبلك المتين، وبشرعك المبين،
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات،
اللهم تجاوز عن سيئاتنا ، واعف عن زلاتنا ،
اللهم ارزقنا الاستقامة على الدين ، اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، اللهم هون علينا سكرات الموت ،
اللهم يمن كتبانا ، ويسر حسابنا ، وأجرنا من النار
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ،
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ،
عباد الله : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.










بتصرف من خطب الشيخ محمد بن سليمان المهوس
https://khutabaa.com/forums/موضوع/150964

رابط الخطبة ملونة ومنسقة
https://docs.google.com/document/d/1hHLCQ1BIRqE0gDca_NCLjWOiuoSOuIhpydlfXFi0XUw/edit?usp=sharing
ويمكن تحميلها من المرفقات
المرفقات

امنيات الموتى.docx

امنيات الموتى.docx

المشاهدات 1770 | التعليقات 0