خطبة جامعة مختصرة في العشر وليلة القدر

بندر بن عبدالله الرشود
1437/09/19 - 2016/06/24 03:41AM
الخطبة الأولى

ففي حياة الأمم والشعوب، أحداثٌ خالدة، وأيام مجيدة، تحمل في طياتها ما يفرح القلوب، ويبهج النفوس، ولقد شرفت هذه الأمة بأعظم الأحداث، وأكمل الأيام، وأتم الليالي.
ومما أنعم به الخالق سبحانه على هذه الأمة، أيام العشر الاخيرة من رمضان فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العمل فيها أكثر من غيرها..ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها :أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها )
وفي الصحيح عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله )
وفي المسند عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين بصلاة ونوم فإذا كان العشر شمر وشد المئزر)
فهذه العشر كان يجتهد فيها صلى الله عليه وسلم أكثر مما يجتهد في غيرها من الليالي والأيام من انواع العبادة : من صلاة وقرآن وذكر وصدقة وغيرها ..وذلك لشرف هذه الليالي فان فيها ليلة ليست كالليالي والايام ولا حتى ألف شهر؛ بل هي خير من ألف شهر، خير من غالب أعمار بني الإنسان ، من أدركها أدرك الخير كله، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ" (رواه النسائي 2106 وغيره).
وقد وصفها الله عز وجل بأنها مباركة، لكثرة خيرها وبركتها وفضلها. قال جل وعلا: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) وهذه الليلة، هي في شهر رمضان المبارك ليست في غيره، قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)
وقد سميت الليلة بهذا الاسم لعظيم قدرها وشانها عند الله تعالى ولأن الله تعالى يقدّر فيها الأرزاق والآجال، وحوادث العالم كلها، فيكتب فيها الأحياء والأموات، والناجون والهالكون، والسعداء والأشقياء، والعزيز والذليل، والجدب والقحط، وكل ما أراده الله تعالى في تلك السنة، ، كما قال تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) وهو التقدير السنوي، والتقدير الخاص، أما التقدير العام فهو متقدم على خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة كما صحت بذلك الأحاديث.

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه" خرّجه البخاري ومسلم، أي ايمانا بالله تعالى واحتسابا للأجر أي قام بحبس نفسه وتصبيرها على الطاعة والصلاة والقيام طلبا للثواب من الله تعالى لا لشيء من حظوظ الدنيا فإن الله تعالى يتفضل عليه بمغفرة ما تقدم من ذنوبه والله ذو الفضل العظيم .فيالخسارة المحرومين .
وقد اختلف العلماء في تحديد ليلة القدر , ورجّح جمع منهم أنها ليست في ليلة معينة بل تتنقل بين هذه الليالي كل عام، قال النووي رحمه الله : ( وهذا هو الظاهر المختار لتعارض الأحاديث الصحيحة في ذلك ، ولا طريق إلى الجمع بين الأحاديث إلا بانتقالها )
فهي بهذا مجهولة لا معلومة، وقد أخفى الله تعالى وقتها، لكي يجتهد العباد في العمل والعبادة في سائر ليالي العشر المباركة

وليلة القدر ليست للمصلين فقط، بل هي للنفساء والحائض، والمسافر والمقيم، قال الامام الضحاك رحمه الله : "لهم في ليلة القدر نصيب، كلُ من تقبل الله عمله، سيعطيه نصيبه من ليلة القدر".
فينبغي على المسلم أن يشغل عامة وقته بالدعاء والصلاة وسائرانواع العبادة، قال الامام الشافعي رحمه الله: استحب أن يكون اجتهاده في نهارها، كاجتهاده في ليلها. وقال سفيان الثوري رحمه الله: "الدعاء في الليلة أحب إلي من الصلاة"، فالدعاء في ليلة القدر، كان مشهوراً ومعروفاً عند الصحابة، فلتحرص أيها المسلم، على تخيّر جوامع الدعاء الواردة في الكتاب العزيز، والتي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم، أو أرشد إليها، ً و ليس لليلة القدر دعاء مخصوص ، بل يدعو المسلم بما يناسب حاله، وأن يكثر الدعاء لإخوانه المسلمين , قال النووي رحمه الله: ويُستحب أن يُكثر فيها من الدعوات بمهمات المسلمين، فهذا شعار الصالحين، وعباد الله العارفين"ا.هـ.
فلتحرص أيها المسلم على الصلاة والدعاء في تلك الليلة، فإنها ليلة لا تشبه ليالي الدهر، فخذ بنصيبك من خيرها الحَسَن، واهجر لذة النوم وطيب الوَسَن، وجافِ جنبيك عن مضجعك الحَسَن
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)


الخطبة الثانية

عباد الله وان من السنن المهجورة في هذه العشر المباركة سنة الاعتكاف وكم في الاعتكاف من الثواب الجزيل والاجر العظيم وهو لزوم المسجد لطاعة الله - عز وجل وعمارته بالذكر والقران وسائر الطاعات وقد واظب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته ففي الصحيحين عن عائشة قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ). قال الإمام الزهري رحمة الله عليه : { عجباً للمسلمين تركوا الإعتكاف مع أن النبي > صلى الله عليه وسلم <ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله عز وجل ) ويصح الاعتكاف في كل مسجد تصلى فيه الصلوات الخمس جماعة وهو في الجامع افضل , واذا اعتكف المسلم فلا يصح له الخروج من المسجد حتى ينقضي يومه او ليلته او ما نواه الا ان يخرج لطاعة كان قد اشترطها على نفسه اول اعتكافه كزيارة مريض ونحوه او في امر لا بد له منه طبعا او شرعا كقضاء الحاجة او اكل وشرب اذا لم يجد من ياتيه بهما فان خرج بغير عذر بطل اعتكافه

فالله الله عباد الله اغتنموا بقية شهركم - بادروا الفرصة واغتنموا الاجور والنفحات – اغتنموا تصفيد الشياطين ونزول الملائكة – اغتنموا الخير والبركات اغتنموا الفوز بالجنة والعتق من النار اغتنموا شهر التراويح والقيام - والصدقة
والجود والاحسان 00اغتنموا شهر رمضان شهر الذكر والقران, فإن الموفق من وفقه الله لاغتنام هذه الليالي , والمحروم من حرم الخير فيها

هذا وصلوا رحمكم الله على من امركم الله بالصلاة والسلام عليه
المشاهدات 1656 | التعليقات 0