خطبة : ( جاء رمضان وقد فرغتم فانصبوا )

عبدالله البصري
1436/08/25 - 2015/06/12 05:46AM
جاء رمضان وقد فرغتم فانصبوا 25 / 8 / 1436
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ " " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَو سُئِلَ وَاحِدٌ مِنَّا صَغِيرًا كَانَ أَو كَبِيرًا عَنِ الغَايَةِ مِن خَلقِهِ وَإِيجَادِهِ ، لَمَا أَجَابَ بِغَيرِ قَولِ اللهِ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونَ "
وَبِقَولِهِ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَقَد بَعَثنَا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعبُدُوا اللهَ وَاجتَنِبُوا الطَّاغُوتَ "
هَكَذَا يُؤمِنُ كُلٌّ مِنَّا في الجَانِبِ العِلمِيِّ النَّظَرِيِّ ، وَهَكَذَا يَرَى نَفسَهُ وَقَدِ اكتَمَلَت عُبُودِيَّتُهَا أَو يَتَرَاءَى لَهُ ، وَلَكِنَّكَ لَو نَظَرتَ إِلى مَن حَولَكَ وَتَأَمَّلتَ الجَانِبَ العَمَلِيَّ في حَيَاتِهِم ، لَتَذَكَّرتَ قَولَهُ ـ سُبحَانَهُ ـ : " أَفَحَسِبتُم أَنَّمَا خَلَقنَاكُم عَبَثًا وَأَنَّكُم إِلَينَا لا تُرجَعُونَ " أَجَل ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ بَينَ العِلمِ النَّظَرِيِّ بِالغَايَةِ مِن خَلقِنَا وَبَينَ الوَاقِعِ العَمَلِيِّ في حَيَاتِنَا ، بَونًا شَاسِعًا وَفَرقًا وَاضِحًا ، وَاختِلافًا مُزعِجًا بَل وَتَنَاقُضًا مُقلِقًا .
وَفي أَيَّامِ العُطَلِ وَالإِجَازَاتِ يَتَبَيَّنُ شَيءٌ مِن هَذَا بِوُضُوحٍ وَجَلاءٍ ، إِذْ تَرَى أُولَئِكَ المُنضَبِطِين في حَيَاتِهِم قَلِيلاً مِن أَجلِ الدُّنيَا في أَيَّامِ المَدَارِسِ وَأَوقَاتِ العَمَلِ الوَظِيفِيِّ ، قَد أَصبَحُوا أُنَاسًا آخَرِينَ ، كَأَنَّمَا خُلِقُوا لِغَيرِ العِبَادَةِ ، سَهَرٌ طَوِيلٌ غَيرُ مَحمُودٍ ، وَلَهوٌ وَلَعِبٌ وَغَفلَةٌ ، وَتَزجِيَةٌ لِلأَوقَاتِ في المُبَاحَاتِ بَل وَالمَكرُوهَاتِ أَوِ المُحَرَّمَاتِ ، وَنَومٌ عَنِ الصَّلاةِ وَتَثَاقُلٌ في أَدَاءِ العِبَادَاتِ .
إَنَّهُ لَمِنَ المُحزِنِ حَقًّا ، أَن يَعلَمَ المُسلِمُ أَنَّ صَلاتَهُ وَنُسُكَهُ وَمَحيَاهُ وَمَمَاتَهُ يَجِبُ أَن تَكُونَ للهِ رَبِّ العَالمينَ لا شَرِيكَ لَهُ ، ثم تَرَاهُ يُصبِحُ أَو يُمسِي كَالبَهِيمَةِ العَجمَاءِ ، هَمُّهُ أَكلٌ وَشُربٌ وَنِكَاحٌ ، وَسَيرٌ عَلَى مَا تَشتَهِي النَّفسُ ، وَانقِيَادٌ لما تَرغَبُ وَتَهوَى ، دُونَ تَقَيُّدٍ بِقُيُودٍ شَرعِيَّةٍ ، وَلا وُقُوفٍ عِندَ آدَابٍ مَرعِيَّةٍ " أَيَحسَبُ الإِنسَانُ أَن يُترَكَ سُدًى " " يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ . الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ . في أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ "
وَقَد يَقُولُ قَائِلٌ وَيَتَسَاءَلُ مُتَسَائِلٌ : وَلِمَ يُعَابُ عَلَى النَّاسِ أَن يُرِيحُوا أَنفُسَهُم في إِجَازَاتِهِم ، وَيُمَتِّعُوا أَروَاحَهُم في حَالِ الفَرَاغِ وَيُوَسِّعُوا صُدُورَهُم ؟!
فَيُقَالُ : إِنَّ ثَمَّةَ فَرقًا بَينَ أَن يَبحَثَ الإِنسَانُ عَن لَحَظَاتٍ يَرتَاحُ فِيهَا بَعدَ عَنَاءِ الجِدِّ وَدَأَبِ العَمَلِ ، وَبَينَ مَن يَجعَلُ كُلَّ وَقتِهِ خُمُولاً وَكَسَلاً وَلَهوًا وَلَعِبًا ، وَلا يُبقِي لِلجِدِّ لَحظَةً ولا لِلعَزِيمَةِ مَجَالاً , وَعَلَى كُلِّ حَالٍ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَسَوَاءٌ استَيقَظَت قُلُوبُنَا مِن رَقدَةِ الغَفلَةِ ، فَتَيَقَّنَّا أَنَّ أَنفَسَ مَا صُرِفَت لَهُ الأَوقَاتُ هُوَ عِبَادَةُ رَبِّ الأَرضِ وَالسَّمَاوَاتِ ، أَم أَخَذَ بِنَا ضَعفُ النُّفُوسِ في مَسَارِبِ الغَفلَةِ ، فَتِهنَا في دُرُوبِ الدُّنيَا وَاتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ ، فَإِنَّنَا عَلَى كُلِّ حَالٍ إِلى اللهِ سَائِرُونَ ، وَفي طَرِيقِ الآخِرَةِ مَاضُونَ ، وَحَتى وَإِنْ طَالَ بِنَا العَيشُ فَنَحنُ مَيِّتُونَ ، ثم مَبعُوثُونَ وَمُحَاسَبُونَ ، وَلَيس وَرَاءَنَا إِلاَّ جَنَّةٌ ثَمَنُها عَمَلٌ صَالِحٌ بِفَضلِ اللهِ ، أَو نَارٌ لِمَن أَسَاءَ وَقَصَّرَ بِعَدلِ اللهِ " فَمَن يَعمَلْ مِثقَالَ ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ . وَمَن يَعمَلْ مِثقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ " " فَمَن ثَقُلَت مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ . وَمَن خَفَّت مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ "
وَإِنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الأَزمِنَةُ الفَاضِلَةُ مِن أَنسَبِ أَوقَاتِ الجِدِّ وَالاجتِهَادِ ، وَكَانَ شَهرُ رَمَضَانَ مِن مَوَاسِمِ الجُودِ الإِلهِيِّ العَمِيمِ ، حَيثُ تُعتَقُ الرِّقَابُ وَتُقَالُ العَثَرَاتُ وَتُمحَى السَّيِّئَاتُ ، وَتُوَزَّعُ الجَوَائِزُ الرَّبَّانِيَّةُ وَالهِبَاتُ وَتُضَاعَفُ الحَسَنَاتُ ، كَانَ لِزَامًا عَلَينَا أَن نَنتَبِهَ مِن غَفَلاتِنَا ، وَنَستَيقِظَ مِن رَقَدَاتِنَا ، وَنَتَوَاصَى عَلَى تَحصِيلِ الغَايَةِ مِن خَلقِنَا وَنُرضِيَ خَالِقَنَا ، وَنَحرِصَ عَلَى التَّهَيُّؤِ لِدُخُولِ الشَّهرِ الكَرِيمِ بما يُحِبُّهُ الرَّبُّ الرَّحِيمُ ، قَبلَ أَن يَجتَذِبَنَا دُعَاةُ البَاطِلِ وَاللَّهوِ وَالفُجُورِ ، الَّذِينَ تَتَعَاظَمُ هِمَمُهُم وَيُسرِفُونَ في الإِعدَادِ لإِغوَاءِ الخَلقِ في أَعظَمِ الشُّهُورِ ، بما يُذِيعُونَهُ وَيَنشُرُونَهُ وَيَتَفَنَّونَ في جَذبِ النُّفُوسِ إِلَيهِ ، مِن مُسَلسَلاتٍ وَمَسرَحِيَّاتٍ ، وَسَهَرَاتٍ وَلِقَاءَاتٍ ، وَرَقصٍ وَغِنَاءٍ ، وَجَدَلٍ وَهُرَاءٍ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد صَامَتِ الأُمَّةُ شُهُورًا ، وَمَرَّ بها رَمَضَانُ دُهُورًا ، فَهَلِ ازدَادَت مِنَ اللهِ قُربًا ؟!
هَل حَمَلَت في قُلُوبِهَا إِيمانًا وَتَشَبَّعَت مِنَ التَّقوَى ؟!
في الوَاقِعِ خَيرٌ كَثِيرٌ وَللهِ الحَمدُ وَالمِنَّةُ ، وَلَكِنَّ فِيهِ أَيضًا مَا يُؤلِمُ وَيَحُزُّ في الخَاطِرِ ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ أَنَّ رَمَضَانَ يَدخُلُ وَيَخرُجُ ، وَفي الأُمَّةِ مَن لا يُحِسُّ بِأَنَّهُ قَد مَرَّ بِهِ مَوسِمُ تِجَارَةٍ أُخرَوِيَّةٍ ، فَهُوَ لِهَذَا بَاقٍ عَلَى عَجزِهِ وَخُمُولِهِ وَكَسَلِهِ ، مُستَسلِمٌ لِجُبنِهِ وَبُخلِهِ ، لم يُتَاجِرْ وَلم يُرَابِحْ ، وَلم يُسَابِقْ وَلم يُنَافِسْ ، وَلم يُجَاهِدْ نَفسَهُ وَلم يُرَابِطْ ، وَإِلاَّ فَإِنَّ الأُمَّةَ لَو تَجَهَّزَت لِهَذَا الشَّهرِ وَأَعَدَّت لَهُ عُدَّتَهُ ، وَشَمَّرَ الجَمِيعُ عَن سَوَاعِدِ الجِدِّ وَشَدُّوا مَآزِرَهُم ، وَتَفَرَّغُوا لِلعِبَادَةِ وَنَوَّعُوا الطَّاعَةَ ، لَرَأَينَا أُمَّةً جَدِيدَةً تُولَدُ بَعدَ رَمَضَانَ وَتَحيَا حَيَاةً مُغَايِرَةً لِمَا كَانَت عَلَيهِ مِن قَبلُ .
وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ فَرقٌ كَبِيرٌ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ بَينَ مَن يَتَقَدَّمُ إِلى رَمَضَانَ بِعَزِيمَةٍ قَوِيَّةٍ ، وَنَفسٍ مَشحُونَةٍ بِالإِصرَارِ عَلَى الاجتِهَادِ في الطَّاعَةِ ، وَقَلبٍ يُصقَلُ بِالصَّبرِ وَالمُصَابَرَةِ ، وَبَينَ مَن يَعِيشُ في الأَمَانيِّ وَالأَحلامِ ، أَو يَشتَغِلُ بِتَحصِيلِ مَصالِحَ دُنيَوِيَّةٍ بِبَيعٍ أَو شِرَاءٍ ، أَو يَتَكَثَّرُ في رَمَضَانَ بِسُؤَالٍ وَاستِعطَاءٍ وَاستِجدَاءٍ.
إِنَّ رَبَّنَا ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، غَنِيٌّ عَنَّا ، وَهُوَ مَعَ هَذَا قَرِيبٌ مِنَّا ، وَقَد قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَاذكُرُوني أَذكُرْكُم "
وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " اُدعُوني أَستَجِبْ لَكُم "
وَقَالَ في الحَدِيثِ القُدسِيِّ : " أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدِي بي ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَني ، فَإِنْ ذَكَرَني في نَفسِهِ ذَكَرتُهُ في نَفسِي ، وَإِنْ ذَكَرَني في مَلأٍ ذَكَرتُهُ في مَلأٍ خَيرٍ مِنهُم ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِليَّ شِبرًا تَقَرَّبتُ إِلَيهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِليَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبتُ إِلَيهِ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَاني يَمشِي أَتَيتُهُ هَروَلَةً " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
أَلا فَمَا أَحرَانَا وَقَد أَقبَلَ شَهرُنَا أَن نَحرِصَ عَلَى الإِقبَالِ عَلَى رَبِّنَا ، وَأَن تَكُونَ حَالُنَا كَحَالِ العَبدِ الصَّالِحِ مُوسَى ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ إِذْ قَالَ : " وَعَجِلتُ إِلَيكَ رَبِّ لِتَرضَى " فَإِنَّهَا لَحَسرَةٌ وَأَيُّ حَسرَةٍ أَن تَفُوتَ الأَزمِنَةُ الفَاضِلَةُ في غَيرِ طَاعَةٍ ، وَأَن يُشَمِّرَ السَّابِقُونَ وَيَتَخَلَّفَ أَقوَامٌ مِنَّا وَيَقعُدُوا مَعَ القَاعِدِينَ ،،
فَحَيَّهلا إِنْ كُنتَ ذَا هِمَّةٍ فَقَد ** حَدَا بِكَ حَادِي الشَّوقِ فَاطْوِ المَرَاحِلا
وَلا تَنتَظِرْ بِالسَّيرِ رُفقَةَ قَاعِدٍ ** وَدَعْهُ فَإِنَّ العَزمَ يَكفِيكَ حَامِلا
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ، وَلْنَتَشَبَّهْ بِالصَّالِحِينَ ، وَلْنُعِدَّ العُدَّةَ مَعَ المُشَمِّرِينَ ، وَلْنَحذَرْ ضَعفَ العَزِيمَةِ وَخَوَرَ الإِرَادَةِ ، وَاتِّبَاعَ الهَوَى وَمُصَاحَبَةَ البَطَّالِينَ وَالفَارِغِينَ ، وَإِطَالَةَ الرَّاحَةِ وَكَثرَةَ الفَرَاغِ ؛ فَإِنَّ الرَّاحَةَ لِلرِّجَالِ غَفلَةٌ ، وَالمَوتَ يَطلُبُنَا في كُلِّ لَحظَةٍ ، وَلا وَاللهِ يَجِدُ العَبدُ طَعمَ الرَّاحَةِ الحَقِيقِيَّةِ حَتى يَضَعَ قَدَمَهُ في الجَنَّةِ ، وَقَد قَالَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لِنَبِيِّهِ : " وَاصبِرْ نَفسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجهَهُ وَلا تَعدُ عَينَاكَ عَنهُم تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَلا تُطِع مَن أَغفَلنَا قَلبَهُ عَن ذِكرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمرُهُ فُرُطًا " وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَن أَنَابَ إِلَيَّ "
وَقَالَ لِعُمُومِ عِبَادِهِ المُؤمِنِينَ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "
فَاللهَ اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ بِتَهيِئَةِ النُّفُوسِ لِهَذَا الضَّيفِ الكَرِيمِ ، أَكرِمُوا وِفَادَتَهُ ، وَأَحسِنُوا ضِيَافَتَهُ ، وَإِيَّاكُم أَن تُفَوِّتُوا فِيهِ فَرِيضَةً ، أَو تَتَكَاسَلُوا عَن نَافِلَةٍ ، أَو تَزهَدُوا في خَيرٍ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذكُرُوا اللهَ ذِكرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلاً . هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيكُم وَمَلائِكَتُهُ لِيُخرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلى النُّورِ وَكَانَ بِالمُؤمِنِينَ رَحِيمًا . تَحِيَّتُهُم يَومَ يَلقَونَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُم أَجرًا كَرِيمًا "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاغتَنِمُوا فَاضِلَ الأَوقَاتِ بِالتَّزَوُّدِ مِنَ الصَّالِحَاتِ ، وَاعلَمُوا أَنَّ شَهرَ رَمَضَانَ فُرصَةٌ سَانِحَةٌ لِعِلاجِ الآفَاتِ ، وَالتَّخَلُّصِ مِنَ المَعَاصِي وَالمُخَالَفَاتِ وَسَيِّئِ العَادَاتِ ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لأَنَّهُ شَهرُ حِميَةٍ وَامتِنَاعٍ عَنِ الشَّهَوَاتِ وَفُضُولِ المُبَاحَاتِ ، وَفِيهِ تَخِفُّ النُّفُوسُ إِلى الطَّاعَاتِ ، حَيثُ لا تُبصِرُ إِلاَّ صَائِمًا أَو قَائِمًا ، أَو رَاكِعًا أَو سَاجِدًا ، أَو قَانِتًا أَو قَارِئًا ، أَو دَاعِيًا أَو ذَاكِرًا ، أَو مُنفِقًا أَو مُتَصَدِّقًا ، في تَسَابُقٍ إِلى الخَيرَاتِ ، وَتَنَافُسٍ في اكتِسَابِ الحَسَنَاتِ ، فَإِذَا صَحِبَ ذَلِكَ عَزِيمَةٌ صَادِقَةٌ لإِصلاحِ النَّفسِ ، كَانَتِ النَّتِيجَةُ سَعَادَةً وَرَاحَةً وَانشِرَاحَ صَدرٍ ، وَأَمَّا مَن لم تَتَحَفَّزْ هِمَّتُهُ لِعِلاجِ نَفسِهِ في هَذَا الشَّهرِ ، فَلْيَبكِ عَلَيهَا بُكَاءً طَوِيلاً ، فَإِنَّهُ شَقِيٌّ مَحرُومٌ ، في الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " وَرَغِمَ أَنفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيهِ رَمَضَانُ ثم انسَلَخَ قَبلَ أَن يُغفَرَ لَهُ "
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وِلْنُصلِحْ أَنفُسَنَا وَلْنَحذَرْهَا ، فَإِنَّ فِيهَا رَكُونًا إِلى اللَّيِّنِ وَالهَيِّنِ ، وَنُفُورًا عَنِ المَكرُوهِ وَالشَّاقِّ ، فَلْنَرفَعْهَا مَا استَطَعنَا إِلى النَّافِعِ وَإِن كَانَ شَاقًّا ، وَلْنُرَوِّضْهَا عَلَى الأَكمَلِ وَإِن كَانَ إِلَيهَا مَكرُوهًا ، وَلْنُذِقْهَا اللَّذَّاتِ الرُّوحِيَّةَ العَظِيمَةَ ، تَحتَقِرِ اللَّذَّاتِ الحِسِّيَّةَ الصَّغِيرَةَ ، وَلْنَأطِرْهَا عَلَى جَلائِلِ الأُمُورِ وَمَعَالِيهَا ، تَنفِرْ عَن كُلِّ دَنِيَّةٍ وَتَربَأْ عَن كُلِّ صَغِيرَةٍ ، وَلْنَعلَمْ أَنَّ اللهَ مُعطٍ كُلاًّ عَلَى قَدرِ مَا تَصبُو إِلَيهِ نَفسُهُ وَتَرقَى إِلَيهِ هِمَّتُهُ وَتَبلُغُهُ نِيَّتُهُ وَعَزِيمَتُهُ " مَن كَانَ يُرِيدُ العَاجِلَةَ عَجَّلنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصلاهَا مَذمُومًا مَدحُورًا . وَمَن أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعيَهَا وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعيُهُم مَّشكُورًا . كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِن عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحظُورًا . انظُر كَيفَ فَضَّلنَا بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكبَرُ تَفضِيلاً " " فَأَمَّا مَن طَغَى . وَآثَرَ الحَيَاةَ الدُّنيَا . فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأوَى . وَأَمَّا مَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفسَ عَنِ الهَوَى . فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَى "
المرفقات

جاء رمضان وقد فرغتم فانصبوا.doc

جاء رمضان وقد فرغتم فانصبوا.doc

جاء رمضان وقد فرغتم فانصبوا.pdf

جاء رمضان وقد فرغتم فانصبوا.pdf

المشاهدات 2419 | التعليقات 2

لا فض فوك ولا شلت اناملك ولا جف حبر قلمك الراسخ
بارك الله فيك فقد ابدعت


جزاك الله خيرا