خطبة تقوية صلة الأبناء بالله عز وجل
حسين بن حمزة حسين
1446/10/16 - 2025/04/14 11:41AM
إخوة الإيمان: أعظم الوصايا، وأوْجب الواجبات، تنشئت الأبناء على دين الله، فهذا أبُ الأنبياء إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُوصِي أبناءه بِالتَّوْحِيدِ (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ..."(التِّرْمِذِيُّ)
إخوة الإيمان : فإِنَّ مِنْ أَهَمِّ الواجبات على الآباء تعريفُ الأبناء بالله وبدين الله، تذكيرهم بأنّ نِعَمَ الله عليهم كثيرةٌ، وأعظمُها نعمةُ الإسلام وأن جعَلهم من أبوين مسلميْن، أبويْن يحبّبوهم بالله وينشّؤوهم على دين الله، لم يجعلهم من أبوين كافرين ينشؤوهم على الكفر والإلحاد وكره دين الله، عرّفوا أبناءكم وحبّبوهم بنبيّهم ورسولهم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم معلّم الناس الهدى والخير، عرّفوهم بسيرته الطاهرة الشريفة، حببوهم بأصحابه الكرام والتابعين لهم بإحسان رضي الله عنهم وأرضاهم، ربّوهم على سيرتهم وأخلاقهم الكريمة، علّموا أبناءكم تعظيم القرآن الكريم والسنة الشريفة، فعليهما يقوم دين الله، وعليهما تدور سعادتهم إذا تمسّكوا وأطاعوا وامتثلوا، وشقاؤهم إذا عصوا وتكبّروا، عرفوا أبناءكم أنّ الله خلقهم لعبادته، وأرْسل لهم رسولهم ليعلّمهم كيف يعبدوه سبحانه، وأن القرآن الكريم كلام الله تعالى، سمعه جبريل عليه السلام من الله تعالى مباشرةّ في السماء، فتلاه جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض، وأن السنّة الشريفة هي الأصل الثاني من أصول الدين بعد القرآن الكريم، وهي وحي من ربّ العالمين، حفظها الله تعالى كما حفظ القرآن الكريم، فالكتاب والسنة حجّة الله تعالى على الخلق أجمعين، علّموا أبناءكم تعظيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أغرسوا في قلوبهم حبهما، يسّروا لهم سبل الهداية، فالله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين، عرفوهم أن الله تعالى سيحاسبهم بعد الموت، فخلق جنة عرضها السموات والأرض وعدها لعباده المؤمنين، وخلق ناراً جعل وقودها الناس والحجارة أعدّت للكافرين، علّموهم أنّ رضا الله بطاعته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وأن سخط الله بمعصية أمره واقتراف نواهيه، عرفوهم أن هذه الدنيا وهذه الحياة زمن الامتحان والاختبار، والآخرة التي بعد الموت هي الحياة الحقيقية، عرفوهم أنّ من أعدى أعداءِهم الشيطانَ الرجيم، يريد إخراجَهم من الدنيا كافرين عاصين، وأن للشيطان أعواناً من الناس الكافرين والمنافقين يجمّلون لهم معصية الله وهم لا يشعرون، عّلموهم الآداب الشريفة، والأخلاق الفاضلة، لينشؤوا مسلمين شرفاء أنصاراً لدين الله، محبّين موالين لله ورسوله وكتابه ودينه وعباده الصالحين، موالين للإسلام مفتخرين به، أعزاء أنهم مسلمين، كارهين متبرئين من الكفر والكافرين، علّموهم أن حاجتهم لا تنفكّ عن ربهم ومولاهمِ أبداً، وأن حاجتهم لله عز وجل أعظم مِنْ حَاجَتِهِم إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَالْهَوَاءِ الَّذِي يتنفسون، قال صلى الله عليه وسلم (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه )؛ ومعنى الفطرة التوحيد، وتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم (كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه، والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولدِه، فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيَّتِه)؛ متفق عليه.
إخوة الإيمان: كم مات كمداً من آباء وأمهات مسلمين، وحرقت قلوبَهم المآسي والآلام، حينما تركوا أبناءهم صغاراً لم يربُّوهم على دين الله، تركوهم فاجتالتْهُم مصائدُ الشيطانِ وأعوانه، فنشأ جيلٌ لا يخافون الله في السماء ولا يستحيون من الناس في الأرض، بل حتى بلغ من بعضهم الكفر والإلحاد -نسأل الله السلامة والعافية-، قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾
الخطبة الثانية:
إخوة الإيمان: ربّوا أبناءكم على برّكم ليلبّوا أمركم ويستجيبوا لكم، حبّبوا لهم اللغة العربية لغة القرآن عرفوهم أنها أشرفُ اللغات وأكملُها فيها عزُّهم وشَرَفُهم، عظّموا الصلاةَ في نفوسهم، واغرسوا حبّها في قلوبهم، فهي أعظم حافظ لهم من الفتن، قال تعالى (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ)، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مُرُوا أَوْلَادَكُمُ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ).
أيها الآباء: إحذروا على أبنائكم الفتن العظيمة التي تُعرض في قنوات الفضاء المفتوح والإنترنت وبرامج التواصل الاجتماعي، حذّروهم ألعاب السوني وما تحتويه من تعليم للقتل والسرقة ونشر العهر والفساد، تقنيات تحمل ملايين الأفلام والمشاهد التي تدعو للكفر والإلحاد ونشر الخلاعة والمجون، تدعو إلى كبائر الذنوب والمنكرات من زنا بل وزنا المحارم واللواط وشرب للخمر واستهزاءٍ بالدين ورجال الدين وتحبيب الأبناء بالكافرين، حتى نشأ جيل قدوتهم مشاهير الكافرين، ولو سألتهم عن أسماء الخلفاء الراشدين لما أجابوا، تعرض فيها مشاهد خليعة ماجنة تقتل الغيرة وتذهب بالشرف والعفاف، تُعرض الفتن على الأبناء بمشاهد خبيثة لا يَفْطن لها ويسْلم من شرّها إلا من حماه الله، فأكثروا لأبنائكم الدعاء بالهداية والحماية، جنّبوهم الفتن، أشغلوهم بطاعة الله، أدخلوهم حلقات تحفيظ القرآن فهي أفضل البيئات التي بها قد تحمون أبناءكم، ولنتيقّن أَنَّ مَنْ كَانَ مَعَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ مَعَهُ، قَالَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لمّا تركها مع ابنها وحيدة في مكّة : "آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟"، قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَتْ: "إِذًا لَا يُضَيِّعُنَا"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، اللَّهُمَّ اهْدِنَا وَأَوْلَادَنَا ، وَخُذْ بأيدينا إِلَى مَا يُرْضِيكَ، وَاشْرَحْ صُدُورَنَا لِكُلِّ خَيْرٍ وَطَاعَةٍ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ،