خطبة : ترك صلاة الفجر ... سيئة لها أخوات

عبدالله البصري
1430/08/15 - 2009/08/06 12:14PM
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "


أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِن إِرَادَةِ اللهِ بِعَبدِهِ الخَيرَ أَن يَرزُقَهُ قَلبًا حَيًّا سَلِيمًا ، يَألَفُ الحَسَنَةَ فَيَدفَعُهُ إِلى فِعلِهَا ، وَيَأنَفُ مِنَ السَّيِّئَةِ فَيَكُفُّهُ عَن اقتِرَافِهَا ، وَإِنَّكَ لَن تَجِدَ امرَأً مُحسِنًا في عِبَادَةِ رَبِّهِ مُستَدِيمًا لِعَمَلٍ صَالحٍ ، إِلاَّ وَهُوَ حَيُّ القَلبِ نَقِيُّ الصَّدرِ قَوِيُّ الإِيمَانِ ، حَرِيصًا عَلَى مَا يَنفَعُهُ قَرِيبًا مِن كُلِّ خَيرٍ ، وَلَن تُلفِيَ آخَرَ قَدِ اعتَادَ كَبِيرَةً أَو هُوَ مُصِرٌّ عَلَى صَغِيرَةٍ ، إِلاَّ وَهُوَ مَنكُوسُ القَلبِ خَرِبُ الصَّدرِ ضَعِيفُ الإِيمَانِ ، لَهُ مَعَ مَا يَرَاهُ النَّاسُ كَبَائِرُ أُخرَى وَصَغَائِرُ لا تُرَى ، قَالَ أَحَدُ السَّلَفِ العَارِفِينَ : إِذَا رَأَيتَ الرَّجُلَ يَعمَلُ الحَسَنَةَ ، فَاعلَمْ أَنَّ لها عِندَهُ أَخَوَاتٍ ، وَإِذَا رَأَيتَهُ يَعمَلُ السَّيِّئَةَ ، فَاعلَمْ أَنَّ لها عِندَهُ أَخَوَاتٍ ، فَإِنَّ الحَسَنَةَ تَدُلُّ عَلَى أُختِهَا ، وَإِنَّ السَّيِّئَةَ تَدُلُّ عَلَى أُختِهَا ...


يُقَالُ هَذَا الكَلامُ ـ أَيُّهَا المُوَفَّقُونَ ـ وَنَحنُ نَرَى قُصُورًا في شَعِيرَةٍ عَظِيمةٍ وَإِخلالاً بِعِبَادَةٍ جَلِيلَةٍ ، هِيَ جُزءٌ مِن مَنظُومَةٍ مُتَكَامِلَةِ البُنيَانِ ، لا يَنفَكُّ جُزءٌ مِنهَا عَن آخَرَ ، وَلا يُبنَى جَانِبٌ مِنهَا والآخَرُ مَهدُومٌ ، أَمَّا تِلكُمُ الشَّعِيرَةُ المُقَصَّرُ فِيهَا فَهِيَ صَلاةُ الفَجرِ ، وَأَمَّا تِلكُمُ المَنظُومَةُ المُتَرَابِطَةُ الأَجزَاءِ المُتَرَاصَّةُ اللَّبِنَاتِ ، فَهِيَ الصَّلَوَاتُ الخَمسُ ، عَمُودُ الإِسلامِ وَأَهَمُّ أَركَانِهِ العَمَلِيَّةِ ، وَالفَارِقَةُ بَينَ المُسلِمِ وَالكَافِرِ ، وَالمُتَمَيِّزُ بها المُؤمِنُ عَنِ المُنَافِقِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَتَاني جِبرِيلُ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ مِن عِندِ اللهِ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ فَقَالَ : يَا محمَّدُ ، إِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ قَالَ لَكَ : إِني قَد فَرَضتُ عَلَى أُمَّتِكَ خَمسَ صَلَوَاتٍ ؛ مَن وَافَاهُنَّ عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ ؛ فَإِنَّ لَهُ عِندِي بِهِنَّ عَهدًا أَن أُدخِلَهُ بِهِنَّ الجَنَّةَ ، وَمَن لَقِيَنِي قَد أَنقَصَ مِن ذَلِكَ شَيئًا فَلَيسَ لَهُ عِندِي عَهدٌ ؛ إِن شِئتُ عَذَّبتُهُ وَإِن شِئتُ رَحِمتُهُ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " خَمسُ صَلَوَاتٍ افتَرَضَهُنَّ اللهُ ـ تَعَالى ـ مَن أَحسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلاَّهُنَّ لِوَقتِهِنَّ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ ، كَانَ لَهُ عَلَى اللهِ عَهدٌ أَن يَغفِرَ لَهُ ، وَمَن لم يَفعَلْ فَلَيسَ لَهُ عَلَى اللهِ عَهدٌ ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ "


وَمَعَ أَنَّ مَوضُوعَ صَلاةِ الفَجرِ قَد طُرِقَ كَثِيرًا وَلَجَّ بِهِ الوَاعِظُونَ ، وَعَالَجَهُ الخُطَبَاءُ وَصَاحَ بِهِ النَّاصِحُونَ ، إِلاَّ أَنَّ بَعضَ النَّاسِ لم يَتَنَبَّهْ لِهَذِهِ المَسأَلَةِ وَلم يَكُنْ لَهُ حَظٌّ مِنَ النَّظَرِ فِيهَا ، أَعني مَسأَلَةَ التَّقصِيرِ في الصَّلَوَاتِ الأُخرَى غَيرِ صَلاةِ الفَجرِ ، وَمَا لِهَذَا التَّقصِيرِ مِن الأَثَرِ السَّيِّئِ عَلَى أَدَاءِ صَلاةِ الفَجرِ نَفسِهَا ، ذَلِكُم أَنَّ لِلطَّاعَةِ بَرَكَةً في الوَقتِ وَقُوَّةً في الجَسَدِ وَإِعَانَةً عَلَى الخَيرِ ، وَأَنَّ مِن شُؤمِ المَعصِيَةِ الخُذلانَ وَعَدَمَ التَّوفِيقِ ، وَإِنَّك لَو نَظَرتَ إِلى هَؤُلاءِ التَّارِكِينَ لِصَلاةِ الفَجرِ بِالكُلِّيَّةِ ، أَوِ السَّاهِينَ عَنهَا المُتَأَخِّرِينَ عَن جَمَاعَتِهَا ، لَوَجَدتَ هَذَا دَيدَنَهُم في الصَّلوَاتِ الأُخرَى ، فَفِي الوَقتِ الَّذِي يُجهِزُ عَلَيهِمُ النَّومُ عِندَ صَلاةِ الفَجرِ ، فَإِنَّ لهم مِن شَهَوَاتِهِمُ الأُخرَى مَا يُؤَخِّرُهُم عَن شُهُودِ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ ، وَإِنَّكَ لَو تَتَبَّعتَ سِيرَةَ هَؤُلاءِ لَوَجَدتَ المَانِعَ لهم مِنَ المُحَافَظَةِ عَلَى الصّلَوَاتِ أَعذَارًا بَارِدَةً وَمُتَعَلَّقَاتٍ وَاهِيَةً ، وَمِن ثَمَّ فَقَد خُذِلُوا عَن شُهُودِ صَلاةِ الفَجرِ جَزَاءً وِفَاقًا ، وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلعَبِيدِ .


أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مُؤمِنًا يُحَافِظُ عَلَى الصَّلَوَاتِ في يَومِهِ وَلَيلَتِهِ ، وَيَحرِصُ عَلَى شُهُودِ الجَمَاعَةِ حَالَ يَقَظَتِهِ ، إِنَّهُ لَيَرَى نَفسَهُ قَدِ اكتَسَبَ شَيئًا عَظِيمًا وَرَبِحَ رِبحًا وَافِرًا ، وَمِن ثَمَّ فَلَن تَرضَى نَفسُهُ أَن يُفَرِّطَ في صَلاةٍ وَاحِدَةٍ بِشَكلٍ يَومِيٍّ لِعُذرِ النَّومِ ، فَيَكُونَ بِذَلِكَ هَلاكُهُ وَعَدَمُ استِقَامَةِ أَمرِهِ ، وَمَن جَرَّبَ عَرَفَ ، وَمَن خَبَرَ صَدَّقَ ، فَيَا مَن تَجِدُونَ في أَنفُسِكُم تَكَاسُلاً عَن صَلاةِ الفَجرِ ، وَتَلمَسُونَ مِنهَا ضَعفَ عَزِيمَةٍ وَتَبَاطُؤًا عَنِ القِيَامِ ، رَاقِبُوا اللهَ في سَائِرِ صَلَوَاتِكُم ، وَأَدُّوهَا عَلَى الوَجهِ الَّذِي يُرضِي رَبَّكُم ، وَلا تَهُونُوا فَتَسقُطُوا مِن عَينِ اللهِ ثم لا تُوَفَّقُوا ، إِنَّكُم ـ وَاللهِ ـ لَن تَطلُبُوا مِنَ اللهِ عَونًا فَيَخذُلَكُم ، وَلَن تَلُوذُوا بِهِ فَيُخَيِّبَ آمَالَكُم ، كَيفَ وَقَد قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَو أَنَّهُم فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيرًا لَهُم وَأَشَدَّ تَثبِيتًا " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَالَّذِينَ اهتَدَوا زَادَهُم هُدًى وَآتَاهُم تَقواهُم " وَقَالَ في الآخَرِينَ : " في قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا " وَقَالَ : " فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُم وَاللهُ لا يَهدِي القَومَ الفَاسِقِينَ " وَفي الحَدِيثِ القُدسِيِّ يَقُولُ اللهُ ـ تعالى ـ : " أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدِي بي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَني ، فَإِن ذَكَرَني في نَفسِهِ ذَكَرتُهُ في نَفسِي ، وَإِن ذَكَرَني في مَلأٍ ذَكَرتُهُ في مَلأٍ خَيرٍ مِنهُم ، وَإِن تَقَرَّبَ إِليَّ شِبرًا تَقَرَّبتُ إِلَيهِ ذِرَاعًا ، وَإِن تَقَرَّبَ إِليَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبتُ إِلَيهِ بَاعًا ، وَإِن أَتَاني يَمشِي أَتَيتُهُ هَروَلَةً "

نَعَمْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُون ـ ذَلِكُم هُوَ رَبُّكُمُ الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ ، لا يَرُدُّ مَن وَفَدَ عَلَيهِ ، وَلا يَطرُدُ مَن لَجَأَ إِلَيهِ ، وَأَمَّا مَن نَسِيَهُ وَغَفَلَ عَن ذِكرِهِ ، فَاسمَعُوا إِلى نَتِيجَةِ فِعلِهِ وَشُؤمِ مَعصِيَتِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ بَعضُهُم مِن بَعضٍ يَأمُرُونَ بِالمُنكَرِ وَيَنهَونَ عَنِ المَعرُوفِ وَيَقبِضُونَ أَيدِيَهُم نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُم إِنَّ المُنَافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ "


أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَاصدُقُوا اللهَ يَصدُقْكُم ، فَقَد وَرَدَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَن طَلحَةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مِن أَهلِ نَجدٍ ثَائِرَ الرَّأسِ ، يُسمَعُ دَوِيُّ صَوتِهِ وَلا نَفقَهُ مَا يَقُولُ حَتى دَنَا ، فَإِذَا هُوَ يَسأَلُ عَنِ الإِسلامِ . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " خَمسُ صَلَوَاتٍ في اليَومِ وَاللَّيلَةِ " قَالَ : هَل عَلَيَّ غَيرُهُنَّ ؟ قَالَ : " لا إِلاَّ أَن تَطَّوَّعَ " قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " وَصِيَامُ شَهرِ رَمَضَانَ " قَالَ : هَل عَلَيَّ غَيرُهُ ؟ قَالَ : " لا إِلاَّ أَن تَطَّوَّعَ " قَالَ : وَذَكَرَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ الزَّكَاةَ فَقَالَ : هَل عَلَيَّ غَيرُهَا ؟ قَالَ : " لا إِلاَّ أَن تَطَّوَّعَ " قَالَ : فَأَدبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ : وَاللهِ لا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلا أَنقُصُ مِنهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَفلَحَ الرَّجُلُ إِن صَدَقَ " أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الوُسطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ . فَإن خِفتُم فَرِجَالاً أَو رُكبَانًا فَإِذَا أَمِنتُم فَاذكُرُوا اللهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَا لم تَكُونُوا تَعلَمُونَ "



الخطبة الثانية :


أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ .


أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، كَيفَ يَنتَظِرُ تَوفِيقًا لِصَلاةِ الفَجرِ وَإِعَانَةً عَلَى أَدَائِهَا مَن تَكَاسَلَ عَنِ الصَلَوَاتِ الأُخرَى وَلم يُجِبْ دَاعِيَ اللهِ ؟ لَقَد قَالَ ـ سُبحَانَهُ : " فَلْيَستَجِيبُوا لي وَلْيُؤمِنُوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ " فَمَنِ استَجَابَ للهِ إِيمَانًا بِهِ وَتَصدِيقًا بِوَعدِهِ وَوَعِيدِهِ ، فَهُوَ الرَّاشِدُ المُوَفَّقُ المُسَدَّدُ ، وَمَن لم يَرفَعْ بِأَمرِ رَبِّهِ رَأسًا وَنَكَصَ عَلَى عَقِبَيهِ وَتَبَاطَأَ ، فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفسَهُ إِذَا خُذِلَ وَلم يُهدَ وَلم يَرشُدْ ، إِنَّهَا مُعَادَلَةٌ بَيِّنَةُ المُعطَيَاتِ وَاضِحَةُ الحُدُودِ ، صَحِيحَةُ النَّتَائِجِ دَقِيقَةُ الثَّمَرَاتِ ، فَمَن " أَوفى بِعَهدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ " وَمَن رَضِيَ بِالدُّونِ وَالهَوَانِ فَلَهُ الدُّونُ وَالهَوَانُ .
مَن يَهُنْ يَسهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ ... مَا لِجُرحٍ بِمَيِّتٍ إِيلامُ


إِنَّ القَلبَ مِثلُ الصَّفحَةِ البَيضَاءِ ، إِن تَوَارَدَت عَلَيهِ الحَسَنَاتُ ازدَادَ بَيَاضًا وَتَأَلُّقًا ، وَكَمُلَ حُبُّهُ لِلخَيرِ وَأَلِفَ الطَّاعَةَ وَسَهُلَ عَلَيهِ فِعلُهَا ، وَإِن هُوَ كَسَبَ السَّيِّئَاتِ وَأَحَاطَت بِهِ الخَطِيئَاتُ ، وَأَخَّرَ صَاحِبُهُ التَّوبَةَ وَفَرَّطَ في المُجَاهَدَةِ ، لم يَنتَبِهْ بَعدُ إِلاَّ وَقَدِ اسوَدَّ وَانتَكَسَ وَزَاغَ ، مِصدَاقُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسلِمٌ عَن حُذَيفَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ : " تُعرَضُ الفِتَنُ عَلَى القُلُوبِ كَالحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلبٍ أُشرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكتَةٌ سَودَاءُ ، وَأَيُّ قَلبٍ أَنكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكتَةٌ بَيضَاءُ ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلبَينِ : عَلَى أَبيَضَ مِثلِ الصَّفَا ؛ فَلا تَضُرُّهُ فِتنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ ، وَالآخَرُ أَسوَدُ مُربَادًّا كَالكُوزِ مُجَخِّيًا ، لا يَعرِفُ مَعرُوفًا وَلا يُنكِرُ مُنكَرًا إِلاَّ مَا أُشرِبَ مِن هَوَاهُ "


أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَاصبِرُوا وَصَابِرُوا ، وَخُذُوا الأَمرَ بِجِدٍّ وَعَزِيمَةٍ وَرَابِطُوا ، وَاستَعِيذُوا بِاللهِ مِنَ العَجزِ وَالكَسَلِ وَلا تَتَهَاوَنُوا ، وَانتَشِلُوا أَنفُسَكُم مِن أَوحَالِ النِّفَاقِ وَاتَّصِفُوا بِصِفَاتِ المُتَّقِينَ ، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاركَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ، وَكُونُوا مَعَ اللهِ يَكُنْ مَعَكُم " وَاذكُرْ رَبَّكَ في نَفسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهرِ مِنَ القَولِ بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِنَ الغَافِلِينَ "
المشاهدات 13564 | التعليقات 5

وَإِذَا رَأَيتَهُ يَعمَلُ السَّيِّئَةَ ، فَاعلَمْ أَنَّ لها عِندَهُ أَخَوَاتٍ ، فَإِنَّ الحَسَنَةَ تَدُلُّ عَلَى أُختِهَا ، وَإِنَّ السَّيِّئَةَ تَدُلُّ عَلَى أُختِهَا ...

ومصداق ذلك في كتاب الله :

(بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم اعمال من دون ذلك هم لها عاملون)


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكرا لك يا أيها الشيخ عبد الله على هذه الخطبة وأسأل أن ينفعنا جميعا بها.

هناك علاج مهم جدا وهو ترك الحديث بعد العشاء فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبلها والحديث بعدها.

وذلك لأن الإنسان إذا أخذ بالحديث مع الناس فإنه قد يتخلل ذلك غيبة أو نميمة أو غير ذلك من المعاصي فيحرم الإنسان بذلك من القيام لصلاة الفجر.

وأيضا أن الحديث ليس له نهاية ثم في النهاية ينام الإنسان متأخرأ ...

فإذا قطع الإنسان الحديث وختم يومه بمحاسبة للنفس وحرص على أذكار النوم فإنه بإذن الله يوفق للقيام لصلاة الفجر.


نسأل الله أن يعيننا على الصلوات كلها ويغفر لنا تقصيرنا إنه سميع قريب.


بسم الله الرحمن الرحيم
قرآن الفجر .. والأسباب المعينة عليه .. وأحوال الصحابة مع صلاة الفجر

قرآن الفجر :

{ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ } يعني: صلاة الفجر.
وقد ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تواترًا من أفعاله وأقواله بتفاصيل هذه الأوقات، على ما عليه عمل أهل الإسلام اليوم، مما تلقوه خلفًا عن سلف، وقرنًا بعد قرن، كما هو مقرر في مواضعه، ولله الحمد.
{ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } قال الأعمش، عن إبراهيم، عن ابن مسعود -وعن أبي صالح، عن أبي هريرة، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية: { إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } قال: "تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار" .
وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا مَعْمَر، عن الزهري، عن أبي سلمة -وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر". ويقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } .
وقال الإمام أحمد: حدثنا أسباط، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم -وحدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } قال: "تشهده ملائكة الليل، وملائكة النهار".
ورواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجة، ثلاثتهم عن عُبَيْد بن أسباط بن محمد، عن أبيه، به وقال الترمذي: حسن صحيح.
وفي لفظ في الصحيحين، من طريق مالك، عن أبي الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يتعاقبون فيكم ملائكة الليل وملائكة النهار ، ويجتمعون في صلاة الصبح وفي صلاة العصر، فَيَعْرُجُ الذين باتوا فيكم فيسألهم - وهو أعلم بكم - كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون" وقال عبد الله بن مسعود: يجتمع الحرسان في صلاة الفجر، فيصعد هؤلاء ويقيم هؤلاء.
وكذا قال إبراهيم النَّخَعي، ومجاهد، وقتادة، وغير واحد في تفسير هذه الآية.

وأما الحديث الذي رواه ابن جرير هاهنا - من حديث الليث بن سعد، عن زيادة، عن محمد بن كعب القرظي، عن فضالة بن عُبيد، عن أبي الدرداء، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر حديث النزول وأنه تعالى يقول: "من يستغفرني أغفر له، من يسألني أعطه ، من يدعني فأستجيب له حتى يطلع الفجر". فلذلك يقول: { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } فيشهده الله، وملائكة الليل، وملائكة النهار - فإنه تفرد به زيادة، وله بهذا حديث في سنن أبي داود.

من تفسير ابن كثير

{ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ } أي: صلاة الفجر، وسميت قرآنا، لمشروعية إطالة القرآن فيها أطول من غيرها، ولفضل القراءة فيها حيث شهدها الله، وملائكة الليل وملائكة والنهار.
ففي هذه الآية، ذكر الأوقات الخمسة، للصلوات المكتوبات، وأن الصلوات الموقعة فيه فرائض لتخصيصها بالأمر.
وفيها: أن الوقت شرط لصحة الصلاة، وأنه سبب لوجوبها، لأن الله أمر بإقامتها لهذه الأوقات.
وأن الظهر والعصر يجمعان، والمغرب والعشاء كذلك، للعذر، لأن الله جمع وقتهما جميعًا.
وفيه: فضيلة صلاة الفجر، وفضيلة إطالة القراءة فيها، وأن القراءة فيها ركن، لأن العبادة إذا سميت ببعض أجزائها دل على فرضية ذلك.

من تفسير السعدي

الأسباب المعينة على صلاة الفجر :

و من الأسباب المعينة على صلاة الفجر الإخلاص لله تعالى : كما أمر الله تعالى بإخلاص العمل له دون ما سواه : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) ، فكلما قوي إخلاص العبد كان أكثر توفيقاً إلى الطاعات والقربات ، وفي حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض ، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب " رواه أحمد صحيح الجامع 2825 . قال مطرف بن عبدالله بن الشخير : صلاح العمل بصلاح القلب ، وصلاح القلب بصلاح النية . قال ابن القيم رحمه الله : وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته يكون توفيقه سبحانه وإعانته ، فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم ونياتهم ورغبتهم ورهبتهم ، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك .
ولذا حرص السلف الكرام أشد الحرص على إخفاء الطاعات كقيام الليل ؛ سأل رجل تميم بن أوس الداري رضي الله عنه فقال له : كيف صلاتك بالليل ؟ فغضب غضباً شديداً ثم قال : والله لركعة أصليها في جوف الليل في السر أحب إلي من أن أصلي الليل كله ثم أقصه على الناس . وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله ، فإذا قرب الفجر رجع فاضطجع في فراشه ، فإذا طلع الصبح رفع صوته كأنه قد قام تلك الساعة .
ومنها : النوم على الجانب الأيمن : وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرشد أمته إلى النوم على الجانب الأيمن ، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليفضه بداخلة إزاره ، فإنه لا يدري ما خلّفه عليه ، ثم ليضطجع على شقه الأيمن ، ثم ليقل باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " متفق عليه .
وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع على شقك الأيمن " متفق عليه ، وعن حفصة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن " رواه الطبراني ، صحيح الجامع 4523 . قال الإمام ابن القيم رحمه الله : وفي اضطجاعه صلى الله عليه وسلم على شقه الأيمن سر ، وهو أن القلب معلّق في الجانب الأيسر ، فإذا نام على شقه الأيسر استثقل نوماً ، لأنه يكون في دعة واستراحة فيثقل نومه ، فإذا نام على شقه الأيمن فإنه يقلق ولا يستغرق في النوم لقلق القلب وطلبه مستقره وميله إليه .


ومنها : النوم على طهارة : تقدم حديث البراء بن عازب رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة " متفق عليه ، وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مسلم يبيت على ذكر طاهراً فيتعارّ من الليل ، فيسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه " رواه أبو داود وأحمد ، صحيح الجامع 5754 . وجاء من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " طهّروا هذه الأجساد طهركم الله ، فإنه ليس عبد يبيت طاهراً إلا بات معه في شعاره ملك ، لا يتقلب ساعة من الليل إلا قال : اللهم اغفر لعبدك ، فإنه بات طاهراً " رواه الطبراني ، قال المنذري : إسناد جيد ، صحيح الجامع 3831


ومنها : التبكير بالنوم : النوم بعد العشاء مبكراً وصية نبوية ، وخصلة حميدة ، وعادة صحية ومما جاء في فضله حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يؤخر العشاء ، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها " رواه البخاري ، نقل الحافظ ابن حجر عن القاضي عياض في قوله : "وكان يكره النوم قبلها " قال : لأنه قد يؤدي إلى إخراجها عن وقتها مطلقاً ، أو عن الوقت المختار ، والسمر بعدها قد يؤدي إلى النوم قبل الصبح ، أو عن وقتها المختار ، أو عن قيام الليل . وقال ابن رافع : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينِشّ الناس بدِرّته بعد العتمة ويقول : قوموا لعل الله يرزقكم صلاة .
ومما يتعلق بالنوم : اختيار الفراش المناسب ، وذلك بعدم المبالغة في حشو الفراش ، وتليينه وتنعيمه لأن ذلك من أسباب كثرة النوم والغفلة ، ومجلبة للكسل والدّعة ، وثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كانت وسادة النبي صلى الله عليه وسلم التي ينام عليها بالليل من أدم حشوها ليف . رواه أبوداود وأحمد ، صحيح الجامع 4714 .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير قد أثر في جنبه الشريف فقال عمر : يا نبي الله لو اتخذت فراشاً أوْثر من هذا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ما لي وللدنيا ، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف ، فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ، ثم راح وتركها . رواه أحمد والحاكم ، صحيح الجامع 5545.
وكان علي بن بكار رحمه الله تفرش له جاريته فراشه ، فيلمسه بيده ثم يقول : والله إنك لطيب ، والله إنك لبارد ، والله لا علوتك ليلتي ، ثم يقوم يصلي إلى الفجر .
ومن ذلك عدم الإفراط في النوم والاستغراق فيه ، قال إبراهيم ابن أدهم : إذا كنت بالليل نائماً ، وبالنهار هائماً ، وفي المعاصي دائماً ، فكيف تُرضي من هو بأمورك قائماً .

ومنها : المحافظة على الأذكار الشرعية قبل النوم : فإن هذه الأذكار حصن حصين يقي بإذن الله من الشيطان ، ويعين على القيام ، ومن هذه الأذكار ، ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أوى أحدكم إلى فراشه ، فلينفضه بداخلة إزاره ، فإنه لا يدري ما خلّفه عليه ، ثم ليضطجع على شقّه الأيمن ، ثم ليقل : باسمك ربي وضعت جنبي ، وبك أرفعه ، إن أمسكت نفسي فارحمها ، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " متفق عليه .
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ، ثم نفث فيهما يقرأ (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده ، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده ، يفعل ذلك ثلاث مرات " متفق عليه .وعن أبي مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه " متفق عليه . وعن أنس بن مالك رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال : " الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا ، وكفانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي له " رواه مسلم .
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقصة الشيطان معه قال له : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي (الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) حتى تختمها ، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، فذكر ذلك أبو هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له : صدقك وهو كذوب " متفق عليه . وكذلك اجتناب الذنوب والمعاصي .
والله أعلم .
http://www.islamweb.net/ver2/fatwa/S...Option=FatwaId


أحوال الصحابة مع الصلاة :

يخرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من بيته ليصلي بالناس صلاة الفجر .. يدخل المسجد .. تقام الصلاة .. يتقدم عمر و يسوي الصفوف .. يكبر فما هو إلا أن كبر حتى تقدم إليه المجرم أبو لؤلؤة المجوسي فيطعنه عدة طعنات بسكين ذات حدين .
أما الصحابة الذين خلف عمر فذهلوا وسقط في أيديهم أمام هذا المنظر المؤلم .
وأما من كان في خلف الصفوف في آخر المسجد فلم يدروا ما الخبر .. فما إن فقدوا صوت عمر رفعوا أصواتهم : سبحان الله .. سبحان الله . ولكن لا مجيب .
يتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فيقدمه فيصلي بالناس .
يحمل الفاروق إلى بيته .. فيغشى عليه حتى يسفر الصبح . اجتمع الصحابة عند رأسه فأرادوا أن يفزعوه بشيء ليفيق من غشيته . نظروا فتذكروا أن قلب عمر معلق بالصلاة . فقال بعضهم : إنكم لن تفزعوه بشيء مثل الصلاة إن كانت به حياة . فصاحوا عند رأسه : الصلاة يا أمير المؤمنين ، الصلاة . فانتبه من غشيته وقال : الصلاة والله . ثم قال لا بن عباس : أصلى الناس . قال : نعم . قال عمر : لا إسلام لمن ترك الصلاة . ثم دعا بالماء فتوضأ و صلى وإن جرحه لينزف دماً .

هكذا أيها الأحبة كان حالهم مع الصلاة . حتى في أحلك الظروف ، بل وحتى وهم يفارقون الحياة في سكرات الموت .كيف لا وقد كانت هذه الفريضة الهم الأول لمعلم البشرية صلى الله عليه وسلم وهو يعالج نفسه في سكرات الموت فيقول : الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم .

أيها الأحبة . في هذه الكلمة نعرض أربعة أحوال من أحوال السلف الصالح مع الصلاة لنقارن أحوالهم بأحوالنا ليتوب المسيء من إساءته ، ويتنبه المقصر إلى تقصيره ، ويزداد المحسن إحساناً وتكميلاً لصلاته .

الحال الأول : محافظتهم على صلاة الجماعة وتعلق قلوبهم بها:

الصلاة قرة عيون المؤمنين كما صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : وجعلت قرة عيني في الصلاة .
ولذا كان يقول : أرحنا بها يا بلال . ولسان حال بعضنا : أرحنا منها يا إمام .
وقل لبلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا
توضأ بماء التوبة اليوم مـخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا

وقد سطر سلفنا الصالح صوراً مشرقة في المحافظة على صلاة الجماعة .
ففي صحيح مسلم ينقل لنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صورة حية لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحالهم مع صلاة الجماعة فيقول : ولقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق معلوم النفاق ، ولقد رأيت الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف .
فأين النائمون عن صلاة الفجر و العصر الذين أنعم الله عليهم وأصحّ لهم أجسامهم ؟ وما عذرهم أمام الله تعالى ؟.
منابركم علت في كل حيٍّ ومسجدكم من العباد خالي
وصوت أذانكم في كل وادٍ ولكن أين صوت من بلالِ

• وهذا سعيد بن المسيب يقول : ما فاتتني الصلاة في جماعة منذ أربعين سنة .
ولما اشتكى سعيد عينه يوماً قالوا لـه : لو خرجت إلى العقيق فنظرت إلى الخضرة لوجدت لذلك خفة . فقال : فكيف أصنع بشهود العشاء والصبح .
• وكان الربيع بن خثيم يقاد إلى الصلاة وبه الفالج فقيل لـه : قد رخص لك . قال : إني أسمع " حي على الصلاة " فإن استطعتم أن تأتوها فأتوها ولو حبواً .
• وسمع عامر بن عبدالله بن الزبير المؤذن وهو يجود لنفسه فقال : خذوا بيدي فقيل : إنك عليل . قال : أسمع داعي الله فلا أجيبه . فأخذوا بيده فدخل مع الإمام في المغرب فركع ركعة ثم مات .
• وكان سعيد بن عبدالعزيز إذا فاتته صلاة الجماعة بكى .
• سئل عبدالرحمن بن مهدي عن الرجل يبني بأهله أيترك الجماعة أياماً ؟ قال : لا ، ولا صلاةً واحدةً .
هكذا أفتى ابن مهدي رحمه الله . ثم يأتي الامتحان ، فيزوج ابن مهدي إحدى بناته فيخرج صبيحة العرس ويمشي إلى بابهما فيقول للجارية : قولي لهما يخرجان إلى الصلاة . فخرج النساء والجواري فقلن : سبحان الله !! أي شيء هذا ؟ . فقال : لا أبرح حتى يخرج إلى الصلاة . فخرج بعدما صلى فبعث به إلى مسجدٍ خارج من الدرب .

الحال الثاني : مبادرتهم إلى الصلاة ومحافظتهم على تكبيرة الإحرام :

• ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم أنه قال " لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله ".
قال النووي : يتأخرون أي عن الصفوف الأول حتى يؤخرهم الله تعالى عن رحمته أو عظيم فضله ورفع المنزلة وعن العلم ونحو ذلك .
• قال عدي بن حاتم : ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء .
• وكان إبراهيم بن ميمون أحد المحدثين يعمل صائغاً يطرق الذهب والفضة . فكان إذا رفع المطرقة فسمع النداء وضعها ولم يردها .
• وقال سعيد : ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد .
• وقد جاء عند الترمذي وحسنه الألباني أنه صلى الله عليه وسلم قال " من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان : براءة من النار ، وبراءة من النفاق .
• روي عن الأعمش أنه كان قريباً من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى .
• ولهذا قال إبراهيم التيمي : إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه .

هكذا كان حرصهم وتبكيرهم إلى الصلوات فيا ليت شعري أين نحن من حالهم . ونحن نرى الجموع المتأخرة تقضي خلف الصفوف ناهيك عن الذين يقضون خلف الإمام ، ويعتذرون عن تأخرهم الدائم بأعذار هي أوهى من بيت العنكبوت .

الحال الثالث : إحسانهم الصلاة وإتمامهم أركانها :

نظر السلف إلى القرآن وإذا الله تبارك وتعالى يأمرهم بإقامة الصلاة ، والتعبير بهذا اللفظ يقتضي العناية بها وإقامتها على الوجه المطلوب كما وردت .
• يدخل رجل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي ، ثم يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم عليه ، فيرد عليه بقوله : وعليك السلام ، ارجع فصل فإنك لم تصل . فيعود فيصلي ثم يأتي فيسلم عليه ، فيرد عليه بمثل ما رد عليه . فلما كان في المرة الثالثة قال الرجل : والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني . فعلمه عليه الصلاة والسلام كيف يصلي ، وأرشده إلى الطمأنينة في جميع أركان الصلاة وواجباتها .
• ويصلي عليه الصلاة والسلام يوماً – كما في صحيح مسلم _ فينصرف ويخاطب رجلاً بقوله : يا فلان ألا تحسن صلاتك ، ألا ينظر المصلي إذا صلى كيف يصلي ، فإنما يصلي لنفسه .
• أيها الأحبة .. هل تعلمون من هو أسوأ الناس سرقة ؟
أهو سارق المسجد أو الحرم ؟ أهو سارق مال فقير أو يتيم ؟
كلا . قال عليه الصلاة والسلام : " أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته . قالوا : وكيف يسرق من صلاته ؟ . قال : لا يتم ركوعها ولا سجودها .
• وصح عن عبدالله بن عمر أنه رأى فتى يصلي فأطال صلاته فلما انصرف قال : أيكم يعرف هذا ؟ فقال رجل: أنا أعرفه . فقال ابن عمر : لو كنت أعرفه لأمرته أن يطيل الركوع والسجود فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن العبد إذا قام إلى الصلاة أتي بذنوبه كلها فوضعت على عاتقيه فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه .
• قال ابن جريج : لزمت عطاء ثماني عشرة سنة ، وكان بعدما كبر وضعف يقوم إلى الصلاة . فيقرأ مئتي آية من البقرة وهو قائم لا يزول منه شيء ولا يتحرك .
• قال أبو إسحاق السبيعي : ذهبت الصلاة مني وضعُفُت وإني لأصلي فما أقرأ وأنا قائم إلا البقرة وآل عمران . وقيل إنه ما كان يقدر أن يقوم حتى يقام فإذا استقام قائماً قرأ وهو قائم ألف آية .
• قال خالد بن عمرو : رأيت مسعراً كأن جبهته ركبة عنز من السجود .
• قال ابن رهب : رأيت الثوري في الحرم بعد المغرب صلى ثم سجد سجدة فلم يرفع حتى نودي بالعشاء.
أما حالنا فمؤسف . فقد أصبحت الصلاة ثقيلة على كثير من الناس حتى إذا كبر أحدهم أومأ بحركات لا روح فيها ، ونقر الصلاة كنقر الغراب لا يذكر الله فيها إلا قليلاً . فهولاء النقارون لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حياً بين أظهرنا لقال لهم : ارجعوا فصلوا ، فإنكم لم تصلوا .

الحال الرابع : خشوعهم في الصلاة :

الخشوع في الصلاة بمنزلة الروح في الجسد .
• كان سيد الخاشعين يصلي لله خاشعاً مخبتاً ، يبكي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء .
• كان ابن الزبير إذا قام إلى الصلاة كأنه عود .
• وكان ابن الزبير يصلي في الحجر ، فيرمى بالحجارة من المنجنيق فما يلتفت .
• ووقع حريق في بيت فيه علي بن الحسين وهو ساجد فجعلوا يقولون : يا ابن رسول الله النار . فما رفع رأسه حتى طفئت . فقيل له في ذلك فقال : ألهتني عنها النار الأخرى .
• وكان علي ابن الحسين إذا توضأ اصفر وإذا قام إلى الصلاة ارتعد . فقيل له فقال : تدرون بين يدي من أقوم ومن أناجي ؟ .
• وقالت بنت لجار منصور بن المعتمر : يا أبت أين الخشبة التي كانت في سطح منصور قائمة ؟ قال : يا بنيته ذاك منصور يقوم الليل .
• سرق رداء يعقوب بن إسحاق عن كتفه وهو في الصلاة ولم يشعر ورُدّ إليه فلم يشعر لشغله بعبادة ربه.
• كان إبراهيم التيمي إذا سجد كأنه جذم حائط تنزل على ظهره العصافير .
• قال إسحاق بن إبراهيم كنت أسمع وقع دموع سعيد بن عبدالعزيز على الحصير في الصلاة .
هكذا كان خشوعهم . أما نحن فنشكو إلى الله قسوة في قلوبنا وذهاباً لخشوعنا . فلم تعد الصلاة عند بعضنا صلة بينه وبين ربه تبارك وتعالى ، بل أصبحت مجرد حركات يؤديها الإنسان بحكم العادة لا طعم لها ولا روح . فأنى لمثل هذا أن يخشع ؟.
لقد صلى بعض الناس في أحد مساجدنا ، ولما كان في التشهد الأخير جاءه الشيطان وقال له : يا أبا فلان إن صاحب المحل قد أخطأ في الحساب فراجع الفاتورة ، إني لك من الناصحين . فصدق المسكين وأخرج الفاتورة ليراجعها أمام الناس وهو يصلي . فالله المستعان .
وآخر . تراه هادئاً ساكناً ، فما إن يكبر حتى تبدأ يداه بالعبث بغترته أوعقاله أولحيته أوساعته . . . ولو خشع قلبه لخشعت جوارحه .
فلا يغرنك وقوف مصليين متجاورين في صف واحد فإنه قد يكون بينهما من التفاوت في الأجر كما بين السماء والأرض . وقد قال عليه الصلاة والسلام " وإن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها " رواه أبو داود وحسنه الألباني .

http://gesah.net/vb/vb/showthread.php?t=8081

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


جبر الكسر في الأسباب المعينة لأداء صلاة الفجر
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، واصلي وأسلم على سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .. أما بعد ...
فإن من الظواهر السيئة والبوادر الخطيرة التي تنذر بالخطر والعقوبة وتبعث على الخوف وتستدعي منا الوقوف والتأمل ومعرفة الأسباب والعلاج ما نراه من تخلف كثير من المصلين عن صلاة الفجر وأدائها في غير وقتها ، ولعل السبب في ذلك السهر الطويل والعكوف على أجهزة اللهو الساعات الطوال ، ولقد كان آباؤنا وأجدادنا إلى زمن ليس بالبعيد يحرصون أشد الحرص على النوم مبكرين فيغلقون بيوتهم بعد صلاة العشاء ويتخففون من الطعام فيقوم الواحد منهم لصلاة الفجر وهو طيب النفس لذلك عاشوا عيشة هنيئة مليئة بالاستقرار النفسي والصحي وأحسوا بطعم الحياة ، ولما دخلت المدنية الحديثة أفسدت علينا ديننا ودنيانا فكان من نتيجة ذلك أن دب الكسل والخمول في النفوس وترهلت الأجسام وتراكمت الشحوم عليها وقلت الحركة وكثر نوم الإنسان وعجز عن القيام ببعض الأعمال البسيطة ، ولعلنا من خلال هذا الموضوع أن نتلمس الأسباب المعينة للاستيقاظ لصلاة الفجر.
فمن الأسباب المعينة للاستيقاظ فصلاة الفجر :
(1) أن يحرص الإنسان على النوم مبكراً وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها. وقد استثنى من ذلك حالات منها ما ذكره الإمام النووي في شرحه على مسلم قال رحمه الله : "سبب كراهة الحديث بعدها أن يؤدي إلى السهر ويخاف منه غلبة النوم عن قيام الليل أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز أو في وقتها المختار أو الأفضل ، والمكروه من الحديث بعد صلاة العشاء هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة فيها . أما ما فيه مصلحة وخير فلا كراهة فيه كمدارسة العلم وحكايات الصالحين ومحادثة الضيف والعروس للتأنيس ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم أو أنفسهم والحديث في الإصلاح بين الناس والشفاعة إليهم في خير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإرشاد إلى مصلحة ونحو ذلك فكل هذا لا كراهة فيه.
(2) أن يحرص المسلم على آداب النوم كالدعاء قبل النوم وجمع الكفين والنفث فيهما والنوم على طهارة ، ويحرص على أداء ركعتي الوضوء كما أن على المسلم أن يستعين بمن حوله من أهله ووالديه واقاربه وجيرانه فيوصيهم بالاستيقاظ وعليه أن يبادر إلى الاستيقاظ إذا أوقظ ، ولا يتثاقل ويتكاسل حتىلا يتصف بصفات المنافقين الذين إذا أتوا إلى الصلاة أتوا وهم كسالى.
(3) عمارة القلب بالإيمان والعمل الصالح فمتى كان الإيمان حياً يقظاً دفع صاحبه إلى العمل الصالح وشمر عن ساعد الجد وواصل المسير بلا كلل ولا ملل فشجرة الإيمان في القلب تثمر إذا سقيت بروافد العمل الصالح فتؤتى أكلها سلوكاً وتعاملاً حسناً مع المجتمع.
فالإيمان يذبل وينكمش على حسب قوة الروافد وضعفها وعلى حسب المؤثرات الخارجية التي ترد على القلب من الشهوات ونحوها ، والقلب القاسي هو الذي لا تؤثر فيه المواعظ لذا كان لزاماً على المسلم أن يتجنب ما يكون سبباً في قسوة قلبه من فضول الطعام والشراب والكلام والنظر والسماع ويحرص على تحصين قلبه من المؤثرات الخارجية.
(4) البعد عن المعاصي بصرف النظر عما يحرم النظر إليه وكذا حفظ اللسان والسمع وسائر الجوارح وإشغالها بما يخصها من عبودية فيشغل البصر بالنظر في كتاب الله وتلاوة آياته والتفكر فيما في هذا الكون من مخلوقات ومطالعة كتب العلم وهكذا سئل أحد السلف عن السبب في عجزهم عن القيام لصلاة الليل فقال : "قيدتكم ذنوبكم".
فلا شك أن الذنوب تكون سبباً في حرمان العبد الطاعة والتلذذ بها ، والذنوب ـ كما قال الإمام ابن القيم (جراحات ورب جرح وقع في مقتل).
(5) أن يدرك ما ورد في فضل صلاة الفجر من الأجر العظيم والثواب الجزيل وما ورد في ذم تاركها مع الجماعة ومؤخرها عن وقتها من الزجر والتوبيخ من ذلك ما رواه عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله" (رواه مالك ومسلم واللفظ له).
ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم والنسائي عن ابن مسعود رضي الله عنه : قال ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح قال : "ذلك رجل بال الشيطان في أذنه" أو قال : "في أذنيه".
والبول حقيقي ـ كما قال الإمام القرطبي ـ فهو يبول وينكح ويتناسل بكيفية لا يعلمها إلا الله (فتح الباري 3/28).
وإن أردت أن تتحقق من هذا فانظر إلى وجوه الذين يأتون للأعمال ولم يشهدوا صلاة الفجر مع الجماعة ، أنظر إلى وجوههم في أول الدوام إذا رأيت وجهوهم تستعيذ بالله من شأنهم وحالهم وماذا يكون حال إنسان بال الشيطان في أذنيه !.
(6) أن يدرك الآثار المترتبة على التخلف من تكدر النفس وانقباضها وفوات كثير من المنافع الدينية والدنيوية وأن يدرك نقيض ذلك ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة : عليك ليل طويل فارقد ، فإن استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة ، فإن توضأ أنحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقده كلها وإلا أصبح خبيث النفس كسلان" (رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود).
والوقت الذي يعقب صلاة الفجر كله خير وبركه حرص النبي صلى الله عليه وسلم على اغتنامه وشغله بالذكر فلقد كان يجلس بعد صلاة الفجر يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم يصلي ركعتين ، ولقد حرص السلف الصالح على الالتزام بهذه السنة فها هو شيخ الإسلام ابن تيمية كما ينقل عنه تقلميذه ابن القيم يجلس بعد الصلاة يذكر الله وكان يقول : "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرى" يعني بذلك ما يحصل للعابد من لذة المناجاة التي لا نسبة بينها وبين لذات الدنيا بأسرها.
وكان يقول (رحمه الله) : "هذه غدوتي ولو لم أتغد الغداء سقطت قوتي (الوابل الصيب 53).
ووقت ما بعد صلاة الفجر خير وبركه دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته فيه بالخير والبركة فقال عليه الصلاة والسلام : "اللهم بارك لأمتي في بكروها" لذا نجد أصحاب الحرف والمهن والتجارة يحرصون على اغتنام هذا الوقت الفضيل لما فيه من الخير والبركة ، روى الترمذي عن صخر الغاميد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "اللهم بارك لأمتي في بكورها.
قال : وكان إذا بعث سرية أو جيشاً بعثهم أول النهار ، وكان صخر تاجراً ، وكان إذا بعث تجارة بعث أول النهار فأثرى وكثر ماله (صحيح سنن الترمذي 2/4).
والذين ينامون في هذا الوقت الثمين ويستغرقون في نومهم إلى الضحوة حرموا أنفسهم بركة هذا الوقت.
أما الفوائد الصحية التي يجنيها الإنسان بيقظة الفجر فهي كثيرة منها :
تكون أعلى نسبة لغاز الأوزون (3)ْ في الجو عند الفجر وتقل تدريجيا حتى تضمحل عند طلوع الشمس ، ولهذا الغاز تاثير مفيد للجهاز العصبي ومنشط للعمل الفكري والعضلي بحيث يجعل الإنسان عندما يستنشق نسيم الفجر الجميل المسمى برياح الصبا يجد لذة ونشوة لا شبيه لها في أي ساعة من ساعات النهار أو الليل (مع الطيب في القرآن الكريم ص 108 لعبدالحميد دياب).
(7) أن يحرص المسلم على أن ينفي عن نفسه صفة المنافقين ، فإن حضور صلاة الفجر مع الجماعة دليل على قوة الإيمان والبراءة من النفاق لمشقة هذا الوقت على النفس لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم "إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر ولو يعلمون ما فيها لأتوهما ولو حبواً" (رواه البخاري ومسلم).
ويقسم الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود فيقول : "ولقد رأيتنا وما يتخلق عنها إلا منافق معلوم النفاق" (رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال "كما إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن" (رواه البزار والطبراني وابن خزيمة في صحيحة).
وإذا أردت أن تزن إيمان الرجل ومدى صدقه وإيمانه فانظر إلى حاله مع صلاة الفجر فإن كان ممن يشهد صلاة الفجر مع الجماعة فذلك مؤشر على قوة الإيمان ، وإذا كان لا يشهدها مع الجماعة فهذا برهان على خلل في إيمانه وقسوة قلبه واستسلامه لنفسه وهواه وانهزامه أمام نفسه ، وإذا كان يشهد صلاة الفجر فلنشهد له بالإيمان فهي المحك على صدق إيمان العبد لأنه حقق أكبر انتصار وهو انتصاره على نفسه وتغلبه على لذة النوم والفراش.
فكيف يهنأ هذا المتخلف بالنوم والناس في المساجد مع قرآن الفجر يعيشون لذيذ الخطاب يستمعون وفي ربيع جناته يتقلبون.
من فوائد أداة صلاة الفجر مع الجماعة :
(1) أن أداءها في وقتها مع الجماعة من صفات المؤمنين.
(2) أن أداءها مع الجماعة مع صلاة العشاء يعدل قيام الليل الذي يطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار.
كما ورد في الحديث الذي رواه مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله.
(3) أن من صلى الفجر فهو في ذمة الله ـ أي في حفظ الله وكلأته وسلامته ـ كما ورد في الحديث : "من صلى الصبح فهو في ذمة الله" (رواه مسلم).
(4) البشارة بالنور التام يوم القيامة ، قال عليه الصلاة والسلام : "بشروا المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة" (رواه مسلم والترمذي).
(5) أن المسلم إذا استيقظ من نومه فذكر الله وتوضأ وصلى أصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلاناً.
(6) يحصل للمصلي مع الجماعة مضاعفة الحسنات ورفع الدرجات وتكفير السيئات.
(7) أن أداءها في وقتها مع الجماعة من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار مع أداء صلاة العصر ، قال النبي صلى الله عليه وسلم "من صلى البردين دخل الجنة" (متفق عليه) والبردين : الصبح والعصر.
وقال : "لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها" يعني الفجر والعصر.
(8) حضور اجتماع الملائكة في صلاة الصبح وصلاة العصر الذين ينزلون بالرحمة والبركة. قال عليه الصلاة والسلام : "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله ـ وهو أعلم بهم ـ كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون تركناهم وهم يصلون (متفق عليه).
(9) أن صلاة الجماعة عموماً أفضل من صلاة الفرد بسبعة وعشرين درجة للحديث المتفق عليه.
(10) أن من خرج من بيته للصلاة مع الجماعة في المسجد فهو في صلاة ما دام في المسجد.
(11) أن الملائكة تصلي على المسلم المصلي في المسجد قبل الصلاة وبعدها ، وتدعو له بالمغفرة والرحمة.
(12) أن الماشي إلى المسجد أحد خطواته تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة فكثرة الخطأ إلى المساجد مما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ، وذلك فضل الله يوتية من يشاء.
ومن أضرار التخلف عن أداء صلاة الفجر مع الجماعة :
(1) خسران الحسنات والأجر المرتب على حضورها مع الجماعة.
(2) الاتصاف بصفات المنافقين (وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى ) COLOR=brown]التوبة / 54[/COLOR
قال عليه الصلاة والسلام : "أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً (متفق عليه).
(3) أن النوم عن صلاة الفجر والتخلف عنها مع الجماعة من أسباب تأخيرها حتى يخرج وقتها بطلوع الشمس وتعمد ذلك كفر متوعد عليه بالوعيد الشديد قال تعالى : (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّين الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُون) COLOR=brown]الماعون / 4 - 5[/COLOR وهم المؤخرون لها حتى يخرج وقتها توعدهم الله بويل وهو شدة العذاب وقيل واد في جهنم نعوذ بالله منه.
وقال تعالى : (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) COLOR=brown]مريم / 59[/COLOR وليس معنى أضاعوها : تركوها. ولكن أخروها عن أوقاتها.
(4) وذكر النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام حتى أصبح قال : ذلك رجل بال الشيطان في اذنية أو قال في أذنه (متفق عليه).
(5) عدم استطاعته السجود حينما يدعي إليه يوم القيامة لعدم إجابته المؤذن في الدنيا للصلاة وهو صحيح سالم من الموانع ، قال تعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُون * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُون) COLOR=brown]القلم /42 - 43[/COLOR
فيجب على المسلم أن يتوب إلى الله تعالى وأن يحافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة عمماً وعلى صلاة الفجر خصوصاً ليفوز بالأجر المرتب على أدائها مع الجماعة ويحصل على الفوائد المذكورة ويسلم على الإثم والأضرار المرتبة على التخلف عنها مع الجماعة وأن يعمل الوسائل والأسباب التي تجعله يستيقظ لأداء صلاة الفجر مع الجماعة ومنها
النوم المبكر.
أن يوصي من يوقظه.
وضع ساعة منبهه أو أكثر للتنبيه وقت الفجر.
ان ينام وهو عازم على القيام رغبة في الثواب المرتب عليها وخوفاً من العقاب المرتب على تضييعها.

نقلاً عن موقع رسائل جزى الله القائمين عليه خير الجزاء
لا تنسونا من صالح دعائكم
http://islamhome.com/mn_articles/marticle.php?id=96&back=aW5kZXgucGhw


بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله لأخينا الذي طرح الموضوع وهو موضوع قيم جعله الله في ميزان حسناته ولإخواننا الذين شاركوا وناقشوا وأبدوا رأيهم أظن أنهم لم يتركوا لي ما أضيف فجزاهم الله أحسن الجزاء