خطبة : ( تربية الأبناء بين توفيق الرب وفعل السبب )

عبدالله البصري
1445/02/08 - 2023/08/24 17:16PM

تربية الأبناء بين توفيق الرب وفعل السبب   9/ 2/ 1445

 

الخطبة الأولى : 

 
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِن أَعظَمِ نِعَمِ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ ، أَن يُصلِحَ لَهُم أَبنَاءَهُم ؛ فَيَنَالُوا بِذَلِكَ بِرَّهُم ، ويَنتَفِعوا بِصُحبَتِهِم لَهُم وَخِدمَتِهِم إِيَّاهُم ، وَيَسعَدُوا بِطَاعَتِهِم وَإِحسَانِهِم إِلَيهِم ، وَتُرفَعَ دَرَجَاتُهُم في الآخِرَةِ بِدُعائِهِم لَهُم وَبِمَا يَبذُلُونَهُ عَنهُم مِن صَدَقَاتٍ ، وَبِمَا يَكتَسِبُونَهُ مِن مِثلِ أَعمَالِهِم الَّتي يَعمَلُونَهَا مِن حَسَنَاتٍ ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا مَاتَ الإِنسَانُ انقَطَعَ عَنهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِن ثَلاثَةِ أَشيَاءٍ : إِلاَّ مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أو عِلمٍ يُنتَفَعُ بِهِ ، أَو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدعُو لَهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " إنَّ الرَّجلَ لَتُرفَعُ دَرَجَتُهُ في الجَنَّةِ ، فَيَقُولُ : أَنَّى لي هَذَا ؟! فَيُقَالُ : بِاستِغفَارِ وَلَدِكَ لَكَ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبانيُّ . وَإِنَّهُ إِذَا كَانَت كُلُّ تِجَارَةٍ تَحتَاجُ إِلى صَبرٍ وَمُصَابَرَةٍ ، وَتَحَمُّلٍ لِلتَّعَبِ وَاحتِمَالٍ لِلمَشَقَّةِ ؛ فَإِنَّ تَربِيَةَ الأَبنَاءِ وَالعِنَايَةَ بِهِم وَخَاصَّةً في مِثلِ هَذَا الزَّمَانِ ، لا تَخلُو مِن مَشَقَّةٍ وَصُعُوبَةٍ ؛ لَكِنَّها يَسِيرَةٌ مَعَ تَيسِيرِ اللهِ لَهَا وَتَوفِيقِهِ إِلَيهَا ، عَلَى مَن عَلِمَ أَنَّهَا عِبَادَةٌ يُؤجَرُ عَلَيهَا وَاستَحضَرَ حُسنَ عَاقبَتِهَا ، فَأَحسَنَ النِّيَّةَ وَاجتَهَدَ وَجَاهَدَ ، وَأَعَدَّ العُدَّةَ وَصَبَرَ وَصَابَرَ وَرَابَطَ . وَالهِدَايَةُ بِيَدِ اللهِ وَحدَهُ " إِنَّكَ لا تَهدِي مَن أَحبَبتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهدِي مَن يَشَاءُ " وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ عَلَى العَبدِ الاجتِهَادَ وَفِعلَ الأَسبَابِ المَشرُوعَةِ " وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ " هَنِيئًا أَيُّهَا الآبَاءُ لِمَن وَفَّقَهُ اللهُ فَحَسُنَ خُلُقُهُ ، وَأَعَانَهُ رَبُّهُ فَطَابَ تَعَامُلُهُ ، وَأَرَادَ المَولى بِهِ خَيرًا فَكَانَت عِلاقَتُهُ مَعَ أَبنَائِهِ مَبنِيَّةً عَلَى الشَّفَقَةِ وَالرَّحمَةِ ، عُنوَانُهَا المَحَبَّةُ وَالمَوَدَّةُ ، وَشِعَارُهَا السَّمَاحَةُ وَاللِّينُ ، في كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ وَابتِسَامَةٍ صَادِقَةٍ ، وَقَولٍ لَطِيفٍ وَسِترٍ وَتَحَمُّلٍ ، وَإِظهَارٍ لِلمَحَبَّةِ وَإِعلانٍ لِلاهتِمَامِ ، وَنَشرٍ لِلتَّسلِيمِ وَمُدَاعبَةٍ وَمُلاعَبَةٍ ، وَإِدخَالٍ لِلسُّرُورِ وَابتِعَادٍ عَنِ التَّحقِيرِ وَالاستِصغَارِ ، فَفِي الصَّحِيحَينِ عَن أَبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ الأَقرَعَ بنَ حَابِسٍ أَبصَرَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ الحَسَنَ فَقَالَ : إِنَّ لي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلتُ وَاحِدًا مِنهُم . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّهُ مَن لا يَرحَمْ لا يُرحَمْ " وَعَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم مَرَّ عَلَى غِلمَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيهِم .  مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .

وَمِن الأَسبَابِ العَظِيمَةِ لِحُسنِ التَّربِيَةِ الاهتِمَامُ بِغَرسِ التَّوحِيدِ وَالعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ في قُلُوبِ الأَبنَاءِ ، وَالحِرصُ عَلَى تَعلِيمِهِم أُمُورَ دِينِهِم مُنذُ الصِّغَرِ ؛ فَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ : كُنتُ خَلفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَومًا فَقَالَ : " يَا غُلامُ ، اِحفَظِ اللهَ يَحفَظْكَ ، احفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، وَإِذَا سَأَلتَ فَاسأَلِ اللهَ ، وَإِذَا استَعَنتَ فَاستَعِنْ بِاللهِ ، وَاعلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجتَمَعَت عَلَى أَن يَنفَعُوكَ بِشَيءٍ لم يَنفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ لَكَ ، وَلَوِ اجتَمَعُوا عَلَى أَن يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لم يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ عَلَيكَ ، رُفِعَتِ الأَقلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَعَن عَمرِو بنِ شُعَيبٍ عَن أَبِيهِ عَن جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " مُرُوا أَولادَكُم بِالصَّلاةِ وَهُم أَبنَاءُ سَبعِ سِنِينَ ، وَاضرِبُوهُم عَلَيهَا وَهُم أَبنَاءُ عَشرٍ ، وَفَرِّقُوا بَينَهُم في المَضَاجِعِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَإِنَّ مِمَّا يَحسُنُ في التَّعلِيمِ وَالتَّربِيَةِ وَتَصحِيحِ الأَخطَاءِ ، أَن يَكُونَ كُلُّ ذَلِكَ بِالرِّفقِ وَاللِّينِ وَالرَّحمَةِ ، بِلا إِهَانَةٍ وَلا تَجرِيحٍ ، وَلا لَومٍ وَلا تَوبِيخٍ وَلا تَقرِيعٍ ، فَفِي الصَّحِيحَينِ عَن عُمَرَ بنِ أَبي سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : كُنتُ غُلامًا في حِجرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَت يَدِي تَطِيشُ في الصَّحفَةِ ، فَقَالَ لي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " يَا غُلامُ ، سَمِّ اللَّهَ ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ " وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِن أَحسَنِ النَّاسِ خُلُقًا ، فَأَرسَلَنِي يَومًا لِحَاجَةٍ ، فَقُلتُ : وَاللهِ لا أَذهَبُ ، وَفي نَفسِي أَن أَذهَبَ لِمَا أَمَرَني بِهِ نَبيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، فَخَرَجتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبيَانٍ وَهُم يَلعَبُونَ في السُّوقِ ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَد قَبَضَ بِقَفَايَ مِن وَرَائِي ، قَالَ : فَنَظَرتُ إِلَيهِ وَهُوَ يَضحَكُ ، فَقَالَ : "يَا أُنَيسُ ، أَذَهَبتَ حَيثُ أَمَرتُكَ ؟ " قَالَ قُلتُ : نَعَم ، أَنَا أَذهَبُ يَا رَسُولَ اللهِ " وَمِن أَسبَابِ صَلاحِ الأَبنَاءِ العَدلُ بَينَهُم في العَطَاءِ مَالِيًّا وَمَعنَوِيًّا ؛ فَهُو سَبَبٌ لِصَلاحِ قُلُوبِهِم وَغَرسِ المَحَبَّةِ بَينَهُم ، فَفِي الصَّحِيحَينِ عَنِ النُّعمَانِ بنِ بَشِيرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي نَحَلْتُ ابني هَذَا غُلَامًا ، فَقَالَ : " أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلتَ مِثلَهُ ؟ " قَالَ : لا . قَالَ : " فَأَرْجِعْهُ " وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ : " أَيَسُرُّكَ أَن يَكُونُوا إِلَيكَ في البِرِّ سَوَاءً ؟ " قَالَ : بَلَى . قَالَ : " فَلا إِذَنْ " وَفي رِوَايَةٍ قَالَ : " اِتَّقُوا اللهَ واعدِلوا في أَولادِكُم " وَعَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : كَانَ رَجُلٌ جَالِسًا مَعَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، فَجَاءَهُ ابنٌ لَهُ فَأَخَذَهُ فَقَبَّلَهُ ، ثم أَجلَسَهُ في حِجرِهِ ، وَجَاءَت ابنَةٌ لَهُ فَأَخَذَهَا إِلى جَنبِهِ ، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " أَلا عَدَلتَ بَينَهُمَا " يَعني في تَقبِيلِهِمَا . رَوَاهُ البَزَّارُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .

وَمِن أَعظَمِ الأَسبَابِ المُعِينَةِ عَلَى صَلاحِ الأَبنِاءِ الإِكثَارُ مِنَ الدُّعَاءِ لَهُم بِالهِدَايَةِ وَالصَّلاحِ ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " ثَلاثُ دَعَوَاتٍ مُستَجَابَاتٌ لا شَكَّ فِيهِنَّ : دَعوَةُ الوَالِدِ ، وَدَعوَةُ المُسَافِرِ ، وَدَعوَةُ المَظلُومِ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَدُعَاءُ الآبَاءِ لِلأَبنَاءِ ، مَنهَجُ الرُّسُلِ وَالأَنبِيَاءِ ، فَهَذَا خَلِيلُ الرَّحمَنِ يَسأَلُ رَبَّهُ فَيَقُولُ : " رَبِّ هَبْ لي مِنَ الصَّالِحِينَ " وَيَقُولُ : " وَاجنُبْني وَبَنيَّ أَن نَعبُدَ الأَصنَامَ " وَقَالَ : " رَبِّ اجعَلْني مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ " وَهَذَا زَكَرِيَّا عَلَيهِ السَّلامُ يَقُولُ : " رَبِّ إِنِّي وَهَنَ العَظمُ مِنِّي وَاشتَعَلَ الرَّأسُ شَيبًا وَلم أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا . وَإِنِّي خِفتُ المَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امرَأَتي عَاقِرًا فَهَبْ لي مِن لَدُنْكَ وَلِيًّا . يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِن آلِ يَعقُوبَ وَاجعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا " وَقَالَ تَعَالى عَنهُ : " هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لي مِن لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ " وَنَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كَانَ مِن هَديِهِ الدُّعَاءُ لأَبنَائِهِ وَأَحفَادِهِ وَأَبنَاءِ أَصحَابِهِ ، فَفِي الصَّحِيحَينِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ : ضَمَّني رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : " اللَّهُمَّ عَلِّمهُ الكِتَابَ " وَفي رِوَايَةٍ : " اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ في الدِّينِ " وَفي الصَّحِيحَينِ أَنَّهُ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ دَعَا لأَنَسِ بنِ مَالِكٍ فَقَالَ : " اللَّهُمَّ أَكثِرْ مَالَهُ ووَلَدَهُ ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعطَيتَهُ " قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنهُ : فَإِنِّي لَمِن أَكثَرِ الأَنصَارِ مَالاً ، وَحَدَّثَتنِي ابنَتِي أَنَّهُ دُفِنَ لِصُلبِي مَقدَمَ حَجَّاجٍ البَصرَةَ بِضعٌ وَعِشرُونَ وَمِئَةٌ .

وَلْيَحذَرِ الوَالِدَانِ كُلَّ الحَذَرِ مِنَ الدُّعَاءِ عَلَى أَبنَائِهِمَا ، فَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " لا تَدْعُوا عَلَى أَنفُسِكُم ، وَلا تَدعُوا على أَولادكُم ؛ لا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسأَلُ فِيهَا عَطَاءً فَيَستَجِيبَ لَكُم " وَكَم مِن دَعوَةٍ خَرَجَت مِن أَحَدِ الأَبوَينِ عَلَى أَحَدِ الأَبنَاءِ في سَاعَةِ غَضَبٍ ، وَافَقَت سَاعَةَ إِجَابَةٍ ، فَكَانَت سَبَبًا في فَسَادِ مُستَقبَلِهِ أَو هَلاكِهِ . فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الآبَاءُ ، وَادعُوا لأَبنَائِكُم وَلا تَدعُوا عَلَيهِم ، وَكُونُوا لَهُم عَونًا وَلا تَكُونُوا عَونًا عَلَيهِم ، اللَّهُمَّ " رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِن أَزوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعيُنٍ وَاجعَلْنَا لِلمُتَّقِينَ إِمَامًا "

 

الخطبة الثانية :

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا "

عِبَادَ اللهِ ...

مَتى يَبلُغُ البُنيَانُ يَومًا تَمَامَهُ
إِذَا كُنتَ تَبنِيهِ وَغَيرُكَ يَهدِمُ
مَدَارِسُ تُعَلِّمُ وَتُرَبِّي ، وَمُعَلِّمُونَ يُوَجِّهُونَ وَيَنصَحُونَ ، وَخُطَبَاءُ يَأمُرُونَ وَيَنهَونَ ، وَآبَاءٌ يُنفِقُونَ أَوقَاتَهُم وَأَموَالَهُم وَيَكدَحُونَ وَيَتَعَنَّونَ ، وَرَسَائِلُ وَتَوجِيهَاتٌ وَفَتَاوَى في وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ وَالقَنَوَاتِ وَالإِذَاعَاتِ ، ثم يَذهَبُ كَثِيرٌ مِن ذَلِكَ سُدًى كَهَبَاءٍ طَارَت بِهِ الرِّيحُ ، وَالسَّبَبُ هُوَ قِلَّةُ القُدُوَاتِ الصَّالِحَةِ الَّتي تَعمَلُ قَبلَ أَن تَقُولَ ، وَتَجعَلُ العِلمَ وَاقِعًا في قَولِهَا وَعَمَلِهَا وَتَعَامُلِهَا ، فَلْنَتَّقِ اللهَ جَمِيعًا آبَاءً وَإِخوَةً كِبَارًا ، وَجِيرَانًا وَأَصحَابًا وَمُجتَمَعًا ، وَلْنَحذَرْ مِن مُخَالَفَةِ الفِعَالِ لِلأَقوَالِ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفعَلُونَ . كَبُرَ مَقتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفعَلُونَ " في صحِيحِ مُسلِمٍ عَن جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلاةَ في مَسجِدِهِ ، فَلْيَجعَلْ لِبَيتِهِ نَصِيبًا مِن صَلاتِهِ ، فَإِنَّ اللهَ جَاعِلٌ في بَيتِهِ مِن صَلاتِهِ خَيرًا " فَلْنَجعَلْ لِبُيُوتِنَا مِن صَلاتِنَا نَصِيبًا ، بَل لِنَجعَلْ لِبُيُوتِنَا وَطُرُقَاتِنَا وَسَائِرِ شُؤُونِ حَيَاتِنَا مِن صَلاحِنَا العَمَلِيِّ نَصِيبًا ، فَصَلاحُ المُجتَمَعِ وَاستِكثَارُ مَن فِيهِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَاجتِهَادُهُم في الخَيرِ ، وَحِرصُهُم عَلَى فِعلِ المَعرُوفِ وَاجتِنَابِ المُنكَرِ ، كُلُّ ذَلِكَ مِن أَقوَى أَسبَابِ صَلاحِ الأَبنَاءِ ، وَالنَّصِيبُ الأَكبَرُ مِن ذَلِكَ عَلَى الآبَاءِ ، الَّذِينَ بِصَلاحِهِم يَدفَعُ اللهُ الشُّرُورَ عَن أبنَائِهِم ، وَيَحفَظُهُم وَيَحفَظُ لَهُم ، قَالَ تَعَالى : " وَلْيَخشَ الَّذِينَ لَو تَرَكُوا مِن خَلفِهِم ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيهِم فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَولاً سَدِيدًا " وَقَالَ تَعَالى : " وَأَمَّا الجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَينِ يَتِيمَينِ في المَدِينَةِ وَكَانَ تَحتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَستَخرِجَا كَنزَهُمَا رَحمَةً مِن رَبِّكَ " قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا : حَفِظَهُمَا اللهُ بِصَلاحِ وَالِدِهِمَا .

المرفقات

1692886592_تربية الأبناء بين توفيق الرب وفعل السبب.pdf

1692886608_تربية الأبناء بين توفيق الرب وفعل السبب.docx

المشاهدات 2053 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا