خطبة تحذير العباد من الفساد والمفسدين

الشيخ السيد مراد سلامة
1442/11/11 - 2021/06/21 09:02AM
     خطبة تحذير العباد من الفساد والمفسدين
للشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
أمة الإسلام: نعيش في ذلك اليوم الطيب الميمون مع قضية القضايا التي تشغل بال كثير من الناس إنها قضية الفساد والإفساد التي أزكمت الأنوف وأفسدت على كثير من الأخيار حياتهم
فسد الزمان وعاثت الأشرار       سلم هديت بذا جرت أقدارُ
       إن جار نحوك بالبلا أو جاروا  صبراً على هذا الزمان وأهله 
واعلم هديت بأننا في آخرٍ              من دار دنيا عيشها أكدارُ
طمت حوادثها وعم بلاؤها             وإلى مماتٍ ليس عنها فرارُ
فما هو الفساد؟ وما هي صفات المفسدين في القران الكريم؟ وما هي نهاية المفسدين؟ الجواب بحول الملك الوهاب: العنصر الأول: تعريف الفساد إخوة العقيدة: الفساد في أدق عبارة وأوضح إشارة هو: خروج الشيء عما كان عليه من الاعتدال والسلامة، قليلا كان الخروج أو كثيرا. والمذموم في القرآن يشمل كل ما يخالف الصلاح ويتعارض مع الشرع من قول أو فعل أو اعتقاد. قال شيخ الإسلام: ((كل قول أو عمل يبغضه الله فهو من الفساد))
العنصر الثاني: ذم الفساد وأهله أمة الحبيب الأعظم محمد -صلى الله عليه وسلم-جاء القران الكريم ليصلح ما أفسدته الطبائع البشرية وغيرته النزوات الشيطانية فالقران الكريم كتاب إصلاح فهو مصلح لكل زمان ومكان لذا نرى القران الكريم حارب الفساد و المفسدين    قال الله تعالى: )وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا( [الأعراف: 56, 85] , أي لا تخربوا الدنيا بمعاصيكم, بعد أن أصلحها الله للطاعات وأصلحها الصالحون بها؛ فإن المعاصي تفسد الأرض وما عليها, وتفسد الأعمال والأرزاق, كما أن الطاعات تصلح بها أحوال الدنيا والآخرة.    قال ابن عطية في شرح الآية: ((ألفاظ عامة، تتضمن كل إفساد قل أو كثر, بعد إصلاح قل أو كثر, والقصد بالنهي هو على العموم, وتخصيص شيء دون شيء في هذا تحكّم إلا أن يقال على وجهة المثال )) ([1])   وقال تعالى في خمسة مواضع من كتابه: )وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ(,(في سورة البقرة: 60, والأعراف: 74, وهود: 85, والشعراء: 183, والعنكبوت: 36) والعثي هو أشد الفساد" أي لا تفرطوا في الإفساد ولا تفسدوا دنياكم بالتمادي في المعاصي؛ فإنها تدع الديار بلاقع موحشة, وتصحب الأجسام في ظلمة موحشة, ولما كان قبح الفساد معلوما نهي عن أعلاه تنبيها على أدناه. عباد الله : لقد حذركم الله تعالى من الاستماع و الانصياع للمفسدين فقال تعالى: )وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ . الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ( [الشعراء: 151، 152]  وهنا نهى ربنا عن إطاعة الذين غلوا في الإفساد ودأبوا عليه لزيادة التنفير عنهم وعن فعلهم, وللتنبيه على أن أقل الفساد يجرّ إلى الإسراف فيه, وفي هذا موعظة لأولي النهى الذين يتعظون بغيرهم, والنهي عن طاعتهم يستلزم النهي عن صحبتهم, وقد قال سفيان الثوري: (( ليس شيء أبلغ في فساد رجل وصلاحه من صاحب )) ([2])  وقال ممشاد الدينوري: ((صحبة أهل الصلاح تورث في القلب الصلاح, وصحبة أهل الفساد تورث فيه الفساد )). ([3])
رأيت صلاح المرء يُصلح أهله ...  ويُعديهم داءَ الفساد إذا فسد
و المتأمل في القران و التاريخ يرى أن عاقبة المفسدين إلى بوار قال تعالى: )فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ( [الأعراف: 103] ، أي اعتبر بهلاكهم ومصيرهم، فحذّر الله من مآل المفسدين, وجعله مثالا يتوعد به على أمثالهم. واعلموا أن كثيرا من هؤلاء المفسدين يظنون ويزينون للناس أنهم مصلحون وربك اعلم بمن يضل عن سبيله {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ. أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 1، 12]،   فهؤلاء المنافقون أفسدوا أنفسهم بأعظم الفساد، وهو الكفر والنفاق، وأفسدوا الناس بالتعويق عن الإيمان والتثبيط عن الحق وتشويش أفكارهم بقلب الحقائق، وأفسدوا المجتمع بنشر العداوات وتسعير الفتن، وسعوا في الأرض الفساد حيث تولّوا الكفار وأظهروا لهم أسرار المؤمنين وأغروهم بقتالهم.  ثم زعموا أن إفسادهم هذا إصلاح، بل زعموا أنهم وحدهم هم المصلحون، فجمعوا بين فعل الفساد واعتقاده حقا والدعوة إليه، ولذلك أكّد الله على أنهم هم المفسدون بأبلغ أسلوب وأوثق توكيد، فليس بعد فسادهم فساد، ولكن من حمقهم لا يستشعرون ولا يستحيون من الله.
ذم الفساد أهله على لسان مصلح الثقلين محمد -صلى الله عليه وسلم-
أما إذا انتقلنا إلى السنة المطهرة فهي قرينة القران وهدفها الأسمى إصلاح البلاد والعباد لذا: عباد الله حارب النبي الفساد والمفسدين وشنع عليه في غير ما موطن من سنته المطهرة تنوعت دلالات سنة النبي-صلى الله عليه وسلم-على ذم الفساد والتحذير منه ومن أهله، ومن ذلك: وعن أبي هريرة رضيَ الله عنه قال: قالَ رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:‌ما ‌ذئْبانِ ‌ضارِيَانِ ‌جائِعانِ باتا في زَريبَةِ غَنَمٍ، أغْفَلها أهْلُها، يَفْتَرِسان ويأكُلانِ؛ بَأسْرَعَ فيها فَساداً مِنْ حُبِّ المالِ والشرَفِ في دينِ المَرْءِ المسْلِمِ.([4])    و لقد بين لنا الحبيب – صلى الله عليه و سلم-أن مدار سعادة المرء في الدنيا و الآخرة مبناها على صلاح القلب عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ي: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ ‌فَسَدَ ‌الْجَسَدُ ‌كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» ([5])
العنصر الثالث: صفات المفسدين في القران الكريم
لقد عدد القران الكريم صفات المفسدين في الأرض وحذر منها لأن فيها إفسادا للأرض بعد صلاحها نذكر منها  أيها الآباء وأيها الإخوة والأعزاء في هذا اللقاء طرفا منها:
الصفة الأولى: سفك الدماء:
 و من صفاتهم انهم لا يبالون بالدماء فأصبحت دماء الأبرياء رخيصة يستبيحونها تحت شعارات كاذبة خاطئة {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } [البقرة: 30] وسفك الدماء والاستهتار بأرواح الأبرياء صفة من صفات الفراعنة الذين أكثروا في الأرض فسادا {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 4، 5] و سفك الدماء صفة من صفات اليهود قتلت الأنبياء و الأبرياء قال رب الأرض و السماء {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } [المائدة: 64]
الصفة الثانية: الاعتداء على المال العام
 عباد الله: لقد زين لهم الشيطان سوء أعمالهم فاستحلوا الأموال كما استحلوا الدماء فتلك من صفات المفسدين يعتدون على المال العام إما بالسرقة أو النهب أو التزوير أو المحاباة و كلها من صور الفساد التي تضر بالعباد و البلاد {قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} [يوسف: 71 - 73]
الصفة الثالثة: ترويع الآمنين وزعزعت أمن البلاد والعباد :
و من أخطر تلك الصفات التي عمت و طمت ترويع الآمنين و زعزعت امن العباد و البلاد {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) }[البقرة: 204 - 206] لذا شرع الله تعالى محابة هؤلاء المفسدين فقال رب العالمين: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [المائدة: 33، 34] فحرّم المصطفى– صلى الله عليه وسلم-تخويف المسلم وترويعه، ونهى عن إدخال الرعب عليه بأي وسيلة عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهُ، فَفَزِعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «‌لَا ‌يَحِلُّ ‌لِمُسْلِمٍ ‌أَنْ ‌يُرَوِّعَ ‌مُسْلِمًا»([6]) ونَهى عن الإشارة بالسلاح عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «‌مَنْ ‌أَشَارَ ‌إِلَى ‌أَخِيهِ ‌بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ» ([7]). فهذا تحذير من الإشارة بأي آلة مؤذية قد تؤدي الإشارة بِها إلى القتل، كالسكين والآلات الأخرى الحادة، حتى لو كانت الإشارة مجرّد مزاح، وفي هذا تأكيد على حرمة المسلم،
الصفة الرابعة: قطيعة الأرحام:
و من الفساد الاجتماعي الذي يذر المجتمع ممزقا متحاسدا متباغضا قطيعة الأرحام التي أمر رب الأنام بصلتها قال الله تعالى و هو يصف المفسدين {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [البقرة: 27] فالقطيعة سبب الخسران في الدنيا و الآخرة، و هي أيضا سبب اللعن و الطرد من رحمة الله و دخول جهنم و العياذ بالله قال تعالى { وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } [الرعد: 25]
الصفة الخامسة: الغدر والخيانة ومن أخس صفاتهم عباد الله: أنهم أهل غدر و خيانة يتلونون كما تتلون الحرباء و يلبسون للناس جلود الضأن و قلوبهم قلوب ذئاب فكم جر هؤلاء على الأمة من الويلات و النزاعات من أجل نزواتهم قال الله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ } [البقرة: 204 - 207] أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما. أما بعد: ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسا وسيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له ومن يضل فلا هادي له
الصفة السادسة: الصد عن سبيل الله:
ومن صفات المفسدين أنهم لا يسعون للخير ولا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر وإنما دأبهم الصد ومحاربة الفضيلة ونشر الرذيلة قال الله تعالى {وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف: 86] إلا أن هؤلاء المفسدين لا يتبعون غير هذا السبيل، ولا يحرصون إلا عليه، وما أقبح فعلهم الذي فاق كل مخالفة: {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:217].
الصفة السابعة: تشويه صورة الحقِّ وأهله:
 أيها الأحباب ومن أخطر صفاتهم تشويه صورة الحقِّ وأهله هذا الفِعْل له ما بعده من الأفعال؛ من جُرأة السفهاء، وتسافُل الجُهلاء على أهل العلم، ودُعاة الحقِّ، وإحداث البلابل داخل المجتمع بعد ذلك.
إذا عير الطــائي بالبخـــل مـادر           وعير قساً بالــفهاهة بـاقل
وقال السهى للشمس أنت كسيفة         وقال الدجى للبدر وجهك حائل
فيا موت زر إن الحياة ذميمة           ويا نفس جدي إن دهرك هازل
وهذا أسلوب عرفناه من قُدماء المنافقين، لقد حضَر المنافقون مشاهدَ الجهاد، ولكن لم يكنْ حضورُهم لرفْعِ راية الدِّين؛ وإنَّما لزعزعة صفوف المؤمنين، وخَلخلتها من داخلها؛ قال - سبحانه - عن المنافقين: ﴿ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [التوبة: 47]. (ونحن اليومَ نرى بعض مَرْضَى القلوب يحضرون مجالس العلم، أو يتسمعون ندواتهم، لا للاستفادة منها، أو نشْر الخير الذي فيها؛ وإنَّما لتصيُّد كلمة حمَّالة، أو بَتْر عبارة من سياقها؛ ليُزَاد عليها بعد ذلك، ثم تُبَث وتُنْشَر على أنَّها من قول هذا العالم أو الداعية؛ كل ذلك لتشويه صورته وتجهيله وتقزيمه. ويزداد الأمر سفالةً حين يستخدم هؤلاء أسلوب التحريض، ولغة الوشاية ضدَّ أهْل العلم والاحتساب. لقد عرفنا قديمًا غمزاتِ المنافقين ولمزاتهم ضدَّ أهل العلم من الصحابة، حين قالوا: ما رأينا مثل قرَّائنا هؤلاء، أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء. وها نحن اليوم نرى صوت النفاق يسلق بحدِّةٍ أهْلَ العلم، ويصفهم بالتشدُّد والرجعيَّة، والتَّزمُّت والظلاميَّة. إن الغمزَ واللمز في العلماء ليس طعنًا في ذواتهم، بل هو طعْنٌ للعلم الذي أخذوه وورثوه من نبيِّهم -صلى الله عليه وسلم. فتشويه صورتهم، وإسقاط كلمتهم، إنَّما هو في الحقيقة إسقاط للحقِّ الذي معهم ويقولون به.) الدعاء ..........................................  

[1] - المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ص 711.
[2] - الإبانة الكبرى" لابن بطة العكبري 2/478.
[3] - صفة الصفوة" لابن الجوزي 4/78
[4] - المعجم الأوسط (٧٧٢)، تعليق الألباني "حسن صحيح"، الترغيب والترهيب (٣٢٥١).
[5] - أخرجه البخاري ١/ ١٢٦ (٥٢)، ومسلم ٣/ ١٢١٩ (١٥٩٩).
[6] -المسند ٥/ ٣٦٢، وأبو داود ٤/ ٣٠١ (٥٠٠٤)، ورجاله ثقات، وصحّحه الألباني
[7] - أخرجه مسلم (٤/٢٠٢٠، رقم ٢٦١٦) ، والترمذي (٤/٤٦٣، رقم ٢١٦٢)
المرفقات

1624266120_خطبة تحذير العباد من الفساد والمفسدين.pdf

المشاهدات 1943 | التعليقات 0