خطبة : تارك الصلاة كافرٌ نسأل الله السلامة
حسين بن حمزة حسين
الصلاة فريضة ٌكتبها الله على العباد، فهي من أعظم الفرائض أثراً، ومن أفظعها عند التّرك خطراً، فهي عمود الدين، ومفتاح جنة رب العالمين، قد جعلها الله للدّين ركناً أساسياً، وأمر بها النبيين والمرسلين وأتباعِهم إلى يوم الدين، قال الله عز وجل ( وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلْقَيِّمَةِ )، فالصلاة صلةٌ بين العبد وربه، يناجيه ويتقرب إليه بها، فهي أعظم ما افترض الله على الناس من الدين بعد الشهادتين، ولعظيم مكانتها وشرفها خصّها وفرضها الله في أعلى مقام وأرفع مكان، في ليلة الإسراء والمعراج رفع الله النبي صلى الله عليه وسلم إليه تعالى فوق سبع سموات، ثم فرض عليه الصلوات في اليوم والليلة خمساً بالعدد وخمسين بالأجر، وهي وصيّة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بل ونفْسُه تُغرغر، فعن عليّ بْن أبي طَالِب رضِيَ اللهُ عنه قال: (كانَ آخِرُ كَلامِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) وفي روايَةٍ ابن ماجَهْ: (حِينَ حَضَرَتْه الوَفاةُ وهو يُغَرغِرُ بِنفَسِه وهو يقول: الصَّلاةَ الصَّلاةَ وما ملكت أيمانكم، الصَّلاةَ الصَّلاةَ وما ملكت أيمانكم) يكررها صلى الله عليه وسلم ، أحبتي بالله هذه وصيّة الموت، وتعلمون ما هي وصيّة الموت، يذكرّ بها من؟ ، يذكرُ بها أصحابَه ومن بعدَهم من المؤمنين، يذكّركم بها أنتم، يذكركم بأهميتها والاعتناء بها وعدم التهاون بها، وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه قال: سَمِعتُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: (إنَّ أوَّلَ ما يُحاسَبُ به العَبدُ يَومَ القيامةِ من عَمَلِه صَلاتُه؛ فإن صَلَحَت فقد أفلَحَ وأنجَحَ، وإن فسَدَتَ فقد خابَ وخَسِرَ)، وفي صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) والمراد بالكفر أي الكفر الأكبر نسأل الله السلامة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، بمعنى أن الفرق بيننا نحن المسلمون وبين اليهود والنصارى وعباد الوثن والبقر ومن لادين له، الصلاة، فمن تركها منّا فهو منهم – نسأل الله السلامة-،قال تعالى (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ) وقال تعالى ( فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ) ، وقال صلى الله عليه وسلم ( أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلَاةَ، ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهُمْ إلَّا بحَقِّ الإسْلَامِ، وحِسَابُهُمْ علَى اللَّهِ ) رواه البخاري ، يقول عبد الله بن شقيق -رحمه الله- وهو من كبار التابعين، الذين رأوا معظم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، يحكي إجماع الصحابة فيقول: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يروْن شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة، قال أيوب السختياني- رحمه الله- ترك الصلاة كفرٌ لا شكّ فيه، ترك الصلاة كٌفر لا شك فيه، وكان عمر من الخطاب رضي الله عنه يُرسل إلى عماله بالآفاق قائلاً:( إنّ أهمّ أموركم عندي الصلاة، فمن حفِظها حفِظ دينَه، ومن ضيّعها فهو لما سواها أضْيع، ولا حظّ في الإسلام لمن ترك الصلاة، لا حظّ في الإسلام لمن ترك الصلاة، قال رضي الله عنه: فكل مستخفّ بالصلاة مستهين بها، فهو مستخفٌ بالإسلام مستهينٌ به، وإنما حظّهم من الإسلام، على قدر حظّهم من الصلاة، ورغبتُهم في الإسلام على قدر رغبتِهم في الصلاة، فاعرف نفسك يا عبدالله، واحْذر من أن تلقى الله ولا قدر للإسلام في قلبك، فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة فيه)أهـ، وروي عنه رضي الله عنه أنه قال: (ما بال أقوامٍ يتخلًفون عن الصلاة في الجماعة، فيتخلفُ لتخلفهم آخرون؟! ليحضروا الصلاة أو لأبعثن عليهم من يجافي رقابهم)، يقول الإمام أحمد رحمه الله كل شيء يذهب آخر فقد ذهب جميعه، فإذا ذهبت صلاةُ المرء ذهب عنه دينه.
إخوة الإيمان: أنقل لكم ما كتبه ابن القيّم رحمه الله في كتابه الصلاة وحكم تاركها من أقوال سلفِ الأمّة عن حكم تارك الصلاة قال رحمه الله: لا يختلفُ المسلمون بأنّ ترك الصلاةَ المفروضةَ عمداً من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، وأن إثمه عند الله أعظمُ من قتل النفس والزنا والسرقة وشرب الخمر، ولو اجتمعوا جميعا، ثم اختلفوا في قتل تارك الصلاة عمداً هل يُقتل حداً أم ردّة وفي كيفية قتله، فقال أكثر التابعين ومنهم الأوزاعي والثوري وابن المبارك والأئمة الثلاثة مالكٌ الشافعيّ وأحمد قالوا يُقتل بالسيف، وقال القاضي شُريح رحمه الله – وهو قاضٍ ولاّه عمر رضي الله عنه القضاء لعلمه بعدله وأمانته- قال يُنخز بالسيف تارك الصلاة حتى يتوب أو يموت، وقال أبو حنيفة والإمام الزهري قالا: يُحبس بلا طعام ولا شراب حتى يتوب أو يموت)
أنظروا أحبتي نقلت لكم آيات من كتاب الله وأحاديث من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة وأئمة السلف، ثم أنقل لكم قوْل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وهو من علماء عصرنا رحمه الله تعالى وكلمته مشهورة له في كتابه حكم تارك الصلاة حيث قال: وإذا تبيّن أن تارك الصلاة كافرٌ، فإنّه يترتّب عليه أحكام المرتدين، فإنّه لا يصحّ أن يزوّج، وإن عُقِد له وهو لا يصلي فالنكاح باطل ولا تحل له الزوجة، وأن ترك الصلاة بعد العقد فإن العقد ينفسخ ولا تحل له الزوجة، لقول الله تعالى (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ )، لا يدخل مكّة أو حدودها لقوله تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ) ، لا تُأكل ذبيحتُه، لا يرثُ ولا يورث، لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا يرِثُ المُسلِمُ الكافرَ ولا الكافرُ المُسلِمَ )، وأنه إذا مات لا حٌرمة له، لا يُغسّل ولا يُكفّن ولا يُدفن مع المسلمين، ويُؤخذ إلى الصحراء ويُحفر له ويُدفن، ولولا أن يتأذّى الناس بنتن رائحته لأُلقي فوق الأرض ليعلم الناس أن هذا حُكم تارك الصلاة بين المسلمين، وعلى هذا (وهذا قول الشيخ رحمه الله) لا يحلّ لأحد من المسلمين مات عنده ميّت، وهو يعلم أنه لا يُصلّي أن يقدّمه للمسلمين ليصلوا عليه، ولا يحل لأحد من أهله أن يدعو له بالرحمة والمغفرة لقوله تعالى ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ )
اللهم حبب إلينا الصلاة وأعنا على أدائها كما تحبّ وترضى ....
الخطبة الثانية:
إخوة الإيمان: تارك الصلاة جحوداً لفرضيتها ووجوبها كافرٌ كفراً أكبر بالإجماع، وهو الذي ينكر فرضيتها ووجوبها وهو ليس بحديث عهد بإسلام، أما من يتركها عامداً متساهلا فالحقيقة هناك خلاف بين العلماء في كفره، فمنهم من يكفره بالكلية وهو قول كثير من العلماء وهو رأي اللجنة الدائمة والإفتاء، وورد قولٌ آخر بعدم كفره وأنه داخلٌ في دائرة الإسلام وأن عمله عمل الفساق، ومنهم الشيخ الألباني رحمه الله وكثير من العلماء، فلا يكون مرتداً ولا يأخذ حكم المرتدين، ولكن عند الجميع أن ذنبه من أعظم الذنوب والكبائر، وأن التساهل في تركها أمره خطير وعظيم قد يؤدي بصاحبه للكفر الأكبر نسأل الله السلامة.
إخوة الإيمان : الشيء بالشيء يذكر، كما أن ترك الصلاة المفروضة عمداً من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر على الإطلاق، فأداء هذه الصلوات المفروضة من أعظم الطاعات وأجل القربات التي يتقرّب بها العبدُ لربّ الأرض والسموات جلّ جلاله، يقول الله تبارك وتعالى بالحديث القدسي (ما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أفضل من أداء ما افترضتُ عليْهِ) ، أخي في الله : هل تريد عهداً من الله تعالى بأن تكون من أهل الجنة وأنت تمشي على الأرض حافظ على هذه الصلوات المفروضة حيث ينادى بهن، قال صلى الله عليه وسلم (من غدا إلى المسجدِ أو راح ، أعدَّ اللهُ له نُزُلًا من الجنَّةِ كلما غدا أو راح)متفق عليه، قال الإمام النووي رحمه الله النّزُل ما يعدّ للضيف من الكرامة، فالله تعالى يزيّن لك جنّتك رضا بعملك زادك الله تشريفا وتعظيما، الفرْدوس الأعلى جعله الله تعالى أعلى مراتب الجنة وهو موعودُ اللهِ تعالى لأهل الصلاة الدائمين عليها المحافظين على إقامتها الخاشعين بأدائها (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ...ثم قال تعالى بعد سرد صفات المؤمنين ..وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ،
اللهم اجعلنا ممن يحافظ على أداء هذه الصلوات المكتوبة كما تحبّ وترضى، ويقيمها بأركانها وواجباتها ومستحباتها خالصةً لك راضين بها محبّين لها ، واكتب لنا عظيم خيرها وثوابها في الدنيا والآخرة يا رب العالمين ، ونسألك ياذا الفضل والإكرام أن تجود على من بنا لنا هذا المسجد خير الجزاء أن تغفر له وتبارك له في حسناته وتجعل له قصراً في الجنة .....