خطبة بعنوان( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ) مختصرة

خطبة (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ)

سعيد سيف الشهراني-جامع عمر بن الخطاب-تندحة

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي منَّ علينا بنعمة الأولاد، أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو الكريم الوهاب، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل الخلق بلا ارتياب، صلى الله عله وعلى آله وصحبه وسلم.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ عَلَيْنَا بَعْدَ نِعْمَةِ الدِّينِ: نِعْمَةُ الأَوْلاَدِ وَالَّتِي هِيَ نِعْمَةٌ إِلَهِيَّةٌ، وَهِبَةٌ رَبَّانِيَّةٌ، وَزِينَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ، قَالَ تَعَالَى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً﴾،وَمَعَ أَنَّهَا نِعْمَةٌ وَمَسْؤُولِيَّةٌ وَأَمَانَةٌ؛ إِلاَّ أَنَّنَا نَجِدُ مَنْ يُقَصِّرُ فِيهَا إِمَّا تَفْرِيطًا أَوْ تَهَاوُنًا، وَإِمَّا خَطَأً أَوْ جَهَلاً فِي التَّرْبِيَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ:

التَّنَاقُضُ عِنْدَ التَّوْجِيهِ من الأباء؛ كَأَنْ يَأْمُرَ الأَبْنَاءَ بِالصَّلاَةِ وَهُوَ لاَ يُصَلِّي، أَوْ يَأْمُرَهُمْ بِالصِّدْقِ وَهُوَ يَكْذِبُ، وَبِالْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ وَهُوَ يُخْلِفُ، وَبِالْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَهُوَ عَاقٌّ قَاطِعٌ، أَوْ يَنْهَاهُمْ عَنْ مُنْكَرٍ وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ فِيهِ فَيَحْصُلُ التَّنَاقُضُ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}.

وَمِنْ مَظَاهِرِ التَّقْصِيرِ فِي التَّرْبِيَةِ: تَعْوِيدُ الْوَلَدِ عَلَى بَعْضِ الْعَادَاتِ السَّيِّئَةِ ظَنًّا مِنَ الْوَالِدِ أَنَّهَا مِنَ الرُّجُولَةِ وَالذَّكَاءِ وَالشَّجَاعَةِ؛ كَأَنْ يُعَوِّدَهُ عَلَى الْغِشِّ أَوِ السَّرِقَةِ، أَوْ بَذَاءَةِ الْكَلاَمِ، وَالرَّدِّ عَلَى كِبَارِ السِّنِّ الْكِرَامِ؛ وَذَلِكَ لِيُضْحِكَ الآخَرِينَ وَيَسْتَمْلِحَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَقَدْ يَكْتَسِبُهَا الْوَلَدُ مِنْ وَالِدَيْهِ، إِذَا كَانَا غَشَّاشَيْنِ سَبَّابَيْنِ أَوْ شَتَّامَيْن.

وَمِنْ مَظَاهِرِ التَّقْصِيرِ فِي التَّرْبِيَةِ: تَرْبِيَةُ الأَبْنَاءِ عَلَى الْمُيوعَةِ وَالْفَوْضَى، وَتَعْوِيدُهُمْ عَلَى التَّرَفِ وَالنَّعِيمِ وَالْبَذَخِ؛ فَيَنْشَئُونَ مُتْرَفِينَ مُنَعَّمِينَ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ بَدَاهَةً أَنَّ الْوَلَدَ إِذَا نَشَأَ عَلَى الْمُيوعَةِ وَالاِنْحِلاَلِ، وَتَرَبَّى عَلَى الْهَزَلِ وَالْفَوْضَى وَعَدَمِ الاِكْتِرَاثِ؛ فَإِنَّ فِطْرَتَهُ تَفْسُدُ، وَشَخْصِيَّتُهُ تَتَحَطَّمُ، وَنَفْسِيَّتُهُ تَتَعَقَّدُ، وَجِسْمُهُ يَتَعَرَّضُ لأَخْطَرِ الأَسْقَامِ وَالأَمْرَاضِ، لِهَذَا كَانَ لِزَامًا عَلَى الْوَالِدَيْنِ َأَنْ يَغْرِسُوا فِي نُفُوسِهِمْ أَنْبَلَ مَعَانِي الرُّجُولَةِ وَخُلُقِ النُّبَلاَءِ، وَيَأْخُذُوا بِوَصِيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلاَ تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» [رواه مسلم].

وَمِنْ مَظَاهِرِ التَّقْصِيرِ فِي التَّرْبِيَةِ: الْمُبَالَغَةُ فِي إِسَاءَةِ الظَّنِّ بِالأَبْنَاءِ؛ فَهُنَاكَ مَنْ يُسِيءُ الظَّنَّ بِأَوْلاَدِهِ، وَيُبَالِغُ فِي ذَلِكَ؛ فَتَجِدُهُ يَتَّهِمُ نِيَّاتِهِمْ، وَلاَ يَثِقُ بِهِمْ أَبَدًا، وَإِشْعَارُهُمْ بِأَنَّهُ خَلْفَهُمْ فِي كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ دُونَ أَنْ يَتَغَاضَى عَنْ شَيْءٍ ‏مِنْ هَفَوَاتِهِمْ وَزَلاَّتِهِمْ، وَفِي الْمُقَابِلِ نَجِدُ الْبَعْضَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِأَوْلاَدِهِ! فَلاَ يَسْأَلُ عَنْهُمْ، وَلاَ يَتَفَقَّدُ أَحْوَالَهُمْ، بَلْ لاَ يَقْبَلُ نَقْدًا أَوْ تَوْجِيهًا لأَوْلاَدِهِ !بَلْ يُدَافِعُ عَنْهُمْ وَيَلْتَمِسُ لَهُمُ الْمَعَاذِيرَ إِذَا أَخْطَأُوا وهذا من الإهمال في التربية.

وَمِنَ مَظَاهِرِ التَّقْصِيرِ فِي التَّرْبِيَةِ: قِلَّةُ مُتَابَعَةِ الأَبْنَاءِ فِي الْمَدَارِسِ أَوْ مَعَ صَدِيقِهِ الْمُجَالِسِ، وَالاِهْتِمَامُ بِهِمْ فَقَطْ عِنْدَمَا يَكُونُونَ أَمَامَهُ فِي الْمَنْزِلِ؛ وَهَذَا خَطَأٌ؛ إِذِ الْجَلِيسُ دَنِيسٌ وَالصَّاحِبُ سَاحِبٌ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ» فاللَّهُمَّ أَقِرَّ أَعْيُنَنَا بِصَلاَحِ أَبْنَائِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَأَقَارِبِنَا وَإِخْوَانِنَا الْمُسْلِمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

 أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ مَظَاهِرِ التَّقْصِيرِ فِي التَّرْبِيَةِ: تَنْشِئَةُ الأَوْلاَدِ عَلَى الْخَوْفِ وَالْفَزَعِ وَالْهَلَعِ، فَعِنْدَمَا يَبْكُونَ أَوْ لاَ يَمْتَثِلُونَ أَمْرًا يُخَوَّفُونَهم بطرق تضعف شخصيتهم وتسبب لهم مشاكل كبيرة عند الكبر.

ومن مَظَاهِرِ التَّقْصِيرِ فِي التَّرْبِيَةِ وَالْخَطَأِ فِيهَا: الإِهْمَالُ فِي مُتَابَعَةِ مَا يُعْرَضُ عَلَيْهِمْ عَبْرَ جَوَّالاَتِهِمْ من وسائل التواصل الإجتماعي، أوَ الأَلْعَابُ الإِلِكْتُرونِيَّةُ الَّتِي تَحْتَوِي عَلَى أَلْعَابِ الْقِتَالِ وَالْحُرُوبِ وَالْخَيَالِ الْعِلْمِيِّ، وَالرِّيَاضَةِ، وَالإِثَارَةِ، وَغَيْرِهَا، وَهَذِهِ الأَلْعَابُ لَهَا سَلْبِيَّاتٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا إِفْسَادُ الْعَقَائِدِ فَلَا تَكَادُ تَخْلُو هذه الألعاب مِنْ المُخَالَفَاتٍ الشَرْعِيَّةٍ .

وَمِنْ مَظَاهِرِ التَّقْصِيرِ فِي التَّرْبِيَةِ: الدُّعَاءَ عَلَى الأَوْلاَدِ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : «لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لاَ تُوافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءً، فيَسْتَجِيبَ لَكُمْ» رواه مسلم، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاحْرِصُوا عَلَى تَرْبِيَةِ أَبْنَائِكُمْ، وَاسْتَثْمِرُوا صَلاَحَهُمْ؛ فَإِنَّهُ الْكَنْزُ الثَّمِينُ، وَفِيهِ الأَجْرُ الْعَظِيمُ

هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم محمد....(الدعاء مرفق)