خطبة بعنوان ( وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ) مختصرة

سعيد الشهراني
1445/06/21 - 2024/01/03 09:50AM

الخطبة الأولى :

الحَمدُ للهِ الذي سَبَّحَتْ بحَمدِهِ الكَائناتُ، وَخَضَعتْ لعَظمتِهِ وَمُلكِهِ سَائرُ المَخلوقاتِ، وأَشهدُ أن محمدًا عَبدُهُ ورَسولُهُ أعَظمُ مَنْ تَفكَّرَ وتَأَملَ في خَلقِ الليلِ والنهارِ؛ صَلَّى اللهُ عَليهِ وعَلى آلِهِ وأَصحابِهِ وأَتباعِهِ أُولي الألبابِ والأبصارِ، أَما بَعدُ:

أَمَّا بَعْدُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ .

أيُّها المُسلِمون: اسْتَخْلَفَ اللهُ الإِنسَانَ في هَذهِ الأرض، وكلَّفَهُ بإعْمَارِهَا والمُحَافَظَةِ عَلَيها، قالَ تعالى: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)، ونَهَاهُ جَلَّ وعَلا عَنِ الإفْسَادِ فِيهَا وتَخرِيبِها: (وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)، وقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم (إنَّ الدُّنيا حُلْوَةٌ خَضِرَة، وإنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَنَاظِرٌ مَاذَا تَعمَلُون) ، فجَعَلَ سُبحَانَهُ بينَ الإنسَانِ وبِيئَتِهِ المُحِيطَةِ بهِ تَرَابُطًا لا يُمكِنُ الاسْتِغنَاءُ عنها، ودَعَاهُ لِحِمَايَتِهَا وإعْمَارِهَا، ونَهَاهُ عَنِ العُدْوَانِ عَليها، قالَ تعالى: (وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ).

وإذَا نَزَلَ الغَيْث، وطَابَتِ الأَجْوَاء، وجَرَتِ الأَوْدِيَة؛ دَخَلَ علَى النَّاسِ السُّرُورُ والبُشْرى؛ (فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) فيَخْرُجُ النَّاسُ للتَّنَزُّهِ والفُرْجَةِ والبَهْجَة: (وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيج)، وكان النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ (كانَ يَبْدُو إلى التِّلَاع) رواه أحمد . ومعنى يَبْدُو؛ أي: يَخرُجُ إلى البَادِيَة، ومعنى التِّلَاعُ: هي مَصَابُّ المِيَاهِ ومَا يَنْحَدِرُ مِنَ الأرض .

ولِلتَّنَزُّهِ عِبادَ الله: آدَابٌ وأحَكَام، مِنهَا: المُحَافَظَةُ علَى الأرضِ وبيئتِها؛ بأَشْجَارِهَا ومَرَاعِيهَا، وأَزْهَارِهَا ومَرَافِقِهَا، وعَدَمُ قَطْعِهَا أوِ الاعْتِدَاءِ عَلَيها؛ فَبِهَا يَسْتَظِلُّ النَّاس، ولهم فِيهَا مَنَافِع ، ويجب الحِرصُ علَى عَدَمِ تَلْوِيثِ المُتَنَزَّهَاتِ بالمُهْمَلاتِ والمُخَلَّفَات، واسْتِشْعَارُ مَا يَتَرَتَّبُ علَى تَرْكِهَا مِنْ إفْسَادٍ وإيذَاءٍ للنَّاس.

وتَرْكُ المُخَلَّفَاتِ أو رَمْيُهَا في غَيرِ الأمَاكِنِ المُخَصَّصَةِ لها: دليل عَلَى الجَهْل، وقِلَّةِ العِلْم، وفَسَادِ الذَّوْقِ والطَّبْع.. ومِنْ رَحْمَةِ اللهِ وفَضْلِه: أنْ جَعَلَ إمَاطَةَ الأذَى عَنِ النَّاس: مِنْ أسبَابِ دُخُولِ جَنَّتِهِ والفَوْزِ بِرِضَاه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: (لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الجَنَّةِ؛ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ طَرِيقٍ، كانَتْ تُؤْذِي النَّاس) رواهُ مسلم.. فمَا أَيْسَرَ العَمَل! وما أَسْمَى القِيمَة! ومَا أكثرَ المُفَرِّطِين!

ومِنَ الآدَاب: اخْتِيَارُ المَكَانِ الآمِنِ مِنَ الأخْطَارِ والأَضْرَار، والحَيَّاتِ والحَشَرَاتِ المُؤذِيَة، والحَذَرُ مِنْ قَطْعِ الشِّعَاب، وخَوْضِ الأَوْدِيَةِ ومجَارِي المِيَاهِ بالسَّيَّارَةِ أثنَاءَ الأمْطَار؛ لِمَا في ذَلِكَ مِنْ تَعْرِيضِ النَّفْسِ والمَالِ والأَهْلِ للتَّهْلُكَةِ والتَّلَف وفي الحَدِيث: (إذَا عَرَّسْتُمْ -أيْ: أرَدْتُمُ الرَّاحَةَ لَيْلاً- فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ؛ فَإنَّها طُرُقُ الدَّوَابِّ، ومَأْوَى الهَوَامِّ في الَّليل) رواهُ مسلم.

عباد الله : ومِنْ شُكْرِ المَوْلَى عَلَى نعمِهِ: عَدَمُ الإفْسَادِ في أَرْضِهِ ، قالَ صَالِحٌ لِقَوْمِه: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ).

قلت ما سمعتم ، وأستغفِرُ اللهَ لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم .

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ عَظيمِ الإحسانِ، وَاسعِ الفَضلِ والجُودِ والامتنانِ؛ وَأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأَشهدُ أنَّ مُحمداً عَبدُهُ وَرَسولُهُ صَلَّى اللهُ وَسلَمَ عَليهِ وَعَلى آلِهِ وَصحبِهِ أَجمعينَ .. أَمَّا بَعدُ:

فيا أيُّها المُسلِمُون: ومِمَّا يُشْرَعُ حَالَ الخُرُوجِ لِلتَّنَزُّه: ذِكْرُ دُعَاءِ نُزُولِ المَنْزِلِ أوَّلَ وُصُولِه، كمَا في صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ خَوْلةَ بنتِ حَكيمٍ رضي اللهُ عنها أنَّها سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: (مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَال: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَق، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِك).

ومِمَّا يَنْبَغِي أيضًا: عَدَمُ إشْعَالِ النَّارِ إلَّا في الأمَاكِنِ المَسْمُوحِ بها، وإطْفَاؤهَا قبلَ النَّومِ وعِنْدَ مُغَادَرَةِ المَكَان؛ حِفْظًا للأرْوَاح، ومَنْعًا للحَرَائق، ودَفْعًا للأذَى عَنِ النَّاسِ والبَهَائِمِ والشَّجَر.. ويَجِبُ مُرَاعَاةُ الأنْظِمَةِ التي أقَرَّتْهَا الجِهَاتُ المُخْتَصَّة، والتي تَتَحَقَّقُ بها المَصْلَحَةُ العَامَّةُ للمُسْلِمين.

عِبَادَ الله: وفي البَرِّ الفَسِيح، وحِينَ يَجُولُ البَصَرُ في الآفَاق؛ يَتَأَمَّلُ المُتَأمِّلُ: كَمَالَ قُدْرَةِ الله، وعَظِيمَ إتْقَانِه، وبَدِيعَ صُنْعِه، وحُسْنَ خَلْقِه؛ فيَزْدَادُ القَلْبُ إيمَانا، وتَمْتَلِئُ النَّفْسُ بَهْجَةً ويقينا: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

ألَا فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ الله، وقُومُوا بمَسْؤولِيَّاتِكُمْ وواجباتِكم تِجَاهَ أَنْفُسِكُمْ وأَهْلِيكُمْ وأَوْطَانِكُم، واعْلَمُوا أنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلغَيْث والبركةِ فيه: تقوَى الله، والاسْتَقَامَةَ علَى أَمْرِه، واسْتِغْفَارَهُ، وصِدْقَ الرَّجُوعِ إليه.. فرَبُّكُمْ هُوَ الذي أنشَأَكُمْ مِنَ الأرضِ واسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا، فاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إليه، إنَّ ربِّي قَرِيبٌ مُجِيب. فاللهُمَّ يا حيُّ يا قيوم اجعلنا ممَّن عَرَفَ نِعمَتَكَ فأَكْرَمْتَه، وحَفِظَهَا فحَفِظْتَه، وشَكَرَ لكَ فزِدْتَه، وخَافَ مِنْ إفْسَادِها فأمَّنْتَه، واسْتَعْمَلَها فِيمَا يُرضِيكَ فأَسْعَدْتَه، يا ربَّ العالمين.

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد ....

المرفقات

1704265369_خطبة بعنوان ( وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا )مختصرة.docx

المشاهدات 2005 | التعليقات 1

هذه الخطبة مختصرة من خطبة الخطيب ( محمد ال مداوي) جزاه الله خير.