خطبة بعنوان (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا) مختصرة
سعيد الشهراني
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي قسّم الميراث بنفسه وهو أعدل من قسم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، في عبادته وهو أعلم وأحكم، وأشهد أن سيّدنا محمداً عبده ورسوله، أصدق البريّة لساناً، وأعلاها مقاماً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
عباد الله : أوصيكم ونفسي بتقوى الله(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
عباد الله: لقد حَرَّم الله عز وجل الظلم على نفسه، وحَرَّمه على عباده، فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر الغفاري قال: "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا". فمن الظلم والجور يا عباد الله قضية انتشرت بين المسلمين، وظاهرة تسببت في الكثير من المعاناة والخلافات والنزاعات بين أبناء العائلة الواحدة، حتى بات أفراد الأسرة الواحدة أعداءً متناحرين؛ ألا وهي قضية الظلم في الميراث، وأكل حقوق الورثة، والتحايل عليهم، فكم من امرأة حُرِمت من ميراثها، وكم من يتامى أُكِلت حقوقهم، وكم من ضعفاء لم يجدوا لهم ناصرًا، وكم من إخوة تواطؤوا على أخيهم أو أختهم فأجمعوا أمرهم وهم يمكرون!، ومما يزيد من الألم ويفجع الفؤاد أن يتناحر أبناء الأسرة من إخوة وأخوات بعد موت مورثهم من أجل حطام زائل، ومتاع من الدنيا قليل، قال الله تعالى (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا)، والتراث: هو الميراث، واللمُّ من لَمَّ الشيء إذا جمعه، فيعتدي في الميراث، ويأكل ميراثه وميراث غيره.
فيا من وجد مال التركة سهلًا مهلًا، ويا من استولى على ميراث الإناث، وأغراه ضعفهن وسكوتهن وحياؤهن، ويا من استولى على ميراث الأيامى واليتامى، وغرَّه صغرهم وعجزهم وانقطاعهم: تبَّتْ يداك، وخاب مسعاك، ودام شقاك، كيف طابت نفسك أن تستولي على المال والأرض والعقار، وتسند إخوتك وقرابتك إلى الفقر والعجز والضياع؟! من الذي أباح لك أموال التركة إمساكها وإطلاقها، حظرها وإنفاقها؟! ويل لك وويل عليك، فما أنت إلا شريك من الشركاء، ووارث من الورَّاث، لك ما لهم، وعليك ما عليهم، فاحذر -يا عبد الله- أن تبيع دينك بقطعة أرض، أو بمال قل أو كثر.
وعندما ننظر لأسباب النزاع في الميراث، نجد أن سبب وجودها أمور متعددة، منها: تساهل كثير من الناس بالوصية وعدم كتابتها، وإيضاح ما لديه من أموال، وما لديه من الأموال المشتركة مع الآخرين، فقد يدعي أحد الأولاد أنه شريك لوالده أو أمه، وحينذاك لا بُدَّ مما يثبت ذلك، وإلا فتح على الورثة بابًا عريضًا من الخلافات والاتهامات، والله يقول( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ).
ومن الأسباب أيضاً: تخصيص الوالد أحد أبنائه لمعرفة أملاكه والبقية لا يعلمون، وربما أخفى الابن بعض الأموال إذا كان من غير الأمناء، أو ربما أعطى كل واحد نصيبه دون أن يعلم الورثة: كم ورثوا من ميتهم؟ أو أخَّر توزيع الميراث والواجب هو تحرِّي العدل، وما أشكل فيرجع فيه إلى الشرع، والقاضي يفصل بينهم عند النزاع.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي حكم بالعدل وأمر به، وحرم على نفسه الظلم، وحرمه على عباده، وهو أحكم الحاكمين وأشهد أن أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واستقيموا على طاعته، وابتعدوا عن معاصيه التي منها أكل أموال اليتامى والأرامل والضعفاء وغيرهم، واعلموا أن من أسباب النزاع في الميراث: تصرُّف الوصي في العقارات خاصةً دون إذن الورثة، وحرمان المرأة من الميراث لخصوصية الرجال فيه دون النساء، أو المماطلة بحقها وبعضهم يجبرها على توكيله ثم يأكل حقَّها، وإن من التعدي والظلم في مسائل الميراث أن تترك التركة بعد المورث سنين طويلة، ينتفع بها بعض الورثة دون البعض، وإن من الظلم أيضًا في مسائل الميراث أن بعض الآباء يهب لبعض أبنائه دون بعض، أو يهب لأبنائه الذكور دون الإناث، وهذا ظلم وجور قال تعالى( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا).
عباد الله: إن ما يُخلِّفه الميت من المال يجب أن يجمع الأسرة ولا يُفرِّقها، ويقوِّيها ولا يُضعِفها، وحب المال لا يُقدَّم على حب الإخوة والأخوات، فمن كان يظن أن أخًا يشتكي أخاه في المحاكم، ومن كان يظن أن الإخوة والأخوات بعد اجتماع ووصال تفرقوا وتهاجروا وتباغضوا!، ترى لو علم والدهم ومورثهم أكان هذا يرضيه؟ بل ربما تمنَّى لو مات فقيرًا معدمًا أحب إليه من ترك الملايين لورثته المتنازعين، فاتقوا الله عباد الله وبادروا بقسمة الميراث، وأعطوا كل ذي حقٍّ حقَّه، واحذروا الظلم؛ فالظلم ظلمات يوم القيامة.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد....(الدعاء مرفق)
المرفقات
1735719514_خطبة بعنوان (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا) مختصرة.docx