خطبة بعنوان كبار السن في الإسلام

فلاح مخلد الحربي
1443/06/10 - 2022/01/13 12:53PM

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ الْخَلائِقَ وَحَدَّدَ أَعْمَارَهَا وَآجَالَهَا، وَقَدَّرَ أَقْوَاتَهَا وَأَرْزَاقَهَا، أحْمَدُهُ سُبْحَانَه وَأَشْكُرُهُ وَأَتُوبُ إِلَيهِ واستَغفِرُهُ، وَأشْهَدُ أَن لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيه وَعَلَى آلِه وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ{ أما بعد: معاشر المسلمين أوصيكم ونفسي بتقوى الله U فاتقوه وأطيعوه }وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً{

دَخلَ ﷺ مَكَّةَ فَاتحاً مُنتصِراً، وإذا بأَبي بَكْرٍ t وأَرضَاهُ آخِذًاً بَيَدِ أبيهِ أَبِي قُحَافَةَ، ذلكَ الشيخُ الكَبِيرُ، يَحْملُهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فلمَّا رَآهُ ﷺ قالَ: "أَلَا تَرَكْتَهُ حَتَّى نَكُونَ نَحْنُ الَّذِي نَأْتِيهِ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَأْتِيَكَ. رواهُ الإمامُ أَحمدُ، وصَححهُ الألبانيُّ. كبار السن في الاسلام هم بركةُ الأرض وخيرُها هم نورها هم حكماؤها وخبراؤها بوجودهم يرجى تُنزل الرحمات وتوالي الخير والبركات هم أرقُ الخلقِ أفئدة وأبعدُهم عن شهوةٍ وشبهة أخذوا الدينَ بالعزيمةِ والقوةِ أكثرُ الناسِ ذكرا لله واحرصُهم على عبادة ،وأسرعُهم إلى جمعة وجماعات، عرفوا قيمة الحياة وهم يقفون عند نهايتها  في حين اغتررنا بدنيانا ،لقد أرادَ اللهُ بحكمَتِهِ،أن يُولَدُ الطِّفلُ لا يَعلَمُ شَيئاً، يَكتَسِبُ المعَارِفَ، والمهَاراتِ ، ثُم يَبلُغُ، ثُم يَكُونُ شَابًّا قَوِيًّا مَفْتُولَ الْعَضَلَاتِ، مُتحَكِّمًا فِي شُؤونِهِ، ثُمَّ يَكُونُ كَهْلاً بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَمَيلُ خَطُّهُ الْبَيَانِيُّ نَحْوَ النُّزُولِ إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَى سِنِّ الشَّيْخُوخَةِ، وَهَذَا قَدَرُ جَمِيعِ الْبَشَرِ، مَهْمَا كَانَ قَدْرُهُمْ وَمَكَانَتُهُمْ } اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ {

كبار السن في الإسلام هم غرباءٌ اليوم في مجتمعهم وبين بنيهم وأحفادهم فلم يعد الزمانُ زمانُهم ولا الحياة تطيب لهم يرى الواحد منهم نفسه ثقيلاً عليهم من هذا الذي يجالسه؟! ومن هذا الذي يؤانسه؟! بل من هذا الذي يدخل السرور عليه ويباسطه؟!  إذا تكلم الكبير قاطعه الصبيان، وإذا أبدى رأيه ومشورته سفهه النساء والصغار، أنظروهم قابعون في البيوت يقضون معظم الوقت لوحدهم فاتهم قطار العلم والتعلم يرغبون بمن يجالسهم ويستمع إليهم. كل يوم تنكسر قلوبهم وهم يسمعون عن قرينٍ أو حبيب ما بين مودع راحل أم مقعد يئن من المرض

ألا وإن من حق كبار السن في الاسلام أن يزاروا في بيوتهم وأن يَحْتَفِي بهم بنوهم وأحفادُهم وجيرانُهم ومقربُهم فأَكْثَرَ مَا يُزْعِجُ كِبَارَ السِّنِّ اليوم هُوَ الشُّعُورُ بِالْوِحْدَةِ، ارحموهم وتلمسوا حاجتهم خصوصا المادية منها ،هم اليوم أحوج إلى من يؤنسهم ويستمع إلى حديثهم وقروهم وأجلوهم يقولﷺ }إن من إجلال الله إجلالِ ذي الشيبة المسلم{، ويقول ﷺ:}ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا{.تلمسوا حاجاتِهم وحققوا رغباتِهم فَإِذَا كَانَ الوَاحدُ مِنهُم يُحِبُّ الذَّهَابَ لِلْبَرِّ و الْأَغْنَامِ أَوْ الإِبلِ، أَوْ الْمَزْرَعَةِ وَالْعَمَلَ فِيهَا، أَوْ يَفْرَحُ بِالذَّهَابِ إِلَى مَتْجَرِهِ، فحققوا لهم ذلك ففيه سَعَادَتَهُمْ وَفَرْحَتَهُمْ. إن مِن حق الكبيرِ في السن أن يقدم في الكلام في المجالس والاجتماعات العائلية، وأن يقدم في الطعام، والشراب والدخول والخروج. فهاهو ﷺ كما في البخاري لما أراد أحد الرجلين أن يتكلم أمامه قال له (كبر كبر) أي ليتكلم صاحبك الذي هو أكبر منك سنا

وفي البخاري ايضا عن ابن عمرَ :أن النبي ﷺ قال: }أراني أتسوك بسواك، فجاءني رجلان، أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواكَ الأصغرَ منهما، فقيل لي: كبِّرْ، فدفعته إلى الأكبر منهما{ لا تنشغلوا بالجوالات أو تظهروا عدم الارتياح لحديثهم أثناء المجالسة فهو مما يحزنهم إياكم ورفع الصوت أو التكلم بحديث لا يرغبون سماعه اجتنبوا تلك الأحاديث التي لايفهمونها كحديث الرياضة وغيرها ،وأعلموا أنه لَا يَسْعَدُ كَبيرُ السِّنِّ بشَيءٍ كسَعَادَتِهِ بِاجْتِمَاعِ أَبْنَائِهِ وَأَحْفادِهِ حَوْلَهُ، إِنَّه إِذَا رَأَى أَوْلاَدَهُ بِجَانِبِهِ يَتَنَاوَبُونَ الْجُلُوسَ مَعَه وَيَتَسَابَقُونَ إِلَى بِرِّهِ وَالْإحْسَانِ إِلَيه، إِنْ مَرِضَ قَلقُوا عَلَيهِ وإذا فرح استبشروا له وإذا ما زاره رفيق دربه أكرموا وفادته أحس بقدره وطابت نفسه  فكبارُ السنّ -يا أمة الإسلام-: لهم قدرٌ ومكانةٌ في شرعنا، لهم حقُّ الإجلال والاحترام، والصفحِ والعفوِ عن الزلاَّت والهفوات.فاحفظوا لهم ذلك فهو من دين الله روي عنه ﷺ أنه قال: }مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ{ رواه الترمذي وغيره. اللهم ارْحمْ كِبارَنَا، وأطل بأعمارهم على طاعتك ووفِّقْ للخيرِ صِغَارَنا، وخُذْ بنَواصِينَا لِمَا يُرضِيكَ عَنَّا. أقول ما تسمعون

حَمْدًا للهِ عَلَى نَعْمَائِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى فَضْلِهِ وَآلائِهِ، وأصلي وأسلم على خير خلقه وآله وسلم تسليما كثيرا أما بعد : فاتقوا الله عباد الله معاشر كبار السن ابشروا بخير من الله وفضلا فخير المسلمين عند الله من طال عمره وحسن عمله   

يا معاشر الكبار، إن الآلام والأسقام والأوجاع التي تجدونها والوهن والضعف بسبب كبر السن فالملائكة كتبت حسناتِها، والله عظّم أجورها، وستجدونها بين يدي الله، اليوم تُزعجكم وتقض مضاجعكم، ولكنها غدًا بين يدي الله تفرحكُم وتسركم، فاصبروا على البلاء، واحتسبوا عند الله جزيل الأجر والثناء، قال ﷺ :} إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ الْمَنْزِلَةُ فَمَا يَبْلُغُهَا بِعَمَلٍ ؛ فَمَا يَزَالُ اللَّهُ يَبْتَلِيهِ بِمَا يَكْرَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ إِيَّاهَا{ حسنه الألباني عظّم الله أجوركم، وأجزل في الآخرة ثوابكم ،أحسنوا الظن بما تجدونه عند ربكم. يقول ﷺ }عجبت لأمر المؤمن، إن أمره كله خيرٌ؛ إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له{.

ومن لطائف الفقه في أحكام المسنين أن الشريعة نهت عن قتل كبير السن من العدو الكافر حال الجهاد، فقد كان رسولُ الله ﷺ يوصي أصحابه عند بعث السرايا والجيوش في الغزوات أن لا يقتلوا صغيرًا ولا امرأةً ولا شيخًا كبيرًا، روى الطبراني عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله ﷺ إذا بعث جيشًا أو سريةً دعا صاحبَهم فأمره بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: }اغزوا بسم الله وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، لا تغلّوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا ولا شيخًا كبيرًا{.هذا وصلوا

المرفقات

1642099364_كبار السن في الاسلام الجمعة 11 جمادى الآخرة 1443هـ.doc

1642099365_كبار السن في الاسلام الجمعة 14 شعبان 1440هـ.pdf

المشاهدات 1018 | التعليقات 0