خطبة بعنوان ( حــــــــقيــــــقة الدنيــــــــــــــــا ) مختصرة
سعيد الشهراني
الخطبة الأولى:
الْـحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، جَعَلَ الدُّنْيَا دَارًا لِلْعَامِلِينَ، وَالْـجَنَّةَ جَزَاءً لِلْمُحْسِنِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّـهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى مَنْ سَارَ عَلَى دَرْبِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعدُ :فَأوصي نَفسي وَإياكم بِوَصيةِ اللهِ لِعبَادِهِ كَافةً: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
عباد الله: لَو قِيلَ لأَحدِنَا: صِفْ لَنَا الدُّنيَا .. فَلَنْ يَستَطيعَ أَن يَصِفَهَا بِأَحسَنَ مِمَا وَصَفَهَا خَالِقُها حَيثُ قَالَ سُبحَانَهُ وتَعَالى: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، لا إلَهَ إلا اللهُ، هَكَذا عِندَمَا يَظُنُّ الإنسانُ أَنَّهُ قَد استَحوَذَ عَليهَا وبَلغَ الكَمالَ، وبينَمَا َهُوَ فِي شَهواتِ الدُّنيَا يَختَالُ، وَإذا بِطَرفَةِ عَينٍ تَتَغيَّرُ اَلأَحوَالُ، فَلا يَبقَى مِنهُ إلا الذِّكرَيَاتُ والأَطلالُ، فَهَل نَستَيقِظُ مِن غَفلَتِنَا قَبلَ حُلولِ الآجالِ؟.
عباد الله: أَينَ النُّمْرُودُ الذي قَالَ: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)، وَأَينَ فِرعونُ الذي قَالَ: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ)، وَأَينَ قَارونُ الذي قَالَ: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي)، وَأَينَ صَاحِبُ الجَنَّتينِ الذي قَالَ: (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً)، أَينَ هَؤلاءِ الذينَ تَكَبَّروا فِي الأَرضِ وتَجَبَّروا فِيها؟، وأَينَ غَيرُهم مِمَّن مَلكُوا الدُّنيا وَظَنُّوا أَنَّهُم قَادِرونَ عَليها؟.
أَيُّهَا المسلمون: الدُّنيَا دَارُ عَملٍ للآخرةِ وكَدحٍ واجتِهَادٍ، وَزَمانُ بَذرٍ وَفِي الآخرَةِ يَكونُ الحَصَادُ، وَمَن نَظَرَ فِي النُّصوصِ الشَّرعيَّةِ لا يَجدُ مَدحَاً لِلدُّنيَا وَزِينَتِهَا، وإنَّمَا يَرى التَّحذِيرَ مِن خَطَرِهَا وفِتنَتِها، ولِذَلكَ قَالَ اللهُ تَعالى لِنَبيِّهِ وخَلِيلِهِ: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ)، أَينَ هَذا وَمَا نَراهُ اليَومَ مِن الانغِمَاسِ في الدُّنيَا وَمَا فِيهَا مِن الشَّهَوَاتِ، حَتى أَثَّرَتْ عَلى عَمَلِ الآخِرةِ ومَا أَعَدَّهُ اللهُ فِيهَا مِن نَعيمٍ وجَنَّاتٍ.
عباد الله: الدُّنيَا حُلوهَا عَذابٌ، وفَرَحُها سَرابٌ، وَحلالُها حِسابٌ، وحَرَامُها عِقَابٌ، أوَّلُها عَناءٌ، وآخِرُها فَناءٌ، قَليلَةُ الوَفاءِ، كَثيرةُ الجَفَاءِ، خَسيسةُ الشُّرَكَاءِ، سَريعَةُ الانقِضَاءِ، مَن نَظَرَ إليهَا نَظرَةَ عَقلٍ وَحِكمَةٍ وذَكَاءٍ، عَلِمَ أَنَّهَا رَخِيصَةٌ مُهَانَةٌ عِندَ رَبِّ السَّمَاءِ، وَفي الحَديثِ: (لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ)، ولِذَلكَ لَمَّا عَلِمَ النَّبيُّ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حَقِيقَتَهَا، عَاشَ فِيهَا وَهُوَ يَنتَظِرُ مُفَارَقَتَهَا، يَقُولُ عبدُ اللَّهِ بنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: نَامَ رسولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصيرٍ، فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ في جَنْبِهِ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، لوِ اتَّخَذْنَا لكَ وِطَاءً، فقال: (مَا لي وَللدُّنْيَا؟ مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا). فاللهمَّ اجعَل مَا تَبَّقَى مِنْ أَعمَارِنَا في طَاعَتِكَ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيْمِ، وَنَفَعَنِي وَاِيِّاكُمْ بِمَا فِيْهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيْمِ، أقُوْلُ قَوْلِي هَذا وَأسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيْمَ لَيْ وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إنَّهُ هُوَ الْغَفُوْرُ الرَّحِيْمُ.
الخطبة الثانية:
الحمد للهِ وليِّ الصالحين، والصلاةُ والسلامُ على محمدٍ سيد الأولين والآخرين، والسلامُ علينا وعلى عباد الله الصالحين.
أَمَّا بَعد فيَا عِبَادَ اللهِ: شَاءَ العَبدُ أم أَبَى سَيَخرُجُ من الدُّنيَا لا محالة، طَالَ عُمُرُهُ أم قَصُرَ، أَطَاعَ اللهَ تعالى أم عَصَى، والعَاقِلُ هوَ من استَعَدَّ لِلِقَاءِ اللهِ تعالى وذلكَ بالمُبَادَرَةِ بكثرة الأَعمَالِ الصَّالِحَة ويَنبغي علَينَا أَن لا نَنسى أَنَّ وُجُودَنَا في هَذهِ الدُّنيا لِسَبَبَينِ:
السَّببُ الأَولُ: عُقُوبَةٌ عَلى مَا كَانَ مِن أَكلِ الشَّجَرةِ فِي جَنَّةِ السَّمَاءِ، فَأخرَجَنَا اللهُ تَعَالى مَنهَا إلى الأَرضِ نَحنُ وأَعدَى الأَعدَاءِ، (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ)، ولِذَلِكَ فَهِيَ (سِجنُ المُؤمنِ وجَنَّةُ الكَافرِ) كَمَا في الحَديثِ، فَهَل يَا تُرى نَعودُ إلى مَسكَنِنَا الأوَّلِ؟ نسأل الله ذلك.
السَّببُ الثَّاني: أَنَّهَا دَارُ بَلاءٍ وامتِحَانٍ، يُختَبَرُ فِيهَا بَنُو الإنسَانِ، وَلِذَلِكَ بَعَثَ اللهُ الرُّسُلَ عَليهِم السَّلامُ، وَأَنزَلَ عَليهِم الكُتُبَ عَاليَةَ المَقَامِ، فَمَن صَدَّقَ وَأَطَاعَ واستَقَامَ، فَلهُ النَّجَاةُ والأَمنُ ودَارُ السَّلامِ، وأَمَّا مَن كَذَّبَ وَأَدبَرَ وعَصَى، فَلهُ الخَسَارةُ والخَوفُ ونَارٌ تَلَّظَى، كَمَا قَالَ سُبحَانَهُ وتَعَالى: (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).فاتقوا الله عباد الله واجعَلُوا هَمَّكُم الآخِرةِ، واجعَلوا مَا آتَاكم اللهُ تَعالى مِن مَتاعِ الحَيَاةِ الدُّنيا مِن عِلمٍ وصِحَّةٍ ومَالٍ وجَاهٍ زَاداً لَكُم إلى الآخِرَةِ، وَقَد قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ).فاللهمَّ لا تَجعلِ الدُّنيا أَكبرَ هَمِّنَا ولا مَبلغَ عِلمِنَا ولا على النار مصيرنا برحمتك يا أرحم الرحمين.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد ... (الدعاء مرفق)
المرفقات
1732707175_خطبة بعنوان ( حقيقة الدنيا) مختصرة.docx
سعيد الشهراني
عضو نشطهذه الخطبة مستوحاة ومختصرة من خطبة الشيخ هلال الهاجري جزاه الله خير
تعديل التعليق