خطبة بعنوان ( الأمانة ومحاربة الفساد) مختصرة
سعيد الشهراني
الخُطْبَةُ الأُولَى
الحمدُ لله أنعَمَ علينا بالأموالِ، وفَّق من شاءَ لِكَسْبِها بالحلالِ، وحذَّرَنا من الفَسَادِ والحَرَامِ والضَّلالِ ،وجَعَلَ عاقِبَتَهُ الْمَحقَ والنَّكالَ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لَهُ شَدِيدُ الْمِحَالِ ، وَأَشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الْمَبعُوثُ بِأكمَلِ الشَّرائعِ وأَعدَلِ الْخِصَالِ ، صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَاركَ عليهِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ وَمَنْ تَبِعَهم بِإحسَانٍ إلى يومٍ الْمآل.
أمَّا بعدُ: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل في أنفسِكم وأعمالِكم وأموالِكم ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ نِعَمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا الْعَظِيمَةِ فِي بِلاَدِنَا الْمُبَارَكَةِ (نِعْمَةُ الْمَالِ الْعَامِّ)الَّذِي يَكُونُ مِلْكُهَا لِلدَّوْلَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ مِنْ مِثْلِ الْوِزَارَاتِ وَالْجَامِعَاتِ وَالْمَدَارِسِ وَالْمُسْتَشْفَيَاتِ وَالْمَصَانِعِ وَالْحَدَائِقِ وَالطُّرُقِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْمُنْشَآتِ الَّتِي هِيَ تتَبَعُ الدَّوْلَةِ، وَمَنْفَعَتُهَا لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ عَلَى السَّوَاءِ؛ تُدِرُّ عَلَيْهِمْ بِالنَّفْعِ الْعَمِيمِ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ؛ وَهَذِهِ بِذَاتِهَا وَاللهِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَمِنَّةٌ كَرِيمَةٌ لاَ تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ وتوجب الشكر.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ شُكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ أَنْ تُذْكَرَ فَتُشْكَرَ وَلاَ تُكْفَرَ، وَأَنْ نَتَّصِفَ جَمِيعًا بِخُلُقِ الأَمَانَةِ الَّتِي أَبَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَالْجِبَالُ أَنْ يَحْمِلْنَهَا؛ خَوْفًا مِنَ التَّقْصِيرِ فِي أَدَائِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ .
وَمِنَ الأَمَانَةِ : الْعَمَلُ بِالْحَلاَلِ وَالْبُعْدُ عَنِ الْحَرَامِ فِي بَابِ الرِّزْقِ وَغَيْرِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾ .
وَمِنَ الأَمَانَةِ: الْبُعْدُ عَنِ الْخَوْضِ فِي الْمَالِ الْعَامِّ، وَالتَّعَدِّي عَلَيْهِ بِالتَّبْدِيدِ أَوِ التَّفْرِيطِ، أَوْ بِاسْتِغْلاَلِ الْعَمَلِ فِي غَيْرِ مَا خُصِّصَ لَهُ، فَعَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ» رواه البخاري وَالْمَعْنَى: أَنَّ بَعْضَ الْعُمَّالِ يَتَصَرَّفُونَ فِي الْمَالِ الْعَامِّ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلاَّ أَنْ يَتُوبُوا فَيَرُدُّوا الْمَظَالِمَ إِلَى أَهْلِهَا.
وَمِنَ الأَمَانَةِ: قِيَامُ الْعَامِلِ بِأَدَاءِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَعَنْ كُلِّ مَا هُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» متفق عليه.
وَمِنَ الأَمَانَةِ: التَّحَلِّي بِخُلُقِ النَّزَاهَةِ، وَالاِتِّصَافُ بِخُلُقِ الْمُرُوءَةِ، وَالاِبْتِعَادُ عَنْ مَظَانِّ السُّوءِ، وَتَجَنُّبُ الشُّبُهَاتِ، وَالتَّعَفُّفُ عَنْ كُلِّ مَالٍ يُظَنُّ فِيهِ شُبْهَةٌ مِنْ حَرَامٍ، وَالْحِرْصُ عَلَى الْحَلاَلِ ؛ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ، والْحَرَامَ بَيِّنٌ، وبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَنْ وقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلَا وإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وهِيَ الْقَلْبُ» متفق عليه. فاللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الْحَلاَلَ، وَجَنِّبْنَا الْحَرَامَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحمدُ لله الذي أَغْنَانَا بِحلالِهِ عن حَرَامِهِ، وبِفضلِهِ عمَّن سِواهُ، أَشْهَدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شَريكَ لَهُ لا رَبَّ لنا إلَّا إيَّاهُ، وَأَشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَمُصْطَفَاهُ ، الَّلهم صَلِّ وَسلِّمْ وَبَاركْ عليه وعلى آلهِ وأَصحَابِهِ ومَنْ اهتدى بِهداهُ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ مِمَّا يُنَاقِضُ وَاجِبَ الأَمَانَةِ فِي حَيَاةِ الْمُجْتَمَعِ وُجُودَ الْفَسَادِ بِصُوَرِهِ الْمُتَنَوِّعَةِ، وَالَّتِي حَذَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عِبَادَهُ مِنْهَا فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ ، فَالْفَسَادُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ حُصُولِ الْمَخَاطِرِ، وَمِنْ ذَلِكَ: تَضِييعُ مَصَالِحِ النَّاسِ، وَزَعْزَعَةُ الْقِيَمِ الأَخْلاَقِيَّةِ، وَالتَّقْصِيرُ فِي تَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ، وَسَبَبٌ أَيْضًا فِي تَدَنِّي مُسْتَوَى الْخِدْمَاتِ الْعَامَّةِ، وَضَعْفِ الإِنْتَاجِيَّةِ، وَكَثْرَةِ الْبَغْيِ، وَجَعْلِ الْمَصَالِحِ الشَّخْصِيَّةِ مُقَدَّمًا عَلَى الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ؛ مِمَّا يُضْعِفُ الْوَلاَءَ، وَيُعَزِّزُ الْعَصَبِيَّةَ الْمَذْمُومَةَ، وَيُهَدِّدُ التَّرَابُطَ الأَخْلاقِيَّ وَالْقِيَمَ الْمُجْتَمَعِيَّةَ النَّبِيلَةَ، وَيُعِيقُ خُطَطَ التَّنْمِيَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَيُبَعْثِرُ الثَّرَوَاتِ.
وَالْفَسَادُ فِي الْمَالِ الْعَامِّ سُلُوكٌ مُنْحَرِفٌ مُتَسَتِّرٌ يَدْخُلُ فِي كُلِّ مَجَالٍ مِنْ مَجَالاَتِ الْحَيَاةِ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّ جِسْمٍ نَبَتَ مَنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ». وَالْجَنَّةُ طَيِّبَةٌ لَا يَدْخُلُهَا إلَّا طَيِّبٌ» .
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَكُونُوا عَلَى قَدْرِ الْمَسْؤُولِيَّةِ فِي مُحَارَبَةِ الْفَسَادِ وَمُكَافَحَتِهِ وَالتَّعَاوُنِ مِنْ أَجْلِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ وَتَقْيِيدِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ التَّعَاوُنُ مَعَ دَوْلَتِنَا الْمُبَارَكَةِ فِي الإِبْلاَغِ عَنْ جَرَائِمِ الْفَسَادِ وَمُرْتَكِبِيهَا، حَتَّى يَسْلَمَ الْمُجْتَمَعُ مِنْ هَذَا الدَّاءِ الْعُضَالِ وَالأَمْرِ الْخَطِيرِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ .
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ .....
اللهم إنا نسألك الجنة وماقرب إليها من قول وعمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل .
اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا ، اللَّهمَّ اكفنا بِحلالِكَ عن حرامِكَ، وأغنِنا بِفَضلِكَ عَمن سواكَ .
اللهم فرج هم المهمومين ، ونفس كرب المكروبين ، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الرحمين .
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا ولمن له حق علينا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الرحمين .
عبادالله : اذكروا الله العلي العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ماتصنعون .
المرفقات
1701848630_خطبة بعنوان ( الأمانة ومحاربة الفساد) مختصرة.docx
سعيد الشهراني
هذه الخطبة مستوحاة ومختصرة من خطبة الشيخ محمد سليمان المهوس جزاه الله خير.
تعديل التعليق