خطبة بعنوان: اشتدّ غَضَبُ الله على الزّناة

خطبة بعنوان: "اشتدّ غَضَبُ الله على الزّناة"

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(آل عمران،102). أما بعد:

أيها الإخوة: لقد حرم الله الزنا، وفي المقابل أباح الزواج، وأباح لك أكثر من زوجة، وأباح لك بعقد الزواج الشرعي أن تقيم مع زوجتك، التي كانت امرأة اجنبية عنك لا تحلّ لك، أباح للإنسان أن يستمتع بالحلال مع زوجته، ولكن، أبتْ بعض النفوس الخبيثة هذا الحلال، وأبتْ ان تسلك طريق الحلال، وأبتْ أن تكتفي بالحلال، فانكبتْ على الحرام، وارتكاب منكر الزنا الخبيث.

إن الزاني، إنسان خبيث، ومُنْكَر؛ لأنه أقدم على فعلٍ خبيث، فيه الخيانة للأمانة، وفيه الخيانة للأعراض، وفيه الإقدام على الحرام، وترك الحلال.

الزناة، قوم خبثاء مُنكَرون؛ لأن الله حذّرهم فما ابتعدوا، ونهاهم فما اجتنبوا، وحرّم عليهم فما حرّموا على أنفسهم، فقال العزيز العليم في نص قاطع مانع: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ (الإسراء،32).

قال السعدي: "والنهي عن قربانه أبلغ من النهي عن مجرد فعله؛ لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه فإنّ: (من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه)، خصوصا هذا الأمر الذي في كثير من النفوس أقوى داع إليه. ووصف الله الزنى وقبحه بأنه (كَانَ فَاحِشَةً) أي: إثما يستفحش في الشرع والعقل والفطر لتضمنه التجري على الحرمة في حق الله وحق المرأة وحق أهلها أو زوجها وإفساد الفراش واختلاط الأنساب وغير ذلك من المفاسد. وقوله: (وَسَاءَ سَبِيلا) أي: بئس السبيل سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم".

وقال ابن عاشور: "وَالْقُرْبُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ أَقَلُّ الْمُلَابَسَةِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ النَّهْيِ عَنْ مُلَابَسَةِ الزِّنَا، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُمْ: مَا كَادَ يَفْعَلُ. وَالزِّنَى فِي اصْطِلَاحِ الْإِسْلَامِ مُجَامَعَةُ الرَّجُلِ امْرَأَةً غَيْرَ زَوْجَةٍ لَهُ وَلَا مَمْلُوكَةٍ غَيْرِ ذَاتِ الزَّوْجِ. وَفِي الْجَاهِلِيَّةِ الزِّنَى: مُجَامَعَةُ الرَّجُلِ امْرَأَةً حُرَّةً غَيْرَ زَوْجٍ لَهُ وَأَمَّا مُجَامَعَةُ الْأَمَةِ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ لِلرَّجُلِ فَهُوَ الْبِغَاءُ. وَجُمْلَةُ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ عَنْ مُلَابَسَتِهِ تَعْلِيلًا مُبَالَغًا فِيهِ مِنْ جِهَاتٍ بِوَصْفِهِ بِالْفَاحِشَةِ الدَّالِّ عَلَى فِعْلَةٍ بَالِغَةٍ الْحَدَّ الْأَقْصَى فِي الْقُبْحِ، وَبِتَأْكِيدِ ذَلِكَ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ، وَبِإِقْحَامِ فِعْلِ (كَانَ) الْمُؤْذِنِ بِأَنَّ خَبَرَهُ وَصْفٌ رَاسِخٌ مُسْتَقِرٌّ، كَمَا تقدم فِي قَوْله: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ)(الْإِسْرَاء:27). وَالْمُرَادُ: أَنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ ثَابِتٌ لَهُ فِي نَفْسِهِ سَوَاءٌ عَلِمَهُ النَّاسُ مِنْ قَبْلُ أَمْ لَمْ يَعْلَمُوهُ إِلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ. وَأَتْبَعَ ذَلِكَ بِفِعْلِ الذَّمِّ وَهُوَ ساءَ سَبِيلًا، وَالسَّبِيلُ: الطَّرِيقُ. وَهُوَ مُسْتَعَارٌ هُنَا لِلْفِعْلِ الَّذِي يُلَازِمُهُ الْمَرْءُ وَيَكُونُ لَهُ دَأْبًا اسْتِعَارَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اسْتِعَارَةِ السَّيْرِ لِلْعَمَلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى)(طه،21)، فَبُنِيَ عَلَى اسْتِعَارَةِ السَّيْرِ لِلْعَمَلِ اسْتِعَارَةُ السَّبِيلِ لَهُ بِعَلَاقَةِ الْمُلَازَمَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ. وَعِنَايَةُ الْإِسْلَامِ بِتَحْرِيمِ الزِّنَى لِأَنَّ فِيهِ إِضَاعَةَ النَّسَبِ وَتَعْرِيضَ النَّسْلِ لِلْإِهْمَالِ إِنْ كَانَ الزِّنَى بِغَيْرِ مُتَزَوِّجَةٍ وَهُوَ خَلَلٌ عَظِيمٌ فِي الْمُجْتَمَعِ، وَلِأَنَّ فِيهِ إِفْسَادَ النِّسَاءِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ وَالْأَبْكَارِ عَلَى أَوْلِيَائِهِنَّ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَ الْمَرْأَةِ إِلَى الْإِهْمَالِ بِإِعْرَاضِ النَّاسِ عَنْ تَزَوُّجِهَا، وَطَلَاقِ زَوْجِهَا إِيَّاهَا، وَلِمَا يَنْشَأُ عَنِ الْغَيْرَةِ مِنَ الْهَرْجِ وَالتَّقَاتُلِ".

أيها المؤمنون:

لقد قَرَن الله فاحشة الزنا، وجمعها مع زمرة الذنوب الكبيرة، فقال جلّ ثناؤه: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾ (الفرقان،68).

قال ابن عاشور: "هَذَا قِسْمٌ آخَرُ مِنْ صِفَات عباد الرحمان، وَهُوَ قِسْمُ التَّخَلِّي عَنِ الْمَفَاسِدِ الَّتِي كَانَتْ مُلَازِمَةً لِقَوْمِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَتَنَزَّهَ عِبَادُ الرَّحْمَنِ عَنْهَا بِسَبَبِ إِيمَانِهِمْ، وَذُكِرَ هُنَا تَنَزُّهُهُمْ عَنِ الشِّرْكِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَالزِّنَا، وَهَذِهِ الْقَبَائِحُ الثَّلَاثُ كَانَتْ غَالِبَةً عَلَى الْمُشْرِكِينَ. وَقَدْ جُمِعَ التَّخَلِّي عَنْ هَذِهِ الْجَرَائِمِ الثَّلَاثِ فِي صِلَةِ مَوْصُولٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يُكَرَّرِ اسْمُ الْمَوْصُولِ، كَمَا كُرِّرَ فِي ذِكْرِ خِصَالِ تَحَلِّيهِمْ، لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُمْ لَمَّا أَقْلَعُوا عَنِ الشِّرْكِ وَلَمْ يَدْعُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَقَدْ أَقْلَعُوا عَنْ أَشَدِّ الْقَبَائِحِ لُصُوقًا بِالشِّرْكِ وَذَلِكَ قتل النَّفس وَالزِّنَا. فَجَعَلَ ذَلِكَ شَبِيهَ خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَجُعِلَ فِي صِلَةِ مَوْصُولٍ وَاحِدٍ".

أيها الإخوة المؤمنون: نحن قوم مسلمون، لنا رب يُعبد، ولنا رسول يطاع, وقرآن يتبع، وامتدح الله عبادة المؤمنين أصحاب الفروج العفيفة البيضاء الطاهرة، فقال: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ (المؤمنون،5). فنحن قوم مسلمون، مؤمنون، لسنا الغرب، لسنا أوروبا ولا أمريكا ولا روسيا،  فتلك أمم لا تقرّ بحلال ولا بحرام، ولا بآخرة ولا بحساب، إنّ ما يقرّون به وما يعترفون به، مصالحهم المادية، ولذلك تجارة الزنا، والدعارة عندهم، تشكل إحدى التجارات الكبرى مع تجارة السلاح وتجارة المخدرات والتكنولوجيا، إن الغرب بعد أن ذاق مرارة الإباحية، وبعد فواتير الأمراض الجنسية والنفسية الباهظة، وبعد سلسة الأمراض الفتاكة من الزهري، إلى الإيدز، يسعى جاهدا إلى تصدير الإباحية إلى عالمنا، بل يسعى إلى "عولمة الزنا"، و"عولمة الإباحية"، بدلا من عولمة العفة والطهارة.

حصد فيروس الإيدز منذ الثمانينات أكثر من 30 مليون إنسان، ويتّم أكثر من 30 مليون طفل، ونحو (100) شخص يصاب بفيروس الإيدز كل ليله في نيويورك وحدها، ويولد في أمريكا كل عام مليون طفل بالزنا، ويجهض أكثر من مليون. ومصادر رسمية فرنسية أكدت أن نصف مواليد عام 2006 هم أطفال زنا، والأرقام والأمراض مذهلة جدا.

أيها الأخوة: كلّ هذا لنعرف قيمة كلام محمد صلى الله عليه وسلم، فكما في المستدرك، والحديث صحيح: (لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يَعْمَلُوا بِهَا إِلَّا ظَهَرَ فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ). كنا نتوقع أن يقف الإعلام العربي مناهضا لعولمة الزنا، ولكن مَن يرقب بعض الفضائيات يجدها نصيرة لعولمة الإباحية، وزرع ثقافة العلاقات غير المشروعة، عبر الفيديو كليب والمسلسلات والأفلام، لتصبح فاحشة الزنا متقبّلة نفسياً واجتماعياً، كلّ هذا يفعلونه محادة لله العظيم الذي حرم الزنا، توعّد من يروج له وييسّر سبله، بالعذاب الأليم، فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾(النور،19).

أيها المؤمنون: من شدة شناعة فعل الزناة وخبثه وخطورته الاجتماعية، فقد أبى الله أن يؤجل فاعليه للأخرة، وأبى الله أن يبتّ أحدٌ في عقوبتهم غيره سبحانه، فأنزل في حقهم عقوبة صارمة، محكمة إلى يوم الدين، سخطا منه على هؤلاء الزناة، وحماية للمجتمع من سوئهم، فقال العزيز الحكيم: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾(النور،2), وأما الزاني والزانية المحصن المتزوج، فقد حكم عليه شرع الله بالموت النهائي، ففي صحيح مسلم، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ). جاء في شرح محمد فؤاد عبد الباقي: "(لا يحل دم إمرئ مسلم) أي لا يحل إراقة دمه كله وهو كناية عن قتله ولو لم يرق دمه (إلا بإحدى ثلاث) أي علل ثلاث (الزان) هكذا هو في النسخ الزان من غير ياء بعد النون وهي لغة صحيح قرئ بها في السبع كما في قوله تعالى الكبير المتعال والأشهر في اللغة إثبات الياء في كل ذلك (والنفس بالنفس) المراد به القصاص بشرطه (والتارك لدينه المفارق للجماعة) عام في كل مرتد عن الإسلام بأي ردة كانت فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام قال العلماء ويتناول أيضا كل خارج عن الجماعة ببدعة أو بغي أو غيرهما وكذا الخوارج".

 فعقوبة الزنا فظيعة، الأعزب يجلد، والمتزوج يُرجم، نكالا من الله، ولا أعلم عقوبة قال الله فيها لولاة الأمور المؤمنين: (وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) غير عقوبة الزنا، ولا أعلم عقوبة قال فيها السِّتير سبحانه: (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) إلا عقوبة الزنا، ولا أعلم عقوبة تقتل فيها نفس مسلمة بطريقة أبشع من عقوبة قتل الزاني والزانية المتزوج: الرجم بالحجارة حتى تزهق روحه، تحت وطأة الألم، وعلى مرأى من الناس، وقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم ما عزا والغامدية وغيرهم.

ولذلك انتبه جيدا، أيها المسلم، وتذكّر جيدا: أن كلّ رجل أو امرأة متزوج يرتكب فاحشة الزنا، ولو مرة واحدة، فأنت أيها الزاني المتزوج وأنت أيتها الزانية المتزوجة، عند الله، وفي حكمة، دمك هدر تستحق الموت، وتستحقين الموت، فماذا بقي لك من كرامة، وماذا عادت الحياة تساوي عندك، بعد ذلك.

نعم، اشتد غضب الله على الزنا، ولكنه على المتزوجين أشد وأعظم، ولذلك شرع الله اللّعان بين الزوجين إذا قذف الرجل زوجته بالزنا، كما حصل مع هلال ابن أمية فلاعن زوجته، فجاء فشهد فأقسم بالله خمسا، ثم قامت زوجته لتشهدت، فأقسمت أربعا، فأما الخامسة، وهي قولها: (وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ)(النور،9)، فاستوقفها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لها: (إنها الموجبة لعذاب الله الشديد في الأخرة، اتقى الله فان عذاب الدنيا أهون من عذاب الأخرة)، فتلكأت ونكَصَت، ثم مَضَت، وقالت: لا أفضح قومي سائر الزمن, فشهدت الخامسة. (اتقى الله، فإنّ عذاب الدنيا أهون من عذاب الأخرة)، من القائل ذلك: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، المطّلع على الغيب، ويقول لها: أن تَعترفي وتُرجمي بالحجارة حتى الموت، هذا أهون بكثير من عذاب الله حينما تلقين الله في الأخرة.

أيها المؤمنون: ويتعاظم ذنب الزنا، ويتعاظم غضب الله، إذا كان الزنا فيمن ينبغي أن تكون أمينا عليهم، فيمن يستأمنونك على أعراضهم، كالأقارب والجيران والأصدقاء ووالأنساب. ففي صحيح مسلم، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: (أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ) قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ). جاء في شرح محمد فؤاد عبد الباقي: "(مخافة أن يطعم معك) أي يأكل وهو معنى قوله تعالى ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق أي فقر (أن تزاني حليلة جارك) هي زوجته سميت بذلك لكونها تحل له وقيل لكونها تحل معه ومعنى تزاني أي تزني بها برضاها وذلك يتضمن الزنى وإفسادها على زوجها واستمالة قلبها إلى الزاني وذلك أفحش وهو مع امرأة الجار أشد قبحا وأعظم جرما لأن الجار يتوقع من جاره الذب عنه وعن حريمه ويأمن بوائقه ويطمئن إليه وقد أمر بإكرامه والإحسان إليه فإذا قابل هذا كله بالزنا بامرأته وإفسادها عليه مع تمكنه منها على وجه لا يتمكن غيره منه كان في غاية من القبح".

قال: (ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ)، فكيف بالذي يزني بزوجة أخيه، وبقريباته، بل بمحارمه، شاب يغويه الشيطان فيزني بأخته، فتحمل منه، وتبدأ صدمة الزنا، ولَوْعة الذنب العظيم تلاحقه، وهو ينظر إلى أخته الحامل منه، فيحاول الانتحار فيلقى بنفسه من طابقه، ولكنه لا يموت، لتبقى حسرات الزنا تطارده، وهو ينظر إلى أخته وقد نزل من فرجها مولود بالحرام، سيكبر وسيقول له الناس يوما، هذا أبوك بالحرام، وهذه أمك بالحرام، وأبوك وأمك هما إخوان شقيقان من أب واحد وأم واحدة، فلا أدري أي أرض ستقلّك، وأيّ سماء ستظل ابنك من أختك بالحرام، هذا لتقضي شهوة زائلة بالحرام.

يا من ترتكب فاحشة الزنا،

اعلم، أنك إذا أفلَتّ من عقوبة الدنيا، ومن فضيحة الدنيا، ولم تتبْ إلى الله توبه نصوحا، فلن تفلت من عقوبة الآخرة، وإذا اشتدت عقوبة الله على الزاني والزانية في الدنيا، فكيف في القبر، وكيف في الآخرة، ولذلك الزناة يعذبون في قبورهم قبل وصولهم إلى الدار الآخرة، وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من عذابهم، ورآه.

فكما في صحيح البخاري، من حديث سَمُرَة بْن جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لِأَصْحَابِهِ: (هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا) قَالَ: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ، وَإِنَّهُ قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ: (إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِي انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا)، وفيه: فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ- قَالَ: فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ- فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ " قَالَ: (فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا) (قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَؤُلاَءِ؟" قَالَ: قَالاَ لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا). ثم فسّرا له ما رآه، فكان منه: (وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي).

 

فهذا عذابهم إلى يوم القيامة، واذا كان الله قال للبشر: (وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ)، فبالله عليك ماذا تتوقع أن يقول الله لملك الموت حيتما يأتي لقبض روحك أيها الزاني وأيتها الزانية، وقد قال العلماء: إن الزنا من أسباب خاتمة السوء.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

يا أيها المسلم، يا أيها العاقل، اقطع طريق الزنا على نفسك المؤمنة، وامنع عن نفسك بريد الزنا، فغضْ بصرك، وصنْ فرجك، ولا تخلو بامرأة، ولا تقم علاقات غير شرعية، وإذا دعاك داعِ الزنا، فتذكر قول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ)- وذكر منهم- ( وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ)، وتذكّر يوسف عليه سلام, (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ)(يوسف،23)، (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ) ولكنها لا تستطيع أن تغلق باب السماء وباب الملائكة وباب المراقبة الإلهية. 

أيها الرجل اتق الله، لاتضع نطفتك فيما حرم ربك عليك، أيتها المرأة اتق الله، لا تدخلي إلى رحمك نطفة لاتحل لك، أيها الرجل، اتقِّ الله، ولا تخلط الأنساب، لا تخلط ماءك بماء غيرك، لا تفسد على الأزواج زوجاتهم، لا تفسد على الآباء بناتهم.

ويلك من الله العظيم، أيها الرجل حينما تحمل منك زوجة رجل آخر، وتلد وأنتَ تنظر إلى هذا المولود، وتعلم أنه ابن لك، وأنتِ أيتها الأمّ الزانية، ترقبين زوجك يداعب ولده فرحا به مسرورا، وأنت تعلمين أنه ليس منه، أين ستذهبين من قبضة الجبار.

نعم أيها الإخوة، اشتد غضب الله على الزناة في الدنيا، فحكم عليهم بالجلد والرجم، شهوة دقائق تتسبب في مخلوق بالحرام إلى يوم تلقى الله، تخرجه إلى الدنيا بنطفة حرام، ورحم مغتصب، ثم تمضي إلى سبيلك، ثم تتنكر لها أيها الزاني، فقتول لها: أجهضيه أيتها الزانية، ألقيه رضيعا في الحاويات، وفي الأنفاق، وتحت الأشجار، ولكن تذكر وتذكري هناك ربّ خبير يراقبك، وهناك ملائكة تتبعك، سيحضِرُك الله أيها الزاني، وسَيُحضركِ الله أيتها الزانية، وسَيحضركَ الله أيها الطفل الرضيع البريء المقتول ظلما بعد ظلم، سيحضركم جميعا الواحد الديان، (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)(الزمر،31)، وسيشتد غضب الله وقتها أعظم وأعظم، على الزناة، قتله النفس التي حرم الله.

أيتها الفتاة المسلمة، أن الله قد ختمك منذ ولدت بختم العفّة والطهارة، فاتقِّ الله، ولا تفضي الخاتم إلا بحقه، لا تكسري ختم العفة، وتذلّي أهلك، لا تصدمي أبويك، لا تحطمي إخوانك، لا تنزلي رؤوس عائلتك.

أيها الشاب المسلم، حرام عليك، دع أعراض المسلمين بحالها، حرام عليك، حافظ على عفّتك، لا تدع وصف الزاني (ختم زاني) يطبع على جبينك، يلتصق بعنقك التي سيكسرها يوما ملك الموت، وقبل ذلك ستكسرها تقلبات الزمان، فكما تدين تدان.

اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خاصة.

 

المرفقات

اشتدّ-غضب-الله-على-الزناة

اشتدّ-غضب-الله-على-الزناة

اشتدّ-غضب-الله-على-الزناة-1

اشتدّ-غضب-الله-على-الزناة-1

المشاهدات 1447 | التعليقات 0