خطبة بعنوان (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) +عالم الرؤى مختصرة

سعيد الشهراني
1446/07/22 - 2025/01/22 10:19AM

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَسِعَتْ رحمته كلَّ شيءٍ وَأَشْهَدُ أن لّا إِلَهَ إِلّا اللهُ، وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسلّمَ تسليمًا كثيرًا.

 أمّا بعدُ: فاتّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}

أيُّهَا المسلمونَ: مِنْ أهمِّ الصفات التي تَعَرَّفَ اللهُ عزَّ وجلَّ بهَا إلى عبادِهِ صفةُ الرَّحْمَة قالَ تعالَى: { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}، والرحمةُ كتبَهَا اللهُ عزّ وجلّ على نَفْسِهِ، واخْتَصَّ بِهَا مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، فهِيَ منجاةُ الخائفينَ، ورَجَاءُ المؤمنينَ، بَشَّرَ اللهُ بها المتقينَ، وطَمْأَنَ بِهَا التَّائبينَ، وتَوَدَّدَ بِهَا إلى العُصَاةِ والمذنبينَ، وجَعَلَهَا شِعَارًا للخلائقِ أجمعينَ، قال تعالى { إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) وقال ﷺ: (لمّا قَضى اللهُ الخَلْقَ، كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إنّ رَحْمَتي سَبَقَتْ غَضَبِي) أخرجه البخاري ومسلم.

عِبَادَ اللهِ: ومظاهرِ رحمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ لا يُحْصِيهَا لِسَانُ فصيحٍ، ولا يَعُدُّهَا قَلَمُ أديبٍ ولا تغيبُ عن نَظَرِ كلِّ أريبٍ لبيبٍ، قال تعالى: {فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}، وكذلك يُبْصِرُها العبدُ في نفسِهِ، قالَ تعالَى: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}، وكذلك في الكونِ مِنْ حَوْلِهِ: قال سبحانه{وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

أيُّهَا المؤمنونَ: ومِنْ مظاهِرِ رحمةِ اللهِ عزَّ وجلّ أنْ فتحَ بابًا للتوبةِ لا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشمسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، قالَ تعالَى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}، ورحمةُ اللهِ عزَّ وجلَّ ليستْ قَاصِرَةً على الدُّنْيَا فقط، بل يَنْشُرُهَا اللهُ عزّ وجلّ لعبادِهِ يومَ القيامةِ، قال ﷺ: (يَدْنُو أحَدُكُمْ مِن رَبِّهِ حتّى يَضَعَ كَنَفَهُ عليه فيَقولُ: أعَمِلْتَ كَذا وكَذا؟ فيَقولُ: نَعَمْ، ويقولُ: عَمِلْتَ كَذا وكَذا؟ فيَقولُ: نَعَمْ فيُقَرِّرُهُ، ثُمَّ يقولُ: إنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ في الدُّنْيا، وأَنا أغْفِرُها لكَ اليومَ) أخرجه البخاري، فما أَعْظَمَ رحمة اللهِ عزَّ وجلَّ، وما أَغْبَنَ مَنْ حُرِمَهَا.

عِبَادَ اللهِ: إنَّ رحمةَ اللهِ عزَّ وجلَّ سببُ كلِّ النِّعم، فمَا التوفيقُ والهدايةُ والنَّجَاحُ إلا أثرٌ من آثارِ رحمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ بعبادِهِ، قالَ تعالَى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا}، وقال ﷺ: (سدِّدُوا وقارِبوا وأبشِروا واعلَموا أنه لن يُدخِلَ أحدَكم الجنةَ عملُهُ، وَلا أَنَا، إلّا أنْ يتغمَّدَني اللهُ بمغفِرَةٍ ورحمةٍ) أخرجه البخاري ومسلم، فبرحمةِ اللهِ نَجَا الناجُّون، واهتدَى المهتدونَ، وبرحمتِهِ سبحانه يفرحُ المؤمنونَ: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}.

وَاعْلَمُوا رحمكم الله: أنَّ ربَّنَا رَحِيمٌ بعبادِهِ، لطيفٌ بِهِم، مَا خَلَقَنَا لِيُعَذِّبنَا، ومَا كلَّفَنا لِيَشُقَّ علينَا، بل كَرّمَنَا وأَكْرَمَنَا، وأرادَ لنَا الحياةَ الطيِّبَةَ، هُوَ أرحمُ بِنَا من أنفسِنَا وأمهاتِنَا، سبحانَهُ القادِرُ على أنْ يُعَجِّلَ العقوبةَ للعاصِين، لكنَّهُ يُمْهِلهم؛ ليتوبوا ويؤخِّرهم؛ ليعودُوا، ويرحمهم لعلمِهِ بضعفِهِم، قالَ تعالَى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى}. فاللهم ارحمنا ما حيينا، وارحمنا إذا متنا، وارحمنا في يوم حشرنا.

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذكْرِ الحكيمِ، أقول قولي هذا واستغفر اللهَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على رسولنا الكريم الذي علَّمَ أمَّتَهُ كلَّ خيرٍ، وحذَّرهمْ مِنْ كلِّ شرٍّ، صلَّى اللهُ عليهِ وعلَى آلهِ وصحبهِ أجمعينَ.

 أَمَّا بَعْد: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وأطيعوه، وَاعْلَمُوا أَنَّ الرؤى ثلاثة أقسام كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا، وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَالرُّؤْيَا ثَلاثَةٌ: فَالرُؤْيَا الصَّالِحَةُ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ، فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ وَلا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ...» رواه مسلم، وَقَدْ بَيَّنَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَرْقَ بَيْنَ الرُّؤْيَا وَبَيْنَ الْحُلْمِ، فَقَالَ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّهَا مِنَ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا وَلا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ؛ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ»رواه البخاري، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الرُّؤْيَا الطَّيِّبَةَ السَّارَّةَ مِنَ اللهِ، وَأَنَّ الرُّؤْيَا السَّيِّئَةَ الَّتِي يَكْرَهُهَا الإِنْسَانُ فَإِنَّهَا حُلْمٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْ شَرِّهَا.

أيها المسلمون: ومِمَّا يُلاَحَظُ فِي هَذَا الزَّمَنِ كَثْرَةَ الْمُعَبِّرِينَ لِلرُّؤَى عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْمُخْتَلِفَةِ، الَّذِينَ يَجْهَلُونَ مَبَادِئَ التَّعْبِيرِ لَهَا لِقِلَّةِ عِلْمِهِمْ، وَعَدَمِ إِدْرَاكِهِمْ لِلتَّعْبِيرِ، وَأَنَّ التَّعْبِيرَ فَتْوَى؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾، فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاحْرِصُوا عَلَى الْعَمَلِ بِالآدَابِ النَّبَوِيَّةِ فِي يَقَظَتِكُمْ وَنَوْمِكُمْ لِتَنْعَمُوا بِالْخَيْرِ والأجر الوفير.

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد...( الدعاء مرفق)

المرفقات

1737543766_خطبة بعنوان (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) عالم الرؤى مختصرة.docx

المشاهدات 1677 | التعليقات 0