خطبة بعنوان ( إنه الله جل جلاله) مختصرة
سعيد الشهراني
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الملكِ الحقِّ المبينِ، الذي له ملكُ السَّماواتِ والأرضِ وما بينَهما وما فيهنَّ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ، فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التَّقوى، وراقبوهُ في السِّرِّ والنَّجوى، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
أيها المسلمون: عِندَما تَسمعُ قولَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ)، ثُمَّ تَنظرُ في المَدحِ الذي بِينَ النَّاسِ، شِعرَاً كَانَ أو نَثراً، وتَرى فيهِ مِنَ المُبالغةِ والكَذِبِ مَا هُو ظَاهِرٌ لِلجَميعِ، بَلْ حتى لِلمَادِحِ والمَمدوحِ، فَتَسألُ نَفسَكَ مُتَعَجِّباً: أينَ النَّاسُ عَن مَدحِ رَبِّ العَالمينَ، إلَهِ الأوَّلينَ والآخِرينَ، ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، أَينَ الشُّعراءُ، وأَينَ الأدباءُ، وأَينَ الخُطباءُ، وَأينَ البُلغاءُ، وَصَدقَ اللهُ تَعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).
عباد الله: مَا أَجملَ المَدحُ إذا كَانَ لِذي الجَلالِ، ومن تفكْرَ في أسماء الله الحسنى وصفاتهِ العُلا، أشْهَدَهُ مَلِكاً عَظيماً، مُقتَدِراً حَكيمَاً، واحدٌ في مُلكِهِ، مُستويٍ على عرشهِ، يُدبِرُ أَمرَ عبادهِ ومملَكتِهِ، يأمرُ وينهَى، يخلُقُ ويرزُقُ، يُبدِئُ ويُعيدُ، يُحييُ ويُميتُ، يَخفِضُ ويَرفَعُ، يَقضِي ويَحكُمُ، كَوَّنَ الأكوانَ، ودَبَّرَ الأزمَانَ، ولا يَشْغَلُهُ شَأنٌ عن شأنٍ، لا يَلحَقُهُ وَهْمٌ، ولا يَكْتَنِفُهُ فَهْمٌ، ولا يُحيطُ به عِلمٌ، عليٌّ كبيرٌ، عزيزٌ قديرٌ، تفرَّدَ بالخلق والتدبير، وتنزَّهَ عن الشبيه والنَّظيرِ، والـمُعينِ والوزيرِ، مَنْ تَكَلَّمَ سَمِعَ نُطْقَهُ، ومَنْ سَكَتَ عَلِمَ سِرَّهُ، ومن تابَ قبِلهُ ورحمهُ، ومَنْ عَاشَ فَعَلَيْهِ رِزْقَهُ، ومَنْ مَاتَ فَإِلَيْهِ مُنْقَلَبُهُ، (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) .
الله الذي ذلَّ لجبروتهِ العظماءُ، ووجِلَّ من خشيته الأقويَاءُ، وقامت بقدرته الأرضُ والسماءُ، {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} ، الله الذي تواضعَ كلُّ شيءٍ لعظمته، وذلَّ كُلُّ شيءٍ لعزتِه، وخضعَ كلُّ شيءٍ لهيبتهِ، واستسلَمَ كُلُّ شيءٍ لمشيئته، {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} ، سبحانه تنزَّه عن الشركاء والأنداد، وتقدَّسَ عن الأشباهِ والأضدادِ، وتعالى عن الزوجةِ والأولاد {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} ، سبحانهُ وبحمده ،خزائنهُ ملئَا، ويمينهُ سحّاءَ، ولا يتعَاظَمُهُ عطاَءُ، ويَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ .
الله الذي تسبحُ لهُ السماواتُ وأملاكُهُا، والنجُومُ وأفلاكُهَا، والأرضُ وفِجَاجُها، والبِحارُ وأمواجُها، والغاباتُ وأحيائُها، والأشجارُ وثِمارُها، {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}، الله الذي عَليهِ يَتَوكَّلُ المُتَوكِّلونَ، وإليهِ يَلجأُ الخَائفونَ، وبِكَرَمهِ يَتَعلَّقُ الرَّاجونَ، وبِعَظيمِ قُدرَتِهِ يَستَغيثُ المُضطَرونَ، وَمِنْ واسعِ عَطائهِ يَسأَلُهُ السَّائلونَ، فَهلْ في الوجودِ ربٌّ سِواهُ فيُدعى، أَمْ هَلْ في الكَونِ إلهٌ غَيرُهُ فيُرجَى .
اللهَ الذي تُطْلَبُ مِنهُ الحَاجاتُ، وتُرْفَعُ إليهِ الدَّعواتُ، فَمَنْ نَقصِدُ وَهُوَ المَقصودُ، وإلى مَنْ نَتَوجَّهُ وَهُوَ المَوجودُ، ومَنْ ذَا الذي يُعطي وَهُوَ صَاحبُ الكَرمِ والجُودِ، مَنْ ذَا الذي يُسأَلُ وَهُوَ الرَّبُّ المَعبودُ، إِلى مَنْ نَشتَكي وَهُوَ العَليمُ القَادرُ، وإلى من نَلتجئ وَهُوَ الكَريمُ السَّاترُ، وبِمنْ نَستَنصرُ وَهُوَ الوَليُّ النَّاصرُ، وبِمنْ نَستغيثُ وَهُوَ القَويُّ القَاهرُ، مَنْ ذَا يَجبرُ كَسرَنا وَهُوَ للقُلوبِ جَابرٌ، ومَن ذَا يَغفرُ ذَنبَنا وَهُوَ الرَّحيمُ الغَافرُ( ليسَ كمثلهِ شىءٌ وهو السميعُ البصيرُ) .
أَقولُ مَا تَسمعونَ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ مِنْ كُلِّ ذَنبٍ، فَاستغفروه إنَّهُ هو الغَفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله، وعظيم سلطانه .
أما بعد: فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.
أيها المسلمون: إنَّ المسلم يجب أن يقف وقفةً في محرابِ العظمةِ، يتأملُّ فيها آياتِ ربهِ القرآنية، ويربطها بآياته الكونية، لتسكُبُ في قلبه النورَ واليقينَ، وتجلِبُ لنفسه السكينةَ والطمأنينة، وتُثمرُ له المحبةَ والخشيةَ والرجاءَ والمراقبةَ، فاللهُ جلَّ في علاه: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاء رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيب}
أيها المسلمون: كَيفَ لا يُمدحُ ربُّنا عَزَّ وجَلَّ، وَقد ابتَدأنا نِعَماً لا تُحصى قَبلَ أن نَسألَ، وأَعطَانا مِن جُودِ فَضلِه فَوقَ مَا نأمَلُ، وَجهُهُ أَكرمُ الوُجوهِ، وَجَاهُهُ أَعظمُ الجَاهِ، رَبُّ البَرايا، وغَافِرُ الخَطايا، وَاسِعُ العَطَايا، يُطاعُ فَيَشكرُ، ويُعصى فَيَغفِرُ، ويُجيبُ المُضطرَ، ويَكشفُ الضُّرَ، ويَشفي السَّقيمَ، ويَرزقُ العَقيمَ، بِاسمِهِ يُشفى كُلُّ دَاءٍ، وبِهِ يُكشفُ كُلُّ بَلاءٍ، وإليهِ تُرفعُ الأَيدي بالدُّعاءِ، ولا يَبلغُ مَدحَهُ قَولُ قَائلٍ، (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ)، ووالله لو تكلمت الأحجار، ونطقت الأشجار، وخطبت الأطيار، لقالت: لا إله إلا اللهُ الملكُ القهار، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُون}.
فيا عبد الله عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان ، (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون).
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد... (الدعاء مرفق)
المرفقات
1729667435_خطبة بعنوان ( إنه الله جل جلاله) مختصرة.docx
1729667990_خطبة بعنوان ( إنه الله جل جلاله) مختصرة.docx
1729668027_خطبة بعنوان ( إنه الله جل جلاله) مختصرة.pdf
سعيد الشهراني
هذه الخطبة مستوحاة ومختصرة من خطب بعض المشائخ جزاهم الله خير
تعديل التعليق