خطبة بعنوان (إِكرامَ ذي الشَّيبةِ المسلمِ)

سعيد الشهراني
1446/04/07 - 2024/10/10 00:33AM

الخطبة الأولى :

الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبدُهُ ورسولُهُ ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وسَلَّمَ تسليما كثيرا أما بعد:

عباد الله : أوصيكم ونفسي بتقوى الله(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

أيها المسلمون: لِقَدْ عُنِيَ الْإِسْلَامُ بِمَرَاحِلِ حَيَاةِ الْإِنْسَانِ مِنْ طُفُولَةٍ وَفُتُوَّةٍ وَرُجُولَةٍ وَكُهُولَةٍ وَشَيْخُوخَةٍ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِير( وَالشَّيْخُوخَةُ مَرْحَلَةُ مِنْ حَيَاةِ الإنْسَانِ ﴿ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا﴾، وَقَالَ تعالى عَنْ زَكَرِيَّا: ﴿رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾، فَهَذِهِ طَبِيعَةُ الْإِنْسَانِ، يَهِنُ عَظْمُهُ، وَتُضْعُفُ قُوَّتَهُ وَحِيلَتُهُ، وَيَفْتَقِرُ إِلَى مَعُونَةِ غَيْرِهِ. وهكذا كِبارُ السِّنِّ في الإسلامِ، هم خيرُ الأنامِ، بشهادةِ رسولِ الإسلامِ، عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فعِندما سُئلَ:  أيُّ النَّاسِ خيرٌ؟، قالَ: (مَن طالَ عُمرُهُ، وحَسنَ عَملُهُ).

عباد الله : وكبار السن هم الفئةُ العزيزةُ الغاليةُ، التي لها المكانةُ العاليةُ، فهم في البُيوتِ مصدرُ السَّعادةِ والسُّرورِ، وهم في العوائلِ أعمدةُ الحِكمةِ والنُّورِ، قد ذَهبَتْ قُوَّتُهم، وجاءَ ضَعفُهم وشَيبَتُهم، فكَم من نَصرٍ ورِزقٍ جاءَ من دُعائهم وصلاتِهم، كما في الحديثِ: (هلْ تُنْصَرونَ وَتُرْزَقُونَ إلا بضعفائِكمْ؟، بدعوتِهم وإخلاصِهم).

عباد الله : وكبار السن قد شابتْ رؤوسُهم من تَجاربِ الزَّمنِ وشَريطِ الذِّكرياتِ، وتوقَّدِتْ عقولُهم من مواقفِ ومواعظِ مَدرسةِ الحياةِ، إذا تكلَّمَ سَمِعتَ في حديثِه التَّاريخَ والحَوادثَ والخَبَرَ، وإذا سكتَ رأيتَ على وجهِه الأسرارَ والعِبرَ، فإذا تَكلم كبير السن فأنصِتْ، وأطفئ جوالَكَ، وأجِّلْ أشغالَك، فذلكَ من توقيرِهم الذي هو من تَعظيمِ اللهِ تعالى، كما قالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (إنَّ من إجلالِ اللَّهِ -أيْ: تَبجيلِهِ وتَعظيمِهِ- إِكرامَ ذي الشَّيبةِ المسلمِ)، وذلكَ بالتَّوقيرِ والاحترامِ، وإنزالِه شَريفَ المَقامِ.

واسمعوا إلى وصيةِ اللهِ تعالى بعدَما أوصانا بأعظمِ وصيةٍ، وهي عبادتُه وحدَه لا شَريكَ له، ماذا قالَ بَعدَها؟: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)، فأوصى بِهما إذا بَلَغا الكِبر فقال الله تعالى (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).والكبيرُ هو الذي له الحقُّ في أن يُوصلَ ويُزارَ، ويجتمعُ عندَه في المنزلِ الكِبارُ والصِّغارُ، فعِندَما دَخلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ فَاتحاً مُنتصِراً، فإذا بأَبي بَكْرٍ رضيَ اللهُ عَنهُ آخِذًا بَيَدِ أبيهِ أَبِي قُحَافَةَ، ذلكَ الشيخُ الكَبِيرُ، يَسُوقُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلمَّا رَآهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ لَهُ مُعاتِباً: (أَلَا تَرَكْتَهُ حَتَّى نَكُونَ نَحْنُ الَّذِي نَأْتِيهِ)، هكذا كانتْ أخلاقُ إمامِ المتَّقينَ، وخاتمِ النَّبيينَ، مع الكِبارِ والمُسنينَ.

أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم، ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيم. 

 

الخطبة الثانية:

الحمْدُ للَّهِ وكَفَى، وَسَلامٌ عَلى عِبَادِهِ الذينَ اصْطَفَى، وَبَعدُ؛

فَاتقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَقوَى، وَتَأَسَّوْا بِهَدْي نَبِيِّكُمْ فِي التَّعَامُلِ مَعَ وَالِدِيكُمْ وَشُيُوخِكُمْ، وَاعْرِفُوا لَهُمْ قَدْرَهُمْ وَأَدَّوْا حُقوقَهُمْ، لِيَتَوَاصَلَ الْعَطَاءُ وَيَدُومَ الْبَرُّ.

فالبُيُوتُ التي فِيهَا كَبار السِّنِّ، بُيُوتٌ يَكسُوهَا الوَقَارُ، وتَشِّعُ فِي أَرجَائهَا الأَنوارُ، كَم فِيهَا مِن ذِكرٍ ودُعَاءٍ، وكَم فيهَا مِن بَركَةٍ وعَطَاءٍ، فَاملؤوا حَيَاتَهُم بالسَّعَادةِ والسُّرورِ، والبَهجَةِ والحُبُورِ، ولا يُترك كبير السنُ في آخرِ عُمرِه حبيسَ الجُدرانِ، وَلا يُهمَلُ وَحيداً أسيراً للأحزانِ، فهل هذا هو البِّرُّ والإحسانُ؟، وهل هذهِ وصيةُ العزيزِ الرَّحمنِ؟، التي خلَّدَها على مَرِّ الدُّهورِ قُرآناً، (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا).ويَتأكدُ الاحترامُ والتَّوقيرُ، عِندَما يَضعُفُ الكبيرُ، فيَخونُه البصرُ، ويغدُرُ بهِ السَّمعُ، وتَتنكَّرُ له الذَّاكرةُ، كما قالَ تعالى: (وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً).

أيَّها الأحبَّةُ .. ألمْ يَأتِ وقتُ ردِّ الجميلِ، قَبلَ أن يُبادِرَ موعدُ الرَّحيلِ، هل نَسينا سَهرَ اللَّيالي، هل غَفلنا عن الأيامِ الخوالي، فقد كانتْ سعادةُ الأمَّهاتِ في رؤيةِ تِلكَ البَسَماتِ، وكانتْ فرحةُ الآباءِ في البَذلِ والعطاءِ، فمتى عسى أن نوفيَهم بَعضَ حقِّهم وشُكرِهم، وكلُ ما نَنعمُ بهِ اليومَ من تَضحيةِ عُمرِهم، فكما أَكرَمونا صِغاراً، فيَنبغي أَن نُحسِنَ إليهم كِباراً، فَهَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ.

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد... )الدعاء مرفق (

المرفقات

1728509527_خطبة بعنوان( حقوق كبار السن ) مختصرة.pdf

1728510576_خطبة بعنوان( حقوق كبار السن ) مختصرة.pdf

المشاهدات 2719 | التعليقات 1

هذه الخطبة مستوحاة ومختصرة من خطبة الشيخ هلال الهاجري جزاه الله خير