خطبة بعنوان ( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ) مختصرة وشاملة.
سعيد الشهراني
الخطبة الأولى :
الحَمْدُ للهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْدَه، وَنَصَرَ عَبْدَه، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَه، لَا شَيْءَ قَبْلَهُ وَلَا شَيْءَ بَعْدَه، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه، أَرْسَلَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقّ، فَأَعْلَى ذِكْرَهُ وَأَتَمَّ سَعْدَه، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أما بعدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) .
أيها المسلمون: عَنْ حَيَّانِ أَبي النَّضْرِ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَبِي الْأَسْوَدِ الْجُرَشِيِّ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَجَلَسَ .. قَالَ: فَأَخَذَ أَبُو الْأَسْوَدِ يَمِينَ وَاثِلَةَ فَمَسَحَ بِهَا عَلَى عَيْنَيْهِ وَوَجْهِهِ لِبَيْعَتِهِ بِهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. فَقَالَ لَهُ وَاثِلَةُ: وَاحِدَةٌ، أَسْأَلُكَ عَنْهَا؟ .. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ .. قَالَ: كَيْفَ ظَنُّكَ بِرَبِّكَ؟ .. قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ: وَأَشَارَ بِرَأْسِهِ، أَيْ حَسَنٌ .. قَالَ وَاثِلَةُ: أَبْشِرْ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ) ، لا إلهَ إلا اللهُ ، وصيةٌ نبويةٌ أكيدةٌ ، لحياةٍ شقيةٍ أو سعيدةٍ ، فما ظننتَه باللهِ تعالى فهو عندَ ظنِك به، قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَّ اللَّهَ عَزَّوَجَلَّ قَالَ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي.. إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ.. وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ).
عباد الله : لقد كانت حياة رسول الله صلى اللهُ عليه وسلمَ كلُها مليئةٌ بحسنِ ظنِه بربِه تعالى ، ويكفينا في ذلك موقفُ الهجرةِ (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ) ، يقولُ أبو بكرٍ الصديقُ رضيَ اللهُ عنه: (نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُؤوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ) ، فماذا قالَ الذي عاشَ للهِ ، وباللهِ ، ومع اللهِ: (يَا أَبَا بَكْرٍ, مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟) .. لا إلهَ إلا اللهُ .. (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) فما هي النتيجةُ؟ (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
وهاهو إبراهيمُ الخليلُ عليه السلامُ ، أمامَ نارٍ لم يُوقدْ مثلُها قَطُّ ، لها شررٌ عظيمٌ ، ولهبٌ مرتفعٌ ، قد جُمعَ لها الحطبُ شهراً ،حتى أن الطيرَ ليمرُ بجَنَباتِها فيحترقُ من شدةِ وَهجِها ، يُلقى فيها مربوطاً من بعيدٍ ، فيقولُ وهو في الهواءِ ، منادياً لِمَنْ في السماءِ: (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) .. فماذا كان نتيجةُ حُسنِ ظنِه بربِه تعالى؟ يأتي الأمرُ السريعُ من ربٍ سميعٍ: (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ).
وبعدَ سنينَ عديدةٍ يأتي إِبْرَاهِيمُ بهاجرَ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ ،حَتَّى وَضَعَهُمَا بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ولا ماءٍ،وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ،وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى مُنْطَلِقًا إلى الشام ، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلا شَيْءٌ؟ ،وَجَعَلَ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُ:آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ ،قَالَتْ: إِذَنْ لا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ، فماذا كان نتيجةُ حُسنِ ظنِها بربِها تعالى؟ أخرجَ اللهُ تعالى من تحتِ قدميَ ابنِها ماءَ زمزمَ المباركَ ،وبُنيَ عندَهم البيتُ الحرامُ وجعلَ (أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)، ورزقَهم من الطيباتِ ، وأصبحَ الناسُ يأتونَهم (رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ)، وشرعَ اللهُ تعالى السعيَ بين الصفا والمروةِ تخليداً لموقفِ تلك المرأةِ الصابرةِ وذكرى للمؤمنينَ. فاللهمَّ إنَّا نسألُك صدَق التَّوكلِ عليك، وحسنَ الظنِّ بك .
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية :
الحَمْدُ للهِ حَقَّ حَمْدِه، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَبْدِه،وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ مِنْ بَعْدِه.
أما بعد: اتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واعلموا أن أجسادكم على النار لاتقوى .
أيها المسلمون : يقولُ ابنُ القيمِ رحمَه اللهُ: (وَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ حَسَنَ الظَّنِّ بِاللَّهِ ،حَسَنَ الرَّجَاءِ لَهُ ، صَادِقَ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُخَيِّبُ أَمَلَهُ فِيهِ الْبَتَّةَ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُخَيِّبُ أَمَلَ آمِلٍ ، وَلَا يُضَيِّعُ عَمَلَ عَامِلٍ)، وأنت يا عبدَ اللهِ ما هو ظنُك بربِك تعالى؟
ما هو ظنُك بربِك أيها الفقيرُ؟ وأنت تقرأُ قولَه تعالى: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي ٱلأرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ) ، ما هو ظنُك باللهِ يا من تبحثُ عن وظيفةٍ؟ واللهُ تعالى يقولُ: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ).
ما هو ظنُك بربِك أيها المريضُ ،ويامن أصابَته الهمومُ والغمومُ؟ وأنت تتلو قولَه تعالى: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) ،ما هو ظنُك بربِك وأنت رافعٌ يديكَ إلى السماءِ؟ واللهٌ تعالى يقول: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).
ماهو ظنُك بالرحمنِ يا مَن عصيتَه؟ وأسرفتَ على نفسِك بالمعاصي؟ واللهُ تعالى يناديك: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ألم تسمعْ لذلك النداءِ العظيمِ من ربٍ رحيمٍ: (يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَة).
ما هو ظنُكم بربِكم أيها المظلومونَ؟ ودعوتُكم ليس بينَها وبينَ اللهِ حجابٌ، وتصعدُ إلى السماءِ كأنها شرارةٌ، وتُحملُ علَى الغَمامِ، وتُفتَحُ لها أبوابُ السَّماءِ، و يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى: (وعزَّتي وجلالي لأنصرَنَّكَ ولَو بعدَ حينٍ) ، فحسِّنْ ظنَك بربِك أيها المؤمنُ حتى آخرِ لحظةٍ من حياتِك كما قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: (لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ).
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد ....
اللهم إنا نسألُك من الخيرِ كلِه عاجلِه وآجلِه ، ما علِمنا منه وما لم نعلم ، ونعوذُ بك من الشرِ كلِّه عاجلِه وآجلِه ما علِمنا منه وما لم نعلم ، ونسألُك الجنةَ وما يقربُ اٍليها من قولٍ وعملٍ ،ونعوذُ بك من النارِوما يقربُ اٍليها من قولٍ وعملٍ .
اللهم إنا نعوذُ بك من عملٍ يُخزينا، ونعوذُ بك من صاحبٍ يؤذينا ، ونعوذُ بك مِن أملٍ يُلهينا ، ونعوذُ بك من فقرٍ يُنسينا ، ونعوذُ بك من غِنىٍ يُطغينا .. برحمتك يا أرحم الرحمين ...
عباد الله : اذكروا الله العلي العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله اكبر والله يعلم ماتصنعون .
المرفقات
1701246222_خطبة بعنوان ( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ) شاملة ومختصرة ..docx
سعيد الشهراني
هذه الخطبة مستوحاة ومختصرة من خطبة الشيخ هلال الهاجري جزاه الله خير.
تعديل التعليق