خطبة بعنوان (أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ) مختصرة

سعيد الشهراني
1445/10/29 - 2024/05/08 09:40AM

الخُطْبَةُ الأُولَى

الحمد لله الرحيم الرحمن، خلق الإنسان وعلمه البيان، وجعل له لسانا وشفتين وهداه النجدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. 

أما بعد، فاتقوا الله عباد الله:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً).

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ  أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ؛ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ».

عباد الله: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ يُبَيِّنُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقِيقَةَ الإِفْلاَسِ، وَأَنَّ الْمُفْلِسَ الْحَقَّ مِنْ أُمَّتِهِ -وَإِنْ كَانَ ثَرِيًّا- مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَأَعْمَالِ بِرٍّ وَصِلَةٍ وَمَعَ ذَلِكَ تَذْهَبُ لِغَيْرِهِ؛ مِمَّنْ شَتَمَهُمْ وَقَذَفَهُمْ وَأَكَلَ مَالَهُمْ وَسَفَكَ دِمَائَهُمْ؛ لأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} بَلْ رُبَّمَا وَجَدَ فِي سِجِلِّ سَيِّئَاتِهِ أَنَّهُ سَرَقَ وَهُوَ لَمْ يَسْرِقْ، وَزَنَى وَهُوَ لَمْ يَزْنِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحَقِيقَةُ الأَمْرِ أَنَّهَا سَيِّئَاتُ مَنْ شَتَمَهُمْ وَقَذَفَهُمْ وَأَكَلَ مَالَهُمْ وَسَفَكَ دِمَاءَهُمْ.

فَالْمُسْلِمُ الرَّابِحُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هُوَ مَنْ أَدَّى حَقَّ اللهِ تَعَالَى, وَحَقَّ خَلْقِهِ. وَالَّتِي مِنْهَا كَفُّ الأَذَى عَنْهُمْ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ...» الحَدِيثُ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَكَفُّ اللِّسَانِ يَكُونُ بِتَرْكِ الْغِيبَةِ, وَهِيَ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ، وَكَذَلِكَ بِتَرْكِ النَّمِيمَةِ, وَهِيَ نَقْلُ الْكَلاَمِ الَّذِي يُثِيرُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ بِتَرْكِ السَّبِّ وَالشَّتْمِ وَاللَّعْنِ وَالسُّخْرِيَةِ وَالْعِبَارَاتِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى احْتِقَارِ الْمُسْلِمِ وَالتَّعَالِي عَلَيْهِ, أَوْ إِهَانَتِهِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ التُّهَمُ الَّتِي تُلْقَى جُزَافًا بِلاَ بَيِّنَةٍ, وَاللهُ يَقُولُ: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ، أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، زَادَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: وَمَا رَدْغَةُ الْخَبَالِ؟ فَقَالَ: «عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ» نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ وَالْعَافِيَةَ.

وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ شَرِّ يَدِهِ, فَلاَ يُؤْذِ أَحَدًا بِضَرْبٍ أَوْ قَتْلٍ, أَوْ سَرِقَةٍ, أَوْ كِتَابَةِ مَا يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ فِي عَقِيدَتِهِمْ وَأَخْلاَقِهِمْ, أَوْ يَخْدِشُ فِي أَعْرَاضِهِمْ. وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الاِسْتِيلاَءُ عَلَى حُقُوقِهِمْ عَنْ طَرِيقِ الظُّلْمِ وَالْمُعَامَلاَتِ الْمُحَرَّمَةِ. وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّ أَذِيَّةَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَقْضِي عَلَى حَسَنَاتِ الْمَرْءِ فِي الآخِرَةِ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الحمدُ للهِ وَهُوَ بِالحمْدِ جَدِيرٌ، أَشْكُرُهُ على خَيرِهِ الوَفِيرِ، وَأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُو السَّمِيعُ البَصِيرُ، وَأَشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ السِّرَاجُ الْمُنيرُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إلى يَومِ الْمَصِيرِ.

 أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ رَحِمَكُمُ اللهُ وَسَلُوا اللهَ الْعَفْوَ والْعَافِيَةَ, فَإنَّ اللِّسَانَ جِدُّ خَطِيرٌ! فَمِنْ خُطُورَتِهِ أَنَّ الْعَبْدَ: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾. أَي: مُرَاقِبٌ لَهُ، حَاضِرٌ لِحَالِهِ.

عِبَادَ اللهِ: رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

أَيْ: مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ حَقًّا وَكَمَالاً فَلْيَمْتَثِلْ هَذَا الْعَمَلَ الْجَلِيلَ وَالْخَصْلَةَ الْحَسَنَةَ، وَالَّتِي هِيَ مِنْ خِصَالِ الإِيمَانِ الْجَامِعَةِ لِحَقِّ اللهِ وَحَقِّ الْعِبَادِ، فَحِفْظُ اللِّسَانِ مِنَ السَّيِّئَاتِ وَاسْتِقَامَتُهُ عَلَى الْخَيْرِ عَلاَمَةٌ عَلَى اسْتِقَامَةِ إِيمَانِ الْعَبْدِ، كَمَا رُويَ فِي الْمُسْنَدِ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لاَ يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ».

فَلْنَتَّقِ اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَلْنَحْرِصْ عَلَى بَقَاءِ وَنَمَاءِ حَسَنَاتِنَا لِتَكُونَ ذُخْرًا لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ لِغَيْرِنَا.

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ محمد ...

المرفقات

1715150435_خطبة بعنوان (أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ) مختصرة.docx

المشاهدات 1851 | التعليقات 1

هذه الخطبة مستوحاة ومختصرة من خطبة الشيخ محمد المهوس جزاه الله خير