خطبة: بعدَ رَمَضان، لا تَكُنْ مثلَ فُلان
وليد بن محمد العباد
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم
خطبة: بعدَ رَمَضان، لا تَكُنْ مثلَ فُلان
الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ عبادَ الله
إنّ مَواسمَ الطّاعاتِ مَنهلٌ يَتزوّدُ منهُ المؤمنُ التّقوى والإيمان، ليَبقى نَبعُ الخيرِ مُتدفّقًا في نفسِه في كلّ آنٍ، فإذا انتهت تلك المواسم، فإنّ المؤمنَ لا يَنقطعُ عمّا اعتادَهُ من الخير، فقد كانَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ إذا عملَ عملًا داومَ عليه، فإنّ أحبَّ الأعمالِ إلى اللهِ ما داومَ عليه صاحبُه من الخيرِ وإنْ قَلّ، ولقد أوصى رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ عبدَاللهِ بنَ عمرٍو رضيَ اللهُ عنهما فقالَ له: لا تكنْ مثلَ فلان، كانَ يَقومُ الليلَ فتركَ قيامَ الليل. فما تركَ عبدُاللهِ قيامَ الليلِ حتى مات. فيا من صامَ وقامَ وختمَ وتصدَّقَ في رمضان، لا تكنْ مثلَ فلان، كانَ يُسارعُ إلى الصّلاةِ فتكاسل، ولا تكنْ مثلَ فلان، كانَ يُسابقُ للتّلاوةِ والصّلةِ والأذكارِ فتَثاقل، ولا تكنْ مثلَ فلان، كانَ يُكثرُ من البذلِ والصّدقاتِ فتباخل، فالحذرَ الحذرَ من تَثبيطِ الشّيطان، واجتهدوا في المُداومةِ على الأعمالِ الصّالحةِ بعدَ رمضان، مثلَ قيامِ الليلِ وصيامِ البِيضِ وصيامِ السّتِّ من شوّال، والمحافظةِ على السّننِ الرّواتبِ والأذكارِ وتلاوةِ القرآن، والإكثارِ من الدّعاءِ والصّدقةِ وسائرِ أنواعِ البرِّ والإحسان، فما أجملَ الطّاعةَ تَعقبُها الطّاعات، وما أبهى الحسنةَ تُجمعُ إليها الحسنات، فاستمرّوا على السَّيْر، ولا تَستقِلّوا الخير، ولا تَحتقِروا المعروف، ولا تَنقطعوا عن العبادة، وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا، فلا تتركوا قيامَ الليلِ ولو بركعة، ولا تهجروا تلاوةَ القرآنِ ولو بصفحة، ولا تَدَعُوا صيامَ التّطوعِ ولو بيوم، ولا تُمْسِكُوا عن الصّدقة ولو بريال، فالرّكعةُ تَحُطُّ الخطايا وتَرفعُ الدّرجات، والحرفُ من القرآنِ بعشرِ حسنات، وصيامُ يومٍ يُباعِدُ عن النّارِ سبعينَ خريفًا، والرّيالُ في الميزانِ كالجبال، ومن زادَ زادَ اللهُ له، وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ. فاتّقوا اللهَ رحمكم الله، وجاهدوا أنفسَكم على الثّباتِ على فعلِ الطّاعات، وتركِ الذّنوبِ السّيئات، واستعينوا باللهِ على الاستقامةِ على ذلك ما دمتم على قيدِ الحياة، فإنّ عملَ المؤمنِ لا ينتهي حتى الممات، قالَ تعالى في كتابِه المُبين (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأصلي وأسلمُ على خاتمِ النبيّين، نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، فاتقوا اللهَ حقَّ التّقوى (يا أيّها الذينَ آمنوا اتّقوا اللهَ حقَّ تُقاتِه ولا تَموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون) أمّا بعدُ عبادَ الله
فمَا أعظمَ جزاءَ مَنْ جاهدَ نفسَه وهواه، واستقامَ على أمرِ ربِّه ومولاه، فقد قالَ اللهُ وهو خيرُ القائلين (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فاللهمّ ارزقْنا الاستقامةَ على ما يُرضيك، وجنّبْنا أسبابَ سخطِك ومعاصيك، اللهمّ وفقْنا لهداك، واجعلْ عملَنا في رضاك، وثبّتْنا على دينِك وطاعتِك حتى نلقاك، اللهمّ أَعِنّا على ذكرِك وشكرِك وحسنِ عبادتِك، ربّنا تقبّلْ منّا إنّك أنتَ السّميعُ العليم، وتُبْ علينا إنّك أنتَ التّوابُ الرّحيم، واغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذرّيّاتِنا ولجميعِ المسلمين، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين
عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. وأقمِ الصلاةَ إنّ الصلاةَ تَنهى عن الفحشاءِ والمنكر، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين
جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 5/ 10/ 1443هـ