خطبة ( الوفاء )

عبدالوهاب بن محمد المعبأ
1437/10/16 - 2016/07/21 19:11PM
خطبة الجمعة
الوفاء
اعداد عبدالوهاب المعبأ
المقدمة
الحمد لله خالق الأرض والسماء الذي ليس بعد جوده جود وليس فوق عطائه عطاء أحمده سبحانه وأشكره تكفل بالوفاء لأهل الوفاء سبحانه صَدَقَ وَعْدَهُ وأَلهَمَ الإِنسانَ هَدْيَهُ ورُشْدَهُ وأَمَرَهُ أَنْ يُوَفِّيَ بعَقْدِهِ ويَلْتَزِمَ بكَلِمتِهِ وعَهْدِهِ وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ جَعَلَ الوَفاءَ مِنْ شِيَمِ المُتَّقِينَ وخُلُقاً رَفِيعاً مِنْ أَخْلاَقِ المُؤمِنينَ وأَشْهَدُ أَنَّ مُحمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ أَوفَى الخَلْقِ بِالوُعُودِ والذِّمَمِ وأَشكَرُهمْ للإِحسَانِ والنِّعَمِ صَلَّى عَلَيْهِ بَارِئُ العِبَادِ مَا أَمْطَرَتْ سُحْبٌ وَسَالَ وَادِي
تَاللَّهِ مَا حَمَلَتْ أُنْثَى وَلا وَضَعَتْ مِثْلَ النَّبِيِّ الوَفِيِّ الرَّحْمَةِ الهَادِي
وَلا بَرَى اللَّهُ خَلْقًا مِنْ بَرِيَّتِهِ أَوْفَى بِحَقٍّ لأَهْلٍ أَوْ بِمِيعَادِي صلى الله عليه وعَلَى آلهِ وصَحْبِهِ صَفْوَةِ الأُمَمِ وعَلَى أَتْباعِهِ مَا خَطَّ فِي فَضْلِ الوَفاءِ قَلَمٌ ومَا تَحَدَّثَ بِمَحاسِنهِ لِسانٌ وفَمٌ
إخوة الإسلام إن هذه الأمة التي ننتسب لها هي أمة الوفاء رجالا ونساءَ صغارا وكبارا قادة وجندا حكاما ومحكومين في الحرب والسلم وفي الشدة والرخاء ومتى ما تنصلت هذه الأمة عن هذه القيم والمبادئ فإن سنن الله ستطويها وعقاب الله سيحل بها كما حدث للأمم السابقة
إنَّ الوَفاءَ كَلِمَةٌ تَنْشَرِحُ لَها الصُّدورُ وتُشْرِقُ أَحْرُفُها ضِياءً بَيْنَ ثَنايا السُّطورِ وفِيها تَفانَى النَّاسُ عَلَى مَرِّ العُصورِ الوفاء التِزامٌ صادِقٌ بِالأَقوالِ والكَلِماتِ وثَباتٌ عَلَى الحَقِّ مَهْما تَكالَبَتِ النَّكَبَاتُ الوفاء هو الاعتراف بالفضلِ لذوي الفضل وردّ الجميل لمن أسدَى إليك معروفًا أو مدَّ إليك يدًا الوفاء هوسيد الأخلاق فيا مَعشَرَ المؤمنيين هَاكُم غَيْضاً مِنْ فَيْضِ وإِلَيكُم شُعاعاً مِنْ ضِياء الوفاء والأوفياء
كم هي تلك المآثر التي تبيّن شرف هذا الأدب الرفيع؛ حتى ضُربت بأصحابه الأمثال؛ وسار بذكرهم الركبان عبر الليالي والأزمان .
وكم أعلى الوفاءُ رتبةَ من اعتقله بيديه؛ وأغلى قيمةَ من جعله نصب عينيه، واستنطق الأفواهَ لفاعله بالثناء عليه، واستنطق الأيدي المقبوضةَ عنه بالإحسان إليه .
وكفى بالوفاء فضلاً وشرفاً أن الله عز وجل قد أمر به في محكم التنزيل فقال تعالى: ( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً )؛ وقال تعالى مادحاً أهله: (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق)؛ فما بالك بخلق أمر الله به ومدح من اتصف به .

إن الوفاء من أشرف السجايا وأجمل الخصال؛ ومن أَجْل ذلك فقد تنافس إلى بلوغه والاتصاف به شرفاء العرب حتى خُلِّدت أسماؤهم وصارت قرينة لاسمه حيثما ذكر؛ ولذا فقد كانت العرب إذا مدحت رجلاً لوفائه قالت: أوفى من السموأل؛ لما اتصف به ذلك الرجل من عظيم وفائه ورعايته لعهده حتى ضُرِب به المثل .
فمما ذكرته قصص التاريخ أن امرئ القيس لما أراد المضي إلى قيصر ملكِ الروم أودع عند السموأل دروعاً وسلاحاً وأمتعة تساوي مبلغاً عظيماً من المال، فلما مات امرؤ القيس أرسل ملك كندة يطلب الدروع والأسلحةَ المودعةَ عند السموأل، فقال السموأل: لا أدفعها إلا لمن له الحقُّ بها؛ وأبى أن يدفع إليه منها شيئاً؛ فعاوده، فأبى وقال: لا أغدر بذمتي؛ ولا أخون أمانتي؛ ولا أترك الوفاء الواجب علي .
فقصده لذلك ملك كندة بعسكره، فدخل السموأل في حصنه وامتنع به، فحاصره ذلك الملك؛ والمصيبة أن ولداً للسموأل كان خارج الحصن، فقبض عليه الملك وأخذه أسيراً ثم طاف حول الحصن وصاح بالسموأل، فنظر إليه السموأل من أعلى الحصن، فلما رآه قال له: إنني قد أسرت ولدك، وها هو معي، فإن سلمت إليَّ مالَ امرىء القيس الذي عندك رحلت عنك وسلمْتُ إليك ولدك، وإن امتنعت من ذلك ذبحتُ ولدَك وأنت تنظر، فاختر أيهما شئت .
فقال له السموأل: واللهِ ما كنت لأخفر ذمامي وأبطل وفائي؛ فاصنع ما شئت، فذبح ولده وهو ينظر، ثم لما عجز الملك عن الحصن رجع خائباً؛ واحتسب السموأل ذبح ولده وصبر محافظة على وفائه، فلما جاء الموسم وحضر ورثة امرىء القيس سلم إليهم الدروع والسلاح، ورأى أنَّ حفظ ذمامه ورعايةَ وفائه أحبُّ إليه من حياة ولده وبقائه، فسارت الأمثال تضرب بوفاء السموأل.
وفي ذلك يقول السموأل:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه
فكــــــــــــل رداء يرتـــــديه جميلُ
وإن أنت لم تحمل على النفس ضيمها
فليس إلى حسن الثناء سبيلُ
تعيرنا أنّا قليلٌ عــــــــــــــديدُنا
فقلــــــــــــتُ لها إن الكرام قليلُ
وما ضــــــــــــــرّنا أنّا قليلٌ وجارُنا
عزيزٌ وجــــــــــــــــارُ الأكثرين ذليلُ
عباد الله إن الوفاء بالعهد أدب ربَّاني كبير، وخلق نبوي حميد وسلوك إسلامي نبيل، وأمر الله به في كتابه فقال: (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا)، وقد جعل الله العبد مسؤلا عن العهد يوم القيامة: (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً).

إن ما ينشئه الناس بينهم من عقود وعهود ووعود ليس كلامًا إنشائيًا، ولكنها قيم ومبادئ لا يجوز بحال من الأحوال نكثها وإخلافها، ولو أدى ذلك إلى الإضرار به وإيقاع الأذى، ولو كان فيه حتفه وقطع رقبته، ولذا يقال: "وعد الحر دَيْن".

ولذلك كان في مقدمة أولئك الوافين بالعهود الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، فهذا الخليل إبراهيم جاء وصفه في القرآن الكريم نديًا رطبًا بهذه الصفة الجليلة؛ قال تعالى: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى)، نعم، وفَّى حين ابتلاه الله بكلمات من الأمر الإلهي فأتمهنَّ، وفَّى حين قدَّم ولده إسماعيل قربانًا تنفيذًا لأمر الله تعالى، وفَّى حينما ألقي في النار فصبر ابتغاء مرضاة الله وثباتًا على دين الله تعالى.

وكان الوفاء بالوعد صفة إسماعيل -عليه الصلاة والسلام- حينما عطَّر الله ذكره فقال: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً)، وانظر إلى تقديم هذه الصفة الكريمة على الأخبار بأنَّه رسول نبيُّ.

إنها صفة حينما يفقدها البشر يلتحقون بعالم الوحوش الذين لا يعيشون إلا في الغابات.

والوفاء أولاً قيمة إيمانية قبل كل شيء، كانت واردة في كثير من الآيات؛ منها: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُون)، (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء).

عباد الله: الوفاء بالعهد هو قيام المسلم بما التزم به، سواء كان قولاً أم كتابًا، ولا يبرأ إلا بالوفاء به، وعندما يخلف عن قصد يخرج عن نطاق الإيمان ويقع في دائرة النفاق؛ ففي مسند أحمد عن محمد السيوطي عن أنس مرفوعًا: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له". وفي الصحيحين: "ثلاث من كنَّ فيه فهو منافق وإن صام وصلّى وزعم أنه مسلم، إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان".

ووصف الله الذين ينقضون الميثاق أنهم أصحاب اللعنة وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ

إذا قُلْت في شيء نعم فأتمه*فإن نعم دين على الحرِّ واجبُ
وإلا فقل لا تسترحْ وتُرِحْ بها*لِئلاَّ يقول الناسُ إنك كاذبُ
أوفي بوعدي صديقي لست أخلفه*ولست أنقض عهداً خط بالقلم
بارك الله لي ولكم ,,,,,

الخطبة الثانية
إِنَّ مِنْ شِيَمِ الأَوفِياءِ وأَخلاَقِ الفُضَلاَءِ وشَمائلِ النُّبُلاءِ الوَفاءَ للمُحْسِنينَ مِنْ أَربابِ الفَضْلِ وصُنَّاعِ المَعْروفِ إن من الوفاء أن لا ينسى المرء من أحسن إليه أو أسدى إليه معروفا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأوفياء كان وفيًّا حتى مع الكفار
ومن وفائه ما قاله في أسرى بدر لو كان المطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له وذلك وفاء لصنيع المطعم بن عدي حيث إنه أجار النبيَّ لما أراد أن يدخل مكة بعد رجوعه من الطائف ولأنه كان ممن نقض الحصار الذي ضربته قريش على بني هاشم

وهذا أبا البحتري بن هشام إنه أحد الرجال القلائل من المشركين الذين سعوا في نقض صحيفة الحصار والمقاطعة الظالمة التي تعرض لها رسول الله فعرف له الرسول جميله وحفظه له فلما كان يوم بدر قال صلى الله عليه وسلم من لقي أبا البحتري بن هشام فلا يقتله يا لعظمة هذه الأخلاق ويا لروعة هذا الوفاء
فإنه يرقق القلوب ويهذبها؛ ويدفعها للرقي في طلب المعالي؛ ويتميز صاحبه عن أقرانه؛ ولذلك فقد قيل: إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل، فانظر كيف تحننه إلى أوطانه؛ وتشوقه إلى إخوانه؛ وبكاؤه على ما مضى من زمانه .
عباد الله الوفاء للوطن من صور الوفاء المحمودة ففي رباه ترعرع المرء وفي ظلاله تربى وفي أجوائه تنعم وتعلم وبأهله ارتبط برابطة القرابة والجيرة والرحم والصداقة فكان لزاما أن يكون المرء وفيا لوطنه وفاءا يحمله على حماية أمنه وأن يكون أمينا على مقدراته مساهما في بناءه حافظا لهويته حارسا لدينه وعقيدته محافظا على قيمه وأخلاقه بهذا يكون الوفاء للوطن حقيقة وواقعا لا ادعاءا وبذلك تأمن الأوطان وتقوى ويرسخ الإيمان ويعلى وهناك من يتنكر لوطنه وأمته رغبة في منصب أو جاه أو مال أو هوىً فيكون خنجر ينخر فيها
ولذا فاءننا نطالب كل من له يد في الحوار واصلاح البلاد أن يكونوا أوفياء لهذا الوطن فيسهمون في اخراج الوطن من ضوائقه وبوائقه الى بر الامن والاستقرار والرغد والعيش الكريم ونطالبهم ان يكونو اوفياء مع ابنا هذا الوطن الذين أكلتهم السنون والاعوام وطواهم القهر والحرمان
ومن صور الوفاء الوفاءُ بعهد الله /
بأن يُعبَد ولايجحد وأن يوحد و لا يُشرَك به وأن يشكر ولا يكفر وأن ويوقر دينه ويلتزم شرعه كما قال سبحانه وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ قال تعالى فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيما
فكن وفياً لربك وفيا للاسلام لنبي الاسلام وفيا للقران ما استطعت إلى ذلك سبيلاً .
ومن أعظم سمات الوفاء؛ معاملة الوالدين بالبر؛ والزوجة بالرحمة؛ والزوج بالطاعة؛ والأولاد بالتودد والرأفة؛ والأقارب بالصلة؛ والصديق بالمروءة .
وفي زمان قل فيه الوفاء؛ وتغيرت معادن الرجال..
فإنه حريٌّ بالمرء إذا رُزق بشخصٍ وفيٍّ أن يتمسك به؛ فإنه عملةٌ نادرة في غير زمانها؛ وثمرةٌ يانعةٌ في غير أوانها؛ ونعمةٌ تستحق أن يُنافَسَ من أجل بقائها .

الوفاء كلمة صغيرة جدا ولكنها تحمل من المعاني الكثيرة إن الوفاء هو حب صادق من صديق لصديقه وزوج لزوجته وزوجة لزوجها وجار لجاره وموظفا لمديره أو طالبا لمدرسه الوفاء هو الأمانة الوفاء هو الإخلاص الوفاء كسب الثقة الوفاء يمنع الحقد والكره والحسد والكذب الوفاء هو مِن شِيَم الرجال وأمارةٌ على سموِّ النّفس وحُسنِ الخُلق إن الحديث عن الوفاء يطول ولكني لاأريد أن أُمِلَّكم جعلنا الله وإياك من الكرام الأوفياء ومن أهل الأمانة الاتقياء
اخوكم عبدالوهاب المعبأ
جوال 773027648
المشاهدات 1670 | التعليقات 0