خطبة (النُصح المُغني في تركِ المسلم ما لا يعني )

عبدالوهاب بن محمد المعبأ
1437/11/01 - 2016/08/04 17:50PM
خطبة الجمعة ***
(النُصح المُغني في تركِ المسلم ما لا يعني )
إعداد عبدالوهاب المعبأ
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي تفرّد في أزليته بعز كبريائه، وتوحّد في صمديته بدوام بقائه، ونوّر بمعرفته قلوب أوليائه، وطيّب أسرار القاصدين بطيب ثنائه، وأسبغ على الكافة جزيل عطائه، وأمّن خوف الخائفين بحسن رجائه، الحي العليم الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في أرضه ولا سمائه، القدير لا شريك له في تدبيره وإنشائه.
وأشهد أن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو علي كل شيء قدير.
يا رب:
أنا من أنا!! أنا في الوجود وديعة *** وغدًاسأمضي عابرًا في رحلتي
أنا مـا مدت يدي لغيرك سائلاً *** فارحم بفضلك يا مهيمن ذلتي

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبدُ الله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسّك بسنته واقتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:
ايها المسلمون لقد جاء الدين الحنيف ليسمو بالمسلم، فحثه على التزام الأخلاق الرفيعة، والقيم النبيلة، ونأى بالمسلم عن سفاسف الأمور، لينصرف إلى ما فيه رفعته وعلوه، ومجده وسموه، يقول نبيكم الكريم - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق))، ألا وإن من أخلاق دينكم التي يسمو بها بأفرادكم، ويحفظ بها مجتمعاتكم، ترك الاشتغال بما لا يعني،
ولقد أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو الحريص على كلّ خير لأمّته الرؤوفُ الرحيم بها ـ أرشد إلى أدبٍ جامع وخَصلةٍ شريفة وخُلُقٍ كريم، يحسن به إسلامُ المرء، ويبلغ به الغايةَ من رضوان الله، وذلك ما جاء في الحديث الذي أخرجَه الترمذيّ وابن ماجه في سننهما وابن حبا ن بإسنادٍ حسنٍ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال: ((مِن حسنِ إسلام المرء تَركُه ما لا يعنيه))
قال أهل العلم: هذا الحديث أصلٌ عظيم من أصول تهذيب النفس وتزكيتها، وقد عدَّه بعضهم ثُلُثَ الإسلام، ولقد قالوا: "اجتمع فيه الورع كله"!؛
لماذا عباد الله؟ لأن تَرْك ما لا يعني لا تقوى عليه إلا القلوب السليمة والنفوس الزاكية، نفوس تنطوي سرائرها على الصفاء، فأصحابها في راحة، والناس منهم في سلامة.
وحسب المؤمن بهذا الحديث تذكرة وإرشادًا، فإنه إذا ما عمل به فترك ما لا يعنيه فقد أحسن إسلامه، ومن أحسن إسلامه فقد أحرز الفضائل والمكرمات، وربح مضاعفة الأجور والحسنات، حتى تكون الحسنة في ميزانه أثقل من الجبال، أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلَامَهُ فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِمِثْلِهَا »
عباد الله(من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) وكلنا يسعى لأن يكون ذا إسلام حسن، وخلق رفيع، فما بال أقوام يأبون إلا التدخل في شؤون الناس؟ إن مما يجمل بالمرء ويزينه، ويجعله شامة بين الناس، أن يدع الخلق للخالق، ويصرف قلبه عما لا يعنيه، فليس من بضاعة المؤمن الأريب، والعاقل اللبيب، أن يشتغل بفضول الكلام، أو يجاري الجهلاء في القيل والقال، فأخلاقه العليا، وقيمه المثلى، تضفي عليه الاحترام وجميل الحياء، فتمنعه من أن يسأل الناس عن مكنون أحوالهم وخاص شؤونهم، وما دخله بتفاصيل حياتهم؟ لقد رزق الله الناس لبيوتهم أبوابا، وجعل على أسرارهم سترا وحجابا، فهذا من ممتلكاتهم التي لا يرضون لها انكشافا، ويرفضون لها تسورا واقتحاما، فمابال أقوام يأبون الا أن يتقحموا في مالا يعنيهم ويتدخلوا فيما لا يخصهم
ولايهمهم فيفسدوا
ان من قلة الدين وضعف الايمان اشتغال المرء بما لا يعنيه اشتغاله بشؤون الآخرين، وخصوصياتهم، وكيفيات معاشهم، ومقدار تحصيلهم، والبحث في تفاصيل أحوالهم، في أنفسهم وأولادهم وأهليهم، والتدخل في مشكلاتهم، والسؤال عن هذا وذاك.
عباد الله، كم من مجالس عقدت ومناسبات نصبت
وكلها على كلام لا حاجة للإنسان فيه، ولادخل له به بل عليه وزره، وإن المرء ليعجب من حبّ الناس للحديث في أمور نجّى الله أيديهم وأرجلهم منها، وأبوا مع ذلك إلا أن يتحدثوا فيها.
كما أن الخوض في أمور السياسة والمدلهمات، وتحليل الوقائع والأحداث، و قال فلان وقيلِ عن فلان، مما لا يتعلق بغرض شرعي، ولا نفع دنيوي، ولا يجدي من كلامك شيء ولاثمة
لكلامك وزن أو مصلحة مرجوه
كل هذا من إهدار الزمان، وضياع الوقت ومن القيل والقال الذي ليس من ورائه مصلحة ولا منه منفعة
والاشتغال بما لا يعني، يبغضه الله، ففي الصحيح من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ».
يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: (أنصِف أذنيك من فمك، فقد جعل الله لك أذنين وفمًا واحدًا؛ لتسمع أكثر مما تقول)، ويقول أحد السلف: "إن الرجل ليتكلم في ساعةٍ ما يعجز عنه في شهر".
وأخطر من ذلك كله الخوضُ في مسائل العلم والدين بجهل أو هوى، والكلام على الله بغير علم، فإنه من سبيل الشيطان، وقد حذر الله من ذلك فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ).
وقرن سبحانه القول عليه بلا علم بالكبائروالإشراك به فقال جل وعلا: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) .
وكم هم أولئك الخائضون في مالاعلم لهم به فأضروا ودمروا وكم هم اولئك الجهال المتعالمون الذين بجهلهم وتعالمهم أفسدوا وهدموا
والتدخل فيما لا يعني يكون بالأقوال ويكون أيضا بالأفعال
ولايفهم من هذا أن التدخل في أمر بمعروف أونهي
عن منكر أواصلاح بين الناس أن ذلك تدخل فيما
لايعني كلا
بل إنه يجب على المسلم أن يقوم بذلك اذا حسُن قصده وصفت نيته وكان له القدرة بالقيام في تلك المهام
فإنه يكون ذلك من أشرف القُرب وأعظم الرُتب

إخوة الإيمان: كم جلب الاشتغال فيما لا يعني من بلية، وكم أورث من رزية، صُدورٌ أُوغِرَتْ، وخصومات أججت، وأزواج طلقت، وأسرار نشرت، بسبب أقوام تدخلوا فيما لا يعنيهم، فباؤوا بإثمها ووِزْرِهَا .
وكثيرا ما يحصل هذا من جانب النساء اليوم
ترى المراءة الا من رحم الله ثرثارة مهذارة
طعانة عيابة لا تكف عن الكلام ولاتصمت عن القيل والقال فتكشف الأسرار
وتُعري الأخبار وتتقحم الأسوار فلا تدع شاردة
ولا واردة الا وحشرتها وربما تكذب وتنم
وتهتك وتفضح اين من هذا حالها
من وقار المسلمة المؤمنة ومن عفة الصالحة
الطاهرة
ايها الثرثارون الخائضون الطاعنون العيابون فيما لا شأن لكم به
من أذن لكم في التحدث عن خصوصيات
الأخرين وشؤونهم ومن سمح لكم في التطفل
في أمور ليس لكم بها ناقة ولاجمل ومن أمركم
في همز الناس ولمزهم وأذيتهم والطعن فيهم
والتجسس والتحريض عليهم الاتخافون الله رب العالمين
ايها المسلمون والمسلمات هل من المرواءة والشرف أن يكون الواحد ثرثارا مهذارا
او متطفلا فضوليا كلا؟؟
لتعلموا عباد الله أن الاشتغال فيما لا يعني
كثيرًا ما يوقع في الحرام، ويورث الذنب،
روى ابن أبي شيبة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « أَكْثَرُ النَّاسِ ذُنُوبًا، أَكْثَرُهُمْ كَلَامًا فِيْمَا لَا يَعْنِيْهِمْ» .
وروى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلًا من الصحابة توفي، فقال رجل: أبشر بالجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لَا تَدْرِيْ لَعَلَّهُ تَكَلَّمَ بِمَا لَا يَعْنِيْهِ، أَوْ بَخِلَ بِمَا لَا يُغْنِيهِ » .
ولذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على الصمت إلا من خير، فقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» متفق عليه.
وذم الله النجوى بين الناس، والكلام إلا ما كان في خير، فقال سبحانه وتعالى: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا).
وكل ما تكلم به المرء مما يعنيه أو لا يعنيه، في سر أو نجوى، مكتوب ومحصي عليه، قال الله جل وعلا: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ).
يقول معروف الكرخي رحمه الله: كَلَامُ الْعَبْدِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ خِذْلَانٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
ويقول الحسن البصري رحمه الله: من علامة إعراض الله تعالى عن العبد، أن يجعل شغله فيما لا يعنيه.
وروى ابن أبي شيبة عن يَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ ، قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ ، فَقَالَ : أُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثٍ لَعَلَّهُ يَنْفَعُكُمْ فَإِنَّهُ قَدْ نَفَعَنِي ، قَالَ لَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ : يَا ابْنَ أَخِي ، إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَ يَكْرَهُ فُضُولَ الْكَلاَمِ مَا عَدَا كِتَابَ اللهِ تَعَالَى أَنْ تَقْرَأَهُ ، أَوْ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ نَهْيًا ، عَنْ مُنْكَرٍ ، وَأَنْ تَنْطِقَ بِحَاجَتِكَ فِي مَعِيشَتِكَ الَّتِي لاَ بُدَّ لَك مِنْهَا ، أَتُنْكِرُونَ أَنَّ (عَلَيْكُمْ لحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ)
وَأَنَّ (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) أَمَا يَسْتَحْيِيْ أَحَدُكُمْ لَوْ نَشَرَ صَحِيفَتَهُ الَّتِي أَمْلَى صَدْرَ نَهَارِهِ وَأَكْثَرُ مَا فِيهَا لَيْسَ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ ، وَلاَ دُنْيَاهُ. اهـ
وأخرج ابن أبي الدنيا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ مرسلًا عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: « أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ رَضِيَ الله عَنْه، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَذَا وَكَذَا فَأَيُّ عَمَلٍ لَكَ أَوْثَقُ تَرْجُو بِهِ؟ قَالَ: إِنّي لَضَعِيفٌ وَإِنَّ أَوْثَقَ مَا أَرْجُو بِهِ لَسَلَامَةُ الصَّدْرِ وَتَرْكُ مَا لَا يَعْنِينِي»، وأصله في الصحيح .
وأخرج الدارمي وابن حبان عن أبي ذر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«كَانَ فِيْ صُحُفِ إِبْرَاهِيْمَ عليه الصلاة والسلام: وَعَلَى العَاقِلِ أَنْ يَكُونَ بَصِيْراً بِزَمَانِه، مُقْبِلًا عَلَى شَأْنِه، حَافِظًا لِلِسَانِه، وَمَنْ حَسَبَ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ إِلَّا فِيْمَا يَعْنِيْه».
ألا فاتقوا الله عباد الله، وأحسنوا إسلامكم، وأقبلوا على ما ينفعكم، واشتغِلوا بما يعنيكم، وكفّوا عما لا يعنيكم،وسارعوا في مرضاة ربكم .
"طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس
نسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على الإنشغال بعيوبنا، وأن يرزقنا حسن استغلال الأوقات، وأن يجنبنا فضول الملذات، إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين.
أقول ما تسمعون .

الخطبة الثانية

عبادَ الله، الصغارُ هم الذين يهتمّون بالصغائر، ويَتبَعون الدسائسَ، ويفتِّشون عن أحوالِ الناس، قال المزنيّ رحمه الله: "إذا رأيتمُ الرجل موكلاً بذنوب الناس ناسيًا لذنبه فاعلَموا أنه قد مُكر به"،
وقال غيره: "مَن رأى أنه خيرٌ من غيرِه فهو مستكبِر، كما قال إبليس: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ [الأعراف: 12]،وسماه الله استكبارًا"،
وقال ابن القيم رحمه الله: "وكم ترى من رجلٍ متورِّع عن الفواحش والذنوبِ ولسانه يفرِي في أعراضِ الأحياء والأمواتِ، لا يبالي بما يقول، وربما أوبَقَ نفسه كما في صحيح مسلم".
وفي حديثِ معاذ بن جبل:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((وهَل يكبّ الناسَ في النار على وجوههم إلاّ حصائدُ ألسنتهم؟!)).
إنَّ الحديث عن الآخرين وتتبّعَ سقَطاتهم وإشاعَتَها والفَرحَ بها لمن أقبَحِ المعاصي أثرًا وأكثَرِها إثمًا، ولا يموت مقتَرِفها حتى يُبلى بها، ((وكلُّ المسلم على المسلم حرام؛ دمه ومالُه وعرضه)) رواه مسلم
عباد الله إن مما ينافي المروءة ويجافي الحياء أن يعمد البعض - عافاكم الله - إلى تتبع عورات الناس، والبحث عن عيوبهم ومثالبهم، ولربما لفقوا عليهم التهم، وأثاروا حولهم الشبهات، ثم نشروا عنهم الأكاذيب والشائعات؟ أما يستحون؟ أما يفكرون في عاقبة ما يفعلون؟ ألم يقرع أسماعهم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من تتبع عورة أخـيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيـته))

ألا وإن من الجميل ألا يجد هؤلاء في مجتمعنا آذانا صاغية، تستمع لشائعاتهم، وتتقبـل أراجيفهم، فإنكم بحمد الله ممن يعي قول الحق تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6] لقد علمنا ديننا الكريم أن نحب لإخواننا ما نحب لأنفسنا، فإذا وقعنا في خطأ أو زلل، فوجدنا من يرشدنا، ويقوم اعوجاجنا، وقدم لنا النصح في ثوب اللطف، مقرونا بأدب جم؛ كان ذلك لنا سرورا، وشكرنا لصاحبه حسن الخطاب، ورجونا له طيب الثواب
عباد الله، كم من كلمة قالت لصاحبها: دعني، كم من كلمةٍ سلبت نعمةً وجلبت على صاحبها نقمة. إن الكلمة إذا خرجت لا يمكن استردادها، وقد يصعب تدارك خطرها، الملائكة كتبوا، والناس سمعوا، والمرجفون علقوا وشرحوا وزادوا، وأنت وحدك الذي تتحمل كل هذه التبعات، لذلك يقول النبي : ((إنّ العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبيّن فيها يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب)) رواه مسلم، وروى البخاري: قال صلى الله عليه وسلم
وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم)).
يقول مورق العجلي: أمرٌ أنا في طلبه منذ كذا وكذا سنة لم أقدر عليه، ولست بتاركٍ طَلَبَه ما بقيت، قالوا: وما هو؟ قال: الكفّ عما لا يعنيني.
أيها الناس، لقد جعل الله من أوصاف عباده المؤمنين أنهم لا يتكلّمون باللغو وهو ما لا يعني: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [الفرقان:63]، ثم قال سبحانه: وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا[الفرقان:72]، وقال تعالى قولا كريما قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:1-3].
ما أحوجنا ـ عباد الله ـ إلى أن ننظر في حالنا وفي مجالسنا بأيّ شيءٍ نمضيها، فوالله لنُسألنَّ عنها:
وهذا قول ربكم فيه تخويف ووعيد يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النور:24].
اللهم إنا نسألك حسن الإسلام، وسلامة القلب من الآثام، اللهم أصلح لنا أقوالنا وأعمالنا يا رب العالمين. اللهم قنا وجميع المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار،
وصلو سلموا......
إعداد أخوكم عبدالوهاب المعبأ
جوال واتس 773027648
المشاهدات 5260 | التعليقات 0