خطبة النزاهة ومحاربة الفساد *حسب التعميم*

محمد آل مداوي
1444/05/14 - 2022/12/08 12:48PM

النزاهة ومحاربة الفساد
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونَستَعِينُه ونَستغفِرُه، ونَعوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أنفُسِنا ومِنْ سَيئاتِ أعمَالِنا، مَنْ يَهدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.. أما بعدُ عِبادَ الله: فأُوْصِي نَفْسِي وإيَّاكُم بتقوَى الله، اتَّقوا اللهَ عِبَادَ الله، ولا يَعْظُمُ في أعيُنِكُمْ كَبيرٌ مِنَ المَعرُوفِ تَفْعَلُونَه، ولا تَحتَقِروا صَغِيرًا مِنَ المُنكَرِ تَقْتَرِفُونَه، ولا تَخُونوا اللهَ والرَّسُولَ وتَخُونوا أمَانَاتِكُم وأنتُمْ تَعلَمُون.

أيُّها المُسلِمُون: جَعَلَ اللهُ الرَّغْبَةَ في المَال؛ ابْتِلاءً واخْتِبَارا: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)، وأَمَرَ سُبحَانَهُ بِتَحَرِّي الرِّزقِ الحَلَال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ). وقالَ سُبحَانَه: (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ).

تَحَرِّي الحَلال؛ مِنْ أعظَمِ الخِصَالِ التي تَحَلَّى بها النبيُّ r وأصحَابُه، وكانَ أَهْلُ السُّنَّةِ والصَّالحون: يَتَواصَونَ بالتعَفُّفِ في المَآكِلِ والمَشَارِبِ والمَكَاسِب.. عن أبي سَعِيدٍ الخُدريِّ t عنِ النبيِّ r قال: (مَنْ أكلَ طَيِّبًا، وعَمِلَ في سُنَّة، وأمِنَ النَّاسُ بَوَائِقَهُ؛ دخَلَ الجنَّة) رواه الترمذي.

وأخرَجَ الإمامُ أحمد وغيرُه أنَّ النبيَّ r قال: (أَرْبَعٌ إذا كُنَّ فِيكَ فلا عَلَيكَ ما فَاتَكَ مِنَ الدُّنيا: حِفْظُ أمَانة، وصِدْقُ حَدِيث، وحُسْنُ خَلِيقَة، وعِفَّةٌ في طُعْمَة).

والمُؤْمِنُ النَّزِيه؛ يَتَحَرَّى ما أحَلَّ اللهُ له، ويَجْتَنِبُ ما حَرَّمَ اللهُ عَلَيه؛ فالمَالُ مَالُ الله، والرِّزْقُ بِيَدِ الله، والمَصِيرُ إلى الله، ومَا عِنْدَ اللهِ لا يُنَالُ بِمَعْصِيَتِه، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ).

وكلُّ يَدٍ امْتَدَّتْ إلى مَا حَرَّمَ الله؛ إشْبَاعًا لِشَهَوَاتِها، وزِيَادَةً في أَمْوَالِهَا؛ فصَاحِبُها مُتَوَعَّدٌ بالعِذَاب، قالَ r : (كلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ السُحْتِ؛ فالنَّارُ أَوْلَى بِه) رواه الترمذي.

وأَصْحَابُ المَكَاسِبِ الطيِّبة، والأموَالِ الصَّالحةِ؛ هم أَسْلَمُ النَّاسِ دِينًا، وأَعَفُّهُمْ نَفْسًا، وأَهْدَؤُهُمْ بَالاً، وأَهْنَؤُهُمْ عَيْشًا، أعْرَاضُهُمْ مَصُونَة، ورِزْقُهُمْ مُبَارَك، وذِكْرُهم في النَّاسِ جَمِيل.

وحِينَ تُوكَلُ إلى المُسْلِمِ الصَّالِحِ أمَانَةٌ أو مَسْؤوليَّةٌ؛ فهوَ أَصْدَقُ النَّاسِ في دِيْنِه، وأنْصَحُ النَّاسِ في مَصَالحِهِم، وأكْثَرُهُم أمَانَةً في عَمَلِه، ومُرَاقَبَةً لِخَالِقِه، فهُوَ -بإذنِ الله- الحَارِسُ الأمِينُ لكلِّ مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ أو خَاصَّة، مِنْ مَصَالحِ البِلَادِ والعِبَاد، لا يَقْبَلُ الإضْرَارَ بمصَالحِ المسلمين، أو الإخلالَ بأمَانَاتِهِم، أو إفْسَادَ شَيءٍ مِنْ أموَالِهِمْ ومُقَدَّرَاتِهِم، أو ظُهورَ أيِّ مَظْهَرٍ مِنْ مَظَاهِرِ التَّفرِيطِ أو الخِيَانةِ أو التَّقصِير.

ومَنْ كُلِّفَ بعَمَلٍ في مَصَالحِ المُسلِمين؛ فلمْ يَجْهَدْ لهم ويَنْصَح، أو  قَصَّرَ وفَرَّط، أو امْتَدَّتْ عَينُهُ ويَدُهُ بِسَبَبِهِ إلى مَا لا يَحِلُّ، أو سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ تأويلَ ذلكَ بالحِيَل؛ فإنَّ كلَّ ذلك، سَبَبٌ إلى مَحْقِ البَرَكة، وإفْسَادِ القِيَمَ، وكُفْرِ النِّعم.

بالفَسَادِ ومَظَاهِرِهِ وأسبَابِه؛ تَتَهَالَكُ الخِدْمَاتُ، وتَتَعثَّرُ المَشَارِيع، وتُهْدَرُ مَصَالِحُ النَّاس.. والاحْتِسَابُ في مُحَارَبَةِ الفَسَادِ ومَظَاهِرِهِ، وأسبَابِهِ ودَوَاعِيه: لَيْسَتْ وَظِيفَةً لِجِهَةٍ مُعيَّنَةٍ أو فِئةٍ خَاصَّةٍ؛ بل هيَ مَسْؤوليَّةُ الجَمِيع؛ دِيَانَةً وأمَانَة، وخُلُقًا ومَسْؤولِيَّة.

(ألَا كُلُّكُم رَاعٍ، وكلُّكُم مَسْؤولٌ عن رَعِيَّتِه..)، فاتَّقوا اللهَ رَحِمَكُمُ الله، واعْمَلُوا صَالِحا: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).

بارك الله لي ولكم في القرآنِ والسنّة، ونفعنا بما فيهما من الآياتِ والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر اللهُ لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ فاستغفروه، إنه كان غفّارا.

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ على إحسَانِه، والشُّكرُ له على تَوفِيقِه وامتنَانِه، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له تَعظِيمًا لشأنه، وأشهدُ أنَّ نبينا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحَابِه وسَلَّمَ تسليمًا مزيدًا.

أما بعد: فإنَّ مِنَ الظُّلْمِ العَظِيم، الذي يَجُرُّ المُجتَمَعَ إلى فَسَادٍ عَرِيضٍ، وصَاحِبُهُ مُتَوَعَّدٌ بالعُقُوبَةِ الشَّدِيدَةِ في الدُّنيا والآخِرَة؛ أنْ يَأخُذَ الإنسَانُ مِنَ أموَالِ المُسلِمينَ العَامَّةِ مَا ليسَ له، أو يُسَخِّرَ أدوَاتِ وَظِيفَتِه، أو نُفُوذَهُ لِنَفْعِ نَفْسِه وقَرَابَتِه، لا لِخِدْمَةِ الناس.. عن خَولَةَ الأنصَارِيَّةِ رضي الله عنها أنَّ النبيَّ r قال: (إنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ في مَالِ اللهِ بغَيرِ حَقٍّ، فلَهُمُ النَّارُ يومَ القِيَامَة) رواه البخاري.

ألَا فاتَّقوا اللهَ عِبادَ الله، واعْلَمُوا أنَّهُ لا سَبِيلَ للنَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ اللهِ إلَّا بمُرَاقَبَتِهِ سُبحَانَهُ في السرِّ والعَلَن، والخَوْفِ مِنهُ قبلَ الخَوْفِ مِنَ البَشَر، وأنْ يُقيمَ المُسلِمُ العَدلَ في نَفْسِهِ ومَالِهِ ومَنْ تحتَ يدِه.. وإنَّكُمْ لَمَسْؤُولونَ عَنْ أموَالِكُم: مِنْ أينَ اكْتَسَبْتُمُوهَا؟! ومَسْؤُولونَ عَنْ أموَالِكُم: أينَ أنْفَقْتُمُوها؟! فأَعِدُّوا لِمَا تُسْألُونَ عنهُ جَوَابًا، ولا تَنْظُروا إلى مَنْ تَخَوَّضُوا في أموَالِ المُسلِمينَ كَمْ جَمَعُوا؟! فإنَّهُم زَائِلُونَ عَنْ جَمْعِهِم، وأموَالُهُمْ تُثْقِلُ ظُهُورَهُم: (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَدًا* أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ).

اللهُمَّ يا حيُّ يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام؛ اكْفِنا بحَلالِكَ عن حَرَامِك، وأغْنِنَا بفَضْلِكَ عمَّنْ سِوَاك، واسْتَعْمِلْنَا اللهُمَّ في طَاعَتِك، واجعلنا مفَاتِيحَ للخير، مَغَالِيقَ للشَّر، واجعلنا شَاكِرينَ لِنِعَمِك، مُثْنِينَ بها عليك، قَابِلِيها، برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمين.

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطاهرين، وأزواجِهِ أمهاتِ المؤمنين، وخُلفائِه الأربعةِ الراشدين، وسائر صحابةِ نبيِّك أجمعين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارضَ اللهمَّ عنَّا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سَخَاءً رَخَاءً وسائرَ بلاد المسلمين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق والتوفيقِ إمامَنا وولي أمرنا، اللهم وفّق خادمَ الحرمينِ الشريفين ووليَّ عهده لهداك، واجعلْ أعمالهما في رضاك، اللهم أعزَّ بهم دينَك، وأعل بهم كلمتك، واجمع بهم كلمة المسلمينَ يا رب العالمين.

اللهم أصلح قلوبنا، واشرح صدورنا، ويسر أمورنا، واحفظِ اللهمَّ جنودَنا، اللهم انْصُرْهُمْ، وقوِّ عزائمهم، وسدِّدْ رميَهُمْ، واكبِتْ عدوَّهُمْ، وانصرهم على القومِ الظالمين، يا قوي يا عزيز.

اللهم أنتَ الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزلْ علينا الغيث، واجعل ما أنزلتَهُ قوةً لنا على طاعتك وبلاغًا إلى حين، اللهم أغثنا، غيثًا هنيئًا مريئًا سحًّا غدقًا، نافعًا غيرَ ضار، اللهم سُقيا رحمة، لا سقيا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرق، اللهم إنَّا خَلْقٌ من خَلْقِك فلا تمنع عنَّا بذنوبنا فضلك.. برحمتك يا أرحم الراحمين.

(ربَّنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار).. سبحان ربّك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسَلين، والحمد لله رب العالمين.

المرفقات

1670492915_النزاهة ومحابة الفساد.docx

1670492916_النزاهة ومحابة الفساد.pdf

1670492916_نسخة للجوال.pdf

المشاهدات 2712 | التعليقات 0