خطبة : ( النذير المبين لمن جاوزوا الخمسين )

عبدالله البصري
1437/06/09 - 2016/03/18 05:34AM
النذير المبين لمن جاوزوا الخمسين 9 / 6 / 1437
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ " " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ . لا يَستَوِي أَصحَابُ النَّارِ وَأَصحَابُ الجَنَّةِ أَصحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الدُّنيَا دَارُ مَمَرٍّ وَلَيسَت بِدَارِ مَقَرٍّ ، وَالعُمُرُ قَصِيرٌ وَإِن هُوَ طَالَ ، وَالبَقَاءُ في هَذِهِ الدَّارِ مَحدُودٌ وَإِنِ امتَدَّ ، وَكُلُّ حَيٍّ مَصِيرُهُ إِلى الفَنَاءِ ، وَكُلُّ مَوجُودٌ فَهُوَ إِلى العَدَمِ وَالزَّوَالِ " كُلُّ مَن عَلَيهَا فَانٍ . وَيَبقَى وَجهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكرَامِ " نُؤمِنُ بِهَذَا جَمِيعًا وَلا نَشُكُّ فِيهِ أَبَدًا ، بَل حَتَّى الكُفَّارُ وَالمُشرِكُونَ وَالمُلحِدُونَ ، قَد تَيَقَّنُوا أَنْ لا بَقَاءَ لَهُم عَلَى الأَرضِ وَأَنَّ مَصِيرَهُم إِلى الزَّوَالِ ، غَيرَ أَنَّ الفَرقَ بَينَ مُؤمِنٍ بِرَبِّهِ وَمُلحِدٍ مُكَذِّبٍ ، أَنَّهُ إِذَا كَانَ المُلحِدُ يَعتَقِدُ أَنَّ المَوتَ هُوَ النِّهَايَةُ ، وَمِن ثَمَّ فَهُوَ يَحرِصُ أَشَدَّ الحِرصِ عَلَى مَا جَمَعَ مِن دُنيَاهُ وَحَازَهُ مِن مَتَاعِهَا ، وَيَندَمُ عَلَى مَا فَاتَهُ مِن زَخَارِفِهَا وَشَهَوَاتِهَا ، فَإِنَّ المُؤمِنَ مُوقِنٌ بِأَنَّ المَوتَ هُوَ البِدَايَةُ لِحَيَاةِ الإِنسَانِ الحَقِيقِيَّةِ ، إِمَّا في نَعِيمٍ أَبَدِيٍّ ، وَإِمَّا في عَذَابٍ سَرمَدِيٍّ " فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُم فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ . خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ . وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيرَ مَجذُوذٍ " وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ المُؤمِنَ عَلَى هَذِهِ الأَرضِ يَمشِي مَشيَ مُسَافِرٍ ، مُكتَفِيًا مِن زَادِ الدُّنيَا بِما يُبَلِّغُهُ غَايَتَهُ ، مُتَذَكِّرًا في ذَلِكَ قَولَ القُدوَةِ وَالأُسوَةِ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – حِينَ دَخَلَ عَلَيهِ عُمَرُ وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَد أَثَّرَ في جَنبِهِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، لَوِ اتَّخَذتَ فِرَاشًا أَوثَرَ مِن هَذَا ! فَقَالَ : " مَا لي وَلِلدُّنيَا ، مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ سَارَ في يَومٍ صَائِفٍ ، فَاستَظَلَّ تَحتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً ثم رَاحَ وَتَرَكَهَا " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
إِنَّ اليَقِينَ بِالرَّحِيلِ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – أَمرٌ مُسَلَّمٌ بِهِ ، لا يَختَلِفُ فِيهِ مُسلِمَانِ وَلا يَتَمَارَى فِيهِ مُؤمِنَانِ ، إِلاَّ أَنَّ العَاقِلَ يَلحَظُ أَنَّ ثَمَّةَ غَفلَةً شَنِيعَةً قَد أَطبَقَت عَلَى القُلُوبِ في زَمَانِنَا ، وَإِعرَاضًا استَولى عَلَى النُّفُوسِ وَمَلَكَ زِمَامَهَا وَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ، حَتى أَذعَنَت لِعَدُوِّهَا الشَّيطَانِ ، وَأَعرَضَت عَن عِبَادَةِ الرَّحمَنِ ، وَتَهَاوَنَت بِالطَّاعَةِ وَتَمَادَت في العِصيَانِ . وَإِنَّ هَذِهِ الغَفلَةَ وَإِن كَانَت مُؤلِمَةً وَمُوجِعَةً مَتى مَا حَصَلَت مِمَّن يَوقِنُ أَنَّ المَوتَ حَقٌّ وَالسَّاعَةَ حَقٌّ ، وَأَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ ، وَأَنَّ اللهَ يَبعَثُ مَن في القُبُورِ وَيُحَصِّلُ مَا في الصُّدُورِ ، فَهِيَ أَشَدُّ إِيلامًا وَمَرَارَةً حِينَ تَحصُلُ مِمَّن جَاوَزَ الخَمسِينَ أَوِ السِّتِّينَ ، وَتَوَالَت عَلَيهِ النُّذُرُ وَبَانَ فِيهِ أَثَرُ السِّنِينَ ، فَاشتَعَلَ الرَّأسُ شَيبًا وَابيَضَّ العَارِضَانِ ، وَاحدَودَبَ الظَّهرُ وَجَفَّتِ الرُّكبَتَانِ ، وَثَقُلَ السَّمعُ وَضَعُفَتِ العَينَانِ ، وَقَلَّ النَّومُ مِنهُ وَالرُّقَادُ ، وَكَثُرَ في الفِرَاشِ التَّمَلمُلُ وَطَالَ السُّهاَدُ ، وَمَاتَ الأَقرَانُ وَذَهَبَ الخِلاَّنُ ، وَتَتَابَعَت عَلَيهِ حَوَادِثُ الزَّمَانِ ، وَمَرَّت بِهِ أَحدَاثٌ وَحَادِثَاتٌ ، وَحَصَلَت لَهُ مُتَغَيِّرَاتٌ وَمُتَغَايِرَاتٌ ، فَعَايَشَ فَقرًا وَغِنًى ، وَأَدرَكَ خَوفًا وَأَمنًا ، وَذَاقَ سُرُورًا وَحَزَنًا ، وَلَبِسَ عَافِيَةً وَبَلاءً ، وَطَعِمَ شِفَاءً وَسُقمًا ، عَرَكَتهُ الحَيَاةُ بِهُمُومِهَا وَأَحزَانِهَا ، وَذَاقَ مِنهَا مَا ذَاقَهُ مِن كَدَرِهَا ، عَرَفَ كَثِيرِينَ مِن أَقَارِبَ وَأَبَاعِدَ ، وَصَحِبَ مَن صَحِبَ وَشَاهَدَ مَن شَاهَدَ ، ثم فَرَّقَ بَينَهُ وَبَينَهُمُ المَوتُ ، وَمَضَوا إِلى الآخِرَةِ وَتَرَكُوهُ يَنتَظِرُ .
فَيَا أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يَا مَن بَلَغتُمُ الخَمسِينَ أَوِ السِّتِّينَ ، وَأَقبَلتُم عَلَى مُعتَرَكِ المَنَايَا ، رَاجِعُوا أَنفُسَكُم ، وَتَأَمَّلُوا مَسِيرَتَكُم ، فَلَعَلَّ لَدَى أَحَدِكُم مَظهَرًا أَو أَكثَرَ مِن مَظَاهِرِ الغَفلَةِ الَّتي لا تَلِيقُ بِالكُهُولِ وَالشُّيُوخِ . إِنَّهُ لَعَيبٌ وَأَيُّ عَيبٍ ، وَخَسَارَةٌ فَادِحَةٌ وَمُصِيبَةٌ مُوجِعَةٌ ، أَن تَرَى مَن تَجَاوَزَ الخَمسِينَ أَو بَلَغَ السِّتِّينَ ، وَهُوَ مَا يَزَالُ في غَفلَةِ الصِّبَا وَسَكرَةِ الشَّبَابِ ، لا يَهتَمُّ بِصَلاةٍ في جَمَاعَةٍ ، وَلا يَحرِصُ عَلَى تَبكِيرٍ لِجُمُعَةٍ ، يَتَشَاغَلُ عَنِ الفَرَائِضِ وَالمَكتُوبَاتِ ، وَيَزهَدُ في النَّوَافِلِ وَالمَسنُونَاتِ ، شَدِيدٌ عَلَى الدُّنيَا حِرصُهُ ، قَلِيلٌ بِالآخِرَةِ اهتِمَامُهُ ، ثم هُوَ مَعَ ذَلِكَ مَا زَالَ يُقَارِفُ بَعضَ الكَبَائِرِ وَالمُوبِقَاتِ ، وَيُصِرُّ عَلَى الصَّغَائِرِ وَالمُحَقَّرَاتِ ، فَتَرَاهُ إِمَّا مُدمِنًا لِشُربِ المُسكِرَاتِ أَوِ المُفَتِّرَاتِ ، أَو قَاطِعًا لِلرَّحِمِ هَاجرًا لِلقَرَابَاتِ ، أَو آكِلاً لِلرِّبَا وَالِغًا في الحَرَامِ وَالمُشتَبِهَاتِ ، فَيَا لَهَا مِن غَفلَةٍ عَظِيمَةٍ وَبَلاءٍ مُستَطِيرٍ ، أَن يَغفَلَ الكَهلُ وَالشَّيخُ عَن قَولِ العَلِيِّ الكَبِيرِ : " أَوَلَم نُعَمِّرْكُم مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ " وَعَن قَولِ البَشِيرِ النَّذِيرِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " أَعذَرَ اللهُ إِلى امرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . أَجَل – أَيُّهَا المُسلِمُونَ - إِنَّ مَن بَلَغَ السِّتِّينَ فَقَد تَمَّ عُذرُهُ ، وَقَامَت عَلَيهِ الحُجَّةُ وَلَم تَبقَ لَهُ شُبهَةٌ ؛ لأَنَّهُ رَأَى وَسَمِعَ مِن دَلائِلِ الحَقِّ وَمَوَاعِظِ الإِيمَانِ وَمَشَاهِدِ العِبرَةِ مَا لا يَغفَلُ بَعدَهُ إِلاَّ مُنتَكِسُ الفِطرَةِ مَيِّتُ القَلبِ ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " أَعمَارُ أُمَّتي مَا بَينَ السِّتِّينَ إِلى السَّبعِينَ ، وَأَقَلُّهُم مَن يَجُوزُ ذَلِكَ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَد لَحِقَ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّفِيقِ الأَعلَى وَوَدَّعَ الدُّنيَا وَهُوَ ابنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ ، وَعَلَى مِثلِ تِلكَ السِّنِّ مَاتَ أَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا – وَهَكَذَا هِيَ أَعمَارُ أُمَّةِ محمدٍ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – مَن بَلَغَ منِهُمُ السِّتِّينَ فَكَأَنَّمَا قَدِ استَوفَى حَظَّهُ مِنَ السِّنِينَ ، وَصَار مَا بَعدَهَا عَطِيَّةً وَهِبَةً ، فَإِن لم يَكُنْ في كُلِّ يَومٍ يَحيَاهُ بَعدَ ذَلِكَ يَزِيدُ اجتِهَادًا وَتَقَرُّبًا ، وَاستِعدَادًا لِلمَوتِ وَتَهَيُّئًا لِلِقَاءِ رَبِّهِ ، فَهُوَ في خُسرَانٍ مُبِينٍ وَضَلالٍ كَبِيرٍ ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " خَيرُ النَّاسِ مَن طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ ، وَشَرُّ النَّاسِ مَن طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
إِنَّهُ لا يَلِيقُ بِمَن بَلَغَ الخَمسِينَ وَالسِّتِّينَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - اتِّبَاعُ الهَوَى وَاللَّهَثُ وَرَاءَ الشَّهَوَاتِ ، وَالإِعرَاضُ عَنِ البَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ ، فَقَبِيحٌ بِمَن خَارَت قُوَاهُ وَوَهَنَ عَظمُهُ ، وَضَعُفَ رَجَاؤُهُ مِنَ الدُّنيَا وَأَقبَلَ عَلَى الآخِرَةِ ، وَكَادَت شَمسُهُ تَغِيبُ وَلَم يَبقَ في عُمُرِهِ مِثلُ مَا مَضَى مِنهُ ، قَبِيحٌ بِهِ أَن يَكُونَ سَفِيهًا مَفتُونًا ، زَاهِدًا في الحَسَنَاتِ مُتَلَطِّخًا بِالسَّيِّئَاتِ . مَا أَحرَى مَن هَذَا شَأنُهُ بِالتَّوبَةِ النَّصُوحِ وَتَجدِيدِ العَهدِ بِاللهِ ، وَالإِقلاعِ عَنِ الذُّنُوبِ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا ، وَالزُّهدِ في الدُّنيَا قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا ، وَالهِجرَةِ إِلى الآخِرَةِ وَالعَمَلِ عَلَى إِحسَانِ الخَاتِمَةِ ، وَالحِرصِ عَلَى أَن يَمُوتَ عَلَى الطَّاعَةِ ، لا أَن يَبقَى عَلَى الغَفلَةِ وَالشُّرُودِ وَالهُرُوبِ ، حَتى يَنزِلَ بِهِ المَوتُ وَهُوَ في سَكرَتِهِ ، وَيُختَمَ لَهُ عَلَى أَسوَأِ حَالٍ وَيَمضِيَ بِغُصَّتِهِ ، عَن أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : " إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبدٍ خَيرًا استَعمَلَهُ " قِيلَ : كَيفَ يَستَعمِلُهُ ؟! قَالَ : " يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبلَ المَوتِ ثم يَقبِضُهُ عَلَيهِ " رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " مَن مَاتَ عَلَى شَيءٍ بَعَثَهُ اللهُ عَلَيهِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " اللهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن ضَعفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعدِ ضَعفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعدِ قُوَّةٍ ضَعفًا وَشَيبَةً يَخلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ العَلِيمُ القَدِيرُ . وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقسِمُ المُجرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤفَكُونَ . وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ وَالإِيمَانَ لَقَد لَبِثتم في كِتَابِ اللهِ إِلى يَومِ البَعثِ فَهَذَا يَومُ البَعثِ وَلَكِنَّكُم كُنتُم لا تَعلَمُونَ . فَيَومَئِذٍ لا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعذِرَتُهُم وَلا هُم يُستَعتَبُون "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا . وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدْرًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ المُسلِمَ إِذَا بَلَغَ الكُهُولَةَ أَوِ الشَّيخُوخَةَ ، لم يَكُنْ شَيءٌ أَوجَبَ عَلَيهِ مِنَ الحِرصِ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ الخَمسِ في بُيُوتِ اللهِ ، وَأَدَاءِ مَا عَلَيهِ مِن حُقُوقٍ مَالِيَّةٍ لِرَبِّهِ كَالزَّكَاةِ وَالنَّذرِ ، أَو لِلخَلقِ كَالدُّيُونِ وَالقُرُوضِ ، ثم يُكثِرَ بَعدُ مَا استَطَاعَ مِن أَعمَالِ التَّطَوُّعِ وَنَوَافِلِ العِبَادَاتِ بِأَنوَاعِهَا ، وَيُلازِمَ الذِّكرَ وَيُكثِرَ الاستِغفَارَ ، وَيَبتَعِدَ عَن مَوَاطِنِ الفِتَنِ وَيَجتَنِبَ أَسبَابَ الضَّلالِ ، وَيَحذَرَ مُهلِكَاتِ الحَسَنَاتِ وَمُحبِطَاتِ الأَعمَالِ ، وَيَجتَهِدَ طَاقَتَهُ لِيَترُكَ لَهُ آثَارًا حَسَنَةً وَأَعمَالاً طَيِّبَةً جَارِيَةً ، يَستَمِرُّ بِها ثَوَابُهُ بَعدَ مَمَاتِهِ ، قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " إِنَّ مِمَّا يَلحَقُ المُؤمِنَ مِن عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعدَ مَوتِهِ : عِلمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ ، أَو مُصحَفًا وَرَّثَهُ ، أَو مَسجِدًا بَنَاهُ أَو بَيتًا لابنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ ، أَو نَهَرًا أَجرَاهُ ، أَو صَدَقَةً أَخرَجَهَا مِن مَالِهِ في صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ تَلحَقُهُ مِن بَعدِ مَوتِهِ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَغَيرُهُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَعَن عَبدِاللهِ بنِ بُسرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ رَجُلاً قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ شَرَائِعَ الإِسلامِ قَد كَثُرَت فَأَخبِرْني بِشَيءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ . قَالَ : " لا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطبًا مِن ذِكرِ اللهِ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ " وَتُوبُوا إِلى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ "
المرفقات

النذير المبين لمن جاوزوا الخمسين.pdf

النذير المبين لمن جاوزوا الخمسين.pdf

النذير المبين لمن جاوزوا الخمسين.doc

النذير المبين لمن جاوزوا الخمسين.doc

المشاهدات 2334 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا