خطبة المسجد الأقصى 6 ربيع الأول 1442هـ (فيديو + DOC + PDF)

المساجد الثلاثة
1442/03/12 - 2020/10/29 14:32PM

خطبة الجمعة 6 ربيع الأول 1442هـ – 23 أكتوبر 2020م
المسجد الأقصى
فضيلة الشيخ يوسف أبو سنينة
بعنوان: الحث على الصبر والتقوى والذب عن الدين ومقدساته

نص الخطبة

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي لا توفيق إلا منه، ولا بلوى إلا بقضائه، ولا مفزع إلا إليه، ولا يسرًا إلا بما يسّره، ولا مصلحة إلا في ما قدّره، له الحكم وإليه ترجعون، ونشهد أن لا إله إلا الله كاشف الهموم والكروب، وعلام الغيوب، ومنوّر القلوب، صاحب الفضل والكرم والجود، على كل مولود وموجود، اللهم اعنا على أهوال الدنيا وبوائق الدهر وكربات الآخرة، ومصيبات الليالي والأيام، فأنت صاحب القوة والأيادي العظام.

ونشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله أكرمه ربّنا تبارك وتعالى بصفوة آدم، وخُلْة الخليل، وتكليم الكليم، وحزن يعقوب، وجمال يوسف، وصبر أيوب، وبكاء داود، وملك سليمان، وحنان عيسى، اللهم أكرمنا بشفاعته، وأسكنا بجواره، واسقنا من حوضه يا رب العالمين. اللهم صلّ وسلّم وبارك عليه، وعلى آله السادات الكرام، وجميع صحابته الأخيار من المهاجرين والأنصار، وأكرمنا بكرامتهم يا رب العالمين.

أما بعد: فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأوثق العرى كلمة الحقِّ، وأحسن الهدي هدي الأنبياء، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى، وشر الندامة ندامة يوم القيامة، ومن أعظم الخطايا اللسان الكذوب، والارتياب من الكفر، والغلول من جمر جهنم، وسباب المؤمن فسوقٌ، وقتاله كفر، وأكله لحمه من معصية الله، والصبر يقي من المهالك، والتقوى أساس الأسرار وهي حلية الأبرار.

عباد الله: نحن في زمن البلاء والاعتداء وتجاوز الحدود، والأمر يزداد صعوبة يومًا بعد يوم، والبلاء أنواع: فيكون تعجيلَ عقوبة لما نزل كما حدث مع الصديق يوسف عليه السلام، وقد يكون امتحانًا مثل ما نزل بأيوب عليه السلام، وقد يكون كرامةً ليزداد الإنسان قربة كما جرى مع يحيى عليه السلام، وهو الذي لم يعمل خطيئة قطّ فذبح ذبحًا وأهدي رأسه إلى بغي من البغايا، وكما هو الحال في الجرائم التي ترتكب اليوم سواء في بلادنا أو في غيرها، وقد سمعتم عن جرائم القتل والاغتصاب وتقطيع الأيدي وتسنيم الأعين، وغيرها.

والواجب على أصحاب المسؤولية أن ينشروا الأمن والأماني بين الناس، لا الخوف ولا الرعب ولا القهر ولا الإذلال والأذى، لقد ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حقّ والوعيد في ذلك، فكيف بقتل الآدمي؟ كيف بقتل المسلم؟ كيف بقتل الرجل الصالح التقيّ؟ كيف بالذين يأمرون بالقسط من الناس؟ كيف بمن تلقي أولادها في الأنهار؟ كيف يكون حال الأم وحنانها وعطفها على أولادها حين يقتل أولادها أمام أعينها.

ألا أيتها الأم الثكلى: اتقِ الله واصبرِ، وتعزّي بعزاء الله، واعلمِ أن أهل الأرض يموتون وأن أهل السماء لا يموتون، وأن كل شيء هالك إلا وجهه الذي خلق الخلق بقدرته، ويميتهم بقهره وعزته، ولكل أجل كتاب، فهنيئًا لمن صبر على فَقْد الأحبة ابتغاء رضوان الله.

أَمَا صبر أيوب ويعقوب ونبينا صلى الله عليهم الصلاة والسلام؟ أما صبر عندما فَقَد حمزة وجعفر؟ عندما دفن أولاده وبناته؟ ونحن هنا أجدر بنا أن نصبر الصبر الجميل.

اللهم اكتب الخزي والعار والدمار لمن هتك سترنا، وقتل أولادنا، وبدّد شملنا، وأخذ أموالنا، وغرّبنا عن بلدنا، ونشر الفاحشة بيننا.

نعيش اليوم في كرب كبير؛ من جرّاء ما يسمى كورونا، والإغلاقات في الأرجاء وبخاصة في بيت المقدس، وبيت المقدس يشتاق لأهله، مسجدنا الأقصى يَحِنّ للمصلين والعاملين والراكعين والساجدين.

المحلات مغلقة، والحركة معطلةٌ، ولا فرج إلّا من الله، والمخالفات على قدم وساق هنا وهناك، ولا حافظ ولا منجِّي إلا الله.

همومنا كثيرة في زمن القطيعة، الهمّ يهدم البدن، وينغّص العيش، ويقرّب الأجل، فإن أردتم السلامة من كل ذلك فسلّموا أموركم إلى الله، واعتمدوا عليه فهو البر الرحيم.

لقد بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء من أمتي [صحيح مسلم]، أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقّة أبتلي على قدر دينه، فلا يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة [سنن ابن ماجه].

لقد أمرنا المولى تبارك وتعالى بإعزاز الدين، والذبّ عن حرمات المسلمين في الزمن الصالح والزمان المطمئن، فكيف اليوم وقد انقلب الأمر واضطرب الحال؟

لقد عرّيَ عن الحريم، وتمت الاستباحة، ونيل جانبنا بالضيم، وقصد ركننا بالهدم، أليس هذا هو المشاهد اليوم؟ فإن كان هناك جد وتشمير فما أقرب الفرج مما قد أضلّ وأزعج! وإن كان توانٍ وتقصير فما أصعبه من خطب عسير، وهو على الناس غير يسير.

والناس اليوم قد أبعدوا عن أوطانهم، وفتنوا في دينهم، وضعفوا في حقيقة إيمانهم؛ للرعب الذي أذهلهم، والخوف الذي وهنهم، وإنما هم بين أطفال صغار، ونساء ضعاف، وشيوخ قد أخذ الزمان منهم، وشباب قد دخل الهم والغم بينهم فهم أرض لكل واطئ ونهب لكل يد.

أين أهل الدين والعلم وأصحاب المسؤولية، لقد هانت المنابر على أصحابها، وخلت المحاريب من أهلها، ودخلنا قد غربل أهله أشد غربلة، لقد أظهر سفه الأحلام والأخلاق، وخبث الضمائر والمكر والكيد، إن أحمق الحمق وأضل الضلال قوم رغبوا عما جاء به نبيهم صلى الله عليه وسلم ومالوا إلى أمة غير أمتهم.

واحسرتا عليهم، لقد ضلّوا الطريق وهم يزعمون أنهم على الحق الحقيق، يدخلون في مسالك الطِّيرة قائدهم شيطانهم، نقول لهؤلاء: تتكلون بكلام الصديقين، وتقتلون أولاد النبيين، تقتلون قتل الفراعنة، وتبطشون بطش الجبابرة، وتحكمون بالجبر حكم المفسدين، وتبذرون المال وتضعونه في غير مواضعه فعل المسرفين والمترفين. فويل لكم يوم تلقون ربكم، وأنتم تحملون أوزاركم على ظهوركم وعلى جنوبكم، ومن أوزار الذين تضلونهم بغير علم.

أيها المعرض عنا: إن إعراضك مِنّة، لو أردناك جعلنا كل ما فيك يريدنا، عباد أعرضوا عنا بلا جرم ولا معنى، أساؤوا ظنهم فينا، فهلّا أحسنوا الظن؟ فإن خانوا فما خنا، وإن عادوا فقد عدنا، وإن كانوا قد استغنوا فإن عنهم أغنى.

عباد الله: لا ناصر لنا إلا الله، وليس لنا اليوم من ذابٍّ عن حريمنا، ولا ناصر لديننا، ولا حافظٍ لبيضتنا، ولا مفرج لكربتنا، ولا من يهمه شيء من أمورنا، فالله الله يا عباد الله في هذا الزمن الذي انتشر فيه الفساد والطغيان، فلا أمن ولا أمان، أسرانا أصبحوا في عالم النسيان، كم يستغيث بنا المستضعفون وهم أسرى وقتلى، فما يهتز الإنسان!

أيها الحاكم: أنت الزمان إن صلحت صلح الزمان، وإن فسدت فسد الزمان، من ولي من أمر أمتي شيء فحسنت سريرته رزق الهيبة في قلوبهم، فإذا بسط يده لهم بالمعروف رزق المحبة منهم، وإذا وفّر عليهم أموالهم وفّر الله عليه ماله، وإذا أنصف الضعيف من القوي قوّ الله سلطانه، وإذا عدل مدّ الله في عمره، ملك عادل خير من مطر وابل، من كثر ظلمه واعتدائه قرب هلاكه وفناؤه.

عباد الله: كل محنة إلى زوال، وكل نعمة إلى انتقال، من كبرت همته كثرت قيمته، لا تثق أيها المسلم في القوة فإنها ظلٌّ زائل، ولا تعتمد على النعمة فإنها ضيف راحل، فإن الدنيا لا تصفو لشارب، ولا تفي لصاحب.

إن أراد الرعية أن يتخلصوا من الظلم فليتركوا الظلم، وما من ظالم إلا وسيبلى بظالم، من أحب أن يستجيب الله له في الشدة فليكثر من الدعاء في الرخاء.

فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين استغفروا الله.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله المتفضل بالنعم والمنن، والكافي بقدرته ما يخشى من الفتن والمحن، ونشهد أن لا إله إلا الله خصَّ بتوفيقه مَن اصطفاه، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم ارض عن الصحابة الكرام الأئمة الأعلام، وارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين. وفك الحصار عن إخواننا المحاصرين.

أما بعد، فيا عباد الله: ورغم كل ما ينتشر اليوم فلابد أن نحافظ على ديننا ومقدساتنا وأرضنا وأخلاقنا التي علمنا إياها نبينا عليه الصلاة والسلام، فنحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، نسمّى في التوراة: صفوة الرحمن. وفي الإنجيل: حكماء أبرار أتقياء كأننا في الطهر أنبياء، أخلاقنا كريمة، ومعاملاتنا سليمة ورحيمة، أصحاب عهد ووفاء، ألسنا نحن الشهداء على الأمم يوم القيامة؟

لا تزال الأمة بالخير ما وقرت كبراءها، واحترمت علماءها، وأدت الأمانة، ونصرت الضعفاء، وإذا فعلت خلاف ذلك حلّ فيها الذل للعدوِّ فلا ينصرون، والفقر فلا يستغنون، والحرص فلا يقنعون، والبغضاء فلا يتحابّون، والكبرياء فلا يتراحمون.

إذا أراد الله بقوم شرًّا أكثر جهالهم وأقلّ فقهاءهم، فإذا تكلّم الجاهل وجد أعوانًا، وإذا تكلم الفقيه نهر.

قف بالديار فهذه آثارهم                تبك الأحبة حسرةً وتشوّقًا

كم قد وقفت بها أسائل مخبرًا           عن أهلها أو صادرًا أو مشفقًا

فأجابني داع الهوى في رسمها               فارقت من تهوى فعز الملتقى

بقاع القدس أيها الأحباب، والمسجد الأقصى، والقبة الذهبية، وأماكن الصلوات تشكو ظلم الظالمين، ولكن تذكروا دومًا أن الفرج قريب، وسوف تزول الغمة، وسوف يعود الأمل لهذه الأمة، مهما اشتد الظلام فلابد أن يطلع الفجر، ويحمل معه الخلاص والنجاة، لو دخل العسر جحرًا لدخل اليسر حتى يخرجه، فلا ينتظر الفقير إلا اليسر، ولا المبتلى إلا العافية، ولا المعافى إلا البلاء، ولا الصابر إلا النصر على الأعداء.

"لا إله إلا الله": تدفع عن قائلها تسعة تسعين بابًا من البلاء أدنها الحمد، بادروا بالصدقة، فإن البلاء لا يتخطها، تداركوا الغموم والهموم بالصدقات، يكشف الله ضركم، إن الله ليصرف العذاب عن الأمة بصدقة رجل منهم، المعروف باب من أبواب الجنة، وهو يدفع مصارع السوء، فاصنعوا المعروف وقولوا للناس حسنًا، {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} [التغابن: 16].

الصدق في الإرادة وصيتنا لأرباب السعادة حتى ينالوا الحسنى وزيادة، فيا أيها الناس أصلحوا سرائركم تصلح علانياتكم، واعملوا لآخرتكم تكفو أمر دنياكم.

إذا ترك الوفاء نزل البلاء، نسأل الله السلامة بحرمة من ظلّله بالغمامة.

"زينوا -يا عباد الله- مجالسكم بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن صلواتكم عليّ نور لكم يوم القيامة" [المقاصد الحسنة للسخاوي]. اللهم صل وسلم وبارك على سيد السادات.

إلهنا ومولانا لا إله إلا أنت سبحانك إنّا كنّا من الظالمين، لقد شكى إليك يعقوب فخلّصته من حزنه، ورددت عليه ما ذهب من بصره، وجمعت بينه وبين ولده. ولقد ناداك نوح من قبل فنجّيته من كربه. وناداك أيوب من بعد فكشفت ما به من ضرّه. ولقد ناداك يونس فنجّيته من غمّه. ولقد ناداك زكريّا فوهبت لهم ولدًا من صلبه بعد يأس أهله وكبر سنه. ولقد عَلِمت ما نزل بإبراهيم فأنقذته من النار من عدوه. وأنجيت لوطًا وأهله من العذاب النازل بقومه. اللهم ارحمنا كما رحمتهم، وارزقنا كما رزقتهم، وانصرنا كما نصرتهم.

ستر العرش مسدول علينا، وعين الله ناظرة إلينا، بحول الله لا يقدرونا علينا، اللهم ادخلنا في حصنك الحصين، يا دافع السقم، يا بارئ النسم، يا عالم جميع الألم ادفع عنا البلاء والوباء والأمراض وموت الفجاءة، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

عباد الله: {إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]، فاذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، {وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ} [العنكبوت: 45].

المشاهدات 602 | التعليقات 1

للاستماع إلى الخطبة:
https://t.me/i3masjid_V/37

ومرفق ملف DOC + PDF

المرفقات

https://khutabaa.com/forums/رد/367032/attachment/%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%a8%d8%b1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%82%d9%88%d9%89

https://khutabaa.com/forums/رد/367032/attachment/%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%a8%d8%b1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%82%d9%88%d9%89

https://khutabaa.com/forums/رد/367032/attachment/%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%a8%d8%b1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%82%d9%88%d9%89-2

https://khutabaa.com/forums/رد/367032/attachment/%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%a8%d8%b1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%82%d9%88%d9%89-2