خطبة المسجد الأقصى 22 صفر 1442هـ

المساجد الثلاثة
1442/02/25 - 2020/10/12 04:56AM

خطبة الجمعة 22 صفر 1442هـ - 9 أكتوبر 2020م
فضيلة الشيخ: محمد سليم محمد علي
بعنوان: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله

المكان: المسجد الأقصى المبارك

نص الخطبة:
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي قال: (وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ) [الأنعام: 151]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جمع بيننا برباط لا تنفك عراه، فقال: (إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٌ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ)، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، قال: "ثَكِلَتْهُ أمُّه رجلٌ قتلَ رجلًا متعمدًا يَجيءُ يومَ القيامةِ آخذًا قاتلَه بيمينِه أو بيسارِه وآخذًا رأسَهُ بيمينِهِ أو شمالِهِ تَشْخُبُ أوْداجُهُ دمًا في قُبُلِ العرشِ يقولُ : يا ربِّ سَلْ عبدَكَ فيمَ قتَلَني" [رواه أحمد].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين وعلى من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله، واحذروا معصيته، وخافوا عذابه، فقد طفّ الصاع، فما يجري في مجتمعنا الفلسطيني من قتلٍ واشتباكاتٍ مسلحة بين العائلات شاهد ودليل، أين أنتم من قول نبيكم: "لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض" [رواه النسائي]، ألا يخيفكم ما حذر منه رسولكم -صلى الله عليه وسلم-: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" [صحيح البخاري].
يا عباد الله، يا مرابطون: الأصل في العلاقات بين المسلمين أنهم شركاء جميعًا في التآلف بينهم، قال تعالى: (وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ) [الأنفال: 63]، وشركاء جميعًا في التعاون على الخير، قال ربنا -عز وجل-: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ) [المائدة: 2] وشركاء جميعًا في الموالاة، يقول سبحانه: (وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٍۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ) [التوبة: 71].
يا مؤمنون: فالاقتتال والعداوة بينكم يجب أن يكون أمرًا عارضًا لا أن يصبح ظاهرًا، نصطلي بنارها بين الحين والآخر، فمن يفتعل الشجارات ويقتل أخاه المسلم ويستخدم السلاح في أذية المسلمين فاقدًا لصلاته، ولا عقل له، في مضآن المجانين -أعزكم الله-، وهذا هو حكم الرسول في هذه الفئة الضالة، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إن بين يديّ الساعة الله لهرجًا". قال راوي الحديث: قلت يا رسول الله: ما الهرج؟ قال: "القتل". فقال بعض المسلين: يا رسول إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ليس بقتل المشركين ولكن يقتل بعضكم بعضًا حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته". فقال بعض القوم: يا رسول الله، ومعنا عقولنا ذلك اليوم؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا، تنزع عقول أكثر ذلك الزمان" [سنن ابن ماجه].
فيا عباد الله: اتقوا الفتن، وتعوذوا بالله منها؛ فإنها مهلكة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن" [صحيح مسلم]، فاللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
أيها المؤمنون: ومن الفتن: افتعال النزاعات، والخوض والمشاركة فيها إذا حدثت، والواجب على المسلم في هذه الحالة أن يمنع حدوث النزاع، وإذا حدث ألا يشارك فيه عصبية وحمية، فهذه من عادات الجاهلية وأخلاقها التي حرمها الله ونهى عنها، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن السعيد لمن جنب الفتن" [سنن أبي داود]، وهذا كلام حق لا ريب فيه؛ لأن المسلم إذا افتعل شجارًا أو شارك فيه كان خاسرًا كل في الحالات؛ فإما أن يعتدى عليه ويهان ويضرب، وإما أن يقتل أو يقتل -كما نعيش ونرى- فيصبح مهدور الدم وتشرد عائلته، ولهذا كان الخير كله في الاختصار، فالاختصار انتصار، وهذا مصداق لحديث نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب" [صحيح البخاري] كررها مرارًا؛ لأهمية مآلات الصبر وتجنب الغضب.
يا عباد الله، يا مؤمنون: والمسلم الصادق التقي في هذه الفتن -التي نتحدث عنها وهي التي تحدث بين العائلات والأفراد- يلزم بيته، ويمسك عليه لسانه، ويعتزلها، ولا يشارك فيها، قال عبدالله بن عمرو بن العاص: بينما نحن حول رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- إذ ذكر الفتنةَ، فقال: إذا رأيتم النَّاسَ قد مرجت عهودُهم، وخفَّت أماناتُهم، وكانوا هكذا، وشبَّك بين أصابِعه. قال: فقمتُ إليه، فقلتُ: كيف أفعلُ عند ذلك، جعلني اللهُ تبارك وتعالَى فداك؟ قال: الزَمْ بيتَك، وابْكِ على نفسِك، واملِكْ عليك لسانَك، وخُذْ ما تعرِفُ، ودَعْ ما تُنكِرُ، وعليك بأمرِ خاصَّةِ نفسِك، ودَعْ عنك أمرَ العامَّةِ" [سنن ابن داود].
فابتعد أيها المسلم عن هذه الفتن والنزاعات، ولا يهمك بعد ذلك أن يقال عنك: جبان، فقول: جبان أهون عليك مليون مرة من أن تصيب دمًا حرامًا، أو أن تشارك في سفك دم حرام، فأنت حينئذ تقع في ورطة لا تنجو منها في الدنيا ولا في الآخرة، قال عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-: "إنَّ مِن ورَطَاتِ الأُمُورِ، الَّتي لا مَخْرَجَ لِمَن أوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بغيرِ حِلِّهِ" [صحيح البخاري]، وقد وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلمين للابتعاد عن الفتن كلها، فقال: "سَتَكُونُ فِتَنٌ القاعِدُ فيها خَيْرٌ مِنَ القائِمِ، والْقائِمُ فيها خَيْرٌ مِنَ الماشِي، والْماشِي فيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَن تَشَرَّفَ لها تَسْتَشْرِفُهُ، ومَن وجَدَ فيها مَلْجَأً أو مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بهِ" [رواه مسلم]. فاحذروا يا عباد الله من فتنة الاقتتال بين العائلات والأفراد، ولا تستشرفوا لها؛ فتهلكوا أنتم وعائلتكم، وكلما وجدتم معاذًا منها فعوذوا به.
أيها المرابطون: اجتنبوا النزاعات بينكم ولا تتقاتلوا، فهذه صفة الجاهلي، واعلموا أنه لا ينبغي لمسلم أن يقتل مسلمًا إلا عن طريق الخطأ، قال الله سبحانه: (وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٍ أَن يَقۡتُلَ مُؤۡمِنًا إِلَّا خَطَ‍ٔاًۚ) [النساء: 92]، واعلموا أن دم المسلم وماله وعرضه مصان، ويحرم الاعتداء عليها، قال رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: "كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه" [متفق عليه].
يا عباد الله: ومن قتل فكأنما قتل الناس جميعا، قال الله تعالى: (مِنۡ أَجۡلِ ذَٰلِكَ كَتَبۡنَا عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفۡسَۢا بِغَيۡرِ نَفۡسٍ أَوۡ فَسَادٍ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة: 32]، واجتنبوا الاعتداء على المسلمين وأموالهم وأولادهم؛ فأول ما يسأل عنه المرء يوم القيامة: عن الدماء، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء" [متفق عليه]، وحينها لن يكون معكم أقربائكم، ولا عائلاتكم، ولا أصحابكم، ولن تكون معكم أسلحتكم، ولا عنترياتكم، بل تأتون الله حفاة عراة، تأتون الله حفاة عراة لا تملكون إلا حسناتكم وسيئاتكم، فيا سعادة من غلبت حسناتُه سيئاتِه وكانت يده نظيفة من دماء المسلمين، ويا شقاوة من غلبت سيئاتُه حسناتِه وكانت يده ملطخة بدم أخيه المسلم، جاء في الحديث الشريف: "يُحشَرُ العبادُ عُراةً غُبْرًا بُهمًا. قلنا: ما بُهمًا؟ قال: ليس معهم شيءٌ. ثمَّ يُناديهم ربُّهم تعالَى بصوتٍ يسمعُه من بَعُد كما يسمعُه من قَرُب: أنا الملِكُ أنا الدَّيَّانُ، لا ينبغي لأحدٍ من أهلِ الجنَّةِ أن يدخُلَ الجنَّةَ ولأحدٍ من أهلِ النَّارِ عليه مظلَمةٌ حتَّى أقتصَّه منه، ولا لأحدٍ من أهلِ النَّارِ أن يدخُلَ النَّارَ ولأحدٍ من أهلِ الجنَّةِ عنده مظلَمةٌ حتَّى أقتصَّه منه حتَّى اللَّطمةَ. قلنا: وكيف وإنَّما نأتي اللهَ عزَّ وجلَّ عُراةً غُبْرًا بُهمًا؟ فقال: بالحسناتِ والسَّيِّئاتِ، فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ" [مسند أحمد].
اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
عباد الله استغفروا الله وادعوه وأنتم موقنون بالإجابة.
 
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون: إن اشتراء السلاح واقتناؤه واستخدامه في الشجارات العائلية هو الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه، من قتل وإصابات وجراحات وفوضى، وعليه فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، ومَن يدّعي أنه من أهل الرباط في بيت المقدس وأكنافه، ومن يظن أنه من الوطنين الأحرار المحبين لشعبه ولوطنه؛ فإنه يحرم عليه أن يقتني السلاح ويبتاعه للفتن ووقت الفتن، ومن كان يملك سلاحًا فيجب عليه ألا يظهره في محافل المسلمين؛ لتروعيهم أو للمباهاة به في الحفلات والأعراس وغيرها، فكل ذلك حرام شرعًا، وعاقبته وخيمة، وكل ذلك من ضعف في الإيمان، وخروج عن الصف الوطني المسلم.
وأدعوا من على منبر الأقصى كل من عنده قطعة سلاح بأن يتخلص منها وقت الفتنة -كالفتنة التي نعيشها- وألا يقتنيها، وألا يتاجر فيها بيعًا وشراءً، ومن كان مؤمنًا حقًّا فليكسر سلاحه وقت الفتن بل وليتخلص منه؛ كي يأد الفتنة ولا يحوم فيها، ولكي لا يقع في حرمتها وجريمتها، وما أدعوكم إليه هو الذي دعاكم إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وقت الفتن يبن المسلمين، فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: "اكسروا قسيكم، وأقطعوا أوتاركم، والزموا جوف البيوت، وكونوا فيها كالخير من بني آدم" [سنن أبي داود]، فمن منكم يبادر، ويكون قدوة لغيره؟ ومن منكم يكون مثالًا للاستجابة بما يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ من منكم يا مسلمون من يملك عقله ولا يفرّط فيه؟ من منكم يكون مثالًا للمرابط الحقيقي؟ فاتقوا الله يا مسلمون، وأشغلوا أنفسكم بالرباط في المسجد الأقصى، وعلقوا قلوبكم به، فهو ثروتكم التي بها النجاة في الدنيا والآخرة، وهو موطن العمل الصالح، ورضوان الله تعالى، وهو موطن المنافسة في الخيرات.
نعم يا مرابطون، نعم يا مسلمون، نعم يا أهل بيت المقدس وأكنافه، بدل أن تتراكضوا خلف بعضكم البعض في النزاعات الفردية والعائلية تراكضوا نحو الأقصى، تراكضوا نحو بيت المقدس، الذي يتعرض لأشد محنة وأصعب كربة، وتذكروا يا مسلمون في فلسطين وفي كل البلاد العربية التي يقاتل فيها العرب والمسلمون بعضهم البعض، تذكروا قول الشاعر [زهير بن أبي سلمى]:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم                          وما هو عنها بالحديث المرجم
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة                               وتضرى إذا ضريتموها فتضرم
اللهم فرج كربات المسجد الأقصى، اللهم فرج كربات المسجد الأقصى، اللهم فرج كربات المسجد الأقصى، اللهم فرج كرباتنا في بيت المقدس وأكنافه، اللهم فرج كرباتنا في بيت المقدس وأكنافه، اللهم فرج كرباتنا في بيت المقدس وأكنافه، اللهم فرج كربات المسلمين، اللهم فرج كربات المسلمين، اللهم فرج كربات المسلمين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمن لهم حق علينا، وأنت يا مقيم الصلاة أقم الصلاة، (إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ) [العنكبوت: 45].
المشاهدات 479 | التعليقات 1

للاستماع إلى الخطبة:

https://youtu.be/LPxerpnxd6Q

* مرفق نص الخطبة: ورد وPDF

المرفقات

https://khutabaa.com/forums/رد/365843/attachment/%d9%81%d8%b6%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d9%8a%d9%86%d8%a9-1

https://khutabaa.com/forums/رد/365843/attachment/%d9%81%d8%b6%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d9%8a%d9%86%d8%a9-1

https://khutabaa.com/forums/رد/365843/attachment/%d9%81%d8%b6%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d9%8a%d9%86%d8%a9-1-2

https://khutabaa.com/forums/رد/365843/attachment/%d9%81%d8%b6%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d9%8a%d9%86%d8%a9-1-2