خطبة المسجد الأقصى 15 صفر 1442هـ

المساجد الثلاثة
1442/02/19 - 2020/10/06 08:42AM

خطبة الجمعة من المسجد الأقصى المبارك لفضيلة الشيخ يوسف أبو سنينة
15 صفر 1442هـ - 2 أكتوبر 2020م

نص الخطبة:

الخطبة الأولى:

الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرعوب من عذابه، المرغوب إليه فيما عمله من ثوابه، النافذ أمره في أرضه وسماءه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميزهم بحكمته،  وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيهم -صلى الله عليه وسلم-، اللهم يا أول الأولين وآخر الآخرين ويا ذا القوة المتين ويا راحم المساكين ويا أرحم الراحمين ارحمنا رحمة تكشف بها عنا البلاء والغلاء وتدفع عنا الشرور يا من علمت آدم الأسماء.

وأشهد أن لا إله إلا الله، ونشهد أن الحلال ما حلّ، والحرام ما حرّم، والدين ما شرع، (وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ لَّا رَيۡبَ فِيهَا وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبۡعَثُ مَن فِي ٱلۡقُبُورِ) [الحج: 7]، ونشهد أن سيدنا ونبينا ومولانا محمدًا عبده ورسوله، القائل: "ثلاثة لا ترى أعينهم النار يوم القيامة، عينٌ حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، وعينٌ كفّت عن محارم الله" [الترغيب والترهيب]، اللهم اجعل صلواتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبين عبدك ورسولك إمام الخير ورسول الأمة، وابعثه اللهم المقام المحمود الذي وعدته، وارض اللهم عن الصحابة الأخيار الذين نصروا الإسلام بكل قوة وعزة واقتدار، وارض اللهم عن آل بيته الكرام أصحاب القوة والعزة والشفاعة، أوليس فيهم حمزة وجعفر الطيار -رضي الله عنهما-، وارض عنا برحمتك يا عزيز يا غفار.

أما بعد: فيا عباد الله: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الزاد التقوى، ورأس الحكمة مخافة الله، والخمر جماع الإثم، والورع سيد العمل، وشر الأمور محدثاتها، وشر العمى عمى القلب، وشر المعذرة حين يحضر الموت، وشر الندامة يوم القيامة، وشر المأكل مال اليتيم، وشر المفاسد كسب الربا. طوبى لمن رزقه الله الكفاف ثم صبر عليه، طوبي لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله، طوبى لمن يبعث يوم القيامة وجوفه محشو بالقرآن والفرائض والعلم والعمل، طوبى لأصحاب الصدقات والصبر والصمت، بادروا بالصدقة فإنها تتخطى رقاب العباد، تداركوا الهموم والغموم بالصدقات، يكشف الله ضركم، وينصركم ويثبت أقدامكم، الصدقات -يا عباد الله- تذهب بالعاهات، الصبر رضا وضياء، وهو من الإيمان بمنزلة الرأس من البدن، والصمت أرفع العبادة، وزين للعالم، وستر للجاهل، وهو سيد الأخلاق، صمت الصائم تسبيح، ونومه عبادة، ودعاؤه مستجاب، وعمله مضاعف، فطوبى لكم أيها المؤمنون في هذه الأرض المباركة، طوبى لمن سكن بلاد الشام، فهي صفوة الله من بلاده، يجتبي إليها صفوته من خلقه، "عليكم بالشام فإنه خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده"، "إن الله توكّل لي بالشام وأهله" [سنن أبي داود].

أهل بيت المقدس أهل عطاء وسخاء، وقد بارك الله تبارك وتعالى مسجدهم، "ولَنِعْم المُصلَّى هو أرضُ المحشرِ والمنشرِ، وليأتِينَّ على النَّاسِ زمانٌ ولَقَيدُ سوطٍ أو قال قوسِ الرَّجلِ حيث يُرَى منه بيتُ المقدسِ خيرٌ له أو أحبُّ إليه من الدُّنيا جميعًا" [الترغيب والترهيب]. فتمسكوا أيها المؤمنون بأرضكم ومسجدكم، فهو عزكم وفخركم وصلاحكم ونجاحكم، ليكن عملكم وعلمكم خالصًا لله تبارك وتعالى.

طوبى لمن صلى في المسجد الأقصى، وجلس فيه لعبادة الله، طوبى لكم أيها المؤمنون الذين تحملتم الأذى والظلم، طوبى لأهل الفضل والعفو والإحسان.

عباد الله: نعيش حياة مريرة مليئة بالصعاب، وتلك هي ضريبة الرباط في هذه الأرض المقدسة، والحمد لله فلا زلتم متمسكين بدينكم متمسكين بأرضكم، أنتم أهلها وأصحابها، ولا يصح التفريط بشبر منها، وقد تحملتم كثيرًا. إن الذهب يجرب بالنار،  وإن المؤمن يجرب بالبلاء، من أبصر سواد الشدة لم يتمنى الخروج منها.

ونوجه كلمة لأولئك الذين يأكلون الربا ويتعاملون بالرشوة ويشربون الخمر ويغشون المسلمين ويشهدون شهادة الزور ولا يصلون ولا يزكون، وهم عاقّون لوالديهم مؤذون لجيرانهم خانوا دين الله تبارك وتعالى، نقول لهم: كفوا عن فسادكم، إن ما نراه اليوم في عالمنا العربي أهل دعوى واجتراء، وعجب وامتراء، يجبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، صيروا أنفسهم أرباب البلاد فظلموا العباد، أوليس هؤلاء حلفاء إبليس اللعين، وعداء الحقائق والخلائق؟ ألم يلقوا العلماء في غيابات الجب؟ ألم يفسدوا في البلاد؟ ألم يحالفوا أعداء الله؟ ولكن تذكروا دائمًا أن أول من يدخل النار سلطان مسلًط، لم يعدل في سلطانه، أطغاه كبره، وأبطرته قدرته، فالظلمة أعوانهم في النار، (وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) [هود: 113]، فالله المستعان على ألسن تصف، وقلوب تعترف، وأفعال تختلف، نجى من آفات الدنيا من كان من العارفين، ووصل إلى خيرات الآخرة من كان من الزاهدين، وظفر بالفوز والنعيم من قطع طمعه عن الخلق أجمعين.

أعاذنا الله وإياكم من اختلاف الآراء، واتباع الأهواء، وجمع كلمتنا على الحق والتقوى، وقد أمرنا الله تبارك وتعالى بالوَحدة، ففيها العزة وهي آية الحق، المنجية من المهالك، المؤدية إلى السعادة والنصر، فالوحدة الوحدة يا عباد الله فإن فيها الخير كله،

توجهوا إلى المولى الكريم، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا قصد المستغفرين أستغفر الله.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي قدّم نبينا صلى الله عليه وسلم على كل نبيٍّ أرسله، وفضّل كتابنا على كل كتاب أنزله، وجعل أمّتنا خير الأمم، ونشهد أن لا إله إلا الله مانح العطاء، وكاشف الغطاء، وكاشف عن بصائر أولياءه العظام، الذي منح أهل وده أنواع اللطائف، وعمر أفئدتهم بأنواع الذكر والمعارف، فوردوا موارد الأوراد، وصدروا مصادر الإسعاد والإرشاد، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، خاتم أنبيائه، ومبلغ أنباءه، وصفوة أولياءه، ونخبة أحبائه، كاشف الغمة، وشفيع الأمة، الناطق بالحكمة، المؤيد بالعصمة، إمام الهدى، وقامع العدا، ودافع الرذى، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آل بيته وأصحابه المتأدبين بآدابه، والسائرين على منهاجه، وعلى السلف الصالح من أولياءه الذين جعلهم شهداء على عباده، والمدافعين عن دينه، والداعين إلى سبيله، والقائمين بحقه، والحافظين لعهده.

أما بعد، فيا عباد الله: "أُوصيكم بتَقوى اللهِ، تبارك وتعالى والقرآن العظيم، فإنه ينور الظلمة، فاتلُوه على ما كان من جَهدٍ وفاقةٍ، فإنْ عَرَضَ بَلاءٌ فاجعل أيها المسلم مالَكَ دُونَ دمِك، فإنْ تَجاوَزَك البَلاءُ، فاجعَلْ مالَك ودمَك دون دينِك، فإنَّ المسلوبَ من سُلِب دينَه، وإن المَخروبَ مَن خَرِبَ دِينُه، إنَّه لا فاقةَ بعد الجنَّةِ، ولا غنًى بعد النَّارِ، إنَّ النَّارَ لا يستغني فقيرُها، ولا يُفَكُّ أسيرُها" [شعب الإيمان].

أيها المسلمون: "نَوِّرُوا بيوتَكم ما استطعتم؛ فإن البيتَ الذي يُقْرَأُ فيه القرآنُ؛ يَتَّسِعُ على أهلِهِ، ويَكْثُرُ خيرُهُ، وتَحْضُرُهُ الملائكةُ، وتَهْجُرُهُ الشياطينُ، وإن البيتَ الذي لا يُقْرَأُ فيه القرآنُ؛ يَضِيقُ على أهلِه، ويَقِلُّ خيرُه، وتَهْجُرُهُ الملائكةُ، وتَحْضُرُهُ الشياطينُ" [سنن الدارمي].

ألا أخبركم بالفقيه كل الفقيه؟ من لا يقنّط الناس من رحمة الله، ولا يؤيسهم من روح الله، ولا يؤمنهم مكر الله، ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى ما سواه، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقه، ولا في علم ليس فيه تفهم، ولا في قراءة ليس فيها تدبر.

رحم الله امرأً أصلح من لسانه تكلّم فغنم أو سكت فسلم، ورحم الله امرأً كفّ لسانه عن أعراض المسلمين، رحم الله امرأً صلى الغداة ثم جلس يستغفر الله تبارك وتعالى، ورحم الله من عرف أهل زمانه واستقامت طريقته، رحم الله والدًا أعان ولده على بره.

إن الأهوال كما ذكرنا -يا عباد الله- صعبة وشديدة في المسجد الأقصى وفي بيت المقدس، فأنتم ترون لا يصلي سوى العشرات، وقد دبّ اليأس في نفوس بعض الناس، وما ذلك إلا لضعف الإيمان وقلة الدين، نحن لا ننكر أن الشدائد موجودة، ولتتذكروا دائمًا أن الأرزاق بيد الله، ولا يجوز بأي حال من الأحوال الاعتداء على النفوس المؤمنة.

وإن حوادث القتل التي تحدث في بلادنا لهي من الأمور المحرمة شرعًا، فدم المسلم عزيز على الله، وقتل النفس من الكبائر والجرائم، فاتقوا الله يا عباد الله، وإياكم ثم إياكم وقتل النفوس البريئة، أو الاعتداء عليها، فكفانا ما نحن فيه، إن الرجل ليتكلم بالكلمة فيسفك بها الدلم الحرام، ويؤخذ بها المال الحرام، وينتهك بها الفرج الحرام، ولا تصدر هذه الأشياء إلا عن أصحاب القلوب القاسية، وديننا يدعو إلى المحبة والمودة ومحاربة الظالمين، وإذا أردتم أن تعرفوا على من يكونوا هؤلاء أصحاب القلوب القاسية فاستمعوا: التثاقل عن أمور الخير، والكراهية لها، والكسل عنها، والسآمة منها، وإذا قيل لأحدنا: افعل كذا أو اترك كذا فيرى أبواب الخير أثقل من حمل الجبال، ويرى القيل والقال والخوض فيما لا يعنيه أشهى له من السلسال، ويثقل عليه أعمال الخير والصلاح، مثل: الجلوس في المساجد، والقيام بالليالي، فالقلوب القاسية والأعضاء عاصية، والقلوب إذا قست والأعضاء إذا عصت وجبت معالجتها، وقد انعكس أهل هذا الزمان فعالجوا الأبدان وتركوا معالجة الأعضاء العاصية وأمراض الجنان، ولكن إن رأى أحدنا بعين البصيرة من أولى بالمعالجة؛ لعَرَف الحال، وصلحت منه السيرة، وصفت له السريرة، ولكن اليوم من يحدق النظر فيما قلبه به يتضور، مَن صاحب الكشف اليوم يرى العيب الخناس راكبًا على ظهور الناس، كما يركب أحدنا الدابة ويسوقها إلى حيث شاء فهو لا ينزل عن ظهورهم حتى في الأغلاس إلا عند الصلوات ونحوها من القربات إن كان محفوفًا بالواجبات، وإن كان مع الرغبات والأفكار الملهيات فهو يعلوهم في جميع الحالات. حفظنا الله وإياكم وجميع المسلمين من الشيطان الرجيم الذي هو عدو الدين، وحمانا من متابعة الأهوية والنفوس المطغية الملهية، وسيرنا في منهاج العابدين الصادقين.

تذكروا أيها المؤمنون أن الدنيا لا تصفو لمؤمن، كيف لا؟ وهي سجنه وبلاؤه، الدنيا حلوة رطبة، فالصبر فالصبر يا عباد الله، لقد اقترب شمس الغروب، وسوف يطلع فجر جديد، يشع من نور الإيمان والهداية.

اللهم إنا نتوجه إليك من علياء هذا المكان الطاهر بدعاءٍ من ألسنةٍ مؤمنةٍ صدقة، الدعاء -يا عباد الله- سلاح المؤمن، يرد البلاء، ويرد القضاء، لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن العبد ليحرم الرزق بذنب يذنبه، ولا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن الدعاء والبلاء يعتلجان إلى يوم القيامة.

فيا الله يا كريم، يا من أظهر الجميل، وستر القبيح، ولم يأخذ بالجريرة، ولم يهتك الستر، يا عظيم العفو والإحسان، يا كريم المن والامتنان، يا صاحب كل نجوى، ومنتهى كل شكوى، يا منزل النعم قبل استحقاقها اصرف عنا البلاء والوباء والغلاء وشماتة الأعداء، واكتب لنا النصر على الأعداء، اللهم إنا نسألك ثواب الشاكرين، ونزل المرابطين، ومرافقة النبيين، ويقين الصديقين، وإخبات المؤمنين حتى تتوفّنا على ذلك يا أرحم الراحمين، اللهم ارحم علماءنا الذين توفّيتهم يا رب العالمين، اللهم اجعلهم في أعلى عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، إلهنا وإله إسماعيل وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإله جبريل وميكائيل وإسرافيل نسألك أن تستجيب أدعيتنا فإنّا مضطرون، وتعصمنا في ديننا فإنّا مبتلون، وتنالنا برحمتك فإنّا مذنبون، وتنفي عن الفقر فإنّا مستمسكون.

عباد الله: (إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90]، فاذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ) [العنكبوت: 45].

المشاهدات 480 | التعليقات 1

لتحميل الخطبة بصيغة WORD و PDF

المرفقات

https://khutabaa.com/forums/رد/365614/attachment/%d9%83%d9%86%d8%aa%d9%85-%d8%ae%d9%8a%d8%b1-%d8%a3%d9%85%d8%a9

https://khutabaa.com/forums/رد/365614/attachment/%d9%83%d9%86%d8%aa%d9%85-%d8%ae%d9%8a%d8%b1-%d8%a3%d9%85%d8%a9

https://khutabaa.com/forums/رد/365614/attachment/%d9%83%d9%86%d8%aa%d9%85-%d8%ae%d9%8a%d8%b1-%d8%a3%d9%85%d8%a9-2

https://khutabaa.com/forums/رد/365614/attachment/%d9%83%d9%86%d8%aa%d9%85-%d8%ae%d9%8a%d8%b1-%d8%a3%d9%85%d8%a9-2