خطبة المخدرات بوابة المهالك للشيخ د.زيد بن عبدالعزيز الشثري

حامد الشثري
1444/10/14 - 2023/05/04 23:51PM

المخدرات بوابة المهالك
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، أحلّ الطيبات وحرّم الخبائث، أنعم على بني آدام بالعقل، ليعرف به الشر فيجتنبه، والخيرَ فيفعلَه، أحمده تعالى وأشكره، وأثني عليه وأستغفره، وأشهَد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهَد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى الآل والصحبِ الكرام، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله، وراقبوه في السر والعلن، فبتقوى الله عز وجل تصلح الأمور وتنتهي الشرور ويصلح للناس أمر الدنيا والآخرة.
أيها المسلمون
العقل من نعمِ اللهِ على بني الإنسان، فبه يميز الخيرَ من الشر والحقَ من الباطل، وبه كرم الله بني آدم على البهائم والحيوانات، فقال سبحانه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطَّيّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70].
وقد ذم اللهُ الذين لا يعقلون وجعلهم من شر الدواب، فقال جل وعلا: { إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [الأنفال:22].
وفي آياتٍ كثيرة خاطب اللهُ أهلَ العقول، بقوله جل وعلا: {أفلا تعقلون} {لعلكم تعقلون}.
وجعلت الشريعةُ حفظَ العقل من الضروريات الخمس التي يجب المحافظة عليها.
وإن العجبَ من أناسٍ يسعون إلى إتلاف عقولهم بأموالهم، ويبذلون في ذلك الأوقات ويسافرون إلى المدن والبلدان عبر القارات؛ لتدميرِ عقولهم بشرب الخمور وتعاطي المخدرات، يقول الحسن البصري ¬: لو كان العقل يُشترى لتغالى الناسُ في ثمنه. فكيف بمن يخرب عقله بنفسه.
بل إن أعداء الإسلام وهذا البلدِ المبارك الحرام يريدون أن يدمروا عقول الشباب والفتيات عبر إرسال المخدرات مستخدمين أنواعاً من الحيل والطرق لإغواء الشباب والفتيات وإيقاعهم في أتون المسكرات والمخدرات.
وقد أجمع العلماء في هذا العصر على تحريم المخدرات قياساً لها على الخمور والمسكرات، التي حرمها الشارع وذمها ووصفها بأبشع الأوصاف؛ وذلك لاتفاقهما على تغييب العقل وإفساده: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة المائدة 90].
وأخرج مسلم في صحيحه عن ابن عمرƒ قال: قال رسول الله ﷺ: ((كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ)).
وروى أبو داود وابن ماجه والترمذي، عن ابن عمرƒ قال: قال رسول الله ﷺ: ((لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ)) [وهو حديث حسن].
بل إن المخدراتِ أشدُ فتكاً وأعظمُ ضرراً من الخمور، والشريعة لا تفرق بين المتماثلات.
أيها المسلمون
كم ضاع من شابٍ بسبب المخدرات وانتهى مستقبلُه في هذه الحياة بسبب الرغبة في التجربة مع رفقاءِ السوء عبر التجربةِ في البداية ثم تكون نهايتها إلى السجون والمصحَّات، فكم تفككت من أسرٍ وتهدمت من علاقاتٍ كان سببُها المخدرات.
ولذلك شدد علماء العصر في أمر المخدرات، فصدر قرار هيئة كبار العلماء بجواز قتل مهرب المخدرات، والتشديدِ في أمر مروج المخدرات، وأنه إذا لم ينته إلا بالقتل بعد المرة الأولى قتل، والعملُ عليه في هذه البلاد المباركة، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية ¬: "يقتلُ شاربُ الخمرِ في الرابعةِ عند الحاجةِ إلى قتله، إذا لم ينته الناسُ بدونه".
وأما العقوبة الأخروية، فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال: ((كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ)) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: ((عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ)) أَوْ ((عُصَارَةُ أَهْلِ النَّار)).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالاْنصَابُ وَالاْزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِى الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} [المائدة:90، 91].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.


الخطبة الثانية
الحمد لله ...
أما بعد:
فاتقوا الله أيها المسلمون حق تقواه واعملوا بطاعته واطلبوا رضاه.
أيها الآباء: أبناؤنا مستهدفون بهذه المخدرات فواجبُكم مراقبُتهم، والحرصُ عليهم والدعاءُ لهم بإخلاصٍ ونيةٍ صادقةٍ، فأعداءُ الدينِ مِن حولِنا يسلكون كلَ السبل للإيقاع بأبنائنا وشبابنِا بل وفتياتنا والقضاءِ على شبابِهم وقدراتِهم.
أيها المسلمون:
إن شبابَنا وفتياتِنا محسودون من أعداء هذا البلد المبارك، والدليلُ على ذلك ما نسمعه ونقرؤه من أخبار إرسال أهلِ الإجرامِ والفسادِ للمخدرات عبر الحدود، تصل إلى الملايين من الحبوب والعقاقير،
وإنَّ مما انتشر مؤخراً ويروَّجُ له بين الشباب مادةٌ مخدِرَةٌ تسمى (الشبُو) وهي مادة كيميائية لها نتائجُ مدمرةٌ على الجهازِ العصبيِ المركزيِ للإنسان (العقل) وعلى الجهاز المناعي، وهذه المادة تسببُ الإدمانَ لمن يتعاطاها، فكيف تطيبُ نفسُك أيها الشاب بتناول مادةٍ تدمرُ عقلك وتصبح كالمجنون، قيل لأعرابيٍ: لم لا تشرب الخمر؟ فقال: أنا والله لست راضياً عن عقلي وهو جميعٌ، فكيف إذا فرقتُه.
وليتق اللهَ كلُ من يقفُ مع الأعداء لترويج هذه المخدرات أو يتعاون معهم فإنه يتحمل أوزاراً عظيمة وعاقبةُ أمره سيئةٌ في الدنيا والآخرة، ويجبُ الإبلاغُ عن هؤلاء والتعاونُ مع الجهات المختصة لكشفهم وكفِ شرهم.
وإننا نحمد الله على أن حمانا في هذا البلد من بلاء الخمور والمخدرات والمسكرات، فهي نعمةٌ عظيمةٌ علينا وعلى شبابنا، أسأل الله أن يحفظها بحفظه ويكلأها بعنايته ورعايته.
ثم نحمدُ اللهَ على أنَّ رجالَ الأمنِ ورجالَ مكافحةِ المخدراتِ ورجالَ الجماركِ يتصدون لهم ويكشفون جرائمَهم فجزاهم الله عنَّا وعن شبابِنا وبلادِنا خيرَ الجزاء.
أيها المسلمون
علينا جميعاً أن نتعاون في استئصال هذا الخطر وأن نحرصَ على إصلاح من وقع فيه والأخذِ بيده إلى سبيلِ السلامةِ ونوجههُ إلى طرقِ العلاج، وهي متوفرةٌ ولله الحمد في هذه البلاد.
ثم صلوا وسلموا على خير البرية وأزكى البشرية...

المرفقات

1683233489_خطبة بعنوان المخدرات بوابة المهالك.docx

1683233493_خطبة بعنوان المخدرات بوابة المهالك PDF.pdf

المشاهدات 897 | التعليقات 0