خطبة : الماء البارد

الماء البارد 22/10/1439ه

 

الحمد لله الرحيم التواب، العزيز الوهاب، نحمده أن هدانا إليه، ودلنا عليه، ونشكره على نعم أتمها، ونقم دفعها، وعافية أسبغها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى اله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وخذوا من حر الدنيا عبرة لحر الاخرة، ومن عطشها تذكرة لعطش يوم القيامة، ومن شمسها عظة لشمس الموقف العظيم، حين تدنو من رؤوس الخلائق قدر ميل، فاعملوا على نجاتكم بعبادة ربكم، وقدموا من العمل ما يكون ذخرا لكم؛ فإن الموعد قريب، وهول المطلع شديد (إنهم يرونه بعيدا * ونراه قريبا * يوم تكون السماء كالمهل * وتكون الجبال كالعهن * ولا يسأل حميم حميما)

 

عباد الله : عندما يشتد الحر تعظم قيمة الماء، ولا شيء ألذ من الماء الحلو البارد على الظمأ؛ ولذا كان من أول مايحاسب عليه العبد من النعم الماء البارد جاء عند الترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة أن يقال له : ألم أصح لك جسمك وأروك من الماء البارد "

 

ولطيبه وحسن مذاقه وعظيم اللذة به أغرى النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته في اتباع سنته بالشرب يوم القيامة من حوضه الذي وصفه بقوله: "…حوضي كما بين عدن وعمان أبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب ريحا من المسك أكوابه مثل نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا،)

وقد عذب الله أهل النار بأن حرم عليهم الماء (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين)

 

ولعظيم المنة بالماء البارد فقد عدل حبه حب النفس والأهل والولد فقد كان من دعاء داود عليه السلام أنه يقول: اللهم ! اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي، ومن الماء البارد .رواه الترمذي

 

وبالماء البارد شفا الله عبده أيوب عليه السلام من ضره الذي مسه (واذكر عبدنا أيوب إذ نادىٰ ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب # اركض برجلك ۖ هٰذا مغتسل بارد وشراب)

 قال بن كثير:

 

 فعند ذلك استجاب له أرحم الراحمين وأمره أن يقوم من مقامه وأن يركض الأرض برجله ففعل فأنبع الله تعالى عينا وأمره أن يغتسل منها فأذهبت جميع ما كان في بدنه من الأذى

(....وكان عليه السلام حين البلاء يخرج إلى حاجته فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ فلما كان ذات يوم أبطأ عليها فأوحى الله تبارك وتعالى إلى أيوب عليه الصلاة والسلام " أن اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب " فاستبطأته فالتفتت تنظر فأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو على أحسن ما كان فلما رأته قالت أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى ؟ فوالله القدير على ذلك ما رأيت رجلا أشبه به منك إذ كان صحيحا قال فإني أنا هو ....)

 

وأوصى عليه الصلاة والسلام بالماء البارد لمن به حمى فعن امرأة الزبير بن العوام ( كان رسول الله ﷺ يأمرنا إذا حم الزبير أن نبرد الماء ونحدره عليه )

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: إذا حم أحدكم فليسن عليه الماء البارد ثلاث ليال من السحر , صححه الألباني

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم ! اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد"

قال المناوي رحمه الله (وخصها لأنها لبردها أسرع لإطفاء حر عذاب النار التي هي غاية الحر وجعل الخطايا بمنزلة جهنم لكونها سببها، فعبر عن إطفاء حرها بذلك وبالغ باستعمال المبردات مترقيا عن الماء إلى أبرد منه وهو الثلج ثم إلى أبرد منه وهو البرد بدليل جموده ومصيره جليدا،)

 

بارك الله لي ولكم .......

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى اله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)

 

عباد الله: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ساعة لا يخرج فيها ، ولا يلقاه فيها أحد ، فأتاه أبو بكر فقال : ما أخرجك يا أبا بكر ؟ فقال : خرجت للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والنظر في وجهه ، قال : فلم يلبث أن جاء عمر ، فقال : ما أخرجك يا عمر ؟ قال : الجوع ، قال : وأنا قد وجدت بعض الذي تجد ، انطلقوا بنا إلى أبي الهيثم بن التيهان ، وكان كثير النخل والشاء ،فأتوه ، فلم يجدوه ، ووجدوا امرأته ، فقالوا : أين صاحبك ؟ فقالت : ذهب ليستعذب لنا الماء من قناة بني فلان ، ما لبث أن جاء بقربته  ، فوضعها ،

 

 فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يلتزمه ويفديه بأبيه وأمه ، فانطلق بهم إلى ظل ، وبسط لهم بساطا ، ثم انطلق إلى نخلة ، فجاء بقنو فوضعه بين أيديهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تنقيت لنا من رطبه ؟ فقال : أردت أن تتخيروا من رطبه ؟ فأكلوا ، ثم شربوا من الماء ، فلما فرغوا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا والذي نفسي بيده ، من النعيم الذي أنتم عنه مسئولون ، هذا ظل بارد ، والرطب البارد ، عليه الماء البارد قالها صلى الله عليه وسلم لمن قد لا يجتمع له ذلك في عمره كله إلا مرات قليلة فكيف بمن لحظاته كلها يتقلب من نعيم إلى نعيم خير منه

 

عباد الله: جاء في كتاب الزهد للإمام أحمد أن عبد الله بن عمر: شرب  ماء باردا فبكى فاشتد بكاؤه فقيل له : " ما يبكيك ؟ قال : ذكرت ءاية في كتاب الله عز وجل : وحيل بينهم وبين ما يشتهون ، قال : فعرفت أن أهل النار لا يشتهون شيئا إلا الماء البارد ، وقد قال الله عز وجل : (أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله )

 

ألا فلنتق الله ولنتنبه لكثير من النعم العظيمة التي غفلنا عنها حين تزاحمت ولنحسن شكر نعمته علينا فقد أتمها ولنحفظها من الزوال بدوام طاعته وشكره والإحسان إلى عباده وصلوا وسلموا ......

 

المرفقات

البارد-2

البارد-2

المشاهدات 2873 | التعليقات 0