خطبة ( الله لطيف بعباده )

HAMZAH HAMZAH
1441/04/09 - 2019/12/06 13:42PM

خطبة ( الله لطيف بعباده )
جامع الفهد بمحايل عسير..١٤٤١/٤/٩هـ
د. حمزة بن فايع آل فتحي

الحمد لله ‏اكتملت أوصافُه، وعظُمت ألطافُه، وفاضت نعمهُ، وكثرت عطاياه أكرم الأكرمين ، وأرحم الراحمين ، نحمده على نعمٍ لا تحصى ، ونشكره على آلاءٍ جُلّى، فله الحمد أولا وآخرا، وله الشكر دائما وباقيا...

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا..... أما بعد
( يا أيها الذين اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد، واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) .

معاشر المسلمين :

أين تذهب هنالك، وتنسى حق الله عليك،..؟!
تستمتع وتضيع طاعته، .. تسيح في أرضه، ولا تشكره على نعمه،..! بسط لك الأرزاق ، ووسّع لك في النعماء ،
( الله لطيف بعباده ) لن تجد أرحمَ بك من خالقك..
( الله لطيف بعباده) أعطاك كل ما سألت، وذلل لك المصاعب ....

( الله لطيف بعباده) سامحك كثيرا، وتجاوز طويلا، وفتح لك أبواب الرحمات، ولكنك تُصر على البون، وتؤثر الهوى على الهدى...!
أما رأيتَ رحماتِه الممتدة، وأرزاقَه الوسيعة ، إنه الله البر الرحيم، اللطيف الخبير.. فعُد إليه تائبا ذاكرا، وحامدا شاكرا .....

الحمدُ لله مَوصُولا كما وجبا ... فهو الذي بِرداء العزة احتجبا

‏الباطن الظّاهر الحق الذي عجَزتْ ... عنه المدارِكُ لما أمعنَتْ طَلبا

‏علا عنِ الوصْف من لا شيء يُدْرِكُه ... وجَلَّ عن سببٍ من أوجد السببا

‏والشكرُ لله في بَدءٍ ومختَتمٍ ... فالله أكرمُ مَن أعْطى ومن وَهبا

فادنُ من خالقِك ، واعتمد عليه، ولذْ ببابه، وأعلن التوبة والاستغفار
صحّ قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تعالى قَالَ :( يا ابْنَ آدَمَ، تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلَّا تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلًا، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ ).
تُبْ وأنِب، فستجد ملذات، وتستطعم طيبات لم تجربها من قبل .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ( لو علم العاصي أن لذة التوبة تزيد على لذة المعصية أضعافا مضاعفة ، لبادر إليها أعظم من مبادرته إلى لذة المعصية ) .

صلاتُك رأسُ مالك، وثروتك الحقيقية، فلا تغفل عنها ، قال صلى الله عليه وسلم:( العهدُ الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر ) واشتهر عن الفاروق عمر رضي الله عنه قوله : ( لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ) .
فلا حظ الغافلين، ولا سعادة الناكرين ..!
فأي حظ يحرزه من ضيع صلاته.،؟! وأي ساعده يدركها من لا يعرف بيوت الله...؟!
وهذه قوام حياتك ، ومصدرك الإيماني ، فلا تتركها لا في حضر ولا سفر، أو تضيعها في صحة أو مرض، أو صغر أو كبر،، فأكثرُ التعاسات من جراء ترك الصلاة..!

ثم وردك القرآني ، وزادك اليومي...! ألستَ تفطر، وتتغذى، فاعلم أن عليك إفطارًا روحيا، وغذاء وجدانيا لا انفكاك عنه... مهما قرأت وتطورت تعليمًا، وحصّلت شهادات، وأكلت مما لذ وطاب ، فلا تزال إنسانا منقوصا، وشخصا معرضا للآفات ( وقال الرسولُ يا رب إنّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) سورة الفرقان.

وفي عملك إذا خرجت من البيت باكرا فاذكر الله ، وقل الدعاء المشهور ( بِسْم الله ، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة الا بالله ) .

وفي الدعاءِ الآخر ، تعيش معنى الرشاد والسلامة ( اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ ).
فتلوذ بالله أن يعصمك والآخرين من الضلال والزلل، والظلم والجهل، وهذا يعني صفاء الروح ، وجمال المقصد في العامل ، وأنك خارج تبتغي مرضاة الله ونفع نفسك، أو طلب الرزق الحلال، بلا ظلم أو اعتداء ...!
وهذا الرزق مكتوب لك ومقدر، فلا تستعجله، أو تناله من طرق محرمة، فالله لطيف بعباده، ورحيمٌ بهم، ورازق للجميع ( قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين﴾ .

أيها الإخوة الكرام :
ومن صور لطف الله :

أولاً: أنه أعطى الإنسانَ فوق الكفاية وكلَّفه دون الطاقة .
وأنه يفتح له بابًا من أبواب الخير لم يكن له على بال وييسره له .( ويرزقه من حيث لا يحتسب ).
ومنها: أن يجري بشيء من ماله نفعًا وخيرًا للخلائق؛ فيخلف من حيث لا يحتسب؛ كمن له زرع فأصاب منه إنسان أو حيوان شيئًا آجَرَ الله صاحبَه وهو لا يدري؛ وكذلك لو كان له عين انتفع به منها وغير ذلك؛ ككتاب انتفع به في تعلُّم شيء منه أو مصحف قُرئ فيه، والله ذو الفضل العظيم .

ومنها: أنه يعينه على الابتلاء والامتحان؛ ليزداد بذلك إيمانُه ويعظم أجرُه؛ فسبحان اللطيف في ابتلائه، وعافيته، وعطائه ، ومنعه .

ومنها: أن يجعل ما يبتلي به عبدَه من المعاصي ، سببًا لرحمته؛ فيفتح له باب التوبة والتضرع لربه وازدراء نفسه واحتقارها .

وكذلك من عظيم لطفه عدم اختصاصه بالرِّزق للمؤمن فقط؛ "اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ" [الشورى: 19] .
ولو تتبَّعتَ أثرَ لطفه في تيسير لقمة يتناولها العبد من غير كلفة يتجشمها تجد أن اللهَ سَخَّرَ خلقًا لا يُحصَى عددُهم تعاونوا على إصلاحها من زارع وحاصد وطاحن وعاجن وخابز؛ إلى غير ذلك .

واستشعارُ لطف الله في كلِّ مجريات الكون يَمْنَحُ العبدَ حظَّه من هذا الوصف بالتَّلَطُّف بعباد الله في الدَّعوة إليه تعالى والهداية إلى سعادة الآخرة بألطف الألفاظ من غير عنف وتعصُّب وتخاصم؛ فاللهُ لطيفٌ يحبُّ اللطيف من عباده ويبغض الفَظَّ الغليظَ القاسي .
وإذا علم العبدُ دقَّةَ علم الله وإحاطته الكاملة ، حاسب نفسه على أقواله وأفعاله وتصرفاته .
اللهم وفقنا للخيرات ، وجنبنا الغفلة والحسرات ....
أقول قولي هذا وأستغفر الله......

****

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....

إخوة الإسلام :
ونحن ننعمُ بلطف الله ورعايته ، علينا استذكار ذلك والمسارعة في مرضاته، وإدراك منن الله تعالى علينا ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) أكرمك وأعطاك، وخصك بخصائص ، فلِم البغي بعد ذلك ونكران نعم الله، أو التقصير في حقوقه..؟! ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد، إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ، وما ذلك على الله بعزيز ). سورة فاطر .

ولطفه سبحانه يدور على معنيين عظيمين ، وهما: أن علمه سبحانه دقَّ ولطف ، حتى أدرك السرائر والضمائر، والمعنى الثاني: أنه يوصل لعباده المؤمنين مصالحهم .
ومن ذلك قصة يوسف عليه الاسلام وما جرى فيها من الألطاف والهبات في خضم نكبات وبليات ، .. عد اليها... وتأمل دروسها ، وتذكر ما حصل ليوسف فيها....
فإنه أُلقي في الجب ...وهو مظنة الهلكة، ثم بيع رقيقًا عبدا ، وهذا مظنة الاستمرار في العبودية، وقضاء العمر في خدمة من اشتروه، ثم اتهم بامرأة العزيز فسجن، وهذا مظنة البقاء في السجن إلى الموت؛ لقوة العزيز وتمكنه، ....
ففتح الله عليه وجعل تعبيره للرؤى فرجا له واختصه الملك، ومكن له، إلى أن جعله وزيرًا للخزائن المصرية ، وحماه من الكيد والتربص ، ولذلك قال في آخر القصة: ( وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ )سورة يوسف .
فلُذ بخالقك عبدَ الله، واغتنم مراحمه وألطافه، وإياك والغفلةَ والضياع، وعدَّ سنيّ حياتك.. كم ستعيش.. وكم ستجمع..؟! فقد هلك المعمَّرون ، ورحل الجمّاعون....!

قال ابن القيم - رحمه الله - في نونيته: وهــو اللطيف بــعبده ولــعبده *** والـلـطفُ في أوصافهِ نـوعـانِ:

إدراك أســرار الأمــور بخُـبره *** والـلـطف عند مواقع الإحـسـانِ

فيــُريك عزتَه ويُـبدي لطـــفه *** والعبدُ في الغفَلات عن ذا الشأنِ

فاللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شرور نفوسنا.....

وصلوا وسلموا يا مسلمون على الرحمة المهداة والنعمة المسداة ......

المشاهدات 1767 | التعليقات 0