خطبة الكرم والكرماء
عبدالوهاب بن محمد المعبأ
1438/05/26 - 2017/02/23 19:35PM
خطبة الجمعة
الكرم والكرماء
اعداد وترتيب عبدالوهاب المعبأ
الخطبة الاولى
الحمد لله الكريم المنان، جليل النعم جزيل الإحسان، ذي الفضل العظيم، والخير العميم، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأثني عليه، وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه، وأومن به وأتوكل عليه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل في كتابه الكريم: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [آل عمران:92]، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه ومصطفاه وحبيبه، كان الكرم من سجاياه الحميدة، وبسط اليدين بالسخاء من صفاته الملازمة العظيمة، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون: من أسماء الله وصفاته الكريم؛ فهو -عز وجل- جواد كريم معطاء، يرزق من يشاء بغير حساب، ويجازي العمل القليل بالكثير: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) [الأنغام: 165]، وهو -عز وجل- يجازي من أطاعه في سنين الدنيا القليلة بالنعيم المقيم، ومن كرمه -سبحانه وتعالى- أنه إذا قدر عفا، وإذا وعد وفى، وإذا أعطى زاد على منتهى الرجاء، ولا يبالي كم أعطى ولمن أعطى، وإذا رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى.
ومن كرمه أن يجيب دعوة الداعين؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله حيي كريم؛ يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين". فالله -عز وجل- يحب الكرم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تعالى كريم يحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها".
وأكرم البشر هم أنبياء الله ورسله -عليهم السلام-؛ فهذا إبراهيم -عليه السلام-، حين جاءته الملائكة بالبشرى، قيل: بإسحاق، وقيل: بعذاب قوم لوط، وجاء بعجل حنيذ، فأحسن إكرامهم، وأسرع في إطعامهم دون تأخير، كما وصف الله ذلك: (فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) [هود : 69]، فذبح لهم عجلاً وشواه على الحجارة المحماة ثم قرّبه لهم.
وأكرم من وطئ الثرى هو محمد -صلى الله عليه وسلم-، كان أجود الناس كما ذكر واصفوه -ابن عباس وأنس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس، وكان أجود الناس، وذكر علي -رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان أجود الناس، وأوسع الناس صدرًا، وأصدق الناس لهجة.
وقد وصفته خديجة بمثل ذلك قبل الرسالة؛ فلما دخل عليها فزعًا مما لقي في الغار بعد نزول سورة "اقرأ" قال: "زملوني"، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة: "أي خديجة: ما لي؟! لقد خشيت على نفسي"، وأخبرها الخبر فقالت له:" كلا. أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدًا، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتُكسب المعدوم، وتقري الضيف". رواه البخاري.
ولك أن تعرف أن الدنيا في عين النبي -صلى الله عليه وسلم- صغيرة، تأتيه الغنائم والعطايا ثم يوزعها على الناس، بل قال لهم يوم حنين: "لو كان لي عدد هذه العضاه نعمًا لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلاً، ولا كذابًا، ولا جبانًا".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لو أن لي مثل أحد ذهبًا ما سرّني أن يأتي عليّ ثلاث ليال وعندي منه شيء، إلا شيء أرصده لدين". يُهدى له شملة منسوجة فيها حاشيتها وهو محتاج إليها ثم يعطيها لغيره في نفس مجلسه.
وتأتيه الغنائم والعطايا فيوزعها على الناس؛ في حُنَيْنٍ أعطى صفوانَ بنَ أميةَ مائةً من النعم ثم مائة ثم مائة، قال صفوان: "والله لقدْ أعطاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أعطاني، وإنه لأبغضُ الناسِ إليَّ ما برح يعطيني حتى إنه لأحبُّ الناس إليَّ" رواه مسلم، وأتاه مالٌ عظيم من البحرين وكان أكثرَ مالٍ أُتِي به لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "انثروه في المسجد فجاءه العباس فقال: يارسول الله أعطني؛ إني فاديت نفسي وفاديت عقيلة، قال: خذ فحثى في ثوبه ثم ذهب يحمله فلم يستطع، فنثر منه ثم احتمله على كاهله" رواه البخاري.
قال ابن رجب -رحمه الله-: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعطي عطاءً يعجز عنه الملوك مثل كسرى وقيصر، وأكرم الناس بعد نبينا -صلى الله عليه وسلم- هم صحابته الأفذاذ؛ أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصدقة فجاء عمر بنصف ماله، وجاء أبو بكر بكل ماله، وعثمان جهَّز جيش العُسْرة وقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- مُثْنِيا عليه: "ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم" رواه الترمذي.
وضيَّف أبو طلحةَ رجلاً فقالت له زوجته: ما عندي إلا قوتُ صبياني، فقال: أقفلي سراجك ونوِّمي صبيانك إذا أرادوا العشاء، فقامت إلى السراج كأنها تصلحه فأطفأته يريان الضيف أنهما يأكلان، فأكل الضيف طعامهم فلما غدا أبو طلحة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم - قال له -عليه الصلاة والسلام-: "لقد ضحك الله الليلة أو عجب من فعلكما" متفق عليه، "وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- لا يأكل حتى يؤتى بمسكين يأكل معه" رواه البخاري.
عباد الله وقد كانت العرب مشتهرة بالكرم أيام الجاهلية؛ فجد النبي -صلى الله عليه وسلم- عبد المطلب -واسمه شيبة- كان يقال له: شيبة الحمد لجوده وجماع أمر قريش إليه، وكان رجلاً كريمًا، ووالد عبد المطلب -أي جد والد النبي -صلى الله عليه وسلم- هائم، واسمه عمرو، وسمِّي هاشمًا لهشمه الثريد مع اللحم لقومه في أعواج الجوع، والجد الخامس للنبي -صلى الله عليه وسلم- اسمه قصي بن كلاب، فرض على قريش خرجًا يؤدونه إليه لينفق منه على إطعام فقراء الحجاج، والذي يلتّ السويق للحاج، أي يضع لهم طعامًا، وهذه كانت عبادة للمشركين، فلأجل عمله الصالح الذي كان يعمله وهو إكرام حجاج بيت الله.
الكرم عادة عربية , وشعبة إيمانية , وخصلة حميدة ، وهو من مكارم الأخلاق ، وجميل الخصال التي تحلَّى بها الأنبياء ، وحثَّ عليها المرسلون ، واتصف بها الأجواد كرام النفوس ، فمَنْ عُرِفَ بالكرم عُرِف بشرف المنزلة ، وعُلُوِّ المكانة ، وانقاد له قومُه ، فما ساد أحد في الجاهلية ولا في الإسلام ، إلا كان من كمال سُؤدده إطعام الطعام ، وإكرام الضيَّف . –
ورويت عنهم مواقف عظيمة في الجود والسخاء، أبرزهم وأشهرهم حاتم الطائي الذي كان مضرب المثل فيهم بالكرم؛ ومما يؤثر عنه في ذلك ما ذكره التنوخي في المستجاد قال: إن رجلاً سأل حاتمًا الطائي فقال: "يا حاتم: هل غلبك أحد في الكرم؟! قال: نعم، غلام يتيم، وذلك أني نزلت بفنائه وكان له عشرة أرؤس من الغنم، فعمد إلى رأس فذبحه وأصلح لحمه وقدمه إليّ، وكان فيما قدم الدماغ، فقلت: طيب والله، فخرج من بين يدي وجعل يذبح رأسًا بعد رأس ويقدم الدماغ وأنا لا أعلم، فلما رجعت لأرحل نظرت حول بيته دمًا عظيمًا، فإذا هو قد ذبح الغنم بأسرها، فقلت له: لم فعلت ذلك؟! قال: سبحان الله!! تستطيب شيئًا أملكه وأبخل عليك به!! إن ذلك لسبة على العرب قبيحة، فقيل: يا حاتم: فبماذا عوضته؟! قال بثلاثمائة ناقة حمراء، وبخمسمائة رأس من الغنم، فقيل: أنت أكرم منه، قال: هيهات، بل هو -والله- أكرم؛ لأنه جاد بكل ما ملك، وأنا جدت بقليل من كثير".
عباد الله حينما جاء الإسلام أضفى على الكرم معايير جديدة، ووجهه نحو مقاصد سامية رشيدة، فاتجه به إلى القيم الروحية، والمعاني الدينية، فلم يعد الباذل يرجو الفخر والثناء من الورى، وإنما غايته الثواب والجزاء في العقبى، ربط فعلها بمرضاة الله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً) [الإنسان: 8-9].
وقال تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:265]،
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا". رواه الشيخان.
فمن أراد أن يُخلف الله عليه، وأن يُبارك له في رزقه، وفي دَخلِه، فليُنفق على الفقراء، على الجوعى، على المساكين، في مشاريع الخير، فكل ذلك من أبواب البر.
وإذا كان بعض الجاهليّين لا يرضون أن يعيش في مجتمعهم جائع ولا مسكين، وهم وثنيّون، لا يعرفون ربًّا ولا رسولاً ولا دينًا، فما بال أهل الحق يَبخلون بفضل الله على عباد الله!!
ابن جُدْعان رجل جاهلي، ما عرف لا إله إلا الله، ما سجد لله، عنده صِحاف تُعرض كلّ صباح فينادي مُناديه على جبل أبي قُبيس في مكة: من أراد الإفطار فليَأتِ، فتُحاط صِحافه بالمساكين، فإذا كان الظهر، ملأ صِحافه باللحم والخبز ونادى مُناديه: من أراد الغداء فليَأتِ
بارك الله لي ولكم ,,,,,
الخطبة الثانية
الكرم من الأخلاق العريقة، والقيم النبيلة، عرفها منذ الأزل أصحاب النفوس العظيمة في تعاملاتهم، وجعلوها دليل الرفعة والفخار؛ لما فيها من الإيثار، وعلو الهمم والأقدار؛ سئل أحدهم عن الكرم فقال: "هو التبرع بالمعروف قبل السؤال، والرأفة بالسائل مع البذل"، قال أحد الحكماء: "أصل المحاسن كلها الكرم، وأصل الكرم نزاهة النفس عن الحرام وسخاؤها بما تملك على الخاص والعام
ومن الكرم مساعدة المحتاجين والضعفاء وخصوصا في المدلهمات والأزمات
فقد روى أن عبيد الله بن أبي بكرة دخل على الحجاج مرة وفي يده خاتم فقال له الحجاج: وكم ختمت بخاتمك هذا ؟ قال على أربعين ألف ألف دينار، قال ففيم أنفقتها ؟ قال: في اصطناع المعروف، ورد الملهوف؛
وقد ذكروا أن علي بن الحسين كان كثير الصدقة بالليل، وكان يقول صدقة الليل تطفئ غضب الرب، وتنور القلب والقبر، وتكشف عن العبد ظلمة يوم القيامة،
قال محمد بن إسحاق: كان ناس بالمدينة يعيشون لا يدرون من أين يعيشون ومن يعطيهم؟!! فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك فعرفوا أنه هو الذي كان يأتيهم في الليل بما يأتيهم به؛ ولما مات وجدوا في ظهره وأكتافه أثر حمل الجراب إلى بيوت الأرامل والمساكين في الليل. وقيل إنه كان يعول مائة أهل بيت بالمدينة ولا يدرون بذلك حتى مات.
ودخل علي بن الحسين على محمد بن أسامة بن زيد يعوده ؛فبكى ابن أسامة؛ فقال له ما يبكيك ؟ قال: عليَّ دين، قال: وكم هو ؟ قال خمسة عشر ألف دينار – وفي رواية سبعة عشر ألف دينار – فقال: هي علي !!" ( البداية والنهاية لابن كثير )
و مَرِض قيس بن سعد بن عبادة، فاستبطأ إخوانه، فقيل له: إنَّهم يستحيون ممَّا لك عليهم مِن الدَّيْن، فقال: أخزى الله مالًا يمنع الإخوان مِن الزِّيارة، ثمَّ أمر مناديًا فنادى: مَن كان عليه لقيس بن سعد حقٌّ فهو منه بريء، قال فانكسرت درجته بالعشي لكثرة مَن زاره وعاده.
وروي أن مسروقاًرحمه الله أدان ديناً ثقيلاً وكان على أخيه خثيمة دين قال: فذهب مسروق فقضى دين خثيمة وهو لا يعلم؛ وذهب خثيمة فقضى دين مسروق وهو لا يعلم". ( إحياء علوم الدين )
عباد الله هذه بعض صور أهل الكرم وهي صور جميلة ولازال أهل الكرم يتورثونه جيلا بعد جيل
واهل الايمان من الكرماء كرمهم يرجون به
الاجر والثواب فماعندكم ينفد وماعند الله باق
ايها الاخوة عند ضعف الايمان بالله وبموعوده
تلاشت هذه الصفة في مجتمعاتنا اليوم
والا لماذا يجوع الجوعى ويهلك الفقراء
ويئن المرضى وهذا شبح اليوم
فقر وحرمان جوع وحاجة
وعند الكثير من المال والثراء مايخفف
معاناة الكثير ولكنه ضعف الايمان وقلة
المروءة عند من يملك المال والا كيف
تمسك ما امرك الله باطلاقه وانفاقة
ودعاك لقرضه والاحسان لعباده
واطعام عباده ووعدك بالخلف في الدنيا والأجر في الاخرة
عباد الله إذا كان الكرم هو حال العرب في جاهليَّتهم؛ فكيف بمن مَنَّ الله عليه بالإسلام ودعاه إلى أخلاقه؟ ألا يتألَّم قلبه، وتَدمع عينه، حين يرى إخوانًا له في الدِّين وأقرباء ونازحين وارامل وايتام ومساكين جياعًا حفاة يداهمهم شبح المجاعة ويهلكهم الجوع؟ ألا يَرِقُّ قلبه، وتجود يداه؟ ألا يشكرُ خالقَه ورازقَه على فضله وعطائه، بإنفاقه وإحسانه؟
روى مسلم في صحيحه عن المنذر بن جرير عن أبيه قال: كنَّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النَّهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النِّمار أو العَباء، متقلِّدي السيوف، عامَّتُهم من مُضَر، بل كلُّهم من مُضَر، فتمَعَّر وجهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لِما رأى بهم من الفاقَة، فدخل ثمَّ خرج فأمر بلالاً فأذَّن وأقام، فصلَّى ثمَّ خطب، فقال: ((﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ إلى آخر الآية: ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، والآية التي في الحشر: ﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [الحشر: 18]، تصدَّق رجلٌ من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرِّه؛ من صاع تَمره، حتى قال: ولو بشِقِّ تمرة))، قال فجاء رجل من الأنصار بصُرَّة كادَت كفُّه تَعجِز عنها، بل قد عجزَت، قال: ثمَّ تتابَع النَّاس، حتى رأيتُ كومين من طعامٍ وثياب، حتى رأيتُ وجهَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلَّل كأنَّه مُذْهَبَةٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سَنَّ في الإسلام سنَّةً حسنة، فله أجرها وأجر من عَمِل بها بعده، من غير أن يَنقص من أجورهم شيء، ومن سَنَّ في الإسلام سنَّةً سيئة، كان عليه وِزرُها ووِزر من عَمل بها من بعده، من غير أن يَنقص من أوزارهم شيء)).
إخوتي الكرام، الإسلام دين يدعو إلى البَذل والإنفاق، ويرغِّب في الكرَم والسَّخاء، وينهى على الشحِّ والبخل، ويحذِّر من المنع والإمساك.
الإسلام دينٌ يحبِّب إلى أتباعه أن تكون نفوسهم سخيَّة، وأكفهم ندِيَّة، ويوصيهم بالمسارعة إلى دواعي الإحسان ووجوه البرِّ، وأن يجعلوا تقديمَ الخير إلى النَّاس شُغلَهم الدائم، لا ينفكون عنه في صباح أو مساء، قال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 274].
فمِن الواجب على المسلِم أن يجعل في ثرْوته متَّسَعًا يُسعِفُ به المنكوبين ويُريح المتعَبين؛ ولذلك ورد الأمر بالإنفاق على القرابة والمساكين ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 26، 27].
أخوكم عبدالوهاب المعبأ
دعواتكم لي بالشفاء
773027648
الكرم والكرماء
اعداد وترتيب عبدالوهاب المعبأ
الخطبة الاولى
الحمد لله الكريم المنان، جليل النعم جزيل الإحسان، ذي الفضل العظيم، والخير العميم، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأثني عليه، وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه، وأومن به وأتوكل عليه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل في كتابه الكريم: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [آل عمران:92]، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه ومصطفاه وحبيبه، كان الكرم من سجاياه الحميدة، وبسط اليدين بالسخاء من صفاته الملازمة العظيمة، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون: من أسماء الله وصفاته الكريم؛ فهو -عز وجل- جواد كريم معطاء، يرزق من يشاء بغير حساب، ويجازي العمل القليل بالكثير: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) [الأنغام: 165]، وهو -عز وجل- يجازي من أطاعه في سنين الدنيا القليلة بالنعيم المقيم، ومن كرمه -سبحانه وتعالى- أنه إذا قدر عفا، وإذا وعد وفى، وإذا أعطى زاد على منتهى الرجاء، ولا يبالي كم أعطى ولمن أعطى، وإذا رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى.
ومن كرمه أن يجيب دعوة الداعين؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله حيي كريم؛ يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين". فالله -عز وجل- يحب الكرم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تعالى كريم يحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها".
وأكرم البشر هم أنبياء الله ورسله -عليهم السلام-؛ فهذا إبراهيم -عليه السلام-، حين جاءته الملائكة بالبشرى، قيل: بإسحاق، وقيل: بعذاب قوم لوط، وجاء بعجل حنيذ، فأحسن إكرامهم، وأسرع في إطعامهم دون تأخير، كما وصف الله ذلك: (فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) [هود : 69]، فذبح لهم عجلاً وشواه على الحجارة المحماة ثم قرّبه لهم.
وأكرم من وطئ الثرى هو محمد -صلى الله عليه وسلم-، كان أجود الناس كما ذكر واصفوه -ابن عباس وأنس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس، وكان أجود الناس، وذكر علي -رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان أجود الناس، وأوسع الناس صدرًا، وأصدق الناس لهجة.
وقد وصفته خديجة بمثل ذلك قبل الرسالة؛ فلما دخل عليها فزعًا مما لقي في الغار بعد نزول سورة "اقرأ" قال: "زملوني"، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة: "أي خديجة: ما لي؟! لقد خشيت على نفسي"، وأخبرها الخبر فقالت له:" كلا. أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدًا، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتُكسب المعدوم، وتقري الضيف". رواه البخاري.
ولك أن تعرف أن الدنيا في عين النبي -صلى الله عليه وسلم- صغيرة، تأتيه الغنائم والعطايا ثم يوزعها على الناس، بل قال لهم يوم حنين: "لو كان لي عدد هذه العضاه نعمًا لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلاً، ولا كذابًا، ولا جبانًا".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لو أن لي مثل أحد ذهبًا ما سرّني أن يأتي عليّ ثلاث ليال وعندي منه شيء، إلا شيء أرصده لدين". يُهدى له شملة منسوجة فيها حاشيتها وهو محتاج إليها ثم يعطيها لغيره في نفس مجلسه.
وتأتيه الغنائم والعطايا فيوزعها على الناس؛ في حُنَيْنٍ أعطى صفوانَ بنَ أميةَ مائةً من النعم ثم مائة ثم مائة، قال صفوان: "والله لقدْ أعطاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أعطاني، وإنه لأبغضُ الناسِ إليَّ ما برح يعطيني حتى إنه لأحبُّ الناس إليَّ" رواه مسلم، وأتاه مالٌ عظيم من البحرين وكان أكثرَ مالٍ أُتِي به لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "انثروه في المسجد فجاءه العباس فقال: يارسول الله أعطني؛ إني فاديت نفسي وفاديت عقيلة، قال: خذ فحثى في ثوبه ثم ذهب يحمله فلم يستطع، فنثر منه ثم احتمله على كاهله" رواه البخاري.
قال ابن رجب -رحمه الله-: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعطي عطاءً يعجز عنه الملوك مثل كسرى وقيصر، وأكرم الناس بعد نبينا -صلى الله عليه وسلم- هم صحابته الأفذاذ؛ أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصدقة فجاء عمر بنصف ماله، وجاء أبو بكر بكل ماله، وعثمان جهَّز جيش العُسْرة وقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- مُثْنِيا عليه: "ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم" رواه الترمذي.
وضيَّف أبو طلحةَ رجلاً فقالت له زوجته: ما عندي إلا قوتُ صبياني، فقال: أقفلي سراجك ونوِّمي صبيانك إذا أرادوا العشاء، فقامت إلى السراج كأنها تصلحه فأطفأته يريان الضيف أنهما يأكلان، فأكل الضيف طعامهم فلما غدا أبو طلحة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم - قال له -عليه الصلاة والسلام-: "لقد ضحك الله الليلة أو عجب من فعلكما" متفق عليه، "وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- لا يأكل حتى يؤتى بمسكين يأكل معه" رواه البخاري.
عباد الله وقد كانت العرب مشتهرة بالكرم أيام الجاهلية؛ فجد النبي -صلى الله عليه وسلم- عبد المطلب -واسمه شيبة- كان يقال له: شيبة الحمد لجوده وجماع أمر قريش إليه، وكان رجلاً كريمًا، ووالد عبد المطلب -أي جد والد النبي -صلى الله عليه وسلم- هائم، واسمه عمرو، وسمِّي هاشمًا لهشمه الثريد مع اللحم لقومه في أعواج الجوع، والجد الخامس للنبي -صلى الله عليه وسلم- اسمه قصي بن كلاب، فرض على قريش خرجًا يؤدونه إليه لينفق منه على إطعام فقراء الحجاج، والذي يلتّ السويق للحاج، أي يضع لهم طعامًا، وهذه كانت عبادة للمشركين، فلأجل عمله الصالح الذي كان يعمله وهو إكرام حجاج بيت الله.
الكرم عادة عربية , وشعبة إيمانية , وخصلة حميدة ، وهو من مكارم الأخلاق ، وجميل الخصال التي تحلَّى بها الأنبياء ، وحثَّ عليها المرسلون ، واتصف بها الأجواد كرام النفوس ، فمَنْ عُرِفَ بالكرم عُرِف بشرف المنزلة ، وعُلُوِّ المكانة ، وانقاد له قومُه ، فما ساد أحد في الجاهلية ولا في الإسلام ، إلا كان من كمال سُؤدده إطعام الطعام ، وإكرام الضيَّف . –
ورويت عنهم مواقف عظيمة في الجود والسخاء، أبرزهم وأشهرهم حاتم الطائي الذي كان مضرب المثل فيهم بالكرم؛ ومما يؤثر عنه في ذلك ما ذكره التنوخي في المستجاد قال: إن رجلاً سأل حاتمًا الطائي فقال: "يا حاتم: هل غلبك أحد في الكرم؟! قال: نعم، غلام يتيم، وذلك أني نزلت بفنائه وكان له عشرة أرؤس من الغنم، فعمد إلى رأس فذبحه وأصلح لحمه وقدمه إليّ، وكان فيما قدم الدماغ، فقلت: طيب والله، فخرج من بين يدي وجعل يذبح رأسًا بعد رأس ويقدم الدماغ وأنا لا أعلم، فلما رجعت لأرحل نظرت حول بيته دمًا عظيمًا، فإذا هو قد ذبح الغنم بأسرها، فقلت له: لم فعلت ذلك؟! قال: سبحان الله!! تستطيب شيئًا أملكه وأبخل عليك به!! إن ذلك لسبة على العرب قبيحة، فقيل: يا حاتم: فبماذا عوضته؟! قال بثلاثمائة ناقة حمراء، وبخمسمائة رأس من الغنم، فقيل: أنت أكرم منه، قال: هيهات، بل هو -والله- أكرم؛ لأنه جاد بكل ما ملك، وأنا جدت بقليل من كثير".
عباد الله حينما جاء الإسلام أضفى على الكرم معايير جديدة، ووجهه نحو مقاصد سامية رشيدة، فاتجه به إلى القيم الروحية، والمعاني الدينية، فلم يعد الباذل يرجو الفخر والثناء من الورى، وإنما غايته الثواب والجزاء في العقبى، ربط فعلها بمرضاة الله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً) [الإنسان: 8-9].
وقال تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:265]،
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا". رواه الشيخان.
فمن أراد أن يُخلف الله عليه، وأن يُبارك له في رزقه، وفي دَخلِه، فليُنفق على الفقراء، على الجوعى، على المساكين، في مشاريع الخير، فكل ذلك من أبواب البر.
وإذا كان بعض الجاهليّين لا يرضون أن يعيش في مجتمعهم جائع ولا مسكين، وهم وثنيّون، لا يعرفون ربًّا ولا رسولاً ولا دينًا، فما بال أهل الحق يَبخلون بفضل الله على عباد الله!!
ابن جُدْعان رجل جاهلي، ما عرف لا إله إلا الله، ما سجد لله، عنده صِحاف تُعرض كلّ صباح فينادي مُناديه على جبل أبي قُبيس في مكة: من أراد الإفطار فليَأتِ، فتُحاط صِحافه بالمساكين، فإذا كان الظهر، ملأ صِحافه باللحم والخبز ونادى مُناديه: من أراد الغداء فليَأتِ
بارك الله لي ولكم ,,,,,
الخطبة الثانية
الكرم من الأخلاق العريقة، والقيم النبيلة، عرفها منذ الأزل أصحاب النفوس العظيمة في تعاملاتهم، وجعلوها دليل الرفعة والفخار؛ لما فيها من الإيثار، وعلو الهمم والأقدار؛ سئل أحدهم عن الكرم فقال: "هو التبرع بالمعروف قبل السؤال، والرأفة بالسائل مع البذل"، قال أحد الحكماء: "أصل المحاسن كلها الكرم، وأصل الكرم نزاهة النفس عن الحرام وسخاؤها بما تملك على الخاص والعام
ومن الكرم مساعدة المحتاجين والضعفاء وخصوصا في المدلهمات والأزمات
فقد روى أن عبيد الله بن أبي بكرة دخل على الحجاج مرة وفي يده خاتم فقال له الحجاج: وكم ختمت بخاتمك هذا ؟ قال على أربعين ألف ألف دينار، قال ففيم أنفقتها ؟ قال: في اصطناع المعروف، ورد الملهوف؛
وقد ذكروا أن علي بن الحسين كان كثير الصدقة بالليل، وكان يقول صدقة الليل تطفئ غضب الرب، وتنور القلب والقبر، وتكشف عن العبد ظلمة يوم القيامة،
قال محمد بن إسحاق: كان ناس بالمدينة يعيشون لا يدرون من أين يعيشون ومن يعطيهم؟!! فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك فعرفوا أنه هو الذي كان يأتيهم في الليل بما يأتيهم به؛ ولما مات وجدوا في ظهره وأكتافه أثر حمل الجراب إلى بيوت الأرامل والمساكين في الليل. وقيل إنه كان يعول مائة أهل بيت بالمدينة ولا يدرون بذلك حتى مات.
ودخل علي بن الحسين على محمد بن أسامة بن زيد يعوده ؛فبكى ابن أسامة؛ فقال له ما يبكيك ؟ قال: عليَّ دين، قال: وكم هو ؟ قال خمسة عشر ألف دينار – وفي رواية سبعة عشر ألف دينار – فقال: هي علي !!" ( البداية والنهاية لابن كثير )
و مَرِض قيس بن سعد بن عبادة، فاستبطأ إخوانه، فقيل له: إنَّهم يستحيون ممَّا لك عليهم مِن الدَّيْن، فقال: أخزى الله مالًا يمنع الإخوان مِن الزِّيارة، ثمَّ أمر مناديًا فنادى: مَن كان عليه لقيس بن سعد حقٌّ فهو منه بريء، قال فانكسرت درجته بالعشي لكثرة مَن زاره وعاده.
وروي أن مسروقاًرحمه الله أدان ديناً ثقيلاً وكان على أخيه خثيمة دين قال: فذهب مسروق فقضى دين خثيمة وهو لا يعلم؛ وذهب خثيمة فقضى دين مسروق وهو لا يعلم". ( إحياء علوم الدين )
عباد الله هذه بعض صور أهل الكرم وهي صور جميلة ولازال أهل الكرم يتورثونه جيلا بعد جيل
واهل الايمان من الكرماء كرمهم يرجون به
الاجر والثواب فماعندكم ينفد وماعند الله باق
ايها الاخوة عند ضعف الايمان بالله وبموعوده
تلاشت هذه الصفة في مجتمعاتنا اليوم
والا لماذا يجوع الجوعى ويهلك الفقراء
ويئن المرضى وهذا شبح اليوم
فقر وحرمان جوع وحاجة
وعند الكثير من المال والثراء مايخفف
معاناة الكثير ولكنه ضعف الايمان وقلة
المروءة عند من يملك المال والا كيف
تمسك ما امرك الله باطلاقه وانفاقة
ودعاك لقرضه والاحسان لعباده
واطعام عباده ووعدك بالخلف في الدنيا والأجر في الاخرة
عباد الله إذا كان الكرم هو حال العرب في جاهليَّتهم؛ فكيف بمن مَنَّ الله عليه بالإسلام ودعاه إلى أخلاقه؟ ألا يتألَّم قلبه، وتَدمع عينه، حين يرى إخوانًا له في الدِّين وأقرباء ونازحين وارامل وايتام ومساكين جياعًا حفاة يداهمهم شبح المجاعة ويهلكهم الجوع؟ ألا يَرِقُّ قلبه، وتجود يداه؟ ألا يشكرُ خالقَه ورازقَه على فضله وعطائه، بإنفاقه وإحسانه؟
روى مسلم في صحيحه عن المنذر بن جرير عن أبيه قال: كنَّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النَّهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النِّمار أو العَباء، متقلِّدي السيوف، عامَّتُهم من مُضَر، بل كلُّهم من مُضَر، فتمَعَّر وجهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لِما رأى بهم من الفاقَة، فدخل ثمَّ خرج فأمر بلالاً فأذَّن وأقام، فصلَّى ثمَّ خطب، فقال: ((﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ إلى آخر الآية: ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، والآية التي في الحشر: ﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [الحشر: 18]، تصدَّق رجلٌ من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرِّه؛ من صاع تَمره، حتى قال: ولو بشِقِّ تمرة))، قال فجاء رجل من الأنصار بصُرَّة كادَت كفُّه تَعجِز عنها، بل قد عجزَت، قال: ثمَّ تتابَع النَّاس، حتى رأيتُ كومين من طعامٍ وثياب، حتى رأيتُ وجهَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلَّل كأنَّه مُذْهَبَةٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سَنَّ في الإسلام سنَّةً حسنة، فله أجرها وأجر من عَمِل بها بعده، من غير أن يَنقص من أجورهم شيء، ومن سَنَّ في الإسلام سنَّةً سيئة، كان عليه وِزرُها ووِزر من عَمل بها من بعده، من غير أن يَنقص من أوزارهم شيء)).
إخوتي الكرام، الإسلام دين يدعو إلى البَذل والإنفاق، ويرغِّب في الكرَم والسَّخاء، وينهى على الشحِّ والبخل، ويحذِّر من المنع والإمساك.
الإسلام دينٌ يحبِّب إلى أتباعه أن تكون نفوسهم سخيَّة، وأكفهم ندِيَّة، ويوصيهم بالمسارعة إلى دواعي الإحسان ووجوه البرِّ، وأن يجعلوا تقديمَ الخير إلى النَّاس شُغلَهم الدائم، لا ينفكون عنه في صباح أو مساء، قال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 274].
فمِن الواجب على المسلِم أن يجعل في ثرْوته متَّسَعًا يُسعِفُ به المنكوبين ويُريح المتعَبين؛ ولذلك ورد الأمر بالإنفاق على القرابة والمساكين ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 26، 27].
أخوكم عبدالوهاب المعبأ
دعواتكم لي بالشفاء
773027648