خطبة : ( القدوة القدوة أيها الآباء )

عبدالله البصري
1446/02/18 - 2024/08/22 22:18PM

القدوة القدوة أيها الآباء    19/ 2/ 1446

 

 

الخطبة الأولى :

 

أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ . لا يَستَوِي أَصحَابُ النَّارِ وَأَصحَابُ الجَنَّةِ أَصحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مَعَ ذَهَابِ كُلِّ إِجَازَةٍ وَانتِهَائِهَا ، وَبِدَايَةِ الدِّرَاسَةِ وَانتِظَامِهَا ، يُبدِي كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ تَرحِيبَهُم بِذَلِكَ ، وَيُظهِرُونَ ارتِيَاحَهُم لَهُ وَفَرَحَهُم بِهِ ؛ لأَنَّ أَوقَاتَ البُيُوتِ تَنتَظِمُ ، وَيَنضَبِطُ أَهلُهَا في نَومِهِم وَصَحوِهِم ، وَخَاصَّةً صِغَارَ السِّنِّ وَالفِتيَانَ وَالفَتَيَاتِ ، مِمَّنِ اعتَادُوا في الإِجَازَاتِ عَلَى أَن يَقلِبُوا اللَّيلَ نَهَارًا وَالنَّهَارَ لَيلاً ، فَيَسهَرُوا سَهَرًا طَوِيلاً مُمرِضًا ، ثُمَّ يَنَامُوا عَنِ الصَّلَوَاتِ وَعَن كُلِّ مَا يَنفَعُهُم ، وَالحَقُّ أَنَّهُ مِنَ الخِذلانِ وَقِلَّةِ البَرَكَةِ ، أَن يَكُونَ النَّاسُ مِنَ الفَوضَى في حيَاتِهِمُ اليَومِيَّةِ إِلى مَا صِرنَا نَرَاهُ وَنَلمَسُهُ في كَثِيرٍ مِنَ البُيُوتِ في الإِجَازَاتِ ، حَتَّى لَقَد عَجَزَ الكِبَارُ وَمَلُّوا ، أَو تَكَاسَلُوا وَكَلُّوا ، وَتَرَاجَعُوا عَن تَأدِيبِ زَوجَاتِهِم وَأَبَنائِهِم وَبَنَاتِهِم ، وَأَهمَلُوهُم وَغَفَلُوا عَنهُم أَو تَغَافَلُوا ، فَلَم يَضَعُوا لَهُم حُدُودًا يَقِفُونَ عِندَهَا في دُخُولٍ وَخُرُوجٍ وَنَومٍ وَاستِيقَاظٍ ، وَلم يُبَيِّنُوا لَهُم مَا يُرَادُ مِنهُم وَمَا لا يُرَادُ ، وَلم يَنصَحُوا لَهُم بِتَوضِيحِ مَا يَنفَعُهُم وَمَا يَضُرُّهُم . غَيرَ أَنَّ هَذَا الفَرَحَ مِنَ الكِبَارِ بِانتِظَامِ الدِّرَاسَةِ وَاستِبَشَارَهُم بِهَا ؛ لِتُعِيدَ الأُمُورِ إِلى نِصَابِهَا في بُيُوتِهِم وَعِندَ أَهلِيهِم وَمَن تَحتَ أَيدِيهِم ، إِنَّهُ لَمُؤَشِّرٌ عَلَى أَنَّهُم يُحِسُّونَ أَنَّ في اختِلالِ مَسِيرَةِ الحَيَاةِ في الإِجَازَاتِ ، خَطَأً أَو أَخطَاءً يَحسُنُ تَصحِيحُهَا ، وَتَجَاوُزَاتٍ يَجِبُ الوُقُوفُ مَعَهَا وَقَفَاتٍ جَادَّةً ، وَالأَجمَلُ مِن هَذَا الإِحسَاسِ وَالشُّعُورِ الدَّاخِلِيِّ ، أَن يَتَحَوَّلا إِلى خُطُوَاتٍ عَمَلِيَّةٍ في التَّصحِيحِ ، وَخِطَطٍ مُعلَنَةٍ في تَوجِيهِ مَسَارِ الحَيَاةِ نَحوَ الأَكمَلِ وَالأَفضَلِ وَالأَجمَلِ ، بَل نَحوَ مَا يُرضِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ، وَيُحَقِّقُ الحِكمَةَ وَالغَايَةَ الَّتي خُلِقَ الخَلقُ مِن أَجلِهَا ، فَالنَّاسُ لم يُخلَقُوا في هَذِهِ الدُّنيَا عَبَثًا ، وَلم يُترَكُوا سُدًى ، بَل بَعَثَ اللهُ إِلَيهِمُ الرُّسُلَ وَأَنزَلَ عَلَيهِمُ الكُتُبَ ، وَبَيَّنَ لَهُمُ الغَايَةَ مِن خَلقِهِم وَإِيجَادِهِم ، قَالَ سُبحَانَهُ : " وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ " وَقَالَ تَعَالى : " قُلنَا اهبِطُوا مِنهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنُونَ . وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصحَابُ النَّارِ هُم فِيهَا خَالِدُونَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ وَاجِبَ الرِّعَايَةِ لِلأَهلِ وَالعِنَايَةِ بِالأَبنَاءِ بِمَا يُصلِحُ شَأنَهُم ، إِنَّهُ لَيُلزِمُ كُلَّ أَبٍ أَن يُعِدَّ لِهَذِهِ الأَمَانَةِ عُدَّتَهَا ، وَأَن يُفَكِّرَ بِجِدٍّ كَيفَ يَصِلُ إِلى مَا يُرضِي اللهَ عَنهُ وَعَمَّن تَحتَ يَدِهِ ، وَلا وَاللهِ ، لَن يُخَيِّبَ اللهُ تَعَالى صَادِقًا في تَربِيَتِهِ وَحِرصِهِ ، لَكِنَّ الخَلَلَ كَثِيرًا مَا يَكُونُ فِينَا نَحنُ الآبَاءَ أَو في الأُمَّهَاتِ ، فَغِيَابُ القُدوَةِ الحَسَنَةِ أَو ضَعفُهَا ، وَتَقصِيرُنَا في أَدَاءِ وَاجِبَاتِنَا ، وَعَدَمُ إِتبَاعِ مَا عَلِمنَاهُ بِالعَمَلِ دُونَ انقِطَاعٍ وَلا تَرَاجُعٍ وَلا فُتُورٍ ، إِنَّ ذَلِكَ لَمِن أَكثَرِ مَا يُمِيتُ وَعظَنَا وَيُضعِفُ نُصحَنَا ، وَيَنزِعُ البَرَكَةَ مِن تَوجِيهِنَا وَإِرشَادِنَا ، وَيَجعَلُهُ كَلامًا بَارِدًا لا حَرَارَةَ فِيهِ ، وَحَدِيثًا خَامِدًا لا جَذوَةَ فِيهِ ، فَهُم يَرَونَنَا بَينَ أَيدِيهِم ، وَيُرَاقِبُونَ أَعمَالَنَا وَيَسبُرُونَ أَفعَالَنَا ، وَيَتَعَمَّقُونَ في تَحلِيلِ تَصَرُّفَاتِنَا وَأَحوَالِنَا ، وَكُلُّ تَنَاقُضٍ مِن أَحَدِنَا بَينَ مَا يَقُولُ وَيَفعَلُ ، أَو تَضَادٍّ بَينَ مَا يَنصَحُ بِهِ وَمَا يُمَارِسُهُ ، فَإِنَّهُ يَنزِعُ مِن قَولِهِ البَرَكَةَ وَالقَبُولَ ، وَيَجعَلُهُ جَسَدًا بِلا رُوحٍ ، يَطِيرُ مَعَ الهَوَاءِ وَيَذهَبُ مَعَ الرِّيحِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ أَوَّلَ مَا يَجِبُ عَلَينَا مَعشَرَ الآبَاءِ ، أَن نَتَّقِيَ اللهَ بِإِصلاحِ أَنفُسِنَا ، وَأن نَستَقِيمَ عَلَى أَمرِ رَبِّنَا كَمَا يُرِيدُهُ تَعَالى مِنَّا ، لا كَمَا تُملِيهِ عَلَينَا أَهوَاؤُنَا وَرَغَبَاتُنَا ، أَجَل أَيُّها المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ لا يُنتَظَرُ انتِظَامٌ في البُيُوتِ وَلا اهتِمَامٌ مِمَّن فِيهَا بِأَوقَاتٍ ، أَو مُحَافَظَةٌ عَلَى صَلَوَاتٍ أَو حِرصٌ عَلَى طَاعَاتٍ ، مَا دَامَ الأَبُ نَفسُهُ غَيرَ مُنتَظِمٍ في حَيَاتِهِ ، مُهمِلاً لِصلاتِهِ مُتَكَاسِلاً عَن طَاعَاتِهِ ، وَلا يُتَصَوَّرُ أَن يَستَقِيمَ الأَبنَاءُ وَيَصلُحُوا ، وَفي الآبَاءِ عِوَجٌ بَيِّنٌ وَفَسَادٌ ظَاهِرٌ ، فَالمِثَالُ الحَيُّ المُرتَقِي في دَرَجَاتِ الكَمَالِ مِنَ الكِبَارِ ، يُثِيرُ في نُفُوسِ الصَّغَارِ استِحسَانَهُم وَإِعجَابَهُم وَتَقدِيرَهُم ، وَيُقَوِّي مَحَبَّتَهُم لِلخَيرِ وَنُفُورَهُم مِن الشَّرِّ ، إِذْ إِنَّهُم يَقتَنِعُونَ أَنَّ مَا يُؤمَرُونَ بِهِ مِنَ الفَضَائِلِ مُمكِنٌ فِعلُهُ ، وَأَنَّ مَا يُنهَونَ عَنهُ مِنَ الرَّذَائِلِ فَتَركُهُ مَقدُورٌ عَلَيهِ ، وَالنَّاسُ في الغَالِبِ يَتَعَلَّمُونَ بِعُيُونِهِم لا بِآذَانِهِم ، وَفَردٌ وَاحِدٌ مِنَ القُدُوَاتِ الصَّالِحِينَ ، أَنفَعُ لِمَن حَولَهُ مِن عَشَرَاتٍ مِنَ المُتَكَلِّمِينَ ، بَل وَسَنَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ مُصَاحَبَتِهِ وَالعَيشِ مَعَهُ ، تَعدِلُ سَنَوَاتٍ مِنَ الدِّرَاسَةِ النَّظَرِيَّةِ ، وَلِذَا لَمَّا كَانَ نَبِيُّنَا عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ هُوَ أَعظَمَ مَن جَاءَ بِالصِّدقِ وَصَدَّقَ بِهِ ، صَارَ قُدوَةً لأَصحَابِهِ الَّذِينَ هُم خَيرُ القُرُونِ ، وَلَمَّا كَانُوا هُم خَيرَ النَّاسِ بَعدَ الأَنبِيَاءِ وَأَصدَقَهُم في العَمَلِ ، صَارُوا قُدوَةً صَالِحَةً لِلتَّابِعِينَ ، وَلا وَاللهِ مَا بَدَأَ النَّقصُ في الأُمَّةِ يَظهَرُ وَيَفشُو ، إِلاَّ حِينَ قَلَّ العَامِلُونَ بِمَا يَعلَمُونَ ، وَحِينَ كَثُرَ الكَلامُ وَقَلَّ العَمَلُ ، قَالَ سُبحَانَهُ : " وَمَن أَحسَنُ قَولاً مِمَّن دَعَا إِلى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّني مِنَ المُسلِمِينَ " أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، فَإِنَّهُ لا قِيمَةَ لِدَعوَةٍ إِلى خَيرٍ إِلاَّ بِأَن تُتبَعَ بِعَمَلٍ صَالِحٍ يُصَدِّقُهَا ، وَتَذَكَّرُوا أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الخَيرِ كَفَاعِلِهِ ، وَأَنَّ مَن دَعَا إِلى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجرِ مِثلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ لا يَنقُصُ ذَلِكَ مِن أُجُورِهِم شَيئًا ، وَمَن دَعَا إِلى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيهِ مِنَ الإِثمِ مِثلُ آثَامِ مَن تَبِعَهُ لا يَنقُصُ ذَلِكَ مِن آثَامِهِم شَيئًا . فَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى ، وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفعَلُونَ .كَبُرَ مَقتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفعَلُونَ . إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَرصُوصٌ "

 

الخطبة الثانية :

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى حَقَّ تُقَاتِهِ ، وَسَارِعُوا إِلى طَاعَتِهِ وَمَغفِرَتِهِ وَمَرضَاتِهِ ، وَلا تَنسَوا عِظَمَ أَثَرِكُم فِيمَن تَحتَ أَيدِيكُم ، وَلا تَغفَلُوا عَن أَنَّكُم قَادَةُ البُيُوتِ ، فَإِذَا صَلَحتُم صَلَحَت ، وَإِذَا صَلَحَت صَلَحَ المُجتَمَعُ كُلُّهُ ، تَذَكَّرُوا قَولَهُ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ في الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ : " مَا مِن مَولُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الفِطرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَو يُنَصِّرَانِهِ أَو يُمَجِّسَانِهِ " فَمُرُوا بِالمَعرُوفُ وَافعَلُوهُ ، وَانهَوا عَنِ المُنكَرِ وَاجتَنِبُوهُ ، وَلِينُوا مَعَ أَهلِيكُم وَأَبنَائِكُم وَبَنَاتِكُم مَا دَامَ اللِّينُ يَنفَعُ ، فَإِن وَجَدتُم أَمرًا يَقتَضِي شِدَّةً فَأَتُوا مِنهَا مَا يُقَامُ بِهِ الحَقُّ وَيُطَاعُ بِهِ اللهُ ، فَقَد قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " مُرُوا أَبنَاءَكُم بِالصَّلاةِ وَهُم أَبنَاءُ سَبعِ سِنِينَ ، وَاضرِبُوهُم عَلَيهَا لِعَشرٍ ، وَفَرِّقُوا بَينَهُم في المَضَاجِعِ " رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ " " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُم وَأَنتُم تَعلَمُونَ . وَاعلَمُوا أَنَّمَا أَموَالُكُم وَأَولادُكُم فِتنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجعَل لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّر عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِر لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ "

المرفقات

1724354272_القدوة القدوة أيها الآباء.docx

1724354273_القدوة القدوة أيها الآباء.pdf

المشاهدات 914 | التعليقات 0