خطبة: الفضلُ والاصطفاء، لشهرِ المحرّمِ وعاشوراء.

وليد بن محمد العباد
1445/01/02 - 2023/07/20 18:11PM

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم

خطبة: الفضلُ والاصطفاء، لشهرِ المحرّمِ وعاشوراء.

الخطبة الأولى

إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يَهْدِهِ اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ عبادَ الله

لقد دخلَ عليكم قبلَ أيّام، أوّلُ شهورِ ذلك العام، وهو شهرُ اللهِ الحرام، أحدُ الأشهرِ الحُرُم، التي اخْتَصّها اللهُ بالتّعظيم، وقد زادَ اللهُ في تعظيمِه مِن بينِها بإضافتِه إليه إضافةَ تَشريفٍ وإكرام، وبِجَعْلِ التّنفّلِ بصيامِه أفضلَ الصّيام، قالَ عليه الصّلاةُ والسّلام: أفضلُ الصّيامِ بعدَ رمضانَ شهرُ اللهِ المحرّم. فينبغي للمسلمِ تعظيمُ ذلك الشّهرِ بزيادةِ التّحرُّزِ فيه مِن الوقوعِ في الذّنوبِ والآثام، والإكثارِ فيه مِن العملِ الصّالحِ والصّيام، وأفضلُه صيامُ يومِه العاشرِ وهو يومُ عاشوراء، فلمّا قَدِم عليه الصّلاةُ والسّلامُ المدينةَ وجدَ اليهودَ يَصومونَ عاشوراءَ، فَقالَ لهمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: ما هذا اليَوْمُ الذي تَصُومُونَهُ؟ فَقالوا: هذا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ فيه مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بمُوسَى مِنكُم، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بصِيَامِهِ. ولصيامِه فضلٌ عظيمٌ، فهو يُكفِّرُ ذنوبَ سنةٍ كاملة، سُئِلَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ عن صيامِ يومِ عاشوراءَ فقال: أحتسبُ على اللهِ أنْ يُكفِّرَ السّنَةَ التي قبلَه. اللهُ أكبرُ؛ عملٌ يَسيرٌ وفضلٌ كبير، وقد كانَ عليه الصّلاةُ والسّلامُ شديدَ العنايةِ بصومِ عاشوراءَ، يقولُ ابنُ عبّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما: ما رأيتُ النّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتَحرَّى صومَ يومٍ فضَّله على غيرِه إلاَّ هذا اليومَ يومَ عاشوراء. وقد كانَ الصّحابةُ رضوانُ اللهِ عليهم يَصومونَه ويُصوِّمونَه صبيانَهم؛ تَعويدًا لهم على الفضل. وكانَ بعضُ السّلفِ يَصومُه في السّفرِ ويَقولُ: إنَّ رمَضَانَ لَهُ عِدَّةٌ مِنْ أيَّامٍ أُخَرَ، وإنَّ عاشُورَاءَ يَفُوتُ. ولصيامِ عاشوراءَ مَراتبُ أدناها أنْ يَصومَ المسلمُ عاشوراءَ وحدَه، والذي يُوافقُ هذا العامَ يومَ الجُمُعةِ القادم، ولا حَرَجَ في إفرادِ الجُمُعةِ بالصّيامِ في هذه الحال، لكونِ المقصودِ بالصّيامِ عاشوراءَ لا يومَ الجُمُعة، والأفضلُ أنْ يَصومَ معه اليومَ الذي قبلَه مخالفةً لليهود، أو يَصومَ معه اليومَ الذي بعدَه، وإنْ صامَ الأيّامَ الثّلاثةَ فهو أكملُ وأطيب، فاتّقوا اللهَ رحمَكم اللهُ وصوموا يومَ عاشوراء، وحُثّوا أهليكم ومَن تحتَ أيديكم على صيامِه، فإنّها فرصةٌ ساقها اللهُ إليكم، ليغفرَ لكم ذنوبَكم ويَتوبَ عليكم، واحذروا ما أُحدثتْه بعضُ الفِرَقِ الضّالةِ في يومِ عاشوراءَ مِن بدعٍ ما أَنزلَ اللهُ بها مِن سلطان، كاتّخاذِ ذلك اليومِ مَأتَمًا أو عيدًا، والزموا ما شرعَه اللهُ لكم وما سَنَّه لكم نبيُّكم وما كانَ عليه سلفُكم، ففي ذلك فلاحُكم وسعادتُكم، اللهمّ أَصلحْ أحوالَنا وأحوالَ المسلمينَ، ورُدَّنا جميعًا إليك رَدًّا جميلًا، اللهمّ أَعِنَّا على صيامِ يومِ عاشوراءَ وتَقبّلْه منّا برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين، اللهمّ اهْدِنَا لمَا اخْتُلِفَ فيه مِن الحقِّ بإذنِك إنّك تَهدي مَن تَشاءُ إلى صراطٍ مستقيم.

باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرّحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه، أبدًا إلى يومِ الدّين. أمّا بعدُ عبادَ الله:

اتّقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوُثقى، واحذروا المعاصي فإنّ أجسادَكم على النّارِ لا تقوى، واعلموا أنّ ملَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم فخذوا حذرَكم، الكيّسُ مَنْ دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنّى على اللهِ الأمانيّ. إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ فإنّ يدَ اللهِ مع الجماعة، ومن شذَّ عنهم شذَّ في النّار.

اللهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، ودمّرْ أعداءَ الدّين، وانصرْ عبادَك المجاهدينَ وجنودَنا المرابطين، وأنجِ إخوانَنا المستضعفينَ في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين، اللهمّ آمِنّا في أوطانِنا ودورِنا، وأصلحْ أئمّتَنا وولاةَ أمورِنا، وهيّءْ لهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ربَّ العالمين، اللهمَّ أبرمْ لأمّةِ الإسلامِ أمرًا رشدًا يُعزُّ فيه أولياؤُك ويُذلُّ فيه أعداؤُك ويُعملُ فيه بطاعتِك ويُنهى فيه عن معصيتِك يا سميعَ الدعاء. اللهمّ ادفعْ عنّا الغَلا والوَبا والرّبا والزّنا والزلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين

عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. فاذكروا اللهَ العظيمَ يَذكرْكم، واشكروه على آلائِه ونعمِه يَزدْكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين

جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 3/ 1/ 1445هـ

المشاهدات 1356 | التعليقات 0