خطبة: الفراغُ نعمةٌ أو نقمة
وليد بن محمد العباد
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم
خطبة: الفراغُ نعمةٌ أو نقمة
الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ عبادَ الله
إنّ الفراغَ من أعظمِ النّعمِ على الإنسان، لا سيّما إذا اقترنَ بالصّحةِ وتَوفّرِ المالِ والأمنِ في الأوطان، ففيه تَجِدُ النّفسُ فرصةً لراحتِها وأُنسِها وإشباعِ حاجاتِها، والإسلامُ يَنظرُ إلى الفراغِ على أنّه فترةٌ مهمّةٌ من الوقت، وجُزءٌ ثمينٌ من عُمُرِ الإنسان، يَمتازُ بخلوِّه من المشاعل، وسوفَ يُسألُ عنه يومَ القيامةِ كما سيُسألُ عن سائرِ وقتِه وعُمُرِه، قالَ عليه الصّلاةُ والسّلام: لا تَزولُ قدمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتّى يُسألَ عن عمُرِه فيمَ أفناه. وقد يَنقلبُ الفراغُ من نعمةٍ إلى نقمة، إذا لم يُشكرْ ويُستثمرْ على الوجهِ الصّحيح، كحالِ أكثرِ النّاس نَسألُ اللهَ العافية، قالَ عليه الصّلاةُ والسّلام: نِعمَتانِ مَغبونٌ فيهما كثيرٌ من النّاسِ: الصَّحَّةُ والفَّراغُ. فالواجبُ الحرصُ على استغلالِ وقتِ الفراغِ ومنه الإجازةُ الصّيفيّة، بكلِّ عملٍ صالحٍ ونافع، فيا أيّها الشّبابُ والطّلابُ، استمتعوا بإجازتِكم أسعدَكم الله، ولكنْ لا تجعلوها تَضيعُ بينَ النّومِ والكسلِ والمطاعمِ والمنتزهاتِ والاستراحات، واحذروا من أنْ تَسرقَها منكم شاشاتُ الجوّالِ وما فيها من المواقعِ والألعابِ والمقاطعِ والرّسائل، خذوا حقَّ أنفسِكم كاملًا من التّرويحِ والتّرفيه، بشرطِ أنْ يكونَ مُنضبطًا بضوابطِ الشّرع، وأنْ لا يكونَ سببًا في تضييعِ الواجباتِ وتأخيرِ الصّلوات، ولا تَنسوا أنّنا في زمنٍ لا وقتَ فيه للخُمول، ولا مكانَ للكسول، إنّما هو زمنُ الجِدِّ والبناءِ والتّنافسِ الشّريف، فالمؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ مِنَ المؤمنِ الضَّعيفِ، وبينَ أيديكم وفّقَكم اللهُ كثيرٌ من الفرصِ النّافعةِ في شتّى المجالات، ممّا أتاحتْه لكم حكومتُنا الرّشيدة، لاستثمارِ أوقاتِكم وتطويرِ قدراتِكم، كالنّوادي الصّيفيّةِ والدّورِ النّسائيّةِ والحلقاتِ القرآنيّة، وغيرِها من البرامجِ الصّحيّةِ والتّطويريّةِ، والدّوراتِ التّدريبيّةِ والعلميّة، والمراكزِ الثّقافيّةِ والرّياضيّة، فاتّقوا اللهَ رحمَكم اللهُ واحرِصوا على ما ينفعُكم، واملؤوا فراغَكم بما يرفعُكم، واستعينوا باللهِ ولا تعجَزوا، واتركوا عنكم التّسويفَ والكسل، وشمّروا سواعدَ الجِدِّ والعمل (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه، أبدًا إلى يومِ الدّين. أمّا بعدُ عبادَ الله:
اتّقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوُثقى، واحذروا المعاصي فإنّ أجسادَكم على النّارِ لا تقوى، واعلموا أنّ ملَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم فخذوا حذرَكم، الكيّسُ مَنْ دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنّى على اللهِ الأمانيّ. إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ فإنّ يدَ اللهِ مع الجماعة، ومن شذَّ عنهم شذَّ في النّار. اللهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، ودمّرْ أعداءَ الدّين، وانصرْ عبادَك المجاهدينَ وجنودَنا المرابطين، وأنجِ إخوانَنا المستضعفينَ في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين، اللهمّ آمِنّا في أوطانِنا ودورِنا، وأصلحْ أئمّتَنا وولاةَ أمورِنا، وهيّءْ لهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ربَّ العالمين، اللهمَّ أبرمْ لأمّةِ الإسلامِ أمرًا رشدًا يُعزُّ فيه أولياؤُك ويُذلُّ فيه أعداؤُك ويُعملُ فيه بطاعتِك ويُنهى فيه عن معصيتِك يا سميعَ الدعاء. اللهمّ ادفعْ عنّا الغَلا والوَبا والرّبا والزّنا والزلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين
عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. وأقمِ الصلاةَ إنّ الصلاةَ تَنهى عن الفحشاءِ والمنكر، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين
جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 23/ 12/ 1443هـ