خطبة: الفِرَارَ الفِرَارَ من لَفْحِ النّار

وليد بن محمد العباد
1443/11/16 - 2022/06/15 20:41PM

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم

 

خطبة: الفِرَارَ الفِرَارَ من لَفْحِ النّار

الخطبة الأولى

الحمدُ للهِ يدبّرُ الأمرَ ويقلّبُ الليلَ والنّهار، أحمدُه وأشكرُه على نعمِه الغِزار، وأصلي وأسلمُ على نبيِّه المختار، خيرِ من دعا إلى الجنّةِ وحذّرَ من النّار، وعلى آلِه وصحبِه الأخيار. أمّا بعدُ عبادَ الله

لقد خلقَ اللهُ الجنَّ والإنسَ لعبادتِه، وأعدَّ للطّائعينَ جنّةً يتنعّمونَ بأنهارِها وظِلالِها، وأعدَّ للعاصينَ نارًا يعذّبونَ بحرِّها ولفْحِها وسَمومِها وأغلالِها. وأقامَ في هذهِ الدّنيا علاماتٍ تَدلُ عليهما، فما فيها من النّعيمِ يذكّرُ بالجنّة، وما فيها من الألمِ يذكّرُ بالنّار، وإنّ ممّا يُذَكّرُ بالنّار، وما فيها من السَّمومِ والحميم، ما يجدُهُ الناسُ في تلك الأيامِ من شدّةِ الحرِّ وسَمومِ الشّمس، والذي هو من فَيْحِ جهنّم، أعاذَنا اللهُ منها. قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم: فأشدُّ ما تجدونَ من الحرِّ، من سَمومِ جهنّم. عبادَ الله، إنَّ المؤمنَ يعلمُ أنَّ هذا الحرَّ ابتلاءٌ من الله، وآيةٌ من آياتِه، وهو من أقدارِ اللهِ وحكمتِه ورحمتِه بعبادِه، فيقتبسُ من جذوتِهِ ما يزيدُ إيمانَهُ ويهذّبُ نفسَهُ ويزكّيها، فعندما يَلفحُهُ سَمومُ الحرِّ وتكويهِ حرارةُ الشّمس، يتذكّرُ نارَ جهنّمَ وسَمومَها، ويتخيّلُ أهلَها وهم يعذّبونَ فيها (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ) فيستعيذُ باللهِ منها، ويبادرُ إلى الإقلاعِ عن الذّنوبِ التي تُعرِّضُه لعذابِها وحرِّها ولفحِها وسَمومِها، فعندما ضربَ أبو مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ غلامًا له بادرَ للتّوبةِ وأعتقَهُ لوجهِ الله، فقالَ له رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَمَا لو لم تفعلْ لَلَفَحتْكَ النّار. فالفرارَ الفرارَ من لَفْحِ النّار، تَفِرُّ من الهجيرِ وتَتّقيهِ، فَهَلّا من جهنّمَ قد فَرَرْتَا، فواللهِ إنّها أولى بالفِرار، فالبِدارَ البِدارَ لإنقاِذ نفسِك من النّار، وقلْ لنفسِك بعدَ أنْ تتوبَ من الذّنوبِ وتُقلعَ من الأوزار: أمَا لو لم تَتُبْ لَلَفَحَتْكَ النّار، أمَا لو لم تُقلعْ لَلَفَحَتْكَ النّار، نسألُ اللهَ العافية، فكما نَقِي أنفسَنا من لفحِ حَرِّ هذه الدّار، فلنجتهدْ لوقايتِها من لفحِ حرِّ دارِ البوار، وذلك بفعلِ الطّاعاتِ، وتَرْكِ السّيئات، والسّعيِ للجُمَعِ والجماعات، وصلةِ الرّحمِ وبرِّ الوالدين، والإحسانِ للفقراءِ ومساعدةِ المحتاجين، والصّبرِ على المشقّةِ في ذلك، واحتسابِ ما يترتّبُ عليه من عظيمِ الأجرِ والثّواب، فقد قالَ رسولُ اللهِ عليه الصّلاةُ والسّلامُ لعائشةَ رضيَ اللهُ عنها: إنّ لكِ من الأجرِ عَلَى قَدْرِ نَصَبِك. فاتّقوا اللهَ رحمَكم الله، وجاهدوا أنفسَكم على طاعةِ ربِّكم، في كلِّ حالٍ وحين، واحذروا من تثبيطِ المثبّطين (وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)

باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأصلي وأسلمُ على خاتمِ النّبيّين، نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، أمّا بعدُ عبادَ الله

اتّقوا اللهَ حقَّ التّقوى (يا أيّها الذينَ آمنوا اتّقوا اللهَ حقَّ تقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون)

اللهمّ إنّا نسألُكَ الجنّةَ وما قرّبَ إليها من قولٍ وعمل، ونعوذُ بك من النّارِ وما قرّبَ إليها من قولٍ وعمل. اللهمّ إنّا نسألُك فعلَ الخيراتِ وتركَ المنكراتِ وحبَّ المساكينِ وأنْ تغفرَ لنا وترحمَنا وإذا أردتَ بعبادِك فتنةً فاقبضْنا إليك غيرَ مفتونين، اللهمّ ارحمْ موتانا واشفِ مرضانا واختمْ بالصّالحاتِ أعمالَنا وبالسّعادةِ آجالَنا اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذرّيّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين.

عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. وأقمِ الصلاةَ إنّ الصلاةَ تَنهى عن الفحشاءِ والمنكر، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين

جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 18/ 11/ 1443هـ

المشاهدات 1611 | التعليقات 0