( خطبة ) الفائزون والمحرومون في رمضان

خالد الشايع
1440/09/04 - 2019/05/09 23:26PM

الخطبة الأولى (المحرومون و الفائزون في رمضان ) 5/9/1440

أما بعد فيا أيها الناس : شهر رمضان ميدان للمسابقة ، وهو ميدان اجتهد فيه أقوام فكانوا من الفائزين وقصر فيه أقوام فكانوا من المحرومين ، مافاز من فاز منهم إلا بعمل وجد واجتهاد ، وما خسر من خسر وحرم من حرم إلا بتفريط وتضييع وكسل  ، فعلى العبد الناصح لنفسه أن يتعرف على أسباب الحرمان ليحذر ، وأسباب الفوز ليكون من أهله ، سنمر بإذن الله سريعا على الأعمال التي يفوز بها عاملها ، ويحرم تاركها ،بإذن الله ، فمن ذلك ، إدارك شهر رمضان ، فتلك فرصة للفوز ومغفرة الذنوب ، فمن خرج منه ولم يغفر له فهو من المحرومين ، اخرج الحاكم في مستدركه من حديث  كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : احْضُرُوا الْمِنْبَرَ ، فَحَضَرْنَا ، فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ قَالَ : آمِينَ ، ثُمَّ ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّانِيَةَ فَقَالَ : آمِينَ ، ثُمَّ ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ : آمِينَ ، فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ ، قَالَ : فَقُلْنَا لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَقَدْ سَمِعْنَا مِنْكَ الْيَوْمَ شَيْئًا مَا كُنَّا نَسْمَعُهُ قَالَ : إِنَّ جِبْرِيلَ عَرَضَ لِي فَقَالَ : بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ ، فَقُلْتُ : آمِينَ ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّانِيَةَ قَالَ : بَعُدَ مَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ ، فَقُلْتُ : آمِينَ ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّالِثَةَ قَالَ : بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ الْكِبَرُ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يُدْخِلاهُ الْجَنَّةَ ، فَقُلْتُ : آمِينَ . .

وعند الترمذي ( رغم أنف امرئ أدرك رمضان ولم يغفر له )

عباد ا لله : إن مجرد إدراك رمضان فرصة ذهبية ، ليس كل أحد ينالها ، فمن نالها فقد تهيأت له الفرصة لمغفرة الذنوب ، فإن فرط في أسبابها ، كان من المحرومين ، وأسباب المغفرة سهلة ، فقط تصوم إيمانا واحتسابا ، وتندم على مافات من تفريطك ، وتقلع  عن الذنوب ، وتعزم على عدم العودة لها ، فيغفر الله لك  .

ومن المحرومين عباد الله ، من صام عن الحلال وأفطر على الحرام ، صام عن الأكل والشرب مما أحل الله لغير الصائم ، ولم يصم عن الغيبة والنميمة والباطل والزور ، فهذا من المحرومين والعياذ بالله ، اخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه)

أيها المسلمون : إن من المحرومين من يصوم وهو لا يصلي والعياذ بالله ، فمثل هذا كمثل الذي يبني بيتا على الماء ، فكيف يقبل منه وهو لا يصلي ، غير أن أمثال هؤلاء إنما يصومون مجاراة للناس وحياء والعياذ بالله ، ( يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم )

ومن المحرومين كذلك من يشعر أن رمضان شهر كبت الحريات ، ومنع الشهوات ، ويصوم على مضض ، وهو كاره ، ويتمنى لو انتهى شهر رمضان في أسرع وقت ، فمثله لا يتلذذ بالعبادة ولا يطلب الأجر في فعلها ، فحري به أن يكون من المحرومين .

ومن المحرومين من يقضي وقت الصوم بالنوم ، وإذا أفطر جاب الشوارع والأسواق متسكعا يبحث عن اللهو واللعب ، وربما أزعج الخلق وآذاهم ، حتى إذا طلعت الشمس رمى بنفسه كالجثة الهامدة حتى يؤذن المغرب ، فلم يصل مع الناس ، ولم يتذوق طعم الصيام .

ومن المحرومين من إذا حضر رمضان سافر عن البلد ليفطر ويهرب من الصوم

فكل هؤلاء على خطر عظيم ، ولم يعرفوا الحكمة من الصيام ، ولم يتذوقوا نور الإيمان

ألا فلنحذر من أن نكون من هؤلاء المحرومين والعياذ بالله

اللهم حبب لنا الطاعة ، وأذقنا لذتها ، أقول قولي هذا ..............

                                        الخطبة الثانية

أما بعد فيا أيها الناس : إن الفائزين في رمضان  هم الذين عرفوا قيمته ، وفضله ، وأنه مضمار مسابقة ، وأنه أيام معدودات ، وأن الأجور فيه مضاعفة ، والمغفرة سهلة المنال ، فاجتهدوا بكل ما يستطيعون ، وبذلوا مابوسعهم ، وهم خائفون وجلون أن يفوتهم شيء أو يسبقهم أحد ، تراهم يحسنون صومهم ، ويحافظون  على صلواتهم جماعة ، بل تراهم يبكرون في الذهاب للمسجد ، فهم أول الداخلين وآخر الخارجين ، ويمكثون في المسجد وقتا طويلا للعبادة ،  وتراهم يتصدقون ويتفقدون المحاويج ، ويسعون على الأرامل واليتامى ، لا يتركون بابا من أبواب الخير إلا طرقوه ، ويسألون الله في كل حين أن يوفقهم للعمل الصالح ويقبل منهم ، ليس بين أعينهم إلا أن يعتقوا رقابهم من النار ، ويرون الفرصة قريبة في رمضان ، يعلمون أن الرحيل قريب ، وأنهم سيغادرون هذه الدار قريبا ، فهم على عجل في جمع مرمة جهازهم ، يتزودون ما يوصلهم للدار الآخرة ، يعلمون أن هذه الحياة الدنيا لا تساوي في شيء في قيمتها أمام الآخرة ، وأنها لا تزن عند الله جناح بعوضة ، وأن المدة التي يمكثونها في الدنيا لا تقارن بالمدة التي سيمكثونها في قبورهم ، أو في الدار الآخرة فهم على وجل وشفقة كما قال تعالى عن أهل الجنة  ( وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ، قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين ، فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم ) فهذه حال المؤمن في الدنيا خائف مشفق أن يسلب إيمانه أو أن يزيغ قلبه أو أن يرد عمله ، يعمل ويسأل الله القبول ، وقلبه معلق بربه ، وفي أوقات الخير ومواسم السباق ، تجده يسابق ، ويأمل الفوز ، وشعاره لن يسبقني إلى الله أحد ، وهجيراه وعجلت إليك ربي لترضى ، فمن كان مثل هؤلاء فحري به أن يكون مع الفائزين ، بل هو منهم .

معاشر المسلمين : أكرموا ضيفكم بالعمل الصالح ، وترفعوا عما لا يليق ، فوالله ليندمن كل إنسان يوم القيامة ، إن كان محسننا أن لا يكون ازداد ، وإن كان مسيئا أن لا يكون استعتب .

اللهم وفقنا لهداك والعمل برضاك ...............

المشاهدات 2895 | التعليقات 0