خطبة العيد .. الإسلام دين الحب والمودة ..

عبدالله محمد الطوالة
1439/09/20 - 2018/06/04 11:03AM
أحبابي في الله : إليكم هذه الخطبة الرائعة للشيخ صالح بن حميد وفقه الله ، مع شيء من التعديل والإضافة ..
الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ تفرَّدَ عزًّا ومجداً وجلالاً ، وتقدس بهاءً وسناءً وجمالاً، وتوحَّدَ عظمةً وكبرياءً وكمالاً ، تباركَ ربُنا سبحانهُ وتعالى ..
سبحانَ من عنتِ الوجـوهُ لوجهـهِ .. ولـهُ سجـدنا أوجــهاً وجِـبـاهُ .. سبحانَ من ملأَ الوجودَ أدلةً .. ليُبِينَ ما أخفى بما أبداهُ .. سبحانَ من أحيا قلوبَ عبادهِ .. بنفائحٍ من فيضِ نورِ هُداهُ .. هو أولٌ هو آخرٌ هو ظاهرٌ .. هو باطنٌ، ليس العيون تراهُ .. يا ذا الجلال وذا الجمال وذا الهدى .. يا منعمًا عمَّ الوجودَ نداهُ .. شمِلت لطائفهُ الخلائق كُلَّها .. ما للخلائق كافلٌ إلا هو ...
وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له ، الجليلُ الجبار ، {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} ، {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} سبحانه وبحمده  {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} ، {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} سبحانه وبحمده  {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار} ...
وأشهدُ أن محمداً عبدهُ ورسولهُ، النبيُّ الأميُّ الإمام، أزكى الأنامِ، ومسكُ الختامِ، وبدرُ التمامِ، ورسولُ السلامِ، وخيرُ من صلى وصامَ، وتعبدَ لربه وقامَ، وطافَ بالبيت الحرامِ .. صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليهِ وعلى آلهِ الأعلامِ، وصحبهِ الكرامِ، والتابعينَ وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم التمامِ ..
أما بعد: فاتقوا الله تعالى أيها المسلمون وأطيعوه ، وتوبوا إليه واستغفروه، وعظِّموه في هذا اليوم المباركِ وكبِّروه، واذكروه كما هداكم وسبِّحوه، واشكروه على ما أعانكم عليه من الصيام والقيام والتلاوة واحمدوه .. واعلموا أن من بادرَ الأعمالَ استدركَها، ومن جاهَدَ نفسَهُ مَلكَها، ومن سارَ على الطريق سَلكها، ومن طلب التّقوى بصدقٍ أدركها، ومن عرفَ الدنيا هانت عليهِ مصائبُها، وأشدُّ الذنوبِ ما استخفَ بها صاحِبُها ، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} ...           
الله أكبرُ الله أكبر؛ لا إله إلا الله .. الله أكبرُ الله أكبر، ولله الحمد ..
الله أكبر كبيرًا ، والحمد لله كثيرًا ، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً ..    
معاشر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها : عيدُكم مُبارَك، وتقبَّل الله طاعاتكم ، وهنيئًا لكم إقبالُكم على ربِّكم ، هنيئاً لكم صلواتكم وصيامكم وتلاواتكم وصدقاتكم وصالحَ أعمالكم ، جعل الله سعيَكم مشكورًا، وذنبَكم مغفورًا، وعملكم متقبلاً مبروراً، وزادَكم الله في عيدكم فرحةً وحبوراً ، وأنساً وبهجةً وسرورًا .. أدَّيتم فرضَكم ، وأطعتُم ربَّكم، فافرحوا بفِطركم كما فرِحتم بصومِكم، وإن لكم فرحةً كبرى تفرحونها بإذن الله حين تلقَون ربَّكم ..
واعلموا أنكم في يوم فرحٍ وسرور، فأَدْخِلُوا الْفَرَحَ عَلَى أحبابِكم ومعارفِكم بصلتِهم والتواصُلِ معهم ، وَعَلَى أَهْلِيكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ بإكرامِهم وِالتوسِيع عليهم ، واعلموا أن من حقِّ أهل الإسلام في يوم فرحهم، أن يسمعوا كلامًا جميلاً، وأن يعيشوا أجواءً تسرُ الخاطرَ وتبهجُ النفسَ، ولا حرجَ في شيءٍ من اللَّهْوِ الْمُبَاحِ فإن في ديننا فُسحة.. أما أنت يا شهرُ رمضان المُبارك .. فغيرُ مُودَّعٍ ودَّعناك .. وغيرُ مزهودٍ فيك فارقناك .. نهارُك صدقةٌ وصيام .. وليلُك قراءةُ قرآنٍ وقيام .. فلك منا أعبقُ تحيةٍ وأزكى سلام ..
الله أكبرُ الله أكبر ؛ لا إله إلا الله .. الله أكبرُ الله أكبر، ولله الحمد ..
معاشر الأحِبَّة الكرام: شُرِعت الأعيادُ في ديننا العظيم، لتقويةِ أواصِر المحبة، وتوثيقِ أواصِرِ القربي، ولذا كان من شعائر العيد ومظاهره: كثرة الاجتماعات، وتبادُل المشاعرِ والتهاني والتبريكات، والتجمُّلَ بالنظافة واللباس والهيئات، والتوسعة على الأهل بالهدايا والهبات ... والمرءَ لا يعيشُ حقاً بهجةَ العيد وفرحته إلا بالحبِّ الصادق النبيل ، فبهِ يكون التواصُل والانسجام، وبه يتحقَّق التعاوُن والوئام، وبه تقوى العلاقات، وتتوثَّقُ الأرحام ... إذا علم هذا فوالله إني أحبكم جميعاً في الله ... والحبُّ أحبكم الله : إنما هو عواطفٌ راقيةٌ، ومشاعرٌ صادقة، وسلوكٌ مهذب، وتصرفٌ بأدب .. الحبُّ : شعورٌ فِطريٌّ نبيل، ينمُ عن طهارةِ القلب، وسلامةِ الصدر، وصفاءِ النفس {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} ويكفي في بيان منزلةً الحبِّ وأهميته ، وجماله وروعته، أنه ما من إنسانٍ سويٍ، إلا وهو يودُّ من كلِّ قلبهِ، أن يكون محبوبًا من الجميع ..     
الله أكبرُ الله أكبر؛ لا إله إلا الله .. الله أكبرُ الله أكبر ولله الحمد ..
إخواني وأحبابي الكرام : لا يوجدُ في طول الدنيا وعرضها دينٌ يحثُّ أتباعَه على المحبةٍ والتوادِّ كما هو الإسلام ، ولا أدل على ذلك من أن كلمة الحبِّ والمحبَّة تكررت في كتاب اللهِ أكثر من ثمانين مرة؛ وجاء التوجيه النبوي صريحاً : «إذا أحبَّ الرجلُ أخاه فليُخبِرهُ أنهُ يُحبُّه» .. ومشاعرُ الحبُّ الصادقةِ لدا المسلمِ لها شأنٌ عجيبٌ؛ فهي ممتدةٌ ومتنوعة، بدأً من محبِّة الله تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} ، ثم محبةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين" ، إلى محبة الوالدينِ والزوجةِ والأولادِ والإخوةِ والأقاربِ والعشيرةِ والقبيلة ، إلى محبة الأصدقاءِ والجيرانِ وأبناءِ الوطن وكافةِ المسلمين .. إلى حبِّ الدين والديارِ والمرابعِ .. إلى حبِّ كُلِّ ما هو جميلٌ من المساكنِ والمراكبِ والدوابِّ، والمقتنيات والمجوهرات، والزهورِ والعطورِ، وغيرها من مباهج الحياةِ ... إنها صورٌ جميلةٌ ومتنوعة، من مشاعر الحبِّ والمودَّة، تجسدها لنا سيرةُ الحبيب صلى الله عليه وسلم، فهو صاحب المنهج الأكمل والأجمل .. ولنا فيه القدوة والأسوة .. وتتبعُ هذا الأمرِ في السيرة يطولُ كثيراً .. فلنأخذ نموذجاً واحداً من صور محبتهِ صلى الله عليه وسلم ، ثم نقيس عليه بقية العلاقات ، وليكن حبُّهُ لزوجاته رضوانُ اللهِ عليهن، وحتى هذا يطول كثيراً .. فلنأخذ زوجةً واحدةً منهن كنموذج، ولتكن الصديقةُ بنت الصديق، أمُّ المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها وعن أبيها ..
ووالله لا أدري من أين أبدأ أحاديث الحبِّ العجيب بين الحبيبين الطاهرين ، بين الطيب والطيبة {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ}  ففي ذات ليلةٍ تحدَّر العرقُ من جبينه الطاهر عليه أزكى الصلاة والسلام، فنظرَت إليه عائشةُ رضي الله عنها فأعجبَها، فقالت: إن جبينَك ليعرَق، وإن عرقَك ليتولَّدُ نورًا، ولو رآك أبو كبيرٍ (تعني الشاعر) لعلِمَ أنك أحقُّ بشِعره .. فقال لها عليه الصلاة والسلام مُتابِعًا ومُستملِحًا: «وماذا قال أبو كبيرٍ؟». قالت: إنه يقول: وإذا نظرتَ إلى أسِرَّةِ وجههِ .. برَقَت كبرقِ العارِضِ المُتهلِّلِ .. فقام المُصطفى فقبَّل ما بين عينَيها وقالَ لها :
« جزاكِ الله خيرًا ، ما سُرِرتِ منِّي ، كسرورِي منكِ » .. فهل رأيتُم ما هو أرقَّ وأصدق وأرقى من هذه المشاعر ؟! ..
ولا تزالُ صور المحبَّةُ والمودة بين الحبيبَين تترى ، حتى إنه صلى الله عليه وسلم كان يشاركها المأكلَ والمشربَ من نفس الإناء، بل من نفس العظم الذي تنهشه، فعنها رضي الله عنها أنها قالت: "كُنْتُ أَشْرَبُ فَأُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ , وَأَتَعَرَّقُ الْعرْقَ فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فيَّ " .. وكَانَ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ أو في سفَرٍ سَارَ مَعَها يحادثها ويسامرها، وإذا ابتعدَا عن الأنظار سابقها، فتسبِقُه مرةً، ويسبِقُها أخرى، فيضحَك عليه الصلاة والسلام ويقول لها: «هذه بتلكَ» ..
وحينما حكَت له قصةَ أبي زرعٍ وإكرامهِ العجيبِ لزوجته أمُ زرعٍ، قال لها عليه الصلاة والسلام : «كنت لكِ كأبي زرعٍ لأمِّ زرعٍ ، غير أني لا أطلق» ، فأيُ لطافةٍ وأيُ حسنَ معاملةٍ تشبه هذا .. وصدق الله {وإنكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيم} ..
حتى في حال الغضبِ والمُغاضبةِ يبقى الحبُّ مُتماسِكًا؛ فيقول صلى الله عليه وسلم لحبيبته عائشةُ رضي الله عنها: «إني لأعلمُ إذا كنتِ عني راضِية وإذا كنتِ عليَّ غضبَى» .. قالت: وكيف ذلك؟ قال: «إذا كنتِ عني راضيةً قلتِ: لا وربِّ محمدٍّ، وإذا كنتِ عليَّ غضبَى قلتِ: لا وربِّ إبراهيم» ، فتردُّ رضي الله عنها: أجلْ واللهِ ، ما أهجُرُ إلا اسمَك يا رسول الله .. فتأمَّلوا هذه الرقَّةَ وهذا الأدبَ وتلك العذوبةُ ، ما أروعها وما ألطفها ..
وكان صلى الله عليه وسلم يجعلها تتكئ على ظهره الشريف وكتفهِ من خلفه، وتضعُ خدَّها على خدِّه، لتُبصِرَ من ورائه لعِبَ الأحباشِ في المسجد يوم العيد، ثم لا يزالُ جالساً لها على تلك الحال حتى تكتفي،  وكان صلى الله عليه وسلم إذا نام أحبَّ أن يضعَ رأسهُ على فخِذِها، وما زالَ يفعلُ ذلك، حتى إنه لما توفِّي عليه الصلاة والسلام تُوفِّي بين سَحْرِها ونحرِها رضي الله عنها وأرضاها ..
وهذه الأخبارُ والأحوالُ بين نبيِّنا صلى الله عليه وسلم  وبين حبيبته رضي الله عنها ، مُستفيضةٌ عند الصحابة رضوان الله عليهم؛ لأن الرسولَ صلى الله عليه وسلم يُعلِنُ ذلك ولا يكتُمه ؛ فقد سألَه عمرو بن العاص رضي الله .. أيُّ الناس أحبُّ إليك يا رسول الله؟ قال: «عائشة» .. قال: ومن الرجال؟ .. قال: «أبوها»  ..      
الله أكبرُ الله أكبر؛ لا إله إلا الله .. الله أكبرُ الله أكبر، ولله الحمد ..
أيها الإخوة المسلمون: الحبُّ شيءٌ عظيمٌ، فهو يُضفِي على الحياة بهجةً وسرورًا ، ويملأ النفس أُنساً وحبورًا .. ولذا كان الحبُّ من أعظَّمِ ما أمتن الله به على أهل الإيمان، فقال عزَّ وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} .. وضمن دائرة الحبِّ الواسِعة: حبُّ الجمالِ والنظافة، وحبُّ الزينةَ والمناظرَ البهية {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ} {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} ، وقوله عليه الصلاة والسلام: «إن الله جميلٌ يحبُّ الجمالَ، ونظيفٌ يحبُّ النظافةَ».. أما حبُّ الأوطان فيكفي قولُه صلى الله عليه وسلم لمكة شرَّفها الله : «والله إنكِ لأحبُّ البِقاع إلى الله، ولولا أني أُخرِجتُ منكِ ما خرجتُ»، وقوله : «اللهم حبِّب إلينا المدينةَ كما حبَّبتَ إلينا مكةَ» ..
الله أكبرُ الله أكبر؛ لا إله إلا الله .. الله أكبرُ الله أكبر، ولله الحمد ..
أحبابي في الله : هذه نفثاتٌ وشذراتٌ من الحبِّ الصادق، والناسُ إذا تحابُّوا تواصَلوا وتعاونوا ، وإذا تعاونوا أبدعوا وعمَرُوا ، وإذا عمَرُوا بُورِك لهم وسعِدوا .. وكمال اللذَّة تابعٌ لكمال المحبة ، فأعظمُ الناس لذَّةً بالشيء، أكثرُهم له محبَّةً، ومن ينشد الكمالَ فليُعوِّد نفسَه على محبَّةَ الناسِ، والتودُّد إليهم، والرأفةَ والرحمةَ بهم ، ومن يُحرم الرفقَ يُحرم الخير كله ، والناسُ مخلوقون من نفسٍ واحدةٍ ، أبوهم آدم وأُمُهم حواء، فحقٌّ عليهم أن يكونوا مُتحابِّين مُتوادِّين، متراحمين متعاطفين .. وإذا ملكَ الإنسانُ نفسَهُ ، وسيطرَ على مشاعره، وانقادَت لهُ نفسهُ .. صار الناسُ كلُّهم عندهُ إخوانًا أحبابًا ، وقد قيل: "لو تحابَّ الناسُ وتعامَلوا بالمحبة لاستغنَوا عن العدل ؛ فالعدل لا يُحاتجُ إليه إلا حينما لا توجد المحبَّة " ..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} ..
بارك الله ..
الحمد لله حمدًا لاَ مُنْتَهَى لِحَدِّهِ ، وَلا حِسَابَ لِعَدَدِهِ ، وَلا انْقِطَاعَ لأمَدِهِ، سبحانه وبحمده، ملكوتُ كلِّ شيءٍ بيده {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} ...    
وكم للهِ من لطفٍ خفيٍّ .. يدِقُ خفاهُ عن فهم الذكِيِّ .. وكم يُسرٍ أتى من بعدِ عُسرٍ .. ففرَّجَ كُربةَ القلبِ الشجِيَّ .. وكم أمرٍ تُساءُ به صباحاً .. فَتَأْتِيْكَ المَسَرَّةُ بالعَشِيِّ .. إذا ضاقت بك الأحوالُ يوماً .. فلُذ بالقادر المولى العليِّ ..
الله أكبرُ الله أكبر؛ لا إله إلا الله .. الله أكبرُ الله أكبر، ولله الحمد .. 
الله أكبر كبيراً ، والحمد لله كثيراً ، وسبحان الله بكرة وأصيلاً ..
أما بعد، أيها المسلمون: فالحبُّ الصادقُ هو الذي يجعل الـمُرَّ حلوًا ، والكدرَ صفواً ، والضيق سعةً ، وهو الذي يجمع ولا يفرق، ويبني ولا يهدم، وبه تنقلِبُ المِحَنُ مِنَحًا، والابتلاءاتُ نِعَمًا ..
ولقد جاء في ديننا من التوجيهات والإرشادات ما ينشر المحبَّة ويقويِّها، ويزيدُها وينميِّها .. كقوله تعالى:{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وقوله تعالى: {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} ، وقوله تعالى: {خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ} وقوله تعالى: {وَلاَ تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} ، وقوله تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} ، ومن أقواله عليه الصلاة السلام: "لا يؤمن أحدكم حتى يجب لأخيه ما يحبه لنفسه"  وقوله: «تهادَوا تحابُّوا» ، «تبسُّمُك في وجهِ أخيك صدقة» .. «لا تحقِرنَّ من المعروف شيئًا ولو أن تلقَ أخاكَ بوجهٍ طلقٍ» ، "الكلمة الطيبة صدقه" ، وفي التهنئةُ بالمولود والدُعاء له: "بُورِك لك في الموهوب ، وشكرتَ الواهِب ، وأصلح الله المولود" .. وفي التهنئة بالزواج: «باركَ الله لكما، وباركَ عليكما، وجمعَ بينكما في خيرٍ» .. وفي تبادلُ الزيارات بين الإخوان، كما في الحديثِ: أن رجلًا زارَ أخًا له في قريةٍ أخرى فأرسلَ الله على مدرجَته ملَكًا، فسأله أين تُريد؟ قال: أزور أخ لي في الله في هذه القرية .. قال الملك : هل لك من نعمةٍ تربُّها؟ .. قال: لا، غيرَ أني أحببتُه في الله .. قال: "فإني رسولُ الله إليكَ بأن الله قد أحبَّك كما أحببتَه" .. وفي الحديث الصحيح: "وجبت محبتي للمتحابين فيّ ، والمتجالسين فيّ ، والمتزاورين فيَّ ، والمتباذلين فيَّ " .. والحديث الآخر: " المتحابون في جلالي على منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء" .. وفي الحث على إفشاءُ السلام: «لا تدخُلوا الجنةَ حتى تُؤمِنوا، ولا تُؤمِنوا حتى تحابُّوا، ألا أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشُوا السلامَ بينكم» .. ومثله في زيارة المريض، وتشييع الجنائز، وقضاءُ الحوائج .. فمن يسَّرَ على مُعسِرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن سترَ مسلمًا سترَه الله في الدنيا والآخرة، ؛ ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته .. كلُّ ذلك وأشباهه كثيرٌ في شرعنا المطهر ، مما ينشرُ المحبَّةَ ويقويِّها ، ويزيدُها وينميِّها ..
الله أكبرُ الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبرُ الله أكبر ولله الحمد .. 
أيها المسلمون: وفي مقابل هذا ، ففقدانُ الحبِّ شيءٌ مُخيفٌ ، ينقلُ الإنسانَ إلى مرتبة الحيوان المتوحش، الذي لا تُحرِّكه إلا غرائِزُه وشهواته، وأطماعه الشخصية ، ومن مغالطات الإعلام الفاحِشة، أن توصف العلاقات المحرمة بالحبِّ ، كما تفعلُ الأغاني الساقطة، والقصص الماجنة، والمسلسلات الهابِطة .. ويْلهم لقد مسَخوا الحبَّ وشوهوه ، وحولوه إلى علاقاتٍ آثِمة محرمة، وقصَصٍ مخترعة، تغتالُ العِفةَ وتقتلُ الشرفَ وتؤججُ الغرائزَ .. ومعاذ اللهِ أن يُحارِبَ الإسلامُ الغرائِزَ أو يكبِتَها، ولكنَّهُ يُنظِّمُها ويُهذِّبُها، ويضعها في إطارها السليم، ومسلكَها الصحيح، اللائقِ بمن كرَّمهُ الله وفضَّلهُ على سائرِ الحيوان .. وصدق الله {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} ..
الله أكبرُ الله أكبر؛ لا إله إلا الله .. الله أكبرُ الله أكبر ولله الحمد ..
الله أكبر كبيرًا ، والحمدُ لله كثيرًا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا ..
أيتها المرأة المسلمة، أيتها الصائمة القائمة: الأمل معقود عليك بعد الله في تربية جيلٍ صالحٍ ينفعُ نفسهُ، وينهضُ بأمته، فكوني أُمًّا تصنعُ أُمّة.. واعلمي أختي المباركة .. أن المرأة المسلمةَ المستمسِكة بدينها وحيائها وحجابها ، تقفُ على ثغرٍ عظيمٍ من ثغورِ الإسلامِ ، وتجاهدُ أعداءَ الإسلامِ جهاداً حقيقياً .. إي والله أيتها المؤمنة ، والله إنك بحجابك وعفافِك وحيائِك وصلاحك لتقهرين أعداء الإسلام قهْراً يفوق قهرَ السلاحِ ونكايته ... ثم أعلمي أن الله أراد لك أن تكوني دُرةً مكنونة ، وجوهرةً مصونة ، فهل رأيت من قبلُ جوهرةً نفيسةً ! تُهملُ ولا تحفظ، أو لؤلؤةً غاليةً ! لا تُحمى ولا تُصان ؟! .. إذن فكوني أمةَ الله العاقلة، ولا تتخذي من دون الله ولياً ولا وكيلا، وأغلقي الأبواب الأرضية ، تُفتحُ لكِ أبوابُ السماء، وقومي بما أرادهُ اللهُ منكِ، تُحمَدِي وتَسعَدِي ..
الله أكبرُ الله أكبر، لا إله إلا الله .. الله أكبرُ، الله أكبر، ولله الحمد ..
أيها الموفقون المباركون رجالاً ونساءاً : إذا عدتم بفضل الله لبيوتكم ، فعودوا بقلوب نقيَّة صافية ، صِلوا من قطعكم ، وأعطوا من حرمكم ، وأحسنوا إلى من أساء إليكم .. فالعيد أعادكم الله : مناسبة عظيمةٌ، يظهر فيها بوضوح جمالُ التشريع الإسلامي، وقوةَ نظامهِ الاجتماعي، وروعةَ تلاحمِ أفرادهِ وتراحمهم ... العيدُ أسعدكم الله : اجتماعٌ سنويٌ مبارك ، يوضحُ بجلاء كيف تنتعشُ روحُ الإخاءِ والصفاءِ ، وكيف تتلاقى القلوبُ البيضاءُ ، وكيف يعيشُ الجميعُ فرحةُ الجميعِ .. فما ما أجملهُ من اجتماع ، وما أروعها من مناسبة .. أَيدٍ تتصافح، وأرواحٌ تتآلفُ، ونفوسٌ تتصافى، وقلوبٌ تتعانق ، وأحبَّةٌ يجتمعون في تراحمٍ ورفق .. وتتعاونٍ على البر والحق ..
الله أكبرُ الله أكبر، لا إله إلا الله .. الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد ..
واعلموا أحبابي في الله .. أن تقوى الله تعالى ليست في رمضان فقط ، فطوبى لمن لم تُفقِدهُ فرحةُ العيدِ شُعورَهُ، ولم يُذهِبْ بريقُ المعصيةِ صوابَهُ؛ بل استمر على العهد والتوبة ، وأتبعَ الحسنةَ أُختها ، وقد ندَبَكم نبيُّكم صلى الله عليه وسلم بأن تُتبِعوا رمضانَ بستٍّ من شوال؛ فمن فعل ذلك فكأنما صامَ الدهرَ كلَّهُ ... وإذا وافقَ العيدُ يومَ جُمعةِ كهذا اليومِ، فليس على من صلَّى العيدَ صلاةُ جُمعةٍ، فيُصلِّيها إن أرادَ ظُهرًا ، وإن شهِدَ الجُمعةَ فهو أحسنُ .. لحديث زيد بن أرقَم رضي الله عنه قال: اجتمعَ عيدانِ على عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في يومٍ واحدٍ، فصلَّى العيدَ وقال: " هذا اليوم قد اجتمعَ لكم فيه عيدان، فمن أحبَّ أن يشهَد معنا الجُمعة فليفعَل، ومن أحبَّ أن ينصرِفَ فليفعَل" ..    
ألا فاتقوا الله رحمكم الله ، واهنأوا بعيدكم، وأصلِحوا ذاتَ بينكم، وأفشُوا السلام بينكم، وتهادَوا تحابُّوا، وأدوا إلى النَّاسِ ما تحبونَ أن يؤديهِ النَّاسُ إليكم ، وأحسِنوا كما تُحبُّونَ أن يُحسَنَ إليكم ، ولا تقولوا لغيركم ما لا تُحبُّون أن يُقالَ لكم ، وافعلوا الخيرَ مع أهلهِ ومع غيرِ أهلهِ ؛ فإن لم يكونوا من أهلهِ ، فكونوا أنتم من أهله .. ففي الحديث : لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبهُ لنفسهِ ..
تقبَّل الله منا ومنكم ، وكل عامٍ وأنتم إلى الله أقرب ، وبطاعته أسعد ...
اللهم أصلح أحوال المسلمين ، وأجمعهم على الحق والتقى والدين ، وأجعلهم هداة مهتدين ، متحابين فيك متآلفين ..
اللهم صل ...
المشاهدات 1822 | التعليقات 0